وضعت أسس الإتيكيت في الأساس كي تهب القوة لمن يتمسك بها. حتى أن إحدى قواعد الإتيكيت العشرة المشهورة هي محاولة التمسك بقواعده في حالات الظهور العلني أكثر مما سواه لأنه من علامات القوة. جرت العادة بين البشر أن من يستطيع التحكم في نفسه يكون الأقوى، ومجموع آداب السلوك هو محاولات لتقويم سلوكك وتحويله لشكل تريد أنت أن تظهر به.
لعلنا لاحظنا في العقود الثلاثة الأخيرة من عمر الحياة تغييرات قاسية على الإتيكيت. أقول قاسية لأنها غيرت قواعد السلوك تغييرات كثيرة متتالية كأسلوب المطرقة الصغيرة للنحات التي تغير شكل الحجر بطرقات صغيرة متتالية تمنحها القدرة على تغيير تفاصيل دقيقة متجاورة تنتج شكلًا مختلفًا تمامًا بكل تفاصيله إلا حجمه. وهو ما يحدث هنا بالضبط. استطاع التعامل مع مفاهيم الحريات المتنامية خلال العقود الثلاثة التي نتحدث عنها إلى ظهور تصرفات سلوكية مختلفة في محافل دبلوماسية عالية.
استطاع الدبلوماسيون الأمريكيون أن يغيروا كل آداب الطعام حين أقدموا على إلغاء الحساء من قائمة الطعام، ليقدموا كل الطعام دفعة واحدة وربما في طبق واحد، السلاطة مع الطبق الرئيسي وأمامك في ذات الوقت طبق للفاكهة وآخر للحلوى تأخذ منه ما تريد بعد الانتهاء من طعامك. يبدو الأمر مربكًا حين تأتي من بلد كفرنسا يتفق أهلها على أن يقدم كل صنف منفردًا ثم يرفع طبقه ليأتي الصنف الذي يليه. شاع الأسلوب الأمريكي بين الناس سريان النار في الهشيم بين سكان العالم. فأضاف الأمريكون استخدام اليد اليمنى في استخدام الشوكة. لا يستطيع أحدنا أن ينسى وهو يتابع هذا الأمر أن ينسى مقولة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون "إن الأسلوب القديم لتقديم الطعام يأخذ الكثير من الوقت ويقدم القليل من الطعام". يعبر هذا باختصار عن نمط الحياة الأمريكية الشديد العملية بين سكان أمريكا الذين يحاول حكامهم إظهار القرب منهم طوال الوقت لكسب نقاط لديهم.
نجد في الشرق الأوسط تغييرات مشابهة لاسيما وأنه عامر بالدول التي تحكمها حكومات استقلت بثورات شعبية عن حكومات استعمارية. تعتمد ثقافات الاستقلال على دعوات المساواة والتعبير عن شكل حياة يشبه حياة العامة لأن حاكمهم منهم في الأساس. فحتى الحكومات الملكية في المنطقة بدأت تتأثر بذلك. تجد تصرفات لم تكن مقبولة من قبل. إذ يقبل الحكام وأسرهم العامة بحرارة في اللقاءات الرسمية، ويرتدون النظارات الرسمية في استقبالات رسمية لشخصيات زوار كبيرة المقام، ويحتفظون بالسير إلى جوار عقيلاتهم في حالة عفوية ودودة. كل ذلك يمثل تغييرًا في كتاب الإتيكيت والمراسم.
تستطيع أن تلاحظ ما أقول في كثير من التصرفات على المستويات الدبلوماسية. إلا أن العالم المتغير يحتاج لقواعد سلوك متغيرة تناسبه. وعلينا أن نسجل هذه القواعد ونستجيب لها إذا كانت بدورها تستجيب لاحتياجات حياتنا. وضع القواعد قبلنا أشخاص احتاجوا لها كي تصبح حياتهم أفضل، نستطيع أن نغيرها بما يجعل حياتنا نحن أيضًا أفضل. ويمكننا أن نتحدث في تفاصيل أكثر خلال مقالات قادمة.
د. نهله الحوراني: أستاذة بقسم الإعلام – آداب المنصورة
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: السلوك
إقرأ أيضاً:
بلزوم التنويه في قضية تغيير العملة
بلزوم التنويه في قضية تغيير العملة:
اعتقد انني منذ اثني عشر عاما ربما اول من وضع علي طاولة الأجندة قضية سوء ادارة العملة بالطباعة المفرطة وغير ذلك من فساد السياسة النقدية. وذكرت ان المشكلة تتعدى الاقتصاد لتهدد صميم الامن القومي.
وكتبت ايضا ان سوء ادارة العملة استفحل بعد سقوط البشير. وفي عشرات المقالات تناولنا جوانب مختلفة من المشكل بما في ذلك قضية تغيير العملة من نواحي نظرية وتطبيقية.
في الاسابيع السابقة اتصل بي العديد من اهل الصحافة والأصدقاء ألذين اعرف بعضهم ولا اعرف بعض منهم وسألوا عن رأيي في عملية تغيير العملة التي تجري الان.
ردى ان هذه الصفحة لم تنكص عن الادلاء برأيها في قضية وليفرح من يفرح وليشرب الاخرون بحر القلزم.
ولكن حتي الان لم نعلق علي تغيير العملة الذي يتم الان في الشاحن لانه في جوهره عملية امنية اكثر من كونها اقتصادية فنية.
ولا ادري تفاصيل دوافع التغيير ولا طريقة تطبيقه نسبة لغياب المعلومات الموثوقة. ونحن قوم لا نفتي حتي نعلم ما يكفي من جوانب الموضوع وفي غياب المعلومات الكافية نمسك عن إصدار الفتاوي. ونعتقد ان الإمساك عن اصدار الأحكام في غياب المعلومات او المعرفة اللازمة فضيلة فكرية.
عموما لا ضرر من تغيير العملة في حد ذاته ولكن لا استطيع التعليق علي سلامة او عدالة تفاصيل التطبيق لغياب المعلومات لدي.
ولهذا السبب نفسه قل تعليقنا علي قضايا الاقتصاد التي ركزت عليها الصفحة سابقا بهدف اثارة انتباه واهتمام القارئ العادي الذي يذبحه الحديث عن الاقتصاد بتلك اللغة الكهنوتية المعسمة.
اذ لا توجد حاليا سياسة اقتصادية ولا معلومات موثوقة والبلد في حالة تشبث بالبقاء اولويته إدارة كارثة مركبة.
معتصم اقرع
إنضم لقناة النيلين على واتساب