نورالدين برحيلة أيُّهما اعْـتَـرفَ بالآخر؟ هل اعترف المُحتل المخْتل الإسرائيلي بمغربية الصحراء، عِلما أنّ الوقائع التاريخية تؤكِّدُ أن الصّحراء مغربية، أم أن الدولة المغربية بقبول هذا الاعتراف قد اعترفت بشرعية احتلال الكيان الإسرائيلي لدولة فلسطين؟ كمواطن مغربي وعلى غرار الشعب المغربي العظيم، لا أرى فقط أن قضية الصحراء المغربية هي القضية الوطنية الأولى للمغاربة، بل هي أم القضايا المغربية الوجودية، ولا أدلّ على ذلك من كونها تحظى بإجماع مُطلق من طرف مختلف الشرائح والفرقاء والأعراق وكل مكونات الأمة المغربية، بنفس الإجماع الرّافض للتطبيع مع العدو الإسرايلي.

وسأحاول مقاربة هذا الواقعة الفاجعة مقاربة دستورية قانونية، بالرجوع إلى دستور 2011 نجده في بابه الأول يُؤكِّدُ أن “نظام الحكم بالمغرب نظام ملكي دستوري، ديمقراطي برلماني واجتماعي، يقوم على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، في إطار ديمقراطية مُواطِنة تشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة،1 وأن السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها2”. وفق منطوق الفصلين السابقين كان يجب عرض مسألة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي على البرلمان المغربي للتصويت أو الاستفتاء المُباشر لتفعيل مفهوم السيادة للأمّة، وهذا يجعلنا نعترف بأنّ المغرب لم يقطع مع نظام الملكية التنفيذية سوى على مُستوى الأقوال لا الأفعال. الغريب أنه داخل الكيان الإسرائيلي هناك مساحة كبيرة لحرية التعبير، لدرجة أن إسرائيل التي تحتلُّ دولة فلسطين بكل وحشية دموية، وأنا أتابع قنواتها الفضائية ومن سخرية القدر سمعت بعض مُثقّفيها المُزيفين ومُحلِّليها الوهميِّين وقد سافر بهم بعيدا خيالهم البراغماتي وهم يتحدّثون عن المكاسب الاقتصادية والفوائد المادِّية  “الرّبَوِية” لهذا الاعتراف، بأقصى درجات الانتهازية الشّيلوكية، وفتح المجال لاختلاف الرأي إلى درجة  التضادّ والاعتراض. طبعا هذا ما كان يجب أن يكون في الإعلام المغربي الرّسمي، فتح نقاش وطني ومناظرات والاستماع إلى وِجهات النظر المُغايرة للمثقفين والخبراء والجامعيين والأكاديميين والسياسيين المغاربة، وعدم انفراد المؤسّسة الملكية باتخاذ هذا القرار، الذي يسير بالمغرب في الاتجاه الخاطئ، ويجعل دولة الحق والقانون والمؤسسات مجرد شعار فارغ. لكن وبعيدا عن الأدْلَجة وازدواجية المعايير، فإن نظام  الجزائر  الشقيقة، لجدّ اللحظة يقف في الجانب الخاطئ  من التاريخ، بصناعة كيان البوليساريو الوهمي والإنفاق عليه بسخاء، هذا الإنفاق لو خُصِّصَ للشعب الجزائري الرّائع لكانت دولة الجزائر أكثر تقدما من أوربا. بالعودة  إلى حلم الاتحاد المغاربي، الذي شهدته مدينة مراكش سنة 1989، برعاية الملك الراحل الحسن الثاني، حضره قادة الدول التي تمتلك الشرعية، دولة الجزائر، دولة تونس، دولة ليبيا، دولة موريتانيا، ودولة المغرب المحتضنة لهذا الحدث التاريخي الضخم، ولا حضور لزعيم البوليساريو. طبعا كان للحلم الجميل أعداء كُثْرٌ.. استطاعوا إجهاضه في مهده، وإفشاله وتحويله إلى كابوس مُرعب، سيما أنه كان سيُحقِّـقُ طفرة مغاربية قوية تضاهي الاتحاد الأوربي في استنبات الاكتفاء الذاتي، والتحالف  العسكري والتكتُّل الاقتصادي، وصولا إلى توحيد العُملة وتحقيق الرخاء والتقدُّم والازدهار والرّفاه للجميع.. أكرِّر الجزائر والمغرب يستطيعان في هذه اللحظة التاريخية المفصلية الحرِجة، أن يشكلا قوة إقليمية عملاقة بما يمتلكانه مشتركات مركزية وموارد وثروات ضخمة، وقيادة الاتحاد المغاربي بتشكيل تحالفات سياسية واقتصادية وعسكرية قوية، وقطع الطريق على الإمبريالية الاستعمارية التي لا ترى فينا إلا بقرة حلوبا، وهي التي تعمل على تأجيج النعرات الإقليمية وفق شعار “فرّق تسد”، وبكل موضوعية يمكن حلحلة الخلافات الجانبية بين المغرب والجزائر، إذا توفرت الإرادة الجادة، والمصارحة هي طريق المصالحة، وكفّ الجزائر عن دعم كيان البوليساريو الذي أرهقها مادِّيا، وهي تُنفق عليه من المال العام للشعب الجزائري الأَوْلى بمالِه ومُقدّراته. لقد قلنا مرارا إن الجزائر والمغرب أمة واحدة، ودعونا لتسريع قيام وتفعيل الاتحاد المغاربي خدمة للشعوب المغاربية التي تداعت عليها أيدي الأكلة الاستعمارية تنهب ثرواتها بدعوى تطوير اقتصادها وتنمية استثماراتها، لكن استفحال الأزمة ومعاناة الشعوب وقابلية انفجار الأوضاع كلها مؤشرات تدل على الخداع الإمبريالي، وبالتالي ضرورة القيام بمراجعات جذرية سواء في العلاقات الخارجية، أو في الاختيارات الخاطئة المرتبطة بالبيت الداخلي المغربي. خِتاما فاقدُ الشيء  لا يُعطيه، ولا يُمْكِنُ الاعتداد باعتراف الكيان الإسرائيلي المُحتل لفلسطين بوصلة الأمّة الإسلامية، أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلّم، مادام الكيان الإسرائيلي فاقدا للشرعية القانونية والأخلاقية، ويُريد القفز إلى الأمام والهروب من أزماته الداخلية المتلاحقة باعتماد ورقة الصحراء المغربية ضمن سياسته التاريخية المليئة بالمكر والخداع والغدر.. ومحاولة انتزاع شرعيته لاحتلال فلسطين بتوزيع صكوك الاعتراف الفاقدة للشرعية، لكن في المُقابل على الأشقاء العرب أن يكونوا خير سندٍ للمغرب، وتفعيل جامعة الدول العربية أو القيام بدفنها إلى مثواها الأخير، فما أكثر الأزمات التي كان من المفترض أن تقوم الجامعة العربية بحلِّها بدءا من الاعتراف بمغربة الصحراء، ومنع حدوث انهيار سوريا ولبنان وليبيا وعدم التورط في فاجعة اليمن.. وغيرها من الفواجع التي تدفعنا إلى ضرورة مراجعة شاملة لمفهوم التطبيع بمفاهيمه العنقودية وأهمها الأسْرلة والصهينة والأمركة وصولا إلى مفهوم التّضبيع الذي يُعدُّ أخطر من التطبيع وإلا ما معنى السفاهة الاقتصادية في الإنفاق العربي بالملايير على نظام التفاهة المُتمثِّل في تقديس كرة القدم والرقص والجهل ومشتقاته، وتهميش الفكر والمفكٍّرين وهذا جانب من أخطر جوانب التّضبيع..  بموضوعية المغرب لم يتخلَّ يوما عن دعم الدول العربية في أوج أزماتها.. والأمثلة أكثر من أن تُذكر.. وهذا سيكون موضوع المقال القادم.. كاتب مغربي

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: الکیان الإسرائیلی

إقرأ أيضاً:

العودة إلى الميدان.. خيانة في المخابرات المركزية الأميركية

في معظم إنتاجاتها، تعيد هوليود تدوير أفلامها الناجحة مقدمة إصدارات جديدة منها، بعضها يحقق نجاحا في إمتاع الجمهور واستحضار لحظات الفرح الماضية، في حين يتحول بعضها الآخر إلى ظل باهت للأعمال الأصلية.

ورغم أن إعادة إنتاج الأفلام برؤية جديدة وممثلين مختلفين أمر معتاد ومقبول، كما هو الحال مع إعادة توزيع الأغاني القديمة لمنحها طابعًا جديدا، فإن أزمة هوليود اليوم تكمن في اعتمادها المفرط على الاقتباس والاستنساخ دون أي جهد لإضفاء قيمة فنية أو فكرية مميزة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بعد 40 عاما من الانتظار.. سبيلبيرغ يعود بجزء جديد من "الحمقى"list 2 of 2فيلم "سنو وايت".. البحث عن الحب في عالم لا يُشبه القصص الخياليةend of list

يبقى التغيير الوحيد في هذه الأعمال المستنسخة هو فريق التمثيل، إذ يصبح الأداء التمثيلي الرهان الأساسي لنجاح الفيلم. فإذا نجح الممثلون في تقديم أداء مقنع، أضاف ذلك لمسة من الجِدّة على النسخة الجديدة مما قد ينقذها من الفشل التجاري، وإن ظل مستواها الفني موضع نقاش.

من أحدث الأمثلة على هذه الظاهرة فيلم "العودة إلى الميدان" (Back in Action) للمخرج سيث جوردون، وبطولة جيمي فوكس وكاميرون دياز، والذي يُعرض على منصة "نتفليكس".

هروب مع سبق الإصرار

"العودة إلى الميدان" هو فيلم حركة كوميدي، تدور أحداثه حول عميلي وكالة الاستخبارات المركزية مات (جيمي فوكس) وخطيبته إيميلي (كاميرون دياز)، اللذين يُكلَّفان من رئيسهما تشاك (كايل شاندلر) باسترداد جهاز يُعرف باسم مفتاح أنظمة التحكم الصناعي "آي سي إس" (ICS)، وهو أداة قادرة على التلاعب بأي نظام إلكتروني.

إعلان

تنطلق المهمة بالتسلل إلى حفلة فخمة يقيمها بالتازار غور (روبرت بيستا)، عميل الاستخبارات السوفياتية السابق الذي تحوّل إلى إرهابي، للحصول على الجهاز. ينجح مات وإيميلي في استرداد المفتاح والهرب، لكنهما يتعرضان لكمين من فريق غور، ويتصديان للهجوم وينجوان من حادث تحطم طائرة. بعد ذلك، يشكان في وجود خيانة داخلية ويختفيان عن الأنظار، ليبدآ حياة جديدة بعيدًا عن الخطر.

تنتقل الأحداث إلى الزمن الحاضر، حيث يعيشان بهويات جديدة في ضواحي أتلانتا بولاية جورجيا، ويربيان طفليهما ليو (ريلان جاكسون) وأليس (مكينا روبيرتس). لكن مشاجرة في ملهى ليلي تكشف ماضيهما، مما يلفت انتباه رئيسهما السابق تشاك وعملاء غور.

يُصاب تشاك أثناء محاولته تحذيرهما، لكن يتضح لاحقًا وجود خدعة. يدرك الزوجان الخطر الوشيك، ويستعيدان أطفالهما من المدرسة والهروب إلى إنجلترا، حيث تبدأ سلسلة من المطاردات.

الفيلم مصنف ضمن الأعمال التي تصلح للمشاهدة العائلية، ويحمل رسالة بشأن الثقة ومدى الحذر الذي يجب اتخاذه حتى مع الأشخاص في مواقع السلطة، خاصة داخل منظمات مثل وكالة الاستخبارات المركزية حيث قد تأتي الخيانة من الداخل.

مواجهة شبح "السيد والسيدة سميث"

يفتقد الفيلم الأصالة، إذ يستحضر المشاهد كلا من براد بيت وأنجيلينا جولي أثناء مشاهدته، في النسخة الأصلية، وهي "السيد والسيدة سميث" (Mr. & Mrs. Smith) للمخرج دوغ ليمان، والذي حقق نجاحا كبيرا، ويتشابه العملان في ملامحهما الرئيسية، إذ يعمل الثنائي في المخابرات، ويتعرضان لهجوم.

لكن الفارق بين العملين يظهر في تطور القصة، إذ يواجه الثنائي في "السيد والسيدة سميث" بعضهما في محاولات متكررة للتصفية الجسدية، في حين يتعاون الثنائي في "العودة إلى الميدان" للنجاة بأسرتهما.

ولفيلم "العودة إلى الميدان" عوامل جذب خاصة، تمثلت في الدفء الإنساني ووجود العائلة الذي حسم موقف المشاهد للتعاطف مع الأسرة والحرص على المتابعة، وبالطبع جاء الثنائي كاميرون دياز وجيمي فوكس على رأس أسباب النجاح بمسيرة كل منهما المهنية العريقة، وقد عملا معا من قبل في فيلمي "فرص أيام الأحد" (Any Given Sunday) 1999 و"آني" (Annie) 2014، وحققا نجاحا كبيرا وانسجاما نادرا.

إعلان

ويعد الفيلم الجديد لكاميرون دياز علامة فارقة، إذ يعيدها إلى التمثيل بعد انقطاع دام 8 سنوات عن هوليود للتركيز على حياتها الشخصية، وذلك بعد أن قدمت أدوارا لا تنسى في أعمال مثل "القناع" (The Mask) 1994 مع جيم كاري، و"هناك شيء ما عن ماري" (There’s Something About Mary) 1998، و"ملائكة تشارلي" (Charlie’s Angels) 2000.

ومن الملفت أن عودتها أتت بفيلم يفتقد للأصالة رغم أدائها الرائع، وخاصة في الجانب الكوميدي.

أما جيمي فوكس فقد أثبت حضورا وتفوقا بوصفه ممثلا ومغنيا وكوميديا، وحصل على جائزة أوسكار أفضل ممثل عن أدائه في فيلم "راي" (Ray) 2004، بالإضافة إلى تميزه في فيلم "سبايدر مان: لا طريق للمنزل" (Spider-Man: No Way Home) 2021، وأظهر فوكس تنوعًا ملحوظا.

وقدم فوكس في "العودة إلى الميدان" أداء كوميديا مميزا عالج به سطحية وخواء الشخصية في السيناريو.

الفيلم مصنف ضمن الأعمال التي تصلح للمشاهدة العائلية (المصدر: آي إم دي بي) كوميديا قديمة وإخراج تقليدي

قدم المخرج سيث جوردون عملا يدرّس على مستوى الإخراج لهذا النوع من الأفلام، قامت الكاميرا المهتزة خلاله بالدور الأكبر، بالإضافة إلى القطع السريع للقطات في مشاهد الحركة، لكن جوردون لم ينجح في تقديم الجديد الذي يمكن أن يطيل عمر الفيلم في ذاكرة المشاهد.

ولم ينجح السيناريو في ابتكار مواقف كوميدية جديدة، لكنه تناول تلك المفارقات المعتادة بين أفراد الأسرة وفي حالات الصراع مع آخرين، وأصعب ما يمكن قبوله هو تلك العميلة الحامل (كاميرون دياز) التي قضت على أربعة رجال، ثم قامت بتسوية ملابسها وضحكت.

نجح الفيلم في اختيار أماكن لأحداثه تبدو أنيقة وفاخرة، لكن الأزمة أنها قد لا تنتمي لأحداث القصة في حقيقة الأمر، ورغم الجهد الذي بذله المونتير لتحسين جماليات العمل عبر دفع الإيقاع نحو التدفق، فإن الفيلم يبدو كما لو كان رسالة عن الخيانة في المخابرات المركزية الأميركية وضرورة حماية الأسرة دون أن يبذل جهدا في تحديد الحالة التي يقصدها تماما.

إعلان

مقالات مشابهة

  • مؤسسة هند رجب ترفع شكوى للمحكمة الجنائية ضد وزير الخارجية الإسرائيلي وتطالب باعتقاله
  • ماذا نعرف عن قنابل إم.كي 84 الأمريكية التي تسلّمها الاحتلال الإسرائيلي؟
  • ماذا نعرف عن قنابل إم.كي 84 الأميركية التي تسلّمها الاحتلال الإسرائيلي؟
  • شاهد | “المتغطي بالأمريكان عريان”.. سِجل أمريكا الطويل في خيانة الحلفاء
  • العودة إلى الميدان.. خيانة في المخابرات المركزية الأميركية
  • كيف باعد طوفان الأقصى بين السعودية والتطبيع مع الاحتلال؟
  • غرق ورقص لـ أحمد فهمي وميرنا نورالدين بالإعلان التشويقي لمسلسل فى لحظة
  • الصحف العربية.. صندوق إعمار عربي لغزة.. ووزير لبناني يكشف تدخلات نظام الأسد في لبنان
  • غازي زعيتر: يجب التنبه للمخاطر التي تتعرض لها سوريا من قبل الاحتلال الإسرائيلي
  • الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي: خسرنا الحرب أمام “حماس”.. هذه دولة وليست حركة