(عملية سياسية تستثني المؤتمر الوطني وواجهاته) لماذا؟

بابكر فيصل

في أثر إندلاع حرب الخامس عشر من أبريل 2023 واستمرارها حتى اليوم، طفت على السطح دعوات لعقد “حوار سياسي شامل لا يستثني أحد”، والمقصود من هذه الدعوات بشكل مباشر هو إشراك حزب المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية التابعة له في أية عملية سياسية تعقب عملية وقف إطلاق النار بين طرفي الحرب: الجيش والدعم السريع.

من جانب، يتمثل مصدر هذه الدعوات في أطراف عديدة متحالفة (علناً أو سراً) مع المؤتمر الوطني منذ سقوط نظام الإنقاذ وطوال فترة حكومة الإنتقال المنقلب عليها، ومن جانب آخر، هناك أطراف تعتقد بصدق أنه لا يمكن إيقاف الحرب إلا بعدم إستثناء المؤتمر الوطني من المشاركة في أية حل قادم للأزمة الوطنية بإعتبار أنه الطرف المتحكم في قرار الجيش ولا يمكن إنتزاع موافقة الأخير على وقف الحرب قبل أخذ الضوء الأخضر من الطرف الذي يتحكم في قراره.

وبغض النظر عن مصدر هذه الدعوات، الصادق منها والكاذب، فإنَّ الرفض لمشاركة المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية التابعة له في أية عملية سياسية قادمة لا ينبع من رغبة في الإقصاء أو محاولة لإستئصال فكر معين كما يدعي بعض المغرضين، بل تقف وراءه أسباب موضوعية مرتبطة بالموقف من ثورة ديسمبر المجيدة وشعاراتها وقضية التحول المدني الديمقراطي في البلاد.

من ناحية، المؤتمر الوطني ليس حزباً سياسياً مدنياً طبيعياً، بل هو منظومة عسكرية وأمنية، وتنظيم قابض على بيروقراطية الدولة، ومن ناحيةٍ أخرى، فإنه حزب سيطر على دفة الحكم لمدة 30 عاماً ولم يقم حتى اليوم بكتابة سطر واحد ينتقد فيه تجربته السلطوية الفاسدة، بل هو يعتبر أن الثورة التي شارك فيها ملايين السودانيات والسودانيين ليست سوى إنقلاب عسكري على حكمه الشمولي المجرم.

هذا الكلام ليس مجرد تهويمات خيالية أو “كيزانوفوبيا” كما يسميها بعض المثقفين المتنطعين، بل هى حقائق يشهد عليها الواقع في مسار الحرب الحالية (كتائب البراء والبنيان المرصوص، هيئة العمليات الخ)، تشهد عليها كذلك الممارسات السلطوية في الولايات التي يسيطر عليها الجيش (المؤتمر الوطني) والتي تتمثل في القرارات السياسية وخطاب التعبئة والحرب الشعواء والملاحقات والتصفية التي تستهدف كل أطياف قوى الثورة من أحزاب سياسية ولجان مقاومة ولجان التغيير وشخصيات مستقلة.

إنَّ سيطرة المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية على الدولة أمرٌ إعترف به رأس النظام في الفيديوهات التي سربتها قناة العربية في عام 2020 والتي قال فيها بصراحةٍ تامة: (الإخوان ليسوا في القيادة فقط، بل كل مفاصل الدولة يُسيطرون عليها, ومن يُعيبون علينا السيطرة على مفاصل الدولة، وأننا أتينا بالإخوان ومكنَّاهم أن يشاهدوا ما حدث للإخوان في مصر، لأنَّ كل مفاصل الدولة كانت ضدهم، لذلك أخرجوا من الدولة في يوم واحد) إنتهى.

إنَّ أكثر “مفاصل الدولة” التي سيطرت عليها الحركة الإسلامية هى المفاصل العسكرية والأمنية (الجيش، الشرطة، جهاز المخابرات) حيث ظلت هذه المفاصل تمثل “النواة الصلبة” للتنظيم والأداة المتقدمة لهزيمة أية مشروع وطني ديمقراطي، وقد تجلى ذلك بوضوح خلال الفترة الإنتقالية الموءودة التي مثلت فيها هذه الأجهزة وسيلة التعويق الرئيسية لمسيرة التحول الديمقراطي وليس أدل على ذلك من إنقلاب 25 أكتوبر.

الدعوات المغرضة لعدم إستثناء المؤتمر الوطني من العملية السياسية تتعمد الإغفال عن هذه الحقائق الساطعة المتمثلة في سيطرة الحركة الإسلامية على المؤسسات العسكرية والأمنية، وتتحاشى الإجابة على السؤال المهم و الصعب : هل يوافق المؤتمر الوطني على التخلي عن هذه “النواة الصلبة” ليصبح حزباً سياسياً طبيعياً يتنافس مع الأحزاب الأخرى وفقاً لقواعد اللعبة الديمقراطية؟

الإجابة الواضحة حتى الآن هي: لا. ولذا فإنَّ مشاركة المؤتمر الوطني في العملية السياسية تهدف في المقام الأول إلى تجاوز أية حديث عن “تفكيك نظام الثلا ثين من يونيو 1989” وهو البند الذي أشعلت الحركة الإسلامية بسببه الحرب المدمرة الحالية، وهو كذلك البند الذي تقوم  بتوظيف جميع أدواتها السياسية والعسكرية والدبلوماسية والإقتصادية والإعلامية من أجل عدم تضمينه في أية عملية سياسية قادمة.

الحيلة التي يستخدمها المؤتمر الوطني والمثقفين المعطوبين الذي يوالونه والتي يُريدون الإلتفاف بها على بند التفكيك تتمثل في قولهم : “محاسبة الأفراد الذين إرتكبوا جرائم وفقا للقانون”، وهم يعلمون علم اليقين أنَّ القضية أبعد من فساد الأشخاص بل هى قضية “تمكين سياسي وعسكري واقتصادي” شامل لا يمكن مواجهتها بالقانون الذي وضعته ذات السلطة التي طبقت سياسة التمكين وبنفس القضاة ورجال النيابة الذين تم تمكينهم من قبل المؤتمر الوطني، بل يجب تفكيكها عبر رؤية (سياسية/قانونية) لا تهدف لإستئصال المؤتمر الوطني من الدولة و المجتمع (وهو على كل حال أمرٌ مستحيل) بل تسعى لمحو آثار مختلف نواحي التمكين وضمان حياد كافة أجهزة الدولة من التوجهات السياسية والآيدولوجية.

إنًّ أية محاولة لإشراك المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وواجهاتها في العملية السياسية تعني قطع الطريق أمام مسيرة التحول المدني الديمقراطي مرة وإلى الأبد، فهذا الحزب لا يعترف حتى الآن بالتغيير الذي أحدثته الثورة وليس لديه أية رغبة في مراجعة تجربته في الحكم ولا يفكر في التخلي عن “النواة الصلبة” التي يتوسل بها للسلطة، ولذا فإنَّ على المغرضين من دعاة “عدم إستثناء أي جهة” أن يكفوا عن هذه الدعوة الملغومة، أما الصادقين منهم فيجب عليهم النظر بعمق في مآلات إشراك المؤتمر الوطني في ظل المعطيات التي أتينا على ذكرها في هذه الأسطر.

وتظل العملية السياسية القادمة مفتوحة لمختلف مكونات “تيار الإسلام السياسي” من الأحزاب والأفراد الذين صححوا موقفهم من ثورة ديسمبر وشعاراتها، وناهضوا الإنقلاب العسكري وطالبوا بوقف الحرب العبثية المدمرة.

* رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي

الوسومالتجمع الاتحادي الجيش الحركة الإسلامية الدعم السريع السودان المؤتمر الوطني بابكر فيصل مصر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: التجمع الاتحادي الجيش الحركة الإسلامية الدعم السريع السودان المؤتمر الوطني بابكر فيصل مصر المؤتمر الوطنی من الحرکة الإسلامیة العملیة السیاسیة مفاصل الدولة عملیة سیاسیة فی أیة

إقرأ أيضاً:

ندوة سياسية تناقش أدوار ثوار11 فبراير في الحفاظ على منظومة الدولة ومقارعة الانقلاب

 

أكدت ندوة سياسية أقيمت، اليوم، بمدينة مأرب احتفاء بالعيد الـ14 لثورة11فبراير2011م الشبابية السلمية، على أهمية التلاحم الوطني وتوحيد الصف والكلمة في هذه المرحلة الاستثنائية التي يمر بها الوطن، من أجل القضاء علی عصابات مخلفات الإمامة الكهنوتية السلالية التي أطلت برأسها اليوم بثوب جديد وبدعم من النظام الإيراني، واستكمال ترسيخ مداميك القانون والعدالة والنظام الجمهوري.

 

وأوصت الندوة التي نظمها المنسقية العليا للثورة اليمنية"شباب" بعنوان (أدوار ثوار11فبراير في الحفاظ على منظومة الدولة ومقارعة الانقلاب)، بغرس مباديء وأهداف ثورة الـ 11 من فبراير السامية في عقول ووعي الأجيال ، والتي أسست لرؤىً جديدة في النضال السلمي، ورسمت دور الأجيال في استمرار مسيرة التحرر لاستكمال تحقيق الأهداف،وتحقيق مصالحة وطنية شاملة والمضي باليمن في دروب المستقبل المشرق،وإسقاط مشروع ومشاريعه الكهنوتية،وترسيخ نظام حكم جمهوري ديمقراطي رشيد.

كما دعت الندوة إلى احترام الحقوق والحريات وحمايتها ،والقضاء على فلول مليشيا الحوثي الإمامية الكهنوتية السلالية الاستبدادية ، والتمييز الطبقي الذي تكرسه هذه السلالة في المجتمع لتتغذى عليه.

 

ولفتت الندوة إلى أن ثورة 11فبراير التي يحتفى هذه الأيام بعيدها الـ14 ،رسمت بسمو اهدافها معالم المستقبل في ظل نظام تتحقق في ظله قيم الانفتاح على العالم والتعايش بين أبناء الشعب ومع شعوب العالم ، على أسس العدالة والمساواة وصون الكرامة والعزة، والرفع من المستوى المعيشي والاجتماعي.

 

وأكد المشاركون في الندوة، أن محاولات مليشيا الحوثي أحفاد الإمامة وبقايا مخلفات الكهنوت اليوم،الهادفة إلى إعادة اليمن إلى عصور العبودية والاستبداد والقهر والأغلال، ستبوء بالفشل.....مؤكدين على أهمية مواصلة الدرب الذي انبثقت منه طموحات الأحرار والسير بخطی واثقة نحو استكمال المشروع الثوري الذي انتهجه أبطال ثورتي 26 سبتمبر وَ14أكتوبر .

 

وناقشت الندوة التي شارك فيها نخبة من الأكاديميين والباحثين والسياسيين والإعلاميين،أربع أوراق عمل خصصت الورقة الأولى للدكتور عبدالقادر سعيد ،تحت عنوان "أدوار ثورة فبراير في الحفاظ على منظومة الدولة" موضحة أن ثورة فبراير كانت لحظة فارقة عززت روح المقاومة، حيث كان شبابها في طليعة المواجهة ضد الانقلاب، وأسهموا في إعادة تشكيل الوعي الوطني في مواجهة مشروع الإمامة.

فيما تناولت الورقة الثانية لداوود علوة،" إنجازات ثورة فبراير المجيدة" في الوضع المعيشي والتعليمي والثقافي .

 

وتطرقت الورقة الثالثة للصحفي محمد الجماعي إلى"مواجهة ثوار فبراير لانقلاب الحوثي"،موضحا فيها أن حياة الثائر كلها مقاومة،وكل خطاب اعتذاري عن11فبراير غير مستساغ،فيماطرقت الورقة الرابعة للدكتور عمر ردمان إلى"رؤية ثورة وثوار فبراير لمستقبل اليمن"،وانها لم تكن مجرد فعاليات احتجاجية بل فعل تغييري،وأن هذه المرحلة هي جولة ثانية من الثورة تبلورت لمقاومة الثورة المضادة.

 

وأثريت الندوة والأوراق بالمداخلات والإضافات التي أكدت ضرورة خلق وعي جمعي بأهمية الثورة للخلاص من مليشيا الانقلاب. 

 

مقالات مشابهة

  • غادة أيوب: يبقى جيشنا فوق كل الافتراءات التي يروجها أتباع إيران في لبنان
  • مصر وإسبانيا تؤكدان ضرورة احترام وحدة وسلامة أراضي السودان وإطلاق عملية سياسية شاملة
  • ابراهيم الصديق على يكتب: اجندة المستقبل فى رؤية الوطني (1-2)
  • بين معاداة الإصلاح ونوايا المؤتمر الوطني الفلسطيني
  • المؤتمر الوطني الفلسطيني يختتم فعالياته في الدوحة
  • ندوة سياسية تناقش أدوار ثوار11 فبراير في الحفاظ على منظومة الدولة ومقارعة الانقلاب
  • السيسي: أؤكد أهمية البدء في عملية سياسية تشمل جميع أطياف الشعب السوري
  • برعاية خادم الحرمين.. تنظيم مؤتمر "المذاهب الإسلامية" في مكة المكرمة
  • المؤتمر الوطني الفلسطيني: إنقاذ قضية وشعب
  • برعاية خادم الحرمين الشريفين.. رابطة العالم الإسلامي تنظم مؤتمر “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” في مكة المكرمة