في ديوانه "شُهود غزّة" الفائز بجائزة "فدوى طوقان" عام 2014، يَعمَد عبد الله أبو شميس إلى أطراف معادلة حرب غزّة عامَي 2008 و2009، فيُنطقُهم بما يرى أنّه يعبِّر عن مواقفهم من الحرب ووجهات نظرهم إزاء أحداثها. ولا أحبُّ أن أستخلص نتائج متعجّلةً، لكنّ مَن قرأ ديوانه اللاحق "كِتاب المنسيّات" الذي يُنطِق فيه نساءً لهُنّ مكانتهنّ المعتبَرة في سياق الديانات الإبراهيمية يُدرك أنّ ثمّة ملامح واضحةً لمشروعٍ شِعريٍّ يبتغي به صاحبُه الاقترابَ من الإنسان حيثما كان، والتماهي معه في موقفه الوجوديّ الفريد، فهو يضع نفسَه مكانَ مَن يُريدُ إنطاقَه، متلبّسًا ظروفَه وخلفيّاتِه، منطلِقًا من هذا التلبُّس إلى فضاءٍ تعبيريٍّ رَحبٍ، مُغايرٍ لتوقُّع المتلقّي – فيما أزعُم- ومُدهشًا في الوقتِ ذاتِه، ومُثريًا لخبرة رؤية الحياة في النهاية.



هكذا تبدأ القصيدة الافتتاحية "بَعدَ عام" لتصِف الحال المحبطة المُفضية إلى الصمت، فلا أحد يَرغب في الكلام عن الحرب إلا المراسل والصحفي، ومعهما (الكاميرا): "دارَت (الكاميرا) بشراهتِها في خَرابِ الجِهاتِ، دَنَت من حقول الرَّماد ومِن شَجَر الموتِ والتهمَت كلَّ شيءٍ ومازالَ يأكلُها جُوعُها للكلامْ!" هنا نلمِس المفارَقة بين اعتياد مَن اصطلَوا نارَ الحَرب أحوالَهم البائسة - حتى أصبحَ "لا أحدٌ راغبٌ في التذكُّرِ، لا أحدٌ راغبٌ أن يباغتَه مطرٌ في الكلامْ"، فهم إن تكلّموا سيغلبهم في كلامِهم ذلك المطرُ الذي يترُكُه شاعرُنا رمزًا مفتوحًا على تأويلاتٍ عِدّةٍ، فقد يكون دموع الضحايا، وقد يكون مطرًا من قذائف تعاجلُهم وهم منخرطون في الحديث عن الحرب، وقد يكون مَحضَ كلامٍ مُتتالٍ متسارعٍ من أنفُسِهم ومن وسائل الإعلام، لا يُفضي إلى شيءٍ ذي بال – وبين رغبة الإعلام في اجترار الحديث ومَطِّه دون طائل. ولعلَّ هذه المفارقة تصِف الحالَ الآنَ في حرب الإبادة التي تشنُّها دولة الاحتلال على غزّة، فنحن نتكلّم من خارج دائرة النار ونُفيض في الكلام، ومَن يصطلون نارَ الحرب لا يَخرجون بشيءٍ من كلامنا، ولا هو حتى يخفف عنهم عذابهم.


قصائد بألسنة الفئة الباغية:
العنصر الأشدُّ إدهاشًا في الديوان هو تقمُّص عقليّة العدوِّ ونفسيّته. يتجلّى هذا في قصيدة "أفيخاي أدرعي"، فنصطدم بدرجةٍ من الصدق تنطوي على خداع الذات فيما يقولُه المتحدث العسكريُّ بلسان جيش الاحتلال، إذ يقول مثَلًا: "نريدُ سلامًا طويلًا... سلامًا يعيشُ مئاتِ السِّنينْ" ويَنقُد أعداءه العرَب قائلًا عنهم: "يُريدون أن يَصنعوا من جماجمِنا سُلَّمًا للسَّماءْ... لِكَي يَصعدوا نحو غِلمانِهم في العَلاءْ/ وأعداؤنا يَكرَهون الحياةَ، يبيعوها فَرِحِينْ.. بحُورٍ وعِينْ!" فهنا يستنسِخ شاعرُنا خِطابَ أدرعي ويلخّصُ لنا كيفَ يَرى عمليّات الفلسطينيين الفدائية، إذ يَراها كراهيةً غير مبرَّرةٍ للحياة، وطمعًا في موعودات الجنّة عند المُسلِمين. والمهمُّ أنّ (أدرعيًّا) هنا يتناسى تاريخَ الانتهاك الإسرائيليّ ببساطةٍ وينطلِق من أرضيّةٍ مَمحُوّة الذاكرةِ تمامًا، ويريدُ شُركاءً في هذا السلام منطلِقين من الأرضيّة نفسِها، وإلّا: "فنحنُ نُريدُ سلامًا طويلًا، وإن لم نجد فيه من شُركاءَ سِوى المَيِّتِينْ!"

كما يتجلّى هذا التقمُّص رائعًا في "يهوديٌّ يتفقَّه في تاريخِه"، فكأننا إزاء صوت مؤرِّخٍ يهوديٍّ حقيقيٍّ لا يخلو من سخريةٍ من الذات، يستعرِض الملامح المشترَكة بين مَراحل علاقة اليهود بالأغيار عبر التاريخ، فمنها مَلمَح النَّفعيّة وتقديم المصلحة "ويَحميني لأحميَهُ الهِلالُ أو الصَّليبُ!"، ومنها القيام بدَور الشَّرقيّ المعقَّم ممّا يكرَهه الغَربُ في الشرق، حتى يَروق العينَ الغربيّة المهيمنة على المَشهد العالَميّ "مازلتُ في يَدِ (عائِلِي) إسفَنجَةً.. إسفَنجةً عصريّةً في وقتِنا، أمتصُّ ما في الشَّرق مِن حُلُمٍ لأُعصَرَ في جُيوبِ الغَرب أرقامًا"، ومنها الشعور العميقُ بالغُربة في العالَم، والذي يغذّيه المكوِّن العَقَديُّ الذي يَرى إله إسرائيلَ لإسرائيلَ وَحدَها "لا شأنَ لي بالعَدلِ أو بطبيعةِ الأربابِ، رَبٌّ للرُّماةِ مُضَرَّجُ النُّشّابِ أو رَبٌّ كثيرُ التَّمرِ للأعرابِ.. لي رَبِّي أنا، وعلى سَريرتِه وصُورتِه جُبِلتُ، أنا اليهوديُّ الغريبُ!"

ويتجلّى أيضًا في "حاخامُ الكتيبةِ يَخطبُ في الجُنود"، فنرى القصيدة ترتدي عباءة رجُل الدِّين المتحمِّس منذ مَطلَعها المحتفي بالأسلوب الإنشائيِّ ممثَّلًا في الاستفهام الاستنكاريّ، يعضِّده الجِناسُ الناقصُ، كما اعتدنا من خطابات رجال الدِّين "هل يستوي الأخيارُ والأغيارْ؟". كما نرى ذلك في آياتٍ من الإطناب تكرِّر المعنى بألفاظٍ مختلفةٍ أو تستولِد معانيَ متقاربةً من فكرةٍ بسيطةٍ بُغية السيطرة على أذهان المستمعين وتغطية المحتوَى الفكريّ المتهافت وصدّ أيّة محاوَلةٍ لنَقدِه، ومِثالُ ذلك قولُه "وقوارضُ الجِرذانِ في الأسوار؟" فالجرذانُ قوارضُ كلُّها بلا رَيب! إلا أنّ الحاخام يريد أن يُقِرَّ في أنفُس مستمعيه احتقارَ الجنس العربيّ، فجاء بهذه الإضافة "قوارضُ الجِرذان" من اللفظ إلى مُرادفِه. وكذلك قولُه "يا أيُّها المتلهِّبون على خُطوط النّارْ"، فلا أحد يتوقّع لمَن هم على خطوط النار ألّا يكونوا متلهِّبين، إلا أنّه أراد أن يؤبِّد فيهم إحساسَهم بخطورة الأمر. ثمّ إنّ الشاعرَ يتبنّى لُغةً توراتيّةً ليُوقع في أنفُسِنا أنّ المتحدّث حاخامٌ متعصِّبٌ لا محالةَ،  فيقول "ُكونوا شُهودي بين أعدائي – يقولُ الرَّبُّ – كي أعلو على الأشباهْ!" فعلى الأقلِّ في التراجم العربية للتوراة وفي شُروحِها، يَرِد مَقولُ الرَّبّ قبل جُملة "يَقولُ الرَّبُّ"، فضلًا عن المعنى المتواتر توراتيًّا، ذلك المتمحور حول غيرة الإله من الأرباب المزيَّفين الذين يتخذهم الأغيار. وكأنّ أصداء العهد القديم قد سَرَت في القصيدة حتى إننا نجِد صدىً من نشيد الأنشاد في قوله "حتى تعودَ الأرضُ بِكرًا من جديدٍ: خَصرُها رَملٌ حنيذٌ، واليدانِ تُواريانِ نَبيذَها الفَوّارْ!" فالصورةُ سرياليّةٌ بالطبع، يشتبك فيها الرملُ بالنبيذ بالذِّبح الحنيذ، لكنّ مخطَّطها الذي ينتظمُ هذه المكوِّنات هو جسدُ الأنثى الخارجة من نشيد الأنشاد!

وفي (غولدستون) يتحدث بلسان القاضي الجنوب-أفريقي اليهودي الذي أدان "إسرائيل" بارتكاب جرائم حربٍ ضدّ الإنسانية رغم صهيونيّته. وهنا يتماهى شاعرُنا مع وجهة نظر الصهيونيّ الذي يسلِّم بأنّ أرض فلسطين هي المكان الذي فرضَه الأمرُ الواقعُ على اليهود، لكنّه يَرفض الاستخدام المُفرِط للقوّة في مواجهة العرَب، مستدعيًا تاريخَ اضطهادِ اليهود المريرَ مجسِّدًا إيّاه في أُمٍّ أرملةٍ، متبرّئًا في الوقت ذاتِه – لنفسِه وللأُمِّ الأرملة- من جرائم الحرب "أمُّنا أرملةٌ لكنّها لا تَطبخ الأطفالَ بالفُسفورِ،لا تصرُخُ نَشوَى عندما تُبصِرُ أمًّا أرملَةْ/ نحنُ لم نَختَر فلسطينَ ولا اختارَ الفلسطينيُّ إسرائيلَ، مضطَرُّون للعَيشِ هنا الآنَ معًا مهما ادَّعَت أوهامُنا المشتعِلةْ" ليَختم حديثَه بجُملةٍ تلخِّص موقفَه المتسامح مع الآخَر العربيّ، يرى فيها حتميّة الوجود المشترَك "أن يكونوا معَنا أو لا نكونْ. هيَ تلك المسألةْ".

لكنّ الشاعرَ يعود بقصيدة (غولدستون 2) ليعبّر عن موقف القاضي الذي أعربَ عن ندمِه على قرار الإدانةِ لاحِقًا، زاعمًا أنّ ما عرفَه من انتهاكات (حماس) وفدائيِّي فلسطين قد غيَّر رأيَه، فيقول: "لم أنَمْ تحت رُعب الصواريخِ لَو مَرّةً مِثلَ كُلِّ صِغارِ (سْديروتَ)، فكيف أُحاكِمُ آباءهم عندما يَغضِبونْ؟" ويستدعي صورة المُجاهِد الصهيونيّ الذي أقامَ وطنًا لليهود في صحراء فلسطين القاحلة قائلًا: "وكيف أُخاصِمُ مَن حفروا بأظافرِهم وأظافرِ أطفالِهم في الصُّخور لكَي يمنحوا حُلُمي منزلًا وحديقة؟"

قصائدُ بألسنة الضّحايا:
لدينا أوّلًا "عجوزٌ من غزّة"، وهي مقطوعةٌ عموديّةٌ في البحر المتقارب من أربعة أبياتٍ، جاءَت غريبةً في عموديّتِها وسط الديوان القائم على شِعر التفعيلة! والمقطوعةُ غاضبةٌ حانقةٌ، ثاكلةٌ في الوقتِ ذاتِه ويَفطِرُ الحزنُ قلبَ صاحبتِها: "لإيلافِ غَزّةً إيلافِها.. رَحيلَ الدماءِ بمِجدافِها/ إلى جهةِ الموتِ تدفعُها.. شتاءاتُها بعدَ أصيافِها/ فلا عبدَت غَزّةٌ ربَّ بيتٍ تضيقُ لديهِ بأوصافِها/ يساومُ بالخوفِ أبطالَها.. ويُولِمُ جُوعًا لأضيافِها". هكذا تناصَّت العجوزُ مع سُورة قُريشٍ تناصًّا مقلوبًا ثائرًا، فها هي ذي غَزّةُ قد ألِفَت سفك دماء أبنائها ورحيلَهم إلى الموتِ، وقُريشٌ ألِفَت رحلتَي الشتاء والصَّيف اللتَين كانتا تعودان بالخير على أهلها. وبدلًا من دعوة السُّورةِ قُريشًا إلى عِبادة ربِّ البيت الذي أطعمَها من جوعٍ وآمنها من خوفٍ، تنتفض العجوزُ الغَزِّيّةُ على مطلوب العبادة لأنّها ترى الخوف بضاعةً يُساوَم عليها أبطال مدينتها والجُوعَ وليمتَهم الدائمة! كلُّ هذا في إطارٍ إيقاعيٍّ منتظمٍ، يُضافُ إلى ما اتّفقنا عليه ضِمنًا مع الشاعر – مِن أنّ المتحدِّث عَجوزٌ- ليُشعرَنا بأننا أمام شيءٍ يُشبه سَجع الكُهّان والسّاحرات. ورغمَ أنّ مفردة (عجوز) لا تفرِّق بين رجُلٍ وامرأةٍ، إلا أنّي أميلُ إلى اعتبارها امرأةً، فذلك يجعلها أشدَّ تماهيًا مع (غَزّة) المدينةِ المؤنَّثةِ لفظًا ومعنىً، وأكثر تجاوُبًا مع حالة الثُّكل المسيطِرة على المقطوعة.


ولدينا "ألماظة السّمّوني" الطفلة الفلسطينية ذات الأعوام الإحدى عشرة التي فقدَت عائلتها في العدوان. إيقاعيًّا عَمدَ شاعرُنا إلى تفعيلة البحر الكامل "مُتَفاعِلُنْ" الرَصينةِ – عادلًا عن "فاعِلُنْ" المسترسِلة في نثريّةٍ، و"فَعُولُنْ" المشحونة بالعاطفة، وهما التفعيلتان اللتان لهما نصيبُ الأسَد من قصائد الديوان - ليُوحيَ إلينا بما تصطنعُه الطِّفلةُ من رصانةٍ وهي تُرسلُ إلى أمِّها الشهيدةِ رسالةً بعد عامٍ من استشهادِها، لتخبرَها فيها بأنها قد كبُرَت وتعاتبها على تأخُّرها عليها في زيارات الأحلام. لكنّها في الحقيقة مازالت طِفلةً لها همومُ الطِّفلة وأفراحُها وبراءتها رغم هذه الرصانة: "وأبي الذي ما كان يأكلُ غيرَ طَبخِكِ صار يَعشَقُ من يدي (رُزًّا وبامِيَةً) ويدعوني أمامَ رفاقِه: ماما الصغيرةْ!/ أصبحتُ يا أُمّي شهيرةْ/ وتَغارُ كلُّ بَناتِ صَفِّي حِينَ أطلعُ في الجَزيرةْ" وكذا في قول الشاعر بلسانها "لا تغضِبي منّي وزُوريني نهارًا.. راجِعي دَرسَ الحسابِ ولا تلوميني إذا أخطأتُ في (جَمعِ الكُسورِ) وفي مسائلِه العَسيرةْ". وفي (جمع الكُسور) معنىً ثانٍ يُضافُ إلى المعنى الرياضيّ، فهو إحصاءُ الانكسارات التي مرّت بالطفلة وعائلتها وشَعبها، فهي لابُدَّ مخطئةٌ إذا ما حاولَته لأنه فوق الإحصاء.

قادةُ العرَب والمقاوَمة:
بلسان (أبي مازنٍ) يتماهى شاعرُنا مع الرئيس الفلسطينيِّ، فيُعلن عن ارتباكِه وحيرته إزاء الأحداث، وعن رغبةٍ لابُدَّ أنها تُخالِجُهُ أحيانًا في التنحّي عن مركز الهَمِّ الفلسطينيّ وتَرك الأمانة التي احتملَها راضيًا مُرغَمًا: "يُخيَّلُ لي أنّني ما خُلِقتُ لهذا جميعًا وأنّي بلا سببٍ واضحٍ ههنا الآنَ أحرُسُ عَرشَ الظّلامْ" وهو يَنعي حظَّه العاثرَ من الرِّياسة على قطاعٍ من الفصائل المتناحِرة التي منها ما لا يعترف به رئيسًا: "أحدِّقُ في اسْمي وفي صِفَتي قَبلَه (سيِّدٌ) ورَعايايَ خمسةَ عَشْرَ فصيلًا إذا لَم يَخُنِّي العَددْ!/ لكلِّ فصيلٍ بهم سيِّدٌ/ سيِّدانِ وأكثرُ حَسْبَ الزَّبَدْ!/ ورئيسٌ لهذا الحُطامْ! ...إلخ"

وبلسان (إسماعيل هَنِيَّة) يتماهى مع سياسيِّ (حماسٍ) الأشهَر، فيبدأ القصيدة بدايةً جَهوَريّةً خَطابيّةً مفوَّهةً تليقُ بالرجُل، يستدعي فيها (شِعبَ عبد المطَّلِب) الذي قُوطِع فيه النبيُّ وآلُه صلواتُ الله وسلامه عليهم، مشبِّهًا حالَ (حماسٍ) ومَن معها بحال النبيّ ومَن معه، كما يستدعي نِطاق أسماء بنت أبي بكرٍ الذي كانت تحتملُ فيه الزّاد إلى الرسول وصاحبِه في غار ثَورٍ، استدعاءً مقلوبًا، ليقول إنّ حالةَ المحاصَرين في غزّة تفتقِر حتّى إلى نِطاقٍ كنطاق أسماء، وهذا كلُّه في ثوبٍ عَروضيٍّ من البحر البسيط الذي يُشعُّ خَطابيّةً بتاريخِ ما احتملَه من قصائد: "في شِعبِ غَزّةَ لا خُبزٌ ولا ماءُ.. ولا نطاقٌ يَشُقُّ الليلَ (أسماءُ) ...إلخ" وتنتهي القصيدةُ بجُملةٍ نلمسُ فيها أنّ الشاعرَ يَجِد بعضَ المَوجِدةِ على قادة (حماسٍ) في تلك الحرب: "لا شيءَ يَهزمُنا، وفي يدِنا مفاتيحُ السَّماءْ!" فامتلاكُ مفاتيح السّماء مرتبطٌ في الخِطاب المُعاصِر بالنظرة الإقصائيّة التي تُعادلُ ادّعاءَ امتلاكِ الحقيقة المُطلَقة.


في الأعالي – جرأةُ القريحة ونشوةُ التَّلَقّي:
على تعدُّد الذُّرى التعبيرية في الديوان، يبدو لي سقفُ الإبداع فيه متمثّلًا في قصيدة "في الأعالي" التي يتحدث فيها الشاعرُ بلسان الرَّبّ سبحانه. هنا نلمس تعاليًا إلهيًّا على الانحياز إلى فئةٍ دون أخرى، فيبدو أنّ حقيقة الأمر ليسَت كما يقولُ الشاعرُ في قصيدة (مُقاتِل): "فإنّ السماءَ معقَّدَةٌ مبهَمةْ/ يهوديّةً في المساءِ يَراها اليهوديُّ، حين أَراها على صُورتي مُسلِمةْ"، وإنما السماء هي الحَقُّ، ولا تنتصِر إلا للحَقّ، فهنا يقول: "أبوكُم أنا يا عِيالي/ فلا تحرقوا الأرضَ باسْمي، ولا تخنقوا العُشبَ باسْمي، ولا تجعلوا الدَّمَ قُربانَكم لجَلالي". كما يبدو أنّ ما وقع في نفس عجوز غَزّة مِن أنّ الرَّبّ يساوم الأبطال بالخوف ويُولِم الجوع للأضياف ليس صحيحًا تمامًا، وإنما هو الله الذي يُمهِل ولا يُهمِل، فهنا يقول: "تظنُّون أنَّ سحائبَ كانونَ تحجبُكم عن عيوني وأنّ ضجيجَ القذائفِ يَنزعُكم من خَيالي" كما يقول في الختام: "ولا تحسبوني إذا لم أُكسِّر مَجاذيفَكُم نائمًا في الأعالي".

وفي القصيدة جَدْلٌ وتضفيرٌ للُغتَي القرآن والكتاب المقدَّس في التقليد اليهودي المسيحي، فيقول شاعرُنا: "وأنا لا أنامُ، ولكنّكم مِثلَ عادتِكم تعشَقون الذي هو أدنى ولا تصبرون على سيِّدٍ واحدٍ.." متناصًّا مع آية سورة البقرة التي يعاتبُ فيها موسى بني إسرائيلَ: "أتستبدِلُونَ الذي هو أدنى بالّذي هُوَ خَيرٌ؟.."، ثمّ تناصٌّ مزدوجٌ مع الآية الأخرى بلسان القوم: "وإذ قُلتُم يا موسى لن نصبرَ على طَعامٍ واحدٍ.." ومع آيةٍ من الإصحاح السادس من إنجيل مَتَّى: "لا يَقدِرُ أحدٌ أن يَخدُمَ سيِّدَين...". ها هنا يعضِّد الشاعرُ الإيحاءَ بتَعالي هذا الحديث الإلهيّ الطويل، فهو يقول ما شاء بلُغةٍ تسافرُ مفرداتُها على راحتها فيما بين أيدي الفريقَين المتحاربَين من الكتُب المقدَّسة.

ورغم جَمال قصيدة "أبناء الغزالة" التي جاءت بلسان الفلسطينيين في الختام بعد "في الأعالي" مباشَرةً، إلا أنّ هذه الأخيرةَ كانت بحَقٍّ تتويجًا للحظات الديوان التي طوَّف فيها الشاعرُ بأطراف الحرب وأنطقَها بمكنونات نفوسِ أصحابها. وأرى أنّ مرَدَّ ذلك إلى أنّ في القصيدة تلبيةً لحاجةٍ يخلقُها الواقعُ من جهةٍ، وقصائدُ الديوان من جهةٍ، وهي حاجةُ المتلقّي إلى أن يَسمع كلمةً فصلًا تلمُّ شَعَث التفاصيل وتعلو فوقَها، وتنقّي رُوحَه من أدران مَن قالوا في الديوان وتزيح عن كاهله أوزارَ مَن صمتوا فيه (كالضحايا في قصيدة "بعدَ عام"). ولحُسن حظّ المتلقّي أنها كلمةٌ آتيةٌ من السماء، أو هكذا خَيَّل إلينا عبد الله أبو شميس، وأحسبُه قد وُفِّق في تخييلِه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير ثقافة شهود غزة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی قصیدة ة التی الذی ی لا أحد إلا أن

إقرأ أيضاً:

كيف تحيي ليلة القدر.. اتبع هذه الخطوات لتستعد لها وتفوز فيها

دقائق قليلة وتحل علينا اليوم ليلة 27 رمضان وهى رابع ليلة وترية، وقد رجح بعض العلماء والفقهاء أنها ليلة القدر، لذلك يتساءل الكثير عن كيفية احيائها ليفوزوا بالثواب العضيم، وسوف نوضح فى السطور التالية كيف تستعد لليلة القدر لتغتنمها وتكون من الفائزين فيها.

كيف تحيي ليلة القدرعليك أخذ قسط من الراحة لتنشط ليلًا وتقوى على إحياء ليلة القدر وعدم الأكل كثيرًا حتى تستطيع القيام والطاعةعليك العزم على التوبة والإكثار من الدعاء والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات والإقبال على الله عز وجل بكل جوارحك، حتى يصفو عقلك وقلبك من كل شيء سوى الله عز وجل.كما عليك الابتعاد عن المشاحنة وطلب العفو عن كل مَن أخطأت في حقهم، والتركيز على "الكيفية"، فليس المهم أن تنهي 100 ركعة وقلبك ساهٍ لاهٍ الإخلاص في الدعاء والقيام لان ذلك أهم من عدد الركعات التي يكون قلبك فيها مشغولًا بغير اللهضرورة الحرص على الطهارة طوال هذه الليلة ما تيسر ذلك.كما عليك التيقن من إجابة دعائك فإن عدم اليقين باستجابة الدعاء قد يشكِّل حاجزًا، فكن على يقين من أن الله سيستجيب دعاءك ويتقبل منك والإلحاح والإصرار على الدعاء فإن الله عز وجل يحب العبد المُلِحُّ بالدعاء واستغفر الله عز وجل من كل ذنب ارتكبته واسأله أن يعفو عنك، وأكثرْ من الاستغفار والصلاة على النبي وآله وأكثرْ من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.وعليك ايضا الإكثار من طلب العتق من النار، والدعاء بتيسير الرزق الحلال وإصلاح الحال، وأيضًا الدعاء بقول: ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين، والدعاء للزوج أو الزوجة بصلاح الحال وراحة النفس والبالوعلينا  الإكثار من الدعاء حال السجود لان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وأطلْ سجودك وتضرعك لربك فإن النبي قال: «وظهورُكم ثقيلةٌ من أوزارِكم فخفِّفوها عنها بطولِ سجودِكم»: لا تضيع أي فرصة واحذر من التقصير لحظة فإن الرحمات والنفحات الربانية مفتوحة في هذه الليلة.ويستحب قراءة ما تيسر من القرآن فإحياء ليلة القدر ممتد حتى مطلع الفجر، والملائكة في حال صعود وهبوطلابد من شكر الله على أن وفقك لإحياء ليلة القدر وغيرك محروم من هذه النعمةولا تنسَ أن تتصدق في هذه الليلة بما تستطيع فالصدقة لها أجر عظيم».موعد أذان المغرب.. استعد بعده لليلة القدرليلة القدر.. الأزهر للفتوى يوضح كيفية اغتنام ليلة 27سبب غياب شيخ الأزهر عن احتفال ليلة القدر .. اعرف التفاصيلدعاء ليلة القدر 27 رمضان.. ردده يجبر الله خاطرك مثلما جبر النبيدعاء ليلة القدر 

سألت السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماذا تقول فى ليلة القدر، فقال لها صلى الله عليه وسلم : قولي "اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عني"

كما علم الرسول السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أيضا   هذا الدُّعاءَ فررده: «اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ مِنَ الخيرِ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ، ما عَلِمْتُ منهُ وما لم أعلَمْ، وأعوذُ بِكَ منَ الشَّرِّ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ، ما عَلِمْتُ منهُ وما لم أعلَمْ، اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ من خيرِ ما سألَكَ عبدُكَ ونبيُّكَ، وأعوذُ بِكَ من شرِّ ما عاذَ بِهِ عبدُكَ ونبيُّكَ، اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قَولٍ أو عملٍ، وأعوذُ بِكَ منَ النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ، وأسألُكَ أن تجعلَ كلَّ قَضاءٍ قضيتَهُ لي خيرًا».

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا الدعاء كثيرا فى رمضان وغيره «ربّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفى الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار»


علامات ليلة القدر 

1- تنزل الملائكة أفواجًا في ليلة القدر، وتكون أكثر من الحصى على الأرض، فقد قال الله تعالى: «تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ»، ورُوِي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «وإن الملائكةَ تلك الليلةَ أَكْثَرُ في الأرضِ من عَدَدِ الحَصَى».

 2- اعتدال الجوّ فيها؛ فلا يُوصف بالحرارة، أو البرودة؛ حيث رُوِي عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: «ليلةُ القدْرِ ليلةٌ سمِحَةٌ، طَلِقَةٌ، لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ، تُصبِحُ الشمسُ صبيحتَها ضَعيفةً حمْراءَ».

3- طلوع الشمس دون شعاع في صباح اليوم التالي لها؛ فقد ورد عن أبيّ بن كعب -رضي الله عنه-: «وآيةُ ذلك أنْ تَطلُعَ الشَّمسُ في صَبيحَتِها مِثلَ الطَّسْتِ، لا شُعاعَ لها، حتى تَرتفِعَ».

 ثبت في علامات ليلة القدر النقاء والصفاء في ليلتها؛ فقد رُوي في أثرٍ غريبٍ عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: «أمارَةَ ليلةِ القدْرِ أنها صافيةٌ بَلِجَةٌ كأن فيها قمرًا ساطعًا ساكنةٌ ساجيةٌ لا بردَ فيها ولا حرَّ ولا يحِلُّ لكوكبٍ يُرمى به فيها حتى تُصبِحَ، وإن أمارتَها أنَّ الشمسَ صبيحتَها تخرُجُ مستويةً ليس لها شُعاعٌ مثلَ القمرِ ليلةَ البدرِ ولا يحِلُّ للشيطانِ أن يخرُجَ معَها يومَئذٍ».

4- أن يحدث للإنسان سكون في النفس.

5 -يشعر الشخص فى ليلة القدر بإقبال على الله عز وجل في هذه الليلة.

6- لا ينزل في ليلة القدر النيازك والشهب، والدليل ما ثبت عند الطبراني بسند حسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليلة بلجة أي: منيرة مضيئة، لا حارة ولا باردة، لا يرمى فيها بنجم) أي: لا ترى فيها الشهب التي ترسل على الشياطين.
 

7- يكون القمر فيها كمثل شق جفنه أي يكون القمر مثل نصف الطبق.


8-انشراح الصدر فيها أكثر من غيرها.

9- الرياح تكون ساكنة.

10- أن يُوفق الشخص فيها بدعاء لم يقله من قبل .

11- من علامات ليلة القدر قوة الإضاءة في تلك الليلة وهذه العلامة قد لا يشعر بها أهل المدن لكثرة المصابيح بالشوارع.

علامات ليلة القدر الخطأ المنتشرة بين الناس


يعتقد الناس خطأ أن من علامات ليلة القدر سقوط الأشجار، حتى يراها المارة وكأنها مكسورة، بعد تعرضها لرياح عاتية، ثم تعود مرة أخرى إلى موضعها الأصلى، وكأن شيئًا لم يكن.

يظن البعض أن من علامات ليلة القدر تحول الماء المالح إلى ماء عذب يستطيع الناس الشرب منه وقضاء حوائجهم.

ويزعمون أن الله تعالى يأمر الكلاب فى ليلة القدر  بعدم النباح، أو أن الكلاب تفعل ذلك من تلقاء نفسها، لأنها مخلوقات تسبح خالقها وتعلم حقائقه الكونية.

كما ينتظر الناس في تلك الليلة انتشار الأنوار في كل مكان، حتى من الممكن أن يصل الأمر إلى اتساع النور ما بين السماء والأرض، حتى في الأماكن المظلمة التي لا توجد بها أي إضاءة.

 وقد يسمع البعض ترديد السلام في كل مكان، ولكن الصوت لا يسمعه إلا من يؤمن بذلك.
 

ويرى البعض ايضا أن من علامات ليلة القدر أنه في تلك الليلة، وفى الثلث الأخير منها يرون صورة المساجد: الحرام والنبوى والأقصى، كأنها مجسدة في السماء، كصورة حقيقية.

 ويعتقدون أن السماء تنشق وتسقط الأمطار مع حدوث برق ورعد.

ولكن الإمام الطبري ذكر أنه لا أصل لهذه العلامات السابقة وهي وغير صحيحة.

مقالات مشابهة

  • دعاء ختم القرآن في ليلة القدر الأخيرة 29 رمضان.. النبي أوصى به لهذا السبب
  • القدس المنسية: المدينة التي تُسرق في ظل دخان الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة
  • دعاء ختم القرآن الكريم وفضل التلاوة.. تعرف عليه
  • الرئيس اللبناني: لن نسمح بتكرار الحرب التي دمرت كل شيء في بلادنا
  • محور خب الشعف يحتفي بمتقني قراءة القرآن الكريم
  • صلاة التهجد كم ركعة وكيف تصلى والسور التي تقرأ فيها؟ اعرف أسهل طريقة لأدائها
  • شاهد| حركة حماس تنشر: نتنياهو مجرم الحرب الذي لا يشبع من الدماء وأول الضحايا أسراه
  • قراءة القرآن والاستغفار| مفتي الجمهورية يكشف أهم العبادات في ليلة القدر
  • كيف نغتنم ليلة القدر؟.. اتبع هذه النصائح لتفوز فيها
  • كيف تحيي ليلة القدر.. اتبع هذه الخطوات لتستعد لها وتفوز فيها