صحيفة التغيير السودانية:
2024-06-29@22:42:58 GMT

بلاغ ضد «رسول السلام» 

تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT

بلاغ ضد «رسول السلام» 

                                                                                                 

 أمل محمد الحسن

 

راج في الوسائط الاجتماعية صورة عن مستند بلاغ مقدم أمام نيابة مدينة شندي ضد رئيس الوزراء السابق ورئيس الهيئة القيادية في (تقدم) عبد الله حمدوك.

بالبحث عن طبيعة المواد التي اقترحها محامي الشاكي في مواجهة حمدوك وجدتها موادا خطيرة متعلقة بتحريض القوات العسكرية على التمرد وتقويض النظام الدستوري والحرب ضد الدولة.

وفي رأيي لابد من التعامل مع هذا الأمر بجدية بالغة، ليس خوفا على السيد حمدوك من عقوبة جرائم لم يرتكبها، ولكن لأنه من الواضح أن الدعاية الحربية التي تروج  بأن المدنيين هم من أشعلوا الحرب والراغبين في استمرارها ترسخت في مخيلة الناس بصورة جعلتهم يرمون بسهام غضبهم ضد من يبحث عن إيقاف الحرب ويصفقون في المقابل لمن يزيد في نارها واشتعالها.

ولعمري هذه المعايير المقلوبة التي يتعامل بها الناس وتقرأها في تعليقاتهم في الوسائط الاجتماعية والقروبات العائلية وغيرها تجعلك تشعر كأن العام أصبح يسير على يديه وقدميه للأعلى!

من يستحق التقديم للعدالة والمحاسبة هم مشعلو الحرب الذين ينفخون في نارها ليزيدوها اشتعالا رافضين التفاوض والحديث عن السلام بل يجرمون من يقولون لا للحرب.

ولأن من أمن العقوبة أساء الأدب حقا فإن هؤلاء المثيرين لخطابات الكراهية والداعين لقتل المدنيين وتفجير الأعيان المدنية يشعرون بأن وقوفهم إما إلى جانب الجيش أو إلى جانب الدعم السريع هو العمل الصواب الذي يستحقون عليه (التكريم)، فلا يخافون التمادي في تلك الدعوات حد التطرف فيها.

ورأينا عيانا نتائج تلك الدعوات التحريضية من التمثيل بجثة والي غرب دارفور خميس أبكر عليه الرحمة واعتقال شيخ الأمين والتمثيل بالجثث وتفجير كوبري شمبات وغيرها من التفجيرات وعمليات القتل والتخوين واعتقال الصحفيين والمدنيين ولجان المقاومة.

إن هؤلاء المحرضين شركاء في الجرائم بالتخطيط لها وببثها في خطاب إعلامي مكثف ولا تقل جريمتهم عن الذين ينفذونها لذلك القانون يحاكمهم هم أيضا.

الجرائم الإلكترونية المتعلقة ببث خطاب الكراهية والتحريض على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية يمكن أن يقدم صاحبها إلى المحاكمة في تلك الدول التي يعيش فيها معظم المحرضين سواء كانوا في أمريكا أو الدول الأوربية أو حتى بعض الدول العربية تحت ما يعرف بمفهوم “العدالة الدولية”.

وعبر هذا المفهوم يسمح القانون الخاص في بعض الدول بتقديم أشخاص ليسوا من مواطني تلك الدولة ولم يقوموا بجرائم التحريض ضد أهل تلك الدولة بالمحاسبة فيها! أليست العدالة في العالم تسير بخطى حثيثة لمحاصرة المجرمين والجناة الذين يظنون بأنهم في مأمن وهم يبثون سمومهم من خارج السودان؟

البلاغ الذي تقدم به ذلك الشاكي ضد حمدوك من الأولى أن تتصدى له التنظيمات المدنية الحقوقية وتفتح في مقابله بلاغات داخل وخارج السودان ضد كل من يحرض ضد السودانيين ويدعو إلى قتلهم أو منع الغذاء عنهم أو غيره مما تحمله سموم (اللايفاتية) من داعمي الطرفين المتصارعين على كرسي السلطة!

ما يقوم به عبد الله حمدوك وما تقوم به الجبهة المدنية وبقية الأحزاب التي لم تنضو تحت مظلة تقدم مثل الشيوعي والبعث ولجان المقاومة الميثاق الثوري، يقع ضمن الحراك المدني لوقف الحرب وإدانة فظائعها ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من دمار للوطن وتشريد لأهله في حرب اقتربت من إكمال عامها الأول ونصف الشعب يعاني من المجاعة!

ليس هؤلاء من يستحقون التقديم للعدالة، بل يستحقها من قاما بالشراكة في الانقلاب العسكري وتقويض النظام الدستوري في 25 أكتوبر 2021 ثم أشعلا حربا ضد السودانيين. ومن خلفهم فلول النظام البائد وغرفهم الإعلامية التي تنشر الأكاذيب وتبث خطابات الكراهية والعنصرية رغبة في تقسيم البلاد فقط من أجل العودة للسلطة!

لابد من أن تكون هناك جبهة مدنية لمحاصرة تلك الغرف الإعلامية، ومحاصرة من يطالبون بقتل المدنيين أو الدعوة لأي جريمة حرب وتقديمهم للعدالة في الدول التي يقيمون فيها حتى تقف العدالة على أقدامها في السودان.

الإفلات من العقاب طوال أكثر من عقدين من الزمان هو ما أغرى المزيد من المجرمين بالدخول إلى عوالم الجريمة بقلب “قوي” لأنهم ينظرون للبشير وعبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون وهم يتجولون ويتبخترون وهم مطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية منذ سنوات طويلة، لا تمت محاكمتهم فيها لا هم حوكموا داخل السودان!

وفي رأيي أن العدالة هي الأجدى بأن يطالها الإصلاح وأن توضع في أعلى قائمة الاولويات قور انتهاء الحرب اللعينة؛ لأن انعدام العدالة هو ما وضعنا في هذه الدائرة الخبيثة من مواصلة الجرائم وتناسل المجرمين!

لابد أن يرى كل ضحية وناجي من جرائم الإنقاذ والدعم السريع والفلول أن العدالة الناجزة أخذت بحقه من أعينهم، ترى من يستحق السجن خلف القضبان ومن يستحق الموت معلقا على المشانق منذ جرائم دارفور مرورا بمجزرة القيادة وكل جرائم الحرب الحالية!

عدم تقديم الجناة للعدالة في جرائم الاغتصابات التي حدثت في دارفور وضعت أجساد نساء أخريات في ساحة الحرب الحالية بل وطورت جرائم العنف الجنسي من الاغتصاب إلى الاسترقاق الجنسي وحتى أسواق النخاسة!

ليس عبد الله حمدوك هو الجاني، ولن يكون أي فرد من المجتمع المدني الذي يبحث عن الحقوق سلميا هو الجاني، المجرمون معروفون والجرائم معروفة وتتحدث عن نفسها في حالة السودان الذي قتلت فيه الحرب 13 الف مواطن وشردت قرابة 10 ملايين ودمرت البنية التحتية وجعلت الجوع يحاصر الناس في بلاد كانوا يخبروننا أنها تعرف باسم “سلة غذاء العالم”!

 

 

الوسومالعدالة حرب السودان خطاب الكراهية عبدالله حمدوك

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: العدالة حرب السودان خطاب الكراهية عبدالله حمدوك

إقرأ أيضاً:

الحرب.. أزمة التعليم ترسم ملامح تقسيم السودان

 

*إعداد: منصور الصويم: مشاعر دراج: محمد حلفاوي

اطفأت الحرب بهجة “مروان” 6 أعوام الذي كان يستعد للذهاب إلى المدرسة اعتبارًا من نهاية العام 2023 ضمن تلاميذ الصف الأول بمدرسة خاصة تقع جنوب العاصمة السودانية وبدلًا عن ذلك وجد نفسه نازحاً في مدينة دنقلا شمال السودان داخل مركز إيواء اعتقد للوهلة الأولى أنه سيدرس في هذا المكان.

مع إصرار الحكومة السودانية التي تتخذ من مدينة بورتسودان شرق البلاد عاصمة مؤقتة على فتح المدارس في الولايات الآمنة فإن ملايين الأطفال في المناطق الساخنة لم يعثروا على حل بشأن مصيرهم ما يعني فعلياً انقسام السودان ما بين مناطق يتوفر فيها التعليم وأخرى لم تنجو من القذائف الصاروخية.

في إقليم كردفان الواقع غربي البلاد فر 2.5 مليون طفل مع عائلاتهم إلى خارج الإقليم بعضهم لجأ إلى دول الجوار وتشكل هذه الإحصائية الصادرة من المجلس القومي للطفولة أكبر حالة نزوح للأطفال على مستوى دول الإقليم.

يركض بعيداً

يركض الطفل مروان في فناء مركز الإيواء بمدينة دنقلا الواقعة على بعد 600 كيلومتر شمالي العاصمة السودانية وقت الظهيرة مع درجات حرارة مرتفعة في مثل هذه الأوقات، لا يعبأ لمصيره عما إذا كان سيبقى هنا طويلًا بلا تعليم أم يحالفه الحظ وتتوقف الحرب، بينما تقول والدته مريم 35 عاماً لـ(تصريح خاص) إن طفلها سألها في أول يوم وصل فيه إلى مخيم الإيواء هرباً من جحيم الحرب في العاصمة السودانية إن كانت هذه هي المدرسة التي سيرتادها هذا العام جاء الرد من خلال دموعها التي كفته عناء البحث عن أجوبة.

تُقدر منظمة الطفولة التابعة إلى الأمم المتحدة “اليونيسيف” عدد الأطفال الذين ظلوا بلا مدارس خلال الحرب في السودان بـ 18 مليون طفل ومع دخول القتال العام الأول قد تقفز الإحصائية من 19 إلى 21 مليون طفل نتيجة وصول بعض الأعمار إلى سن الدراسة طبقاً للباحث في مجال التعليم أحمد المأمون.

يتوارى الأمل

لا ترى صفية محمد حسن وهي مديرة مدرسة حكومية في العاصمة السودانية “أملًا قادمًا في الطريق” لينقذ أطفال السودان من أزمة التعليم وتحدثت هذه السيدة التي لديها 25 عاماً من الخبرة في التعليم عن ما أسمتها “الأسباب الجوهرية” التي تعطل المدارس إما بنزوح الأطفال ومغادرة البعض إلى خارج البلاد واللجوء إلى دول الجوار وعدم القدرة على ارتياد المدارس هناك، والسبب الثاني البطون الخاوية التي أصابت غالبية النازحين داخليًا. بالتالي تبقى فكرة إرسال طفل إلى مدرسة تحولت إلى رفاهية. 

وتُرجح حسن مع ارتفاع لغة الحرب واستغراق المجتمعات في الفوضى والفقر انخراط جزء كبير من الأطفال في الأعمار التي تتراوح بين 12 إلى 18 عاما في القتال إما إلى جانب الجيش أو الدعم السريع أو الجماعات المسلحة رغبة في جلب المال لعائلاتهم أو اختبار تحد جديد في حياتهم كونهم لا يعرفون خطورة الحرب والتجنيد.

وتعزو صفية محمد حسن أزمة التعليم في السودان إلى مشكلات هيكلية كان رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك وحكومته التي أطاح بها العسكريون في 25 أكتوبر 2021 ابتدروا خططًا ناجعة لإزالتها من خلال التدرج في مجانية التعليم وتفكيك الإدارات التابعة للدولة العميقة التي تشجع القطاع الخاص للهيمنة على التعليم وحرمان ملايين الأطفال الفقراء من الذهاب إلى المدارس.

حُلم فوق وسادة بلاستيكية

وسادة مصنوعة من البلاستيك يضعها علي حسن (60 عاماً) على أرضية مركز إيواء بمدينة بورتسودان شرق البلاد يجلس عليها أحياناً وينام عليها في أحيان أخر، ويعرب عن أمنيته بالعودة إلى منزله.

يقول حسن لـ(تصريح خاص) : “أطفالنا لا يذهبون إلى المدرسة هنا في بورتسودان”، هذه المدينة الساحلية التي استقبلت مئات الآلاف من النازحين من الخرطوم والجزيرة وكردفان ودارفور.

في فناء المدرسة التي تحولت إلى مخيم إيواء لمئات الفارين من الحرب يصدر الأطفال ضجيجاً أثناء اللعب. درجات الحرارة تتجاوز الـ 40 مئوية لأن الصيف هنا شديد الحر، وأصوات المولدات الكهربائية الصادرة من المباني المجاورة تختلط مع صيحات الأطفال.

يضيف علي حسن: “نحن نبحث عن الأمان ونريد العودة إلى منزلنا شمال الخرطوم بحري هناك مدرسة حكومية يرتادها أطفالي. هذا سيحدث عندما تتوقف الحرب.. في الوقت الحالي إذا أردت فعل ذلك يجب أن أحصل على وظيفة وعلى مال لسداد إيجار المنزل حتى أرسلهم إلى المدرسة وهذا مستحيل نحن لا نتلقى دعماً من أي جهة إنسانية أو حكومية”.

لا حل يلوح في الأفق

ويعتقد المسؤول السابق بمجلس الثقافة في ولاية شمال دارفور التي تشهد قتالاً ضارياً بين القوات المسلحة والدعم السريع، مالك دهب، إن السودان لا يمكنه المضي قدما في التعليم قبل وقف الحرب.

وأضاف دهب في (تصريح خاص): “ربما تنشأ مبادرات هنا وهناك لكن يجب أن يكون التعليم شاملا لجميع الأطفال. عدد المحرومين 18 مليون طفل يجب أن يعودوا إلى المدارس وهم على يقين أنهم تركوا الحرب وراءهم”.

سباق تسلح بين أطراف الحرب في السودان وتراجع الأمل بشأن ذهاب الأطفال إلى الدراسة أزمتان قد تشكلان مأساة هذا البلد الغارق في حرب قد تستمر طويلاً ومع ذلك فإن الحلول والمبادرات بشأن انتشال التعليم من أزمته لا تزال مبعثرة.

أسوأ أزمة تعليمية

تؤكد ممثلة منظمة الطفولة بالأمم المتحدة “اليونيسف” في السودان، مانديب أوبراين، وجود 18 مليون طفل في السودان بلا تعليم بسبب الحرب وقالت إن السودان يواجه أسوأ أزمة تعليمية على مستوى العالم.

وترى أوبراين في (تصريح خاص) أن هناك 7 ملايين طفل كانوا خارج التعليم قبل الحرب أي واحد من كل ثلاثة أطفال لم يذهب إلى المدرسة في حياته قط.

وأردفت: “المدارس متوقفة في السودان بسبب النزاع المسلح. بعض الولايات عادت تدريجياً في الشمالية والبحر الأحمر والنيل الأزرق وسنار لكن الغالبية العظمى من الأطفال لم يتمكنوا من استئناف التعليم”.

وتكشف أوبراين عن تحول 14% من المدارس في السودان إلى مراكز إيواء للنازحين الفارين من الحرب وتعمل اليونسيف مع أصحاب المصلحة على دعم الأطفال حتى يجدوا أنفسهم على مقاعد الدراسة وتشجيع المجتمع على تعبئة الأفراد للانخراط في مواضيع التعليم.

وتابعت ممثلة اليونيسف في السودان: “التعليم يساعد الأطفال على الشعور بالأمان ويحول بينهم وبين الممارسات الضارة ويحمي الصبيان المراهقين من الانخراط في التجنيد ويقلل من عمالة الأطفال أيضاً”.

ودعت أوبراين إلى فتح المدارس في جميع أنحاء البلاد سيما في الولايات الآمنة. مشيرة إلى أن المنظمة الأممية لديها تدخلات وانشأت ألف مساحة تعليمية آمنة وتمكنت من الوصول إلى 941 ألف طفلاً.

وفيما يتعلق بالأطفال في المناطق التي تنشط فيها النزاع قالت أوبراين إن اليونيسف تدعم منصة رقمية مصممة لتلبية احتياجات الأطفال المتأثرين بالنزاع وهي مجانية ويمكن الوصول عبرها إلى المناهج السودانية.

وزادت بالقول: “المنصة لا تتطلب كفاءة في خدمة الإنترنت يمكن الذهاب كل شهرين للحصول على التحديثات والعودة إلى المنزل أو مقر السكن لدراسة المواد التي حصلت عليها”.

نقطة سوداء مع أمل

ويقول نائب منسق مشروع الشعب المعلم بمدينة شندي سعيد حجازي إن توقف المدارس ضاعف من مشكلات التعليم، إذ تضرر طلاب الصف الثالث في المرحلة الثانوية نفسيا بتراكم دفعتين تنتظران الجلوس لامتحانات الشهادة السودانية.

وأضاف: “اتجه جزء كبير من طلاب الدفعتين في الصف الثالث المرحلة الثانوية إلى سوق العمل أو الزواج المبكر بالنسبة للفتيات وتضرر طلاب الصف السادس في مرحلة الأساس وطلاب المرحلة المتوسطة بانعدام الكتاب المدرسي”.

ويعكس سعيد في (تصريح خاص) تحديات أخرى تواجه الأطفال الذين لجأوا إلى دول الجوار مع عائلات وذهبوا إلى المدارس، إذ تعرضوا إلى التنمر في الفصول الدراسية ويواجهون مشكلة تعلم لغات جديدة”.

في مدينة الدمازين عاصمة إقليم النيل الأزرق نفذ مشروع “الشعب المعلم” حسب المنسق رمزي آدم وجرى افتتاح مركز تعليم في حي الصفا ارتاده (120) طفلاً قدموا من الخرطوم ومدن أخرى.

ويقول آدم في (تصريح خاص) إن المشروع افتتح مركزاً جديداً بحي الهجرة غرب مدينة الدمازين يرتاده 160 طفلاً من عمر 10 إلى 16 عاماً ومركز ثالث في “الشهيد أفندي” يرتاده 100 مشارك من الأطفال تم افتتاحه في أبريل الماضي.

مُدمران.. الإنتاج والتعليم

ويقول الأمين العام للمجلس القومي للطفولة “هيئة حكومية” عبد القادر عبد الله أبو إن عدد الأطفال في السودان 24 مليون طفل يشكلون 40% من نسبة السكان عانى منهم (18) مليون طفل بلا تعليم.

ويوضح أبو لـ(تصريح خاص) أن الصراع المسلح في السودان أجبر ثلاثة ملايين طفل في سن الدراسة للنزوح من إقليم دارفور بعضهم وصل إلى تشاد وجنوب السودان بينما شهدت ولاية الخرطوم نزوح 2.5 مليون طفل فيما نزح من إقليم كردفان 1.2 مليون إلى خارج المنطقة تاركين مقاعد الدراسة بسبب الحرب التي دمرت حتى وسائل الإنتاج التي تعين على العملية التعليمية.

بينما تنفي قوات الدعم السريع صحة هذه الراويات الحكومية وتقول إنها ملتزمة بالمعاهدات الدولية وافتتحت عددا من المدارس في منطقة جنوب الحزام في مايو بالعاصمة السودانية ومنطقة أركويت شرق الخرطوم ومولت توفير المعينات المدرسية وشجعت الأطفال على الذهاب إلى المدارس.

تقاعس دولي

بالمقابل يدفع محمد مأمون الباحث في منظمة معنية بالتعليم بمقترحات راديكالية عن أزمة التعليم خلال الحرب، ويرى أن الجوع بسبب الصراع المسلح في السودان يُقلل من رغبة المجتمعات لدفع الأطفال إلى المدارس وتفضل إرسالهم إلى سوق العمل.

وأضاف: “الطفل يخرج من منزله إلى المدرسة ويجب ألا تكون بطنه فارغة من الطعام.. المجتمع الذي يكون في حالة نزوح ولجوء لا يشعر بالأمان بالتالي يصبح التعليم أمراً ثانوياً”، مضيفًا أن: “قرار فتح المدارس في بعض الولايات ذات أبعاد سياسية حتى تقول الحكومة المحلية للناس أن الوضع طبيعي وكل شيء على ما يرام والعكس يحدث هناك الناس يموتون بالجوع”.

ويقول مأمون إن التعليم في السودان يحتاج إلى دعم دولي كبير يرتبط مع دعم العمل الإنساني بـ”إسكات البطون الجائعة” أولاً ثم فتح مدارس في المدن والقرى التي نزح إليها السودانيون عن طريق منظمة اليونسيف التي يجب أن تقدم “دعماً سخياً” للتعليم في كافة أنحاء البلاد وإبرام اتفاق مدعوم دولياً بين الجيش والدعم السريع والأمم المتحدة ينص على ضمان سير العام الدراسي دون عراقيل وعدم اتخاذ التعليم كسلاح خلال الحرب.

وزاد قائلًا: “الفاعلون الدوليون في الشأن السوداني بما في ذلك اليونسيف لا يتخذون إجراءات كافية لإنقاذ ملايين الأطفال من المستقبل الغامض والمجهول وبشكل أو بآخر بقاء الأطفال بلا تعليم يقدم خدمة مباشرة لاستمرار الحرب”.

وحسب إحصائيات أصدرتها اليونسيف فإن حوالي عشرة آلاف مدرسة في العاصمة السودانية توقفت منذ الشهر الأول من القتال بين الجيش والدعم السريع وتعرضت بعضها الى الاستهداف والقصف والنهب.

السير في الظلام

لم يكن السودان بمعزل عن تفشي ظاهرة عمالة الأطفال والانخراط في التجنيد العسكري للمراهقين قبيل الحرب لكن مع تجدد القتال على نطاق واسع بما في ذلك العاصمة السودانية التي وجدت نفسها في خضم معارك عسكرية قد تُحيل هذه المأساة مئات الآلاف من الأطفال إلى سوق العمل والقتال وحتى اكتساب عادات ضارة.

وترى المرشدة النفسية إيناس الهادي الأمين أن الأطفال أثناء النزاعات المسلحة في البلدان يشعرون بالفراغ الطويل الذي لا نهاية له ولا توجد خطط مثلًا من الفترة الصباحية حتى الثالثة عصرًا وهو موعد البقاء في الصف المدرسي يوميًا ويعلم الطفل خطته اليومية.

وتضيف: “الفراغ العريض يولد سلوكيات سيئة لدى الأطفال مثل السلوك العدواني أو محاكاة أدوات الحرب أو العراك بالتالي الميول نحو العنف والانتقال إلى مرحلة اضطراب الشخصية من خلال الاعتياد على وسائل العنف بشكل يومي”.

وتُحذر إيناس الهادي الأمين من زيادة نسبة التدخين وسط الأطفال بسبب تطاول أمد الحرب والفقر والحرمان وتوقف الدراسة بل الشعور بتركها نهائياً خاصة المراهقين.

وتابعت: “بعض الأطفال يتولد داخلهم شعور المسؤولية فيذهبون إلى الأسواق للعمل أو يتجولون بالعربات اليدوية التي تجرها الدواب لجمع المواد البلاستيكية من أكوام النفايات في المدن الكبيرة أو التفكير للتحول إلى محارب والذهاب إلى معسكرات التجنيد، خاصة بعض الأطفال الذين يتمتعون بالبنية الجسدية رغم صغر سنهم، وفي بعض الأحيان يود أحدهم التباهي وسط أقرانه بأنه شارك في الحرب كسلوك تعويضي جراء التهميش الاجتماعي بسبب الفقر والنزوح”.

وتنصح المرشدة النفسية إيناس الهادئ الأمين ببعض البدائل لإنقاذ الأطفال من عزلة التعليم بالتدريس المنزلي بواسطة أفراد العائلة أو الدراسة الإلكترونية في المناطق التي تتوفر بها خدمات الإنترنت والكهرباء خاصة مدن عطبرة وبورتسودان وكسلا والقضارف ودنقلا وبربر ووادي حلفا وسنار.

الحلول الحكومية

انطلق العام الدراسي في بعض الولايات خاصة الشمالية والبحر الأحمر ونهر النيل في بداية مايو 2024 بينما تعتزم ولايات القضارف وكسلا وسنار والنيل بداية العام الدراسي نهاية الشهر ذاته.

في ولاية البحر الأحمر التي تضم مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية للحكومة تمكنت وزارة التربية والتعليم الولائية من تشغيل عدد من المدارس وانتظم 136 ألف طالب/ت فيها بلغت عدد المدارس الأساسية 618 مدرسة و73 مدرسة ثانوية حسب وزير التعليم بالولاية هاشم علي عيسى.

يقول عيسى لـ(تصريح خاص) إن 12 ألف طالب من مجتمعات النازحين يرتادون مدارس الولاية وتوجد 138 مدرسة للمرحلة المتوسطة التجربة التي أُعيدت مرة أخرى العامين الأخيرين.

وتابع: “تم الإبقاء على 60 مدرسة بالولاية ضمن مراكز الإيواء وتم توزيع الطلاب إلى المدارس القريبة حسب موقع السكن”.

وتعمل المدارس في البحر الأحمر خاصة بورتسودان من الأحد إلى الخميس طوال الأسبوع بينما تعمل المدارس المدمجة بنظام التناوب أي ثلاثة أيام أسبوعياً مع إلغاء عطلة السبت.

ويؤكد وزير التربية والتعليم بولاية البحر الأحمر علي هاشم عيسى وجود تحديات تواجه العام الدراسي الجديد بنقص الكتاب المدرسي ومقاعد الإجلاس وقال إن وزارة التربية والتعليم بالولاية تعتزم سد النقص في المقاعد بالتنسيق مع المنظمات الإنسانية.

وأضاف: “نواجه مشكلة تكدس الطلاب في القاعة الدراسية ونقص المعلمين خاصة في المرحلة المتوسطة”.

منع توسع الحرب

مع تطاول أمد الحرب ووصولها إلى الشهر الـ 14 ونزوح أكثر من تسعة ملايين مواطن ووصول مليون شخص إلى حافة المجاعة يقول المتطوعون إن المطلوب خلق توازن بين سد الجوع والتعليم.

ويقول مسؤول بوزارة التربية والتعليم السودانية مشترطاً عدم نشر اسمه في تصريحات لـ(تصريح خاص) إن عدد المعلمين بولاية الخرطوم قبل الحرب 60 ألف معلم لم يحصلوا على الأجور بشكل جماعي، 30% منهم غادر البلاد بسبب الصراع المسلح وتوقف التعليم في جميع أنحاء البلاد منذ منتصف أبريل 2023.

ويقول إن التحديات كبيرة إذا تمت إضافة عدد المعلمين بالولايات الـ 17 فإن عدد المعلمين الذين غادروا البلاد قد يصل إلى 40% ما يعني أن عدد المعلمين في السودان حوالي 180 ألف معلم.

ويرى المسؤول الحكومي أن التعليم في ظل استمرار الحرب يحتاج إلى تمويل ضخم لإعادة تأهيل المدارس في الولايات الخاضعة تحت سيطرة الجيش لأن المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع لا توجد بها حياة من الأساس ناهيك عن التعليم.

وزاد بالقول: “التمويل الحكومي وتقديم ضمانات بعدم اتساع رقعة الحرب أهم عنصرين لاستئناف الدراسة في الولايات الآمنة نسبياً.

ويقول المسؤول إن التمويل المقدر لاستئناف التعليم وتأهيل المدارس إلى جانب إجراء معالجات مالية للمجتمعات يكلف نحو مليار دولار في عام واحد فقط.

مقدمة لانقسام البلاد

يشدد المتحدث الرسمي باسم لجنة المعلمين السودانيين “تجمع نقابي” سامي الباقر في (تصريح خاص) على أهمية تطبيق العدالة والشمولية في مشروع إحياء التعليم في السودان خلال الحرب وبعدها.

ويحذر الباقر من أن الإجراءات الحكومية لفتح المدارس تقود إلى انقسام السودان لأن الأطفال في مناطق النزاع مصيرهم غير معروف. وقال مشكلة التعليم في السودان يجب أن تحل عبر توفير أجور المعلمين وتخصيص مواقع آمنة للنازحين وتلبية الاحتياجات اليومية بالنسبة للملايين الذين فروا من المناطق الساخنة.

ويقول الباقر إن المبدأ الأول هو العدالة والشمولية والمبدأ الثاني يجب أن يكون التعليم وسيلة لكبح الحرب والحد منها وإبعادها عن المناطق المأهولة بالمدنيين.

ويرى الباقر أن طريقة تفكير الحكومة القائمة لا تأخذ في الاعتبار هذه المطلوبات وحولت الدولة قرار فتح المدارس إلى عملية تصالح مع الحرب.

حرب مستعرة منذ 15 شهرا في السودان ومدارس قُرعت أجراسها منتصف أبريل 2023 وسكتت قسراً منذ ذلك القوت واضعة 18 مليون طفل سوداني على حافة الحرمان من التعليم ولا شيء يلوح في الأفق في نظر العائلات التي تجد نفسها بين البحث عن مساكن والغذاء وإعادة أطفالها إلى المدارس.

*التقرير الحائز على جائزة مؤسسة “طومسون فاونديشن” في صحافة النزاع للعام 2024.

الوسومالتعليم والحرب الحرب في السودان السودان العملية التعليمية

مقالات مشابهة

  • عمان في مؤشر السلام العالمي 2024
  • تصفية الأسرى في حرب السودان.. ما خفي أعظم!!
  • في رسالة إلى مجلس الأمن.. الإمارات تدفع مجدداً من أجل تعزيز السلام في السودان
  • في رسالة إلى مجلس الأمن .. الإمارات تدفع مجددا من أجل تعزيز السلام، وتشدد على أن استمرار العنف يؤكد بأن أيا من الأطراف المتحاربة لا يمثل الشعب السوداني
  • السودان والأسئلة المفتوحة
  • فرص السلام .. و جاهزية “تقدم”
  • من تحديات التحول الديمقراطي في السودان «2–4»
  • ‏ما حكم قول: “براؤون يا رسول الله”؟
  • الحرب.. أزمة التعليم ترسم ملامح تقسيم السودان
  • السودان: إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه