الدكتور عوض سليمية تعتبر العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة من اوثق العلاقات التاريخية التي نشأت بين دولتين، وتلعب اسرائيل من خلال ادواتها، أحد أهم الأدوار في التاثير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة وثنيها نحو مصالحها. في واشنطن كما في جميع أنحاء العالم، يعرف الجميع بأن الولايات المتحدة هي أفضل صديق لإسرائيل وأنها تقدم مليارات الدولارات من المساعدات سنويًا، وتستخدم حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن التي تدين جرائم إسرائيل، وتدعم الهجمات العسكرية لإسرائيل علنًا، ولا يتم مسائلتها عن تلك الجرائم والاعمال العدوانية من قبل اعضاء الكونجرس.
تاريخياً، في 14 مايو 1948، أعلن رئيس الوكالة اليهودية، بن غوريون، انشاء دولة إسرائيل على اراضي فلسطين. بعد 11 دقيقة فقط من هذا الاعلان، اوعز الرئيس الامريكي في حينه هاري ترومان لفريق خارجيته باعلان الاعتراف باسرائيل وتقديم الدعم اللازم لها. من منظور العلاقات الدولية، فإن السياسة الخارجية للدول هي الإستراتيجيات المختارة لحماية المصلحة الوطنية وتحقيق الاهداف العليا. ومن هذا المنظور، تساهم عدة عوامل داخلية وخارجية في تشكيل السياسة الخارجية للدولة لتحقيق النتائج المرغوبة. وعليه، فإن السياسة الخارجية للولايات المتحدة ليست استثناءً، وتتم مناقشتها في الشرق الأوسط مع الظاهرة الأبرز وهي لوبي اسرائيل. في السياق، يعزو معظم المراقبين إحتلال جدول اعمال إسرائيل لمركز الصدارة على اجندة الكونجرس وباقي المؤسسات في واشنطن، إلى تأثير ضغط منظمات اللوبي الاسرائيلي وحلفائهم، وقدرتها على سحب خيوط السياسة الامريكية بفعل المال السياسي الذي يتم ضخه في الحملات الانتخابية من انابيب المال اليهودي على اولئك المرشحين الموالين لاسرائيل، بالاضافة الى الجهود الفعالة للغاية لانصار اسرائيل المنتشرين على طول ممرات الكونجرس ومجمع الكابيتول هيل. وقد احسنت صحيفة Detroit Jewish News توصيف هذا المشهد، بقولها أن مقرات ايباك هي (معسكرات تدريب حقيقي لموظفي الكابيتول هيل). الى الوراء قليلا 2009-2017، للتذكير فقط بان سياسة واشنطن تجاه اسرائيل لا تتغير بغض النظر عن انتماء ساكن البيت الابيض سواء كان جمهورياً او ديموقراطياً، وان التزام واشنطن بدعم اسرائيل وضمان تفوقها النوعي على مجموع قوى دول الشرق الاوسط هو التزام حديدي/ ويقال فولاذي، لا يمكن كسره، وهو ما اكده العديد من الرؤساء الامريكيون بمن فيهم الرئيس الحالي جو بايدن، نستذكر هنا على سبيل المثال، خطاب الرئيس الديموقراطي باراك اوباما بتاريخ 4 يونيو 2009 في جامعة القاهرة، والذي اعلن فيه ان واشنطن ملتزمة وتدعم حل الدولتين، ولا تعترف بشرعية استمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كان هذا الاعلان بمثابة سحب عصب ضرس الفيل دون مُخدر، واثار جنون اللوبي الإسرائيلي بقيادة AIPAC ودفعه للرد بشراسة، حشدت AIPAC حلفائها داخل الكونجرس ضد الموقف الذي اتخذه اوباما، وارسلت برقية عاجلة على شكل قرار وافق عليه 328 من اعضاء مجلس النواب، و76 عضواً من اعضاء مجلس الشيوخ (من مجموع 535 عضو كونجرس) تطالب الرئيس اوباما بالتراجع فورا عن تصريحاته، والامتناع عن ادلاء أي نوع من الخطابات العلنية المتعلقة بإسرائيل، والاكتفاء بالنقاشات في الغرف المظلمة. تسابُق اعضاء الكونجرس في اعلان مواقفهم الداعمة لاسرائيل للحفاظ على مقاعدهم ليست ظاهرة جديدة، كما ان معاداتهم لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ليست غريبة او مفاجئة لنا، وإن تزامنت احياناً مع صحوة ضمير مؤقت لدى البعض منهم، فإنها سرعان ما تتبخر تحت الضغط. هذه المواقف المنحازة هي حلقة في سلسلة ممتدة من الضغط الهائل على ساكن البيت الابيض لإشهار سلاح الفيتو – منذ تاسيس مجلس الامن الدولي عام 1945 استخدت واشنطن حق النقض 82 مرة، منها 43 مرة ضد القضية الفلسطينية. الى إتخاذ قرارات بالاجماع داخل قبة الكونجرس لتفضيلات اسرائيل ومصالحها. كانت احدث نسخة في هذه الاصدارات المائلة هي، تصويت مجلس النواب الامريكي يوم الثلاثاء 18 تموز يوليو 2023، بأغلبية 412 عضواً مقابل معارضة 9 اعضاء، لتمرير قرار يدين ما وصفوه معاداة السامية ويعبر عن دعم كامل لإسرائيل، ردًا على تعليقات النائب الديموقراطية براميلا جايابال، التي وصفت إسرائيل بأنها دولة عنصرية، واكدت في تصريحاتها أن الشعب الفلسطيني يستحق حق تقرير المصير، وحذرت من تلاشي حلم حل الدولتين. هذا التصريح رفع درجة حرارة اعضاء الكونجرس من كلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري، واثار حفيظة انصار اسرائيل في واشنطن الذين شنو هجوما واسعاً على النائبة، ما دفعها للتراجع عن تصريحاتها وصوتت بنعم على القرار. ما نشهده هذه الايام من اضطرابات في العلاقة بين الرئيس بايدن ورئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو، لاسباب عديده منها الخلافات الشخصية السابقة – منذ ان كان الرئيس بايدن نائب للرئيس اوباما، والتغييرات القضائية الجارية حالياً في اسرائيل، وسياسة اليمين المتطرف التدميرية على الارض الفلسطينية. هذا التباين في المواقف ليس له انعكاس حقيقي على العلاقات الاستراتيجية الراسخة بين البلدين، ولا يمكن البناء عليه في أي اتجاه، وهو اشبه بتشويشات عابرة في ممر العلاقة الواسعة والثابتة تاريخيا بين دولتين تم تاسيسهما على التطهير العرقي والتمييز العنصري واقتلاع السكان الاصليين من جذورهم. وما يراه البعض خلافاً استراتيجياً بين بايدن ونتنياهو، بددته الامدادات العسكرية المتتابعة، والتي كان اخرها استلام جيش الاحتلال الاسرائيلي لطائرتين امريكيتين من طراز F35 قبل عدة ايام، ضمن صفقة لشراء 25 مقاتلة جديدة. الى جانب استمرار المناورات العسكرية بين جيشي البلدين لرفع الجهوزية للمواجهة المفترضة. على المستوى الدولي، يسير السيد بايدن في مسار سلفه ترامب وصفقته المرفوضة، ولا يتردد بالحديث عن ضرورة تطبيع العلاقات بين العربية السعودية وباقي الدول العربية من جهة، واسرائيل من جهة اخرى، في محاولة منه لتخليد ارثه في سجل الرؤساء الامريكيين الموالين لاسرائيل. ما يجمع اسرائيل وواشنطن بعيداً عن كذبة “الواحة الفريدة للديموقراطية في الشرق الاوسط” التي تحاول واشنطن تسويقها، هو هدف واحد: المحافظة على اسرائيل كحاملة طائرات لا يمكن اغراقها، مصممة لانفاذ مصالح المستعمر الغربي، وشريك موثوق في استمرار دعم الهيمنة الامريكية في منطقتنا. ضمن هذا المنطق القائم، وجدنا ان اوباما تراجع عن دعم حل الدولتين، وانثنى امام ضغط اللوبي الاسرائيلي واذرعه في الكونجرس والكابيتول هيل، على الرغم من موجة الاحباط الذي إنتابته بحسب تصريحات مستشاره اليهودي بن رودز. وتحت الضغط الهائل، تراجعت هيلاري كلينتون وزيرة خارجية اوباما عن تصريحاتها بضرورة وقف الاستيطان والبدء باجراءات حل الدولتين. بالمثل، وتحت قوة الضغط، صمم ترامب صفقة القرن المشؤومة. وتحت الترويع تراجعت جايابال عن تصريحاتها وصوتت ضد مبادئها. وبالمثل، تراجع بايدن عن موقفه، واعلن عن دعوته لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة البيت الابيض في وقت قريب من هذا العام، عشية استقباله الرئيس الاسرائيلي هيرتسوغ وتجديد دعمه لاسرائيل. ولاعطاء مزيداً من المصداقية على هذه الادعاءات، نستحضر تصريحات الرئيس التاسع والثلاثون للولايات المتحدة جيمي كارتر الذي قال، “سيكون من الانتحار السياسي أن يتبنى أعضاء الكونغرس موقفا متوازنا بين إسرائيل وفلسطين، أو أن يقترحوا امتثال إسرائيل للقانون الدولي أو التحدث دفاعا عن العدالة أو حقوق الإنسان للفلسطينيين، بفعل ضغط اللوبي الاسرائيلي وجماعات المصالح المؤيدة لاسرائيل”. باحث في العلاقات الدولية مدير وحدة الابحاث والدراسات الدولية زميل ابحاث ما بعد الدكتوراة مدرسة العلاقات الدولية SOIS جامعة اوتارا ماليزيا University Utara Malaysia UUM
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
السیاسة الخارجیة
للولایات المتحدة
حل الدولتین
من هذا
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية السوري يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير الدولة الليبي
تلقّى وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد الشيباني اتصالاً هاتفيًا من وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية في ليبيا وليد اللافي، حيث تم التباحث حول تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل التعاون المشترك في مختلف القضايا.
وفي بداية الاتصال، نقل الوزير اللافي رسالة من رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، والتي أكدت موقف ليبيا الثابت في دعم الشعب السوري والحكومة السورية الجديدة، وأعرب اللافي عن التزام بلاده الكامل بتعزيز العلاقات مع سوريا، مشيرًا إلى أن حكومة الوحدة الوطنية تؤكد موقفها الداعم للاستقرار السوري في إطار دعمها المستمر للحكومة السورية.
وأوضح الوزير اللافي أن رئيس الوزراء الليبي يولي أهمية كبيرة لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، من خلال تبادل الوفود بين الجانبين، كما أشار إلى أن هذه الزيارات تساهم في تعزيز التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، بما يخدم مصالح البلدين.
كما أكد على أهمية التنسيق المشترك بين ليبيا وسوريا في القضايا الإقليمية والتحولات الراهنة في المنطقة، بما يسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.
من جانبه، عبّر الوزير أسعد الشيباني عن تقديره الكبير لموقف حكومة الوحدة الوطنية الليبية الداعم لسوريا، وأكد الوزير الشيباني أن سوريا تثمّن الروابط الأخوية التي تجمع الشعبين الشقيقين، وأبدى تطلعه لتعزيز التعاون والتنسيق بين البلدين في مختلف المجالات، كما أشار إلى أهمية تعزيز الحوار المستمر في إطار تعزيز الأمن الإقليمي وتطوير العلاقات الثنائية.
وفي ختام الاتصال، تم التأكيد على ضرورة مواصلة التنسيق في القضايا الإقليمية والدولية التي تهم البلدين، كما تم التأكيد على أهمية العمل المشترك من أجل تحقيق مصالح الشعبين وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
حادثة دهس جنوب غربي القدس تسفر عن إصابة شخص
وقعت حادثة دهس ، اليوم ، في منطقة جنوب غرب القدس، حيث تم استهداف شخص بسيارة مما أسفر عن إصابته بجروح، الحادثة أثارت حالة من التوتر في المنطقة، حيث سارعت السلطات إلى اتخاذ إجراءات طارئة.
ووفقًا للمصادر الأولية، فإن الضحية، الذي يُعتقد أنه شاب يبلغ من العمر 25 عامًا، تعرض للدهس من قبل سيارة في أحد الشوارع الرئيسية بالمنطقة، وقد وقع الحادث في وقت الظهيرة، ما أسفر عن إصابة الشخص بجروح.
أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية أنها تلقت بلاغًا بالحادث على الفور، وقامت فرقها الطبية بالوصول إلى مكان الحادث بسرعة، وتم تقديم العلاج الأولي للمصاب في الموقع قبل نقله إلى المستشفى لتلقي الرعاية الطبية اللازمة، وأوضحت الخدمة أن حالته الصحية تُعتبر مستقرة، وأن إصابته طفيفة ولا تهدد حياته.
من جهتها، لم تكشف السلطات الإسرائيلية بعد عن تفاصيل دقيقة حول ملابسات الحادث، سواء كان نتيجة لحادث عرضي أو ناتج عن عمل متعمد، وأكدت الشرطة الإسرائيلية أنها فتحت تحقيقًا لمعرفة الظروف المحيطة بالحادثة.
تأتي هذه الحادثة في وقت حساس، حيث تواصل السلطات الإسرائيلية تعزيز الإجراءات الأمنية في القدس والمناطق المحيطة بها في ظل التوترات المستمرة في المنطقة، وتشهد بعض الأحياء الفلسطينية في القدس احتجاجات ومظاهرات بين الحين والآخر، ما يثير مخاوف بشأن الوضع الأمني العام.