د. صالح الحاج من حزيران/ يونيو 1990 إلى نيسان/ أبريل 1999 جاء العام 1990 ليؤكد قدرة التيار الإسلامي على تعبئة الناس مستفيدًا من الإصلاح السياسي الديمقراطي التعددي الذي بدأت الجزائر تعيشه والذي يعمل له الرئيس الشاذلي بن جديد ورئيس الحكومة مولود حمروش. ظهرت القوة التعبوية والشعبية للتيار الإسلامي في مناسبتين: تظاهرة يوم الجمعة الموافق 20 نيسان/ إبريل الضخمة التي اخترقت شوارع العاصمة، وبعدها بأقل من شهرين الانتخابات البلدية التي جرت يوم 12 حزيران/ يونيو 1990 والتي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ ب835 بلدية من أصل 1541، في حين لم تحصل جبهة التحرير إلا على 487 بلدية، فبرزت جبهة الإنقاذ الإسلامية خاصة (والإسلاميون عامة) جبهة المعارضة الرئيسية للسلطة.

ولعل الإفراز الرئيسي ضمن التعديلات الدستورية التي تمخضت عن تلك الأحداث كان إنهاء نظام الحزب الواحد، لتشق البلاد طريقها نحو التعددية الحزبية.                                  وأنجب ذلك الانفتاح السياسي أحزابا معارضة كانت من أهمها جبهة الإنقاذ الوطني (الفيس) التي فازت بالأغلبية في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية عام 1991. كان وزير الدفاع خالد نزار الرجل الأقوى في النظام، فاتخذ مع القيادة العسكرية القرار بوقف المسار الانتخابي وإلغاء نتائج الانتخابات في ما بدا أنه انقلاب كامل وتشكيل حكم جديد، وتدرجت الخطوات بسرعة كبيرة. ترافق تعليق المسار الانتخابي في الجزائر مع ارتكاب انتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان ضد المدنيين، ومن بينهم الناشطون في الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وطال حتى الأشخاص الذين أعربوا علناً عن معارضتهم لسياسات الدولة من دون إظهار أي دعم للمعارضة الإسلامية، فاحتجزت الدولة الآلاف في معسكرات الاعتقال في جنوب البلاد بتهم متنوعة، ذات دوافع سياسية. وفي غضون ذلك، أعدم آخرون أو كادوا يموتون تحت التعذيب. دخلت الجزائر في حرب أهلية، يشار إليها محليا بالعشرية السوداء، واستغرقت أكثر من عقد وراح ضحيتها نحو آلاف الجزائريين، فيما اختفى عدد كبير آخر إلى يومنا هذا. بدأ الصراع في ديسمبر عام 1991وتدخل الجيش للسيطرة على البلاد، وتم حظر الجبهة الإسلامية للإنقاذ واعتقل الآلاف من أعضائها، وشنت الجماعات الإسلامية حملة مسلحة ضد الحكومة ومؤيديها، وقامت بإنشاء جماعات مسلحة اتخذت من الجبال قاعدة لها، وأعلنت الحرب على الجبهة الإسلامية للإنقاذ. بذلت المعارضة السياسية جهوداً حثيثة لتفادي العنف من خلال تشجيع الحوار بين الجبهة الإسلامية للإنقاذ وممثلي الحكومة. وأكدت أحزاب الجمعارضة في الجزائر آنذاك أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل الأزمة السياسية. وفي الرابع من كانون الثاني/ يناير 1992 حل الشاذلي بن جديد المجلس الشعبي الوطني الذي كان يرأسه عبد العزيز بلخادم. وفي نفس الشهر أعلن الشاذلي بن جديد استقالته منهيا بذلك حقبة من التجاذبات أُطلق عليها لاحقا سنوات الشاذلي بن جديد. بث التلفزيون الجزائري في نشرة الثامنة خطاب استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد التي قال فيها بأنه لن يستطيع مزاولة مهامه في الظروف التي ستعرفها البلاد، ويتذكر الجزائريون جيدا أن ما كان يقوله الشاذلي بن جديد لم يكن نكتة، بل أدخل الجزائر في أزمة. كان من المفروض أن يتولى عبد العزيز بلخادم، وفقا للمادة 117 من الدستور، رئاسة الدولة لمدة 45 يوما، لكن الشاذلي آثر حلّ البرلمان في 5 كانون الثاني/ يناير، تفاديا لأيّ انزلاق، إذ لم يكن الجيش يطمئن لبلخادم، وكانت الصحافة آنذاك تشنّ حملة عليه، متّهمة أيّاه بعلاقة مشبوهة بإيران. وكما كان متوقّعا رفض عبد المالك بن حبيلس تحمّل مسؤولية رئاسة الدولة مؤقتا، فقد كان يدرك، بحكمته المعروفة، أنه قد يتحوّل إلى دُمية في يدي جماعة متخفيّة وراء الستار. وبسبب الفراغ السلطوي الذي أدت إليه استقالة الشاذلي بن جديد تم تشكيل المجلس الأعلى للأمن الذي تألف من رئيس الوزراء ووزراء الداخلية والدفاع والعدل، ورئيس المجلس الدستوري، وقيادة أركان الجيش. أقر هذا المجلس عدم إتمام الانتخابات بسبب استقالة بن جديد. وبعد ثلاثة أيام من استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد وتحديداً في يوم 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1992، تم تشكيل المجلس الأعلى للدولة المؤلف من خمسة أعضاء، فقاموا بانتخاب محمد بوضياف رئيساً في 19 كانون الثاني/ يناير 1992. وافق بوضياف على العودة بعد 28 عاماً من الغياب القسري عن بلاده، وأصبح رابع رؤساء الجزائر في ظرف كان الأكثر دموية في تاريخها، بعد تعطيل المسار الانتخابي الذي أغرقها في حرب أهلية على مدى عشرة أعوام، ولكن رحلته الرئاسية لم تدم طويلاً، نجا من الاعتقال في بداية الخمسينيات، ثم من الاعتقال في فرنسا، ثم من حكم الإعدام الذي أصدره بحقه رفيقاه في الثورة بن بلة وبومدين، خرج من السلطة ومن الثورة واختار العيش في المنفى، ولكن حلم الجزائر بقي يراوده، عندما عرضت عليه رئاسة البلاد قبل الدعوة ولم يكن يدري أن نهاية مأساوية تنتظره.  في 29 حزيران/ يونيو 1992، كان بوضياف يلقي خطاباً في قاعة المركب الثقافي في مدينة عنابة شرق الجزائر، بعد دقائق دوى انفجار تلاه رشق رصاص، وانقطع البث التلفزيوني المباشر قبل أن يعود لإعلان مقتل الرئيس، واعتقال القاتل. اجتمع المجلس الأعلى للدولة إثر وفاة بوضياف وانتخب علي كافي رئيسا له، فقام كافي بتعيين حكومة انتقالية في 19 تموز/ يوليو 1992 برئاسة بلعيد عبد السلام. وفي 21 آب/ أغسطس 1993 أُغتيل رئيس جهاز المخابرات السابق، قاصدي مرباح. عمل الرئيس علي كافي لإنجاح ندوة الوفاق الوطني. وقبيل انتهاء ولايته، حمل بشدة على “الأحزاب المهمة” التي قاطعت الندوة وأفشلتها. وقبيل انتهاء ولايته في آواخر كانون الثاني/ يناير 1994، كان منصب رئيس الدولة شبه محسوم لصالح عبد العزيز بوتفليقة، لكن المجلس عاد في اللحظة الأخيرة وعين اليمين زروال وزير الدفاع في حكومة، رضا مالك،  رئيساً للدولة أدى اليمين زروال اليمين الدستورية رئيسا للدولة لتسيير شؤون البلاد طوال المرحلة الانتقالية في 30 كانون الثاني/ يناير 1994، مؤكداً أن نفاد كل الحلول هو الذي دفع الجيش للسلطة، وطلب من رضا مالك البقاء في منصبه رئيساً للحكومة، وتعهد بإنهاء المرحلة الديمقراطية والرجوع إلى المسار الديمقراطي. وفي عام 1994، مع تصعيد الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، اقترحت المعارضة السياسية مبادرة جديدة لمناقشة الوضع السياسي وإيجاد حل للوضع للمأزق الأمني. اجتمع ممثلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الخارج، وجبهة التحرير الوطني، وجبهة القوى الاشتراكية، وأحزاب أخرى بعد جهد سخي بذله عبد الحميد مهري. أجريت أول انتخابات رئاسية بنظام التعددية الحزبية منذ استقلال الجزائر عام 1962 في عهد الرئيس اليمين زروال، الذي قرر التعجيل بإجرائها دون الانتظار إلى أن تنقضي مدة الفترة الانتقالية لرئاسته والمحددة سلفا بثلاث سنوات. وتقدم لهذه الانتخابات التي أجريت يوم 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1995 أربعة مرشحين هم: اليامين زروال الذي فاز بنسبة 61% من أصوات الناخبين الذين بلغت نسبتهم 75% من المسجلين في قوائم الانتخابات. وقد تلاه الشيخ محفوظ نحناح (رئيس حركة مجتمع السلم) فسعيد سعدي (رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) وفي المرتبة الرابعة نور الدين بوكروح (زعيم حزب التجديد الجزائري). يعد اليمين زروال، أول رئيس للجمهورية انتخب بطريقة ديمقراطية منذ الاستقلال(بالرغم من تشكيك الكثيرين في نزاهتها وأنها طالها التزوير)، كما يعد أول أمازيغي (شاوي) يتقلد منصب رئيس الجمهورية منذ الاستقلال كذلك. بدأت الجماعة الإسلامية المسلحة وجماعة التكفير والهجرة التي اتخذت الجبال قاعدة للهجوم بسلسلة من مذابح تستهدف الأحياء أو القرى المؤيدة للحكومة بأكملها بلغ ذروته في عام 1997، وكان الذين يعيشون بشكل خاص في الولايات الغربية والبلديات المحيطة بالعاصمة أكثر عرضة لمواجهة المجازر والهجمات الانتحارية؛ إذ تشكل عمليات القتل الجماعي والإبادات في بن طلحة وغليزان وسيدي موسى أمثلة نموذجية عن الفظائع وانتهاك حقوق الإنسان المرتكبة في تلك الحقبة ضد الشرائح المجتمعية الأكثر هشاشة. ووفقاً للسلطات الوطنية، بلغ ضحايا الحرب الأهلية 200000 ضحية، لكن لم تنشر أي تقارير مفصلة عن الضحايا، ولكن بحسب تقديرات المجتمع المدني، أسفرت الحرب عن حوالي 18000 حالة اختفاء قسري نفذتها القوات التابعة للدولة و20000 حالة اختفاء قسري نفذتها الجماعات المسلحة، من بينها 4000 حالات اختفاء من النساء. تسببت المجازر وارتفاع عدد الضحايا في إجبار كلا الجانبين إلى وقف إطلاق النار من جانب واحد مع الحكومة في عام 1997 ، وفي هذه الأثناء فاز الطرف المؤيد للجيش بالانتخابات البرلمانية. وفي أيلول/ سبتمبر 1998 أعلن اليامين زروال أنه سيتنحى عن الحكم وسينظم انتخابات رئاسية مبكرة تم إجراؤها في نيسان/ أبريل 1999. وتقدم لهذه الانتخابات 16 مترشحا أجاز المجلس الدستوري سبعة منهم. وكانت نتيجة الانتخابات فوز بوتفليقة بنسبة 70% من أصوات الناخبين بحسب التقديرات الرسمية، وذلك بعدما انسحب المترشحون الستة بشكل منسق وجماعي قبل يوم واحد من إجراء الاقتراع بحجة تأكدهم من عدم شفافية الانتخابات. كاتب صحفي وباحث/ ليبيا إيميل: salhalhaj743@gmail.com

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

6 آلاف فنان يطالبون بوقف بيع لوحات الذكاء الاصطناعي في مزاد عالمي

منذ ظهور الذكاء الاصطناعي وأدواته المتنوعة، دخلت هذه التقنية في تداخل كبير مع مختلف جوانب الإبداع البشري، وخاصة في الفنون البصرية، بما في ذلك الفن التشكيلي، وفي الآونة الأخيرة، وصلت العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والفن إلى مرحلة متقدمة بعد تنظيم مزاد لبيع أعمال فنية جرى إنشاؤها باستخدام هذه التقنية، ما أثار جدلا واسعا بين آلاف الفنانين التشكيليين في الولايات المتحدة وحول العالم، وزاد من حدة الجدل أن دار كريستيز الشهيرة، إحدى أكبر وأعرق دور المزادات العالمية، كانت هي المسؤولة عن تنظيم هذا الحدث.

جاء ذلك وفق تقرير تلفزيوني عرضته قناة «القاهرة الإخبارية»، بعنوان «بلوحات وفنون بصرية.. الذكاء الاصطناعي يتحدى إبداع البشر»، مسلطًا الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في إنتاج اللوحات الفنية.

وأشار التقرير إلى أنه من ضمن ردود الفعل حول مزاد الواقع المعزز هو توقيع 6 آلاف فنان على عريضة لوقف البيع الذي تنظمه دار كريستيز، خاصة وأنهم يعتبرون أن اللوحات التي جرى عرضها في هذا المزاد هي نتاج تحليل لأعمال قدمها فنانون آخرون من قبل، وما قام به الذكاء الاصطناعي هو جمعها سويا في عمل واحد.

وأوضح التقرير أن مزاد الواقع المعزز بدار كريستيز يختتم فاعلياته في 5 مارس الجاري، وتتضمن المعروضات لوحات فنية ومطبوعات ومنحوتات وأعمال رقمية مثيرة للجدل، لكن لها أيضا مدافعين يؤكدون أن هذا هو حال الفن التشكيلي الذي يتطور مع تطور البشر وأدواتهم.

مقالات مشابهة

  • الوعد الإلهي بخسارة المسارعين نحو اليهود يتحقق على أرض الواقع..
  • الرئاسي: الكوني تابع مع السايح خطوات إجراء الانتخابات البلدية بالمنطقة الغربية
  • الذكاء الاصطناعي يتحدى إبداع البشر في مزاد فني دولي
  • 6 آلاف فنان يطالبون بوقف بيع لوحات الذكاء الاصطناعي في مزاد عالمي
  • ملعب مولاي الحسن الجديد الذي سيحتضن مباريات الجزائر يقترب من الجاهزية
  • إلهام شاهين: قصة الأمس ونصف ربيع الآخر وليالي الحلمية من أقرب الأعمال لقلبي
  • الزرقاء: لا تراجع عن التزامن بين الانتخابات التشريعية والرئاسية
  • نائب: السوداني لم ينفذ برنامجه الحكومي الذي ألزم به نفسه
  • ريال مدريد يخسر من بيتيس بواسطة صديق الأمس منافس اليوم
  • في الذكرى السادسة للحراك الشعبي.. أية جزائر جديدة؟