في المشهد السياسي الإسرائيلي المضطرب دائمًا، غالبًا ما يتم تشبيه بنيامين نتنياهو بالناجي السياسي. ومع ذلك، يبدو أن العدوان الحالي علي غزة والمستمر منذ السابع من أكتوبر الماضي، قد أعاد تنشيط حظوظه السياسية بطريقة لم يكن من الممكن أن يتوقعها إلا قليلون. ومع انقشاع الغبار، يصبح من الواضح بشكل متزايد أنه وسط الفوضى والدمار، يقف نتنياهو باعتباره المنتصر الوحيد.

قبل الخوض في ديناميكيات نجاة نتنياهو، من المهم أن نعرف جيدًا الخلفية التي نشأ عليها هذا التحليل. 

ففي الأشهر التي سبقت العدوان على غزة، كانت الحياة السياسية لنتنياهو تتأرجح على حافة الانهيار. واجتاحت البلاد موجات من الاحتجاجات تطالب باستقالته بسبب اتهامات بالفساد وعدم الرضا عن تعامله مع جائحة كوفيد-19. 

وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه محاصرًا من قبل خصومه من داخل ائتلافه ومن المعارضة، مع تزايد الأصوات المطالبة بإقالته يومًا بعد يوم.

ومع ذلك، فإن العدوان والقصف الوحشي علي المدنيين في قطاع غزة أدى بسرعة إلى تغيير المشهد السياسي. لقد أدرك نتنياهو، وهو خبير تكتيكي متمرس، الفرصة التي توفرها له الحرب. ومع استمرار الحرب علي غزة، احتشد الشارع الإسرائيلي حول زعيمها في عرض للوحدة نادراً ما نشهده في أوقات السلام. وتحول التركيز من السخط الداخلي إلى الأمن القومي، مما يوفر لنتنياهو شريان حياة على وجه التحديد عندما كان في أمس الحاجة إليه.

لم يكن توقيت الحرب أكثر مصادفة بالنسبة لنتنياهو. ومع تحول انتباه الجمهور الإسرائيلي نحو غزة، تضاءل الزخم وراء الاحتجاجات. ووجدت المعارضة التي كانت موحدة ذات يوم نفسها تتصارع مع تعقيدات معالجة أزمة متعددة الأوجه، مما لم يترك مجالًا كبيرًا للضغط المستمر على رئيس الوزراء الإسرائيلي المحاصر. وظهرت الانقسامات داخل الشارع الإسرائيلي، حيث أصبحت الآراء حول قيادة نتنياهو مستقطبة بشكل متزايد.

والأهم من ذلك هو أن تعامل نتنياهو مع الحرب علي غزة سمح له بالاستفادة من صورته كحامي حما الصهيونية- وهي رواية لها صدى عميق لدى شريحة كبيرة من الناخبين الإسرائيليين المتطرفيين. 

علاوة على ذلك، فإن الرد الدولي على الحرب في غزة كان في مصلحة نتنياهو. ورغم أن الإدانة كانت سريعة من جميع الدول والجهات، وخاصة من المنظمات الإنسانية وبعض الحكومات الغربية، فإن حلفاء إسرائيل التقليديين، بما في ذلك الولايات المتحدة، عرضوا دعماً لا يتزعزع لحقها في الدفاع عن النفس. وقد زود دعم الحلفاء الرئيسيين نتنياهو بقشرة من الشرعية، مما حماه من وطأة الانتقادات الدولية.

ومع احتدام الحرب علي غزة، يجد نتنياهو نفسه في موقف متناقض. وفي حين أن أعمال العنف تلحق خسائر فادحة من حيث الأرواح البشرية والبنية التحتية، إلا أنها من الناحية السياسية تعمل كحاجز ضد منتقديه الذين لا تعد ولا تحصى. وكلما طال أمد الحرب، كلما أصبح موقف نتنياهو أكثر رسوخاً، في حين يتصارع الجمهور الإسرائيلي مع التعقيدات المرتبطة بالأمن القومي.

في الختام، برز العدوان في غزة باعتباره لحظة محورية في مسيرة نتنياهو السياسية، حيث حوله من زعيم على وشك النسيان السياسي إلى شخصية مرنة تبدو قبضتها على السلطة أقوى من أي وقت مضى. وفي حين أن التكلفة الحقيقية للحرب قد لا تتحقق بالكامل إلا في الأشهر والسنوات المقبلة، إلا أن هناك أمراً واحداً يظل واضحاً تماماً – وهو أن الفائز الأول في العدوان علي غزة هو بيبي، بنيامين نتنياهو.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: نتنياهو غزة الحرب بيبي إسرائيلي علی غزة

إقرأ أيضاً:

استمرار الحرب العبثية يهدد وحدة بلادنا

تتواصل الحرب وتتواصل الانتهاكات على المواطنين الأبرياء من قبل أطراف الحرب، دانات تسقط في الاسواق والتجمعات السكنية وتقتل المئات من المواطنين الابرياء، طائرات تقصف الأسواق، مذابح ترتكبها كتائب الإسلاميين المتحالفة مع الجيش، أعمال انتقامية لا تصدر الا ممن يسعى ليورد هذه البلاد ووحدتها موارد الهلاك.
جاء في الاخبار (قالت الجبهة الديمقراطية للمحامين السودانيين، إن الجيش السوداني بعد سيطرته على بعض المناطق بمدينة الخرطوم بحري، نقل بمساعدة القوات المتحالفة معه المواطنين من منطقتي المزاد شمال وجنوب والشعبية إلى مدرسة الحميراء بالسامراب شرق، وهي معتقل تابع للاستخبارات العسكرية، مبينة أنه تم مصادرة هواتف المعتقلين ومنعهم من الحركة لأي مكان بحجة أنهم متعاونون مع قوات الدعم السريع)
ما يحدث الان من ممارسات إجرامية وانتقامية بحق المواطنين هو عين ما كان يخشاه الناس حين تنادوا بأن لا للحرب، فقد كان واضحا منذ البداية ان هذه الحرب سيكون وقودها الأبرياء، تتصارع الافيال على مكاسب السلطة والمال ويدفع المواطنون الثمن الباهظ موتا ودمارا وتشريدا وضياعا لمستقبل ابنائهم.
كان واضحا ان استمرار هذه الحرب (في ظلّ التحشيد والحملات الإعلامية التي تهدف الى نشر الفتن وصب المزيد من الزيت على نار العصبيات والقبلية التي سعى نظام الإنقاذ الى ايقاظها) قد يؤدي الى انفراط وحدة هذه البلاد، لأنّ الشيطان الذي حكم بلادنا طوال عقود ولا يزال يمسك بمقاليد السلطة في هذه البلاد المنكوبة، هذا التنظيم العصابي الفاسد يتحسس كل أسلحة دماره حين يسمع كلمة وحدة او اتحاد، يشعر ان وحدة كلمة الناس واراداتهم ستكون موجهة ضده وضد طموحه في الاستئثار بكل شيء في هذه البلاد.
عمل على توفير كل الأسباب التي تقود الى فصل الجنوب، ويعمل الان على الدفع باتجاه مزيد من التقسيم والتشرذم، يوجه سهام عداوته نحو المدنيين لأنّ قوى الحرية والتغيير، او تقدم ، هو مشروع وحدة لعدد من التنظيمات السياسية والمدنية، ولا يخشى التنظيم الاسلاموي الفاسد سوى وحدة اهل هذه البلاد، ولأنه لا يمتلك اية مشروعية أخلاقية أو رؤية استراتيجية حول كيفية إدارة هذه البلاد (من يملك رؤى استراتيجية لا يمكن ان يكون مبلغ همه مشاريع الفصل والتقسيم في وقت تتجه فيه معظم دول العالم الى الانخراط في تكتلات واتحادات تحميها من غوائل الرأسمالية والصراع المحموم حول الموارد والاسواق).
أتى التنظيم الفاسد وليس لديه من مشاريع استراتيجية او خطط للتنمية، يحمل فقط (ساطورا) مثل الذي يستخدمه منسوبي ميليشياته لترويع المدنيين بتهمة التعاون مع القوات التي صنعها لتكون ظهيرا له، ساطور استخدمه لتقطيع هذه البلاد وتدمير كل مشاريع التنمية وبيع المؤسسات التي ضحى شعبنا من أجلها ومن أجل تأهيل أبنائه لإدارتها.
نقول لأن التنظيم لا يمتلك اية مشروعية او رؤى استراتيجية لتطوير هذه البلاد، يختبئ وراء الجيش او المليشيات التي ينشئها بمتوالية هندسية حتى اغرقت البلاد والعباد في الفتن والفوضى. لقد سبق لرئيسهم المخلوع المطلوب في القضاء الدولي أن دعا التنظيمات المعارضة قبل سنوات لحمل السلاح ان كانوا يريدون الوصول الى السلطة! بدلا من تقريب المسافات بين أبناء الوطن ومداواة الجروح، واختيار صندوق الانتخابات الديمقراطية النزيهة التي تحترم إرادة المواطن، طريقا للوصول الى السلطة، لم يؤمن التنظيم الفاسد سوى بالسلاح والإرهاب طريقا للبقاء في كرسي السلطة حتى لو كان الثمن دمار وطن او تشرذمه.
حين قال العقلاء لا للحرب كان التنظيم الفاسد يحشد الناس ويستنفرهم لمواصلة الحرب، يسحب قواته من المدن حتى تتزايد الانتهاكات، بدلا من أن يحمي المواطنين منها، تشارك ميلشياته نفسها في الانتهاكات والنهب. وكل هدفه ان تبلغ الفتن مداها وان يستحيل التعايش بين مكونات هذه البلاد رغم كل ما يربط بينهم من أواصر دم وعيش ومصير مشترك.
فتنة حلّت بهذه البلاد من سرّاق المال العام، فتنة تقود بلادنا الى مستقبل مجهول إن لم يتدارك العقلاء من اهل هذه البلاد الأمر، ويبادرون للم الشمل، وقف الحرب وتدارك آثارها الكارثية.
لا بد من توافق اهل هذه البلاد لوقف الحرب، وعزل التنظيم الشيطاني، الذي لن يتوقف عن انشاء المليشيات وبث الفتن والفرقة بين أبناء شعبنا. كل يوم تستمر فيه الحرب سيكون خصما على وحدة هذه البلاد وانتصارا لمن يسعون لمزيد من الفتن والغبن وهتك النسيج المجتمعي.
لابد من وقف الحرب ومحاسبة كل من ارتكب جرائم في حق هذا الشعب واستعادة كل الأموال المنهوبة وتوجيهها للتنمية المتوازنة، واستبعاد أطراف الحرب من اية عملية سياسية مستقبلية، يستعيد فيها شعبنا دوره في دولة العدالة والقانون.
#لا_للحرب

ortoot@gmail.com

أحمد الملك  

مقالات مشابهة

  • تفاصيل خطة نتنياهو لإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة
  • تضرر أكثر من 200 موقعا أثريا جراء العدوان الإسرائيلي على غزة
  • ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على جنين إلى 25 فلسطينيا
  • عدن تغرق في الظلام .. توقف وشيك للكهرباء بسبب انعدام الوقود
  • حصيلة جديدة لضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تُصعد العدوان في الضفة
  • ما هي الثمار التي سيقطفها نتنياهو من زيارته إلى واشنطن؟
  • حماس: العدوان الإسرائيلي خلَّف دمارًا كبيرًا شمال غزة وأعدم مظاهر الحياة فيه
  • استمرار الحرب العبثية يهدد وحدة بلادنا
  • استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي الوحشي على طولكرم وارتفاع أعداد النازحين