الشهيد كمال عدوان.. فدائي أدخل العبوات الناسفة لعمل المقاومة الفلسطينية
تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT
كمال عدوان، سياسي وقيادي فلسطيني ولد عام 1935 وكان عضوا في أول مجلس وطني فلسطيني عام 1964 ومن مؤسسي حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) عام 1965، اغتاله جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) في بيروت في العاشر من أبريل/نيسان 1973 مع اثنين من رفاق دربه النضالي.
مولده ودراستهولد أحمد كمال عبد الحميد عدوان عام 1935 في قرية بربرة الواقعة في الجزء الجنوبي من الساحل الفلسطيني على الطريق بين غزة ويافا، انتقلت عائلته للعيش في قطاع غزة بعد حرب 1948 وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ولما بلغ عمر الـ17 توفي والده، وأصبح أخوه الأكبر محمد علي معيلا للأسرة.
درس كمال المرحلة الابتدائية في مدرسة بربرة، وأكمل دراسته الابتدائية بعد تهجيرهم إلى غزة في مدرسة الرمال التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا)، ودرس المرحلة الثانوية في مدرسة الإمام الشافعي وتعرف في تلك المرحلة على ياسر عرفات وخليل الوزير ورياض الزعنون. الذين شاركوه تأسيس حركة فتح لاحقا.
بعد تخرجه من الثانوية؛ انتقل إلى مصر لدراسة هندسة البترول والمعادن في جامعة القاهرة عام 1955، ولكن حالته المادية المتواضعة كانت عائقا أمام استكماله الدراسة، فسافر إلى السعودية ليعمل في مؤسسة أرامكو بمدينة الدمام.
ثم غادرها أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة ليشارك في المقاومة ثم عاد لاحقا إلى السعودية وبعدها انتقل إلى قطر لمدة عام وتعرف فيها على محمود عباس ويوسف أبو نجار، وفي عام 1968 انتقل إلى عمان ثم لاحقا إلى دمشق وبيروت.
في عام 1965 تزوج من مها الجيوسي وأنجب منها ابنته "دانة" في سبتمبر/أيلول 1968 وابنه "رامي" في أبريل/نيسان 1970، وأكمل حياته في بيروت.
حياته السياسية والنضاليةانضم عدوان إلى جماعة الإخوان المسلمين عام 1952 ثم تركها عام 1954، وبعد ذلك تبلورت لديه فكرة العمل الفدائي المسلح وأسس بناء على ذلك خلية فدائية ضمت 12 مقاتلا، وشارك مع الجماعة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لمدينة غزة عام 1956.
مع نهاية العدوان الثلاثي على مصر والاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة؛ بدأت تتشكل فكرة إنشاء جبهة فلسطينية سياسية لتوحيد التجمعات الفلسطينية المنتشرة في البلاد العربية، فكان إنشاء حركة فتح نتيجة تلك الفترة، وكانت بقيادة ياسر عرفات وخليل الوزير في الكويت، وكمال عدوان في السعودية، واستلم عدوان قيادة التنظيم في قطر بعد انتقاله إليها.
في عام 1964؛ عُقد أول مؤتمر للمجلس الوطني الفلسطيني في مايو/أيار 1964، وكان نتيجة للقمة العربية الأولى التي عُقدت في يناير/كانون الثاني من العام نفسه، وكُلِّف حينها أحمد أسعد الشقيري بالتواصل مع التجمعات الفلسطينية والدول العربية، ونتج عنه أن اختير كمال عدوان ضمن أعضاء المجلس.
غادر كمال عدوان قطر متجها إلى العاصمة الأردنية عمّان في أبريل/نيسان 1968، وذلك بعد تفرغه للعمل السياسي في فتح، إذ اختارته قيادة الحركة ليرأس مكتب الإعلام، فأنشأ صحيفة تصدر بشكل دوري، وأقام علاقات جيدة مع الجهات العربية والدولية.
وفي سبتمبر/أيلول 1970 نشب صراع بين القوات الأردنية المسلحة ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، إثر محاولة اغتيال الملك حسين، وتم اتهام منظمة التحرير بالضلوع فيها.
وانتهت الاشتباكات المسلحة بين الطرفين (عرفت بأحداث أيلول الأسود) إلى خروج الفدائيين الفلسطينيين إلى سوريا ولبنان، ومن المغادرين كان كمال عدوان الذي توجه بداية إلى سوريا ثم إلى لبنان.
في الأول من يناير/كانون الثاني 1971 عقدت حركة فتح مؤتمرها الثالث، وتم انتخاب كمال عضوا في لجنتها المركزية، إضافة لتكليفه بالإشراف على القطاع الغربي، الذي كان يشمل المهمات العسكرية والميدانية في الأراضي الفلسطينية، وذلك مع استمرار إدارته للمكتب الإعلامي في الحركة.
شهدت فترة قيادته للقطاع الغربي عمليات فدائية متنوعة الأساليب، إذ أضاف الفدائيون في عملياتهم تحت قيادته فكرة العبوات الناسفة والتفجيرات ضد القوات الإسرائيلية.
كما أسس شبكة من المجموعات ولكل منها قيادة تتصل به مباشرة بدون تواصل داخلي فيما بينها، وذلك تفاديا لكشف هيكل وخلايا العمل الفدائي في حال اكتشاف إحدى المجموعات من قِبل الاحتلال، فزاد بذلك عدد العمليات التي استهدفت المستوطنات الإسرائيلية.
وتزامن ذلك كله مع اهتمام كمال عدوان بتشجيع طلاب الجامعات في فلسطين على التظاهر المستمر ضد سلوك قوات الاحتلال، كما تم اختياره ليكون عضوا في اللجنة التحضيرية لاختيار أعضاء المؤتمر الشعبي الفلسطيني، الذي عُقد في القاهرة في مارس/آذار عام 1972.
اغتيال كمال عدوان ورفاقهفي التاسع من أبريل/نيسان 1973 نقل سلاح البحرية الإسرائيلي جنودا إسرائيليين من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى ميناء بيروت، وذلك عبر 19 زورقا مطاطيا، بينهم 21 جنديا من "سرية هيئة الأركان العامة"، و34 جنديا من القوات الخاصة البحرية، و20 جنديا من سرية المظليين، ثم انتقلوا من الميناء عبر سيارات أوصلتهم إلى نقاط تنفيذ العملية المخطط لها، والتي كانت تستهدف قيادات من حركة التحرير الفلسطينية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في بيروت، إضافة إلى وصول جنود إسرائيليين إلى بيروت عبر مروحيات وقاموا بعمليات إنزال في أماكن محددة تتمركز فيها المقاومة الفلسطينية.
قاد إيهود باراك جنود القوات الخاصة الواصلين إلى بيروت، وكان معه كلٌّ من سييريت متكال وعمرام ليفين وموكي بتسار نائبا له، وكان هدفهم الوصول إلى 3 من قيادات حركة فتح واغتيالهم، بينما توجهت مجموعة أخرى من الجنود إلى المقر الرئيسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين واشتبكت مع مقاتليها، بعدها فخخ الجنود الإسرائيليون المبنى وفجروه، وهو ما أدى إلى انهيار جزء منه واستشهاد عدد من عناصر الجبهة.
في اليوم التالي تنكر إيهود باراك ومن معه بثياب نسائية، وهو ما سهل تنقلهم وسط بيروت ووصولهم إلى مقر قيادة حركة فتح، وهاجموه، وهذا ما أدى إلى استشهاد القائد العام لقوات العاصفة وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس اللجنة السياسية لشؤون الفلسطينيين في لبنان أبو يوسف النجار.
واستشهد أيضا عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والناطق الرسمي لها كمال ناصر، إضافة إلى كمال عدوان ونحو 30 فلسطينيا من منتسبي حركة فتح والجبهة الديمقراطية.
ونتيجة عملية اغتيال القادة؛ قررت قيادة منظمة التحرير وقف نشاطها مؤقتا بسبب اختفاء وثائق من مكاتب الحركة في بيروت بعد العملية، وتلك الوثائق كانت مرتبطة بمعلومات عن مجموعات فدائية داخل الأراضي المحتلة، وبعد مرور 21 ساعة على العملية قدم رئيس الحكومة اللبنانية حينها صائب سلام استقالته عقب رفض الرئيس اللبناني سليمان فرنجية إقالة عدد من كبار الضباط في الجيش بسبب فشلهم في رصد الهجوم الإسرائيلي مُسبقا أو مواجهته.
كما أطلق الإعلام الإسرائيلي على العملية لاحقا اسم "ربيع الشباب"، ووضعها ضمن سردية الرد على عمليات حركة فتح في خطف الطائرات التي تحمل الإسرائيليين و"عملية ميونخ" التي استهدفت البعثة الرياضية الإسرائيلية في مدينة ميونخ الألمانية، والتي خططت لها حركة فتح ونفذتها ردا على اغتيال الكاتب غسان كنفاني.
عملية فدائية باسم "كمال عدوان"في التاسع من مارس/آذار 1978 انطلقت سفينة من الساحل اللبناني تقل 13 مقاتلا فلسطينيا من ضمنهم "جهاد"، وهو الاسم الحركي للفدائية دلال المغربي، وحملت المجموعة اسم "فرقة دير ياسين"، ثم استقلوا زوارق مطاطية بقوا فيها يومين في البحر بسبب الرياح القوية وسوء الأحوال الجوية، وأوصلتهم لاحقا إلى الشاطئ المجاور لمستوطنة "معجان ميكائيل" التي تقع على بعد 25 كيلومترا جنوب مدينة حيفا.
وعلى الطريق الواصل بين تل أبيب وحيفا، وفي 11 مارس/آذار؛ كانت حافلة تحمل إسرائيليين تتوجه إلى تل أبيب، فخطفها الفدائيون واشتبكوا مع مجموعة من الجيش الإسرائيلي، وهو ما أدى إلى مقتل كل من في الحافلة وجنديين إسرائيليين واستشهاد 9 مقاومين بينهم دلال.
كما أسرت إسرائيل في هذه العملية الفدائيين محمود فياض وخالد أبو أصبع، اللذين بقيا في السجون الإسرائيلية حتى عام 1985 وخرجا بعد صفقة تبادل بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والحكومة الإسرائيلية، وحملت العملية اسم "كمال عدوان" ردا على اغتياله، وكانت نتيجتها أن شن الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية على جنوب لبنان في الشهر نفسه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أبریل نیسان کمال عدوان فی بیروت حرکة فتح
إقرأ أيضاً:
مقترح بلا ضمانات… لماذا ترفض المقاومة الفلسطينية المقترحات “الإسرائيلية”؟
في الوقت الذي تتصاعد فيه الدعوات الدولية لاستئناف الهدنة في قطاع غزة، تبدو الفجوة بين طروحات الاحتلال الإسرائيلي ومطالب المقاومة الفلسطينية أوسع من أي وقت مضى، فالمقترح الإسرائيلي الأخير، الذي رُوّج له إعلاميًا باعتباره خطوة نحو التهدئة، لا يحمل في طياته سوى شروط تعكس أهدافًا استراتيجية تسعى لتفكيك قوة حماس وسحب أوراقها التفاوضية، في مقابل تقديم تنازلات شكلية لا تلبّي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية.
هدنة مؤقتة لا تلبي الشروط الأساسية
الموقف الفلسطيني الرافض لمقترح الاحتلال لم يكن وليد رغبة في التصعيد، بل جاء كرد طبيعي على بنود تحمل نوايا خفية أكثر من كونها مبادرات سياسية، فحسب مصدر بارز في المقاومة، فإن جوهر الطرح الإسرائيلي لا يستجيب للمطالب الجوهرية المعلنة، وعلى رأسها وقف شامل ودائم لإطلاق النار، وانسحاب كامل لقوات الاحتلال من القطاع، وبدلًا من ذلك، يقترح الاحتلال “هدنة مؤقتة” مدتها 45 يومًا، يُسمح خلالها بمرور المساعدات الإنسانية عبر المعابر، ولكن بشروط يحددها الجانب الإسرائيلي، ما يُبقي قبضة الحصار مفروضة ولو بصيغة جديدة.
الهدف غير المعلن: نزع أوراق القوة من يد حماس
القراءة التحليلية لبنود المقترح تشير إلى أنه لا يُراد له أن يكون اتفاقًا لإنهاء الحرب، بل أداةً لفرض وقائع سياسية جديدة، فتركيز المقترح على استعادة تسعة أسرى إسرائيليين، بينهم جندي يحمل الجنسية الأمريكية، يعكس رغبة الاحتلال في استعادة “ورقة الأسرى” كأولوية تفوق أي اعتبار إنساني يتعلق بأهالي غزة، بل إن المصدر ذاته يؤكد أن الطرح يهدف إلى سحب هذه الورقة تدريجيًا من يد حماس، باعتبارها أحد أهم عناصر الضغط التي تملكها الحركة.
ويُضاف إلى ذلك، تضمّن المقترح بندًا ينص على إعادة تموضع الجيش الإسرائيلي في غزة على نحو ما كان عليه قبل الثاني من مارس، وهي صيغة تعني استمرار الاحتلال الفعلي، سواء عبر التمركز العسكري المباشر أو السيطرة على المجالين الجوي والبحري، بما يفرغ أي حديث عن “التهدئة” من مضمونه الحقيقي.
استراتيجية “التهدئة المشروطة”.. إعادة إنتاج الحصار
من الناحية السياسية، يبدو أن “إسرائيل” تسعى لإعادة صياغة مفهوم الحصار عبر أدوات جديدة، فبدلًا من الحصار العسكري الصريح، يُطرح الآن “فتح مشروط للمعابر” لفترة مؤقتة، بما يُبقي مصير غزة بيد الاحتلال، وهذه الاستراتيجية تُعيد إلى الأذهان سيناريوهات التهدئة السابقة التي فشلت لأنها لم ترتكز على ضمانات دولية ملزمة، ولم تُحقق أي تغيير جوهري في حياة الفلسطينيين، بل إن هذا النوع من التهدئة المشروطة يُستخدم عادة لكسب الوقت، وإعادة التموضع، وتفكيك المقاومة من الداخل عبر خلق حالة إنهاك وإرباك سياسي وأمني.
إعادة التمركز لا تعني الانسحاب
البند المتعلق بـ”التمركز العسكري قبل الثاني من مارس” لا يمثل سوى عودة إلى مرحلة تصعيدية سابقة، فهذا التاريخ يُمثل ذروة العمليات البرية التي شنّها جيش الاحتلال داخل القطاع، وبالتالي فإن العودة إلى تلك الوضعية تُعدّ بمثابة تثبيت لواقع الاحتلال وليس العكس، كما أن المقترح لا يشير إلى أي نية للانسحاب الكامل من غزة، وهو مطلب جوهري لدى المقاومة، ما يُفقد المقترح أي جدية في تحقيق تهدئة حقيقية.
الرهان على الزمن.. تكتيك إسرائيلي مألوف
ما تقوم به “إسرائيل” ليس جديدًا؛ فالرهان على عامل الزمن، عبر مقترحات مؤقتة، هو جزء من تكتيكها المعروف لإدارة الصراع وليس حله، وقد استخدمت هذه الاستراتيجية في جولات سابقة من المواجهة، حيث تسعى لتجميد الوضع الميداني لفترة محددة، تسمح لها بإعادة ترتيب أوراقها العسكرية والسياسية، دون أن تُقدّم أي التزامات حقيقية للفلسطينيين، وفي هذا السياق، فإن ما يُطرح اليوم لا يختلف في جوهره عن مبادرات سابقة فشلت لأنها لم تكن سوى محاولات لفرض الاستسلام بغطاء دبلوماسي.
حماس بين الضغط والتريث
المعطى الجديد في المشهد هو موقف حماس، التي لم تُعلن رفضها الرسمي للمقترح لكنها لم تُقدّم ردًا نهائيًا أيضًا، ما يدل على أن الحركة تدير الموقف بتأنٍ شديد، في ظل توازن معقد بين الضغوط العسكرية والسياسية والإنسانية، فالحركة تدرك أن أي خطوة نحو قبول مقترح هشّ قد يُفقدها دعمًا شعبيًا واسعًا، وخاصة في ظل تصاعد الغضب الفلسطيني والعربي نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته، فإن التريث يسمح لحماس بقراءة المشهد الإقليمي والدولي، وخاصةً في ظل تنامي الأصوات المطالبة بوقف فوري للحرب، وارتفاع منسوب الإدانة للجرائم الإسرائيلية.
غياب الضمانات الدولية.. مأزق أي اتفاق محتمل
ما يفاقم هشاشة المقترح الإسرائيلي هو غياب أي آلية دولية تضمن تنفيذ بنوده. فحتى في حال قبول حماس بوقف مؤقت لإطلاق النار، فإن التجربة السابقة تُظهر أن الاحتلال لا يلتزم بأي تفاهمات ما لم تُقيدها قوة دولية قادرة على المحاسبة، وفي ظل تواطؤ بعض القوى الكبرى مع الرؤية الإسرائيلية، وتراجع فعالية المؤسسات الدولية، تبدو أي ضمانات مجرد وعود شفوية لا تلبث أن تنهار تحت ضغط التغيرات الميدانية.
الخشية من فخ النزع التدريجي للسلاح
أخطر ما في الطرح الإسرائيلي هو ما بين السطور.. فتح الطريق أمام مرحلة جديدة من الضغط السياسي والعسكري لنزع سلاح المقاومة، دون خوض معركة مباشرة، فالمقترح يُمهّد لحالة من التفكيك التدريجي لقدرات حماس، عبر إدخالها في مسارات تفاوض طويلة، تُستنزف خلالها سياسيًا وعسكريًا، ويُعاد فيها تشكيل البيئة الأمنية في غزة وفقًا للرؤية الإسرائيلية، وهذا ما يُفسر إصرار المقاومة على التمسك بشروطها الأساسية، ورفضها لأي صيغة تُعيد إنتاج الاحتلال أو تُفرّغ انتصاراتها الميدانية من مضمونها.
في النهاية، في ضوء ما تقدّمه “إسرائيل” من مقترحات ظاهرها التهدئة وباطنها الهيمنة، تبرز معادلة جديدة تُختبر فيها صلابة الموقف الفلسطيني وقدرته على الصمود السياسي بعد الصمود الميداني، فالعرض الإسرائيلي الأخير ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من المحاولات التي يسعى من خلالها الاحتلال لتفكيك بنية المقاومة، ليس عبر الحرب المفتوحة فقط، بل من خلال ما يُروّج له كمساعٍ دبلوماسية وإنسانية.
تركيز الاحتلال على استعادة الأسرى، وإصراره على فتح المعابر بشروطه، وتحديده لفترة تهدئة مؤقتة، ثم الإبقاء على وجوده العسكري بطريقة أو بأخرى، كلها مؤشرات على أن المقترح يفتقر لأي نية حقيقية لإنهاء العدوان، بل يُراد له أن يكون وسيلة ضغط مركبة: استنزاف سياسي لحماس، وإنهاك مجتمعي لسكان غزة، وتلميع لصورة “إسرائيل” دوليًا على أنها تسعى لـ”السلام”، لكن ما يغفله الاحتلال أن المقاومة الفلسطينية، وبعد سنوات من المواجهة والخبرة، لم تعد أسيرة الأوهام الدبلوماسية، فقراءة الحركة للمقترح تعكس نضجًا في فهم أبعاد الصراع، وتؤكد أن الميدان ليس وحده من يحسم المعركة، بل الوعي بطبيعة الخصم وأدواته السياسية.