بايدن يحول خطاب حالة الاتحاد إلى منصة لحملته الانتخابية
تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT
واشنطن- استغل الرئيس جو بايدن خطابه الرابع والأخير عن حالة الاتحاد -والذي يحظى بمتابعة ومشاهدة واسعة من ملايين الأميركيين- للترويج لحملته الانتخابية والتركيز على الهجوم في كل فرصة ممكنة على منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب.
وجاء الخطاب في 6423 كلمة، واستغرق إلقاؤه أكثر من ساعة كاملة، وعرّج بايدن على القضايا الرئيسية التي من المحتمل أن تظهر في حملة إعادة انتخابه.
ووجه الرئيس الأميركي انتقادات متكررة إلى ترامب خصمه المحتمل في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، منتقدا تعليقاته الأخيرة بشأن روسيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو).
ودافع بايدن عن حق الإجهاض، وقال إنه سيعمل على استعادته في جميع أنحاء البلاد إذا أعيد انتخابه.
وعرض الرئيس الأميركي سجله في الاقتصاد، وامتدح ما تم تمريره من تشريعات ضخمة خاصة المتعلقة بخفض التضخم، والتخفيضات الضريبية، والتشريعات والمبادرات، وقال إنها "عودة أميركا إلى أن تبني مستقبلا بالإمكانيات الأميركية".
وجاءت كلمات بايدن عن قضية الهجرة وأمن الحدود امتدادا لدعواته المتكررة للجمهوريين إلى تمرير إجراءات أمنية صارمة على الحدود.
كما ركز الرئيس الأميركي على مبادراته لخفض أسعار الأدوية وتوسيع نطاق الوصول إلى التأمين الصحي، بالإضافة إلى اقتراح توسيع جهوده في مجال الرعاية الصحية.
وتحدث بايدن عن كيفية دعم مبادراته الاقتصادية للشباب مقارنة بمواقف الحزب الجمهوري، وسلط الضوء أيضا على كيفية محاولته إلغاء ديون القروض الطلابية.
تهديد الديمقراطية
وركز الرئيس الأميركي في جزء كبير من خطابه على ما يعتبره تهديدا للديمقراطية الأميركية على يد منافسه ترامب، واختار ألا يذكر الرئيس السابق بالاسم، وكانت إشاراته المتكررة إلى "سلفه" وتناقضاته معه في مختلف القضايا والملفات.
وجاء الخطاب بعد يومين من فوز بايدن وترامب الساحق في انتخابات الثلاثاء العظيم بانتخابات الحزبين التمهيدية.
ورد الرئيس الأميركي على منتقديه الذين يقولون إنه كبير في السن لهذا المنصب، وسخر من كون ترامب أيضا كبيرا في السن.
وأثناء إلقاء بايدن خطابه انشغل الرئيس السابق ترامب بنشر مشاركات على موقع "تروث سوشيال" تلقي باللوم على بايدن كونه المسؤول عن أزمة الحدود، ووصف ترامب الخطاب بأنه "محرج" للديمقراطيين والولايات المتحدة.
وعقب انتهاء الرئيس الأميركي ألقت كاتي بريت السيناتورة الجمهورية عن ولاية ألاباما خطاب الحزب الجمهوري لدحض خطاب بايدن.
نداء لقادة إسرائيل
واستغل بايدن خطاب حالة الاتحاد للتأكيد على دعم إدارته الكامل وغير المشروط لإسرائيل وحقها في ملاحقة حركة حماس، وأشار أنه "يمكن لحماس إنهاء هذا الصراع اليوم من خلال إطلاق سراح الرهائن وإلقاء السلاح وتسليم المسؤولين عن 7 أكتوبر/تشرين الأول".
ووجه الرئيس الأميركي نداء إلى قادة إسرائيل قائلا إن "إسرائيل تتحمل أيضا مسؤولية أساسية عن حماية المدنيين الأبرياء في غزة، لقد ألحقت هذه الحرب خسائر في صفوف المدنيين الأبرياء أكثر من جميع الحروب السابقة في غزة مجتمعة، وقتل أكثر من 30 ألف فلسطيني، معظمهم ليسوا من حماس، الآلاف والآلاف من النساء والأطفال الأبرياء".
وأضاف "الفتيات والفتيان أصبحوا يتامى أيضا، ما يقارب مليوني فلسطيني تحت القصف أو باتوا نازحين، منازل مدمرة، أحياء تحت الأنقاض، مدن في حالة خراب، عائلات بدون طعام أو ماء أو دواء، إنه أمر مفجع".
بايدن يواجه احتجاجا متناميا داخل صفوف حزبه على خلفيه دعمه المطلق لإسرائيل (وكالة الأناضول) ميناء مؤقتوأعلن الرئيس الأميركي عن خطوات جديدة لإنشاء ميناء في غزة للمساعدات الإنسانية سيضم رصيفا مؤقتا "سيوفر القدرة على استيعاب مئات الشاحنات الإضافية المحملة بالمساعدات كل يوم".
وناشد بايدن إسرائيل السماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة وضمان عدم وقوع العاملين في المجال الإنساني بمرمى النيران، وحذّر قائلا "لا يمكن أن تكون المساعدة الإنسانية اعتبارا ثانويا أو ورقة مساومة، ويجب أن تكون حماية الأرواح البريئة وإنقاذها أولوية".
ويواجه الرئيس الأميركي حركة احتجاج متنامية داخل صفوف حزبه، ولا سيما من قبل العرب والمسلمين الغاضبين من دعمه المطلق لإسرائيل في عدوانها على غزة وعدم دعوته بصراحة إلى وقف إطلاق النار لإنقاذ المدنيين من القصف والمجاعة، حيث يتداعى المحتجون إلى التخلي عنه في الانتخابات المقبلة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الرئیس الأمیرکی
إقرأ أيضاً:
الربيع أيضا مؤامرة (دبرتها الأرصاد الجوية)
لم يكن عديم الدلالة أن يستهل الرئيس ماكرون تهنئته للشعب السوري بالقول: «أخيرا، سقطت دولة الهمجية». ذلك أن «دولة الهمجية» عبارة غير معروفة في بريطانيا وأمريكا، مثلا، ولكنها متداولة لدى النخبة السياسية والإعلامية في فرنسا منذ أن أطلق هذا التوصيفَ الدقيق على دولة آل الأسد الباحثُ الفرنسي الجنسية التونسي النشأة ميشال سورا الذي اغتيل في بيروت أوائل الثمانينيات.
والواقع أن نجاح الشعب السوري في انتزاع حريته من بين براثن نصف قرن من الطغيان الوحشي قد فتح مشكاة أنوار مضيئة في ظلام التشاؤم والإحباط الذي خيم على معظم البلاد العربية في الأعوام الأخيرة لأن هذا النجاح أثبت صحة الرأي القائل (ولو أنه لم يكن يقول به إلا القلائل) بأن الثورات الشعبية التي اندلعت عامي 2010 و2011 قد دشنت حقبة تاريخية متعددة الاحتمالات منفتحة الأفق، وأن ما يبدو من فشلها لا ينبغي أن يجعلنا نغفل عن حقيقة أن الثورات زلازل سياسية طويلة الأمد لها اهتزازات ارتدادية لا تقع إلا بعد سنين أو عقود.
كما يمكن تشبيه الثورات الشعبية بتسونامي كاسح يأتي في شكل موجات. ولهذا كان ثمة موجة 2010 و2011 في تونس ومصر وليبيا وسوريا والبحرين واليمن، ثم موجة 2018 و2019 في السودان والجزائر ولبنان، وها هي موجة 2024 و2025 تبدأ في سوريا، ومن يدري لعلها تمتد إلى غيرها.
والذي حدث في سوريا أوائل ديسمبر دليل على أن مقولة «النظام الإقليمي العربي» السائدة في الأدبيات السياسية ربما كانت مفيدة في فهم بعض الأمور، ولكنها تتطلب تنسيبا عندما يتعلق الشأن بالثورات الشعبية. ذلك أن تشابه الأنظمة العربية في الطبيعة لا يعني أنها كانت تتساوى في درجة الاستبداد. فشتان بين أنظمة بن علي وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح من جهة وبين نظامي آل القذافي وآل الأسد من جهة أخرى.
إذ إن السمة المشتركة بين المجموعة الأولى هي وظيفيّة الاستبداد، أي استخدامه أداة بالمقدار اللازم لتحقيق الغايات السياسية والمنفعية. أما النظامان الليبي والسوري، نظاما جبهة الصمود والتصدي والنظرية الثالثة والكتاب الأخضر والمقاومة والممانعة الخ، فقد كان استبدادهما شموليا متجاوزا للحد الوظيفي المحقق للغايات لأنه كان استبدادا مزاجيا عشوائيا، وعبثيا مجانيا. ولذلك فإن الحاكميْن الوحيدين اللذين كانا مستعدين لـ«إحراق البلد» بِدكّ المدن دكّا أو باستخدام الدبابات والطائرات والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية، هما «الأخ القائد» وطبيب العيون.
وقد أخذ الغربيون تهديدات القذافي مأخذ الجد فتدخلوا لتعجيل سقوطه. أما السفاح الضحّاك المُقهقه أبدا، فإنه مَدين بطول عمره في السلطة للقذافي ذاته لأن تقاعس أوباما عن تنفيذ وعيده بشأن الخط الأحمر قد أتاح لبوتين أن يملأ الفراغ ويعلن عدم السماح بأن يكرر الغربيون في سوريا ما فعلوه في ليبيا، زاعما أنهم خدعوه عندما برروا تدخلهم في ليبيا بحماية المدنيين بينما الواقع أنهم كانوا يريدون تغيير النظام.
وكان عام 2011 قد دشن نهاية حالة الاستثناء العربي. إذ كان الظن قبلا أن العالم العربي هو نموذج «الاستقرار» أي منطقة الركود والجمود الوحيدة على وجه الأرض وأن الدكتاتوريات الجاثمة على صدرها قد قطعت أنفاسها واستلّت منها الروح. فإذا بالشعوب العربية، التي كان يُظن أنها مستسلمة يائسة هامدة، تنتفض بشرف وعنفوان وتثبت أنها شعوب حية، أي شعوب عادية على غرار بقية شعوب العالم، تتوق للكرامة وتحب الحرية وتريد أن تكون سيدة في أوطانها.
ولا تزال بعض الأطراف تنكر إلى اليوم أن العرب يمكن أن ينتفضوا بمحض إرادتهم، بدليل أن المرشد الإيراني قال إن سقوط بشار مؤامرة حاكتها أمريكا وإسرائيل (ناسيا أن إسرائيل كانت تترجّى أوباما الإبقاء عليه) تماما كما كان يُزعم أن الثورة السورية السلمية عام 2011 صنيعة مؤامرة إمبريالية، بل وأن «الربيع العربي» كله ما هو إلا مكيدة من تدبير الأرصاد الجوية التابعة للاستخبارات الغربية!
ولكن بما أن تشاؤم الفكر حالة سائدة عممها فشل الثورات العربية، فإن الأمل هو أن تصير سوريا هي بلد الاستثناء الناجح، بحُكم ألم المحنة الرهيبة والعِبَر المستخلصة، وبرغم عظم التحديات المتطاولة كالجبال أخطارا داخلية وأطماعا إقليمية. إذ يكفي أن يفلح بلد عربي واحد في إنشاء ممارسة ديمقراطية ليبرالية رشيدة، جامعة للشمل الوطني، حتى يصير مثالا ملهما لسائر البلاد العربية ومثبتا أن الحرية ليست ممكنة فحسب، بل إنها واجبة لأنها في متناول تفاؤل الإرادة.
القدس العربي