شيخ الأمين السوداني.. زعيم صوفي أم عميل مخابرات؟
تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT
شيخ الأمين، ذلك الصوفي السوداني الذي لم يتفق الناس على وصف له، هل هو رجل سخره الله لخدمة أهله في وقت عز فيه كل شيء، أم عميل مخابرات يخفي نفسه في أزياء درويش حتى وإن بدت عليه ملامح ذوي النعم؟
الجزيرة نت سعت لإماطة اللثام عن هذه الشخصية المثيرة للجدل عبر هذه القصة…
ملامح من مسيد شيخ الأمينقبل سنوات خلت ذهبت في معية عدد من الأصدقاء لزيارة شيخ الأمين عمر الأمين في مسجده بأم درمان والذي يطلق عليه "المسيد" كغيره من المرافق الصوفية في السودان، كان الشيخ الأمين يستقبل ضيوفه في صالون فسيح وأنيق في كامل هندامه تسبقه ابتسامة واسعة يرتدي جلبابا أبيض لا يخلو من الزركشة مع عباءة غامضة اللون وعمامة تتعدد ألوانها لتتسق مع كامل هندام الرجل.
ذات التنوع في الزي يحفل به المسيد حيث يتحرك شباب من الجنسين في أرجاء المكان المشحون بالحركة، أصوات طبول ترن وشباب من الجنسين يجمع بينهم رغد العيش وبهاء المظهر يقفون على خدمة الضيوف وبعضهم يغرق في الذكر والتراتيل الصوفية.
بدا المشهد متسقا مع الصورة الذهنية التي رسمها الإعلام لهذا الرجل الصوفي المثير للجدل. على غير عادة شيوخ الصوفية، لا يبدو على شيخ الأمين التقشف بل يجعل نعم الله تتحدث؛ سيارات فارهة في خدمته، مع رفاهية تظهر في كل حركات الرجل.
تجاوز المألوف بالتفريق بين الرجال والنساء في حلبة الإنشاد الصوفي. هنا يصف الباحث محمد جلال هاشم الرجل مثار الجدل بأنه شيخ حداثي بما أضاف من تجديد للحركة الصوفية إلا أن آخرين يرون غير ذلك ويعتبرون كل تلك الإضافات مجرد بدع تسيء للمؤسسات الصوفية الراسخة في السودان.
من أين أتي شيخ الأمين؟في رحلة البحث عن شيخ الأمين نتوقف مع الدكتور عبد الله عثمان أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم وهو رفيق شيخ الأمين في الدراسة في المرحلة الأولية وجاره في السكن بأم درمان والذي تحدث للجزيرة نت مقدرا أن شيخ الأمين ولد في عام 1966 وكان أكبر أبناء عمر الأمين المعروف باهتماماته الرياضية والذي يعول أسرة متوسطة لا يختلف حالها في البساطة عن غيرها من سكان حي ود البنا الشعبي.
ووفقا لزميل الطفولة والصبا كان الأمين شابا عاديا مثل كثير من أقرانه ليست له اهتمامات سياسية ولا تدين يميزه عن غيره حتى سافر إلى المملكة العربية السعودية للدراسة الجامعية عبر تسهيلات قدمها نائب رئيس مجلس السيادة وقتها وابن الحي إدريس البنا لعدد من الشباب.
ليس زميل الطفولة عبد الله على يقين أن كان ابن حيه قد أكمل الدراسة الجامعية إلا أن خالد الأزرق المقيم بنيويورك والمتحدث باسم المسيد يؤكد أن شيخ الأمين أكمل دراسته في إحدى الجامعات السعودية دون أن يحددها بالاسم.
في مستهل التسعينيات عاد الأمين إلى ذات الحي الشعبي الذي تقيم فيه الأسرة لينشئ مؤسسته الصوفية بعد أن منحه شيخ الطريقة القادرية المكاشفية الإذن.
الأموال تتدفقبدأ شيخ الأمين يتمدد في وجوده في الحي الشعبي، انطلق من بيت أسرته ثم اشترى بيوت الجيران، وهدم المنازل القديمة ثم بناها على نسق جديد، لكن ذلك لم يمر ذلك دون غضب بعض الجيران الذين كانوا يرفضون وجود المسيد في ضاحيتهم الهادئة، خلاف وصل إلى أروقة المحاكم.
ووفق ما قال الدكتور عبد الله عثمان فإن الثروة المالية لشيخ الأمين تزامنت مع تنصيبه شيخا على الطريقة الصوفية لكن المتحدث باسم المسيد خالد أزرق يقول إن شيخه سعى في الأسواق ليجمع ثروة مالية ينفقها في فعل الخيرات حيث بدأ بمكتب للاستيراد والتصدير في الخرطوم ثم شركة للتطوير العقاري في دبي رفقة مستثمر إماراتي وآخر من لبنان.
امتد نشاط شيخ الأمين لخارج السودان حيث أسس مع أتباعه زوايا صوفية في ألمانيا وبريطانيا وهولندا والولايات المتحدة ومصر وأسلم على يديه نفر كثير من غير المسلمين في تلك البقاع البعيدة.
في بيت الرئاسةيروي الشيخ الأمين في زيارتنا تلك أنه دخل بيت الضيافة الرئاسي حيث كان يقيم الرئيس المعزول عمر البشير والمعروف باهتمامه بشيوخ الصوفية وقدراتهم، بهدف معالجة مريضة بالرقية الشرعية، لكنه لم يخرج من ذات الباب، فسرعان ما توطدت صلاته بساكن ذاك القصر وتحولت العلاقة إلى صداقة يتم فيها تبادل الهدايا بين الرجلين.
ثم امتدت العلاقة لرجال حول البشير إلا أن مسؤولا رفيعا في جهاز المخابرات طلب حجب هويته يقول إن مدير مكتب الرئيس الفريق طه عثمان هو من قدّم شيخ الأمين لرئيس الدولة وقتذاك.
ويضيف أن شيخ الأمين رافق مدير مكتب البشير في زيارة دولة الإمارات العربية المتحدة ليفتح له الأبواب المغلقة بما يمتلكه طه عثمان من علاقات هنالك.
نهاية شهر العسللكن لاحقا توترت العلاقة بين الشيخ الأمين ومدير مكتب البشير وكاتم أسراره طه عثمان، يقول الشيخ الأمين إنه دفع ثمن ذلك بوشاية جعلته سجينا في إحدى العواصم الخليجية بتهم من بينها تمويل الإرهاب وممارسة الدجل والشعوذة والتواصل مع أجهزة مخابرات معادية. وحول هذه الاتهامات يقول شيخ الأمين إنه بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
انتهت علاقة شيخ الأمين بحكومة الإنقاذ بحبسه لعدة أيام في يناير/كانون الثاني 2016، كما تم إغلاق مسجده ولم يتمكن من العودة للسودان وفتح مسيده إلا بعد اندلاع الثورة الشعبية في السودان في عام 2019 والتي أطاحت بحكومة البشير.
نصير الضعفاء في المحنعاد شيخ الأمين للأضواء عقب اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل/نيسان 2023. ولم يغادر شيخ الأمين مسيده وداره كغيره من سكان المنطقة التي باتت ميدان قتال ضار بين الطرفين، كما لم يتوقف عن النشاط رغم تساقط الرصاص في المنطقة، وبقي مسيده مفتوحا وأصبح ملاذا آمنا للمتأثرين من الحرب يقدم الطعام والدواء والإيواء، يساعده في تحمل ذلك كثير من الأتباع والمريدين.
التخوينتعرض شيخ الأمين لوابل من الانتقادات بعد أن زاره وفد من قوات الدعم السريع حاملا معه بعضا من مواد الإغاثة. ولم يكتف الشيخ الأمين بإكرام ضيوفه بل بث بيانا يحمل موقف الحياد في الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع ويبدو فيه متفهما لسلطة الأمر الواقع عبر سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة وسط أم درمان في ذلك الوقت.
الغالي شقيفات رئيس التحرير الأسبق لصحيفة الصيحة المقربة من قوات الدعم السريع يقول للجزيرة نت إن شيخ الأمين قدم الكثير من أعمال الخير من طعام ودواء وإيواء في وقت حرج واتخذ موقف الحياد في الصراع مما يحتم الثناء على هذا الموقف المسؤول بدلا عن التخوين، لكن في الجانب الآخر هنالك من غضب من موقف الشيخ واعتبره متماهيا مع قوات الدعم السريع، بل هنالك من طالب بقصف المسيد بعد أن أصبح وكرا لقوات الدعم السريع، على حد تقديرهم.
دماء على السجاد الأخضرتعرض مسيد شيخ الأمين للقصف أثناء المعارك لكن الحادث الأبرز وقع بعد فرض الجيش سيطرته على المنطقة كما جاء على لسان الشيخ نفسه حيث قتل أحد مرافقيه، كما تعرض المكان لإطلاق نار كثيف عقب صلاة الفجر من يوم ٢٩ فبراير/شباط الماضي.
وقد اعتذر قائد قوات الجيش عن الحادثة التي أدت لإصابة اثنين من الموجودين في المكان وفقا لتصريحات شيخ الأمين والذي تم إجلاؤه وبعض من أفراد أسرته من الموقع الملتهب، وأشار شيخ الأمين نفسه في تصريحات مصورة أن إجلاءه تم بمهنية عالية من قبل الجيش.
في ثياب رجال المخابرات
عاد شيخ الأمين لهوايته في إثارة الجدل بعد أن أصبح بين يدي الجيش حيث قال في تصريحات نقلها تلفزيون السودان الرسمي إنه يقف مع الجيش السوداني في حربه هذه وأن كل نشاطه كان تحت إشراف قيادة الجيش السوداني واستخباراته وأنه سمح لعملاء الاستخبارات بارتداء أزياء الصوفية حتى يتمكنوا من رصد التفاصيل في المنطقة الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع.
مسؤول أمني رفيع وصف في حديث للجزيرة نت شيخ الأمين بأنه يسعى لخدمة نفسه عبر ما سماها "الفهلوة"، بينما أبدى مسؤول رفيع بالجيش السوداني في حديث للجزيرة نت استغرابه من التركيز على الرجل قائلا إنه لا يستحق كل هذا الاهتمام.
أخبار طيبة ولكنتوقعت مصادر مقربة من شيخ الأمين أن يتم إطلاق سراحه أو تمكينه من العودة لمسيده في أي وقت وذلك استجابة لطلب الشيخ نفسه والذي يريد أن يقضي شهر رمضان بين مريديه، وكذلك لقطع الطريق أمام استغلال القضية وتحويلها لقضية رأي عام، خاصة أن التحفظ عليه تم لتقديرات أمنية تراعي أمن وسلامة الشيخ وفقا للمتحدث باسم المسيد خالد أزرق.
وقد أبدى المتحدث باسم تنسيقية القوى المدنية (تقدم) أسامة سعيد قلقه، واصفا شيخ الأمين بأنه من عظماء الإنسانية حيث قدم أعمالا إنسانية إبان الحرب الدائرة في السودان غير آبه بتهديدات بالتصفية من قبل ما سماها مليشيات الإسلاميين.
ولكن مصادر أخرى ترى أن هنالك تهويلا للأمر ذلك أن شيخ الأمين يقيم في مكان آمن وتمكن أمس الأربعاء من زيارة مسيده وأنه سيعود إليه في أقرب وقت ممكن بعد تأمين المكان وضمان سلامته الشخصية.
طال الزمن أو قصر سيعود الرجل المثير للجدل إلى المكان الذي ترعرع فيه ثم اختاره ليكون مقرا لطريقته الصوفية، ولكن من غير المتوقع أن يكتفي بالفرجة على مسرح الحياة الصاخب في السودان.
وسيجد الرجل زاوية تثير مزيدا من الجدل غير آبه باتهامه بأنه يلعب في وكر المخابرات ويخلط بين السياسة والدين بل يوثق الشيخ بعضا من هذه المواقف بلسانه مقدما لخصومة مزيدا من الذخيرة الحية لمهاجمته.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع الجیش السودانی الشیخ الأمین للجزیرة نت فی السودان عمر الأمین بعد أن
إقرأ أيضاً:
محمد ناجي الأصم: حكومة الدعم السريع القادمة بلا مشروع
حكومة الدعم السريع القادمة بلا مشروع، ولن يعني ما سيكتب في أوراقها وإعلاناتها أي شيء. سيعتمد الدعم السريع، كما فعل دائمًا، على سلاح مليشياته وأموال الذهب المهرب وأموال المواطنين من الغنائم، وعلى أموال ونفوذ الإمارات، وهي التي ستحدد لحميدتي ووزرائه وللذين اختاروا التحالف معه كل شيء.
ستضاف حكومة الجنجويد إلى مشاريع الإمارات في ليبيا واليمن والصومال، وهي المشاريع الانفصالية والاستقلالية، والتي تسعى عبرها إلى تعزيز مصالحها الاقتصادية من موارد الشعوب المنهوبة، وإلى توسيع نفوذها في المنطقة واستخدامها كأدوات للمساومة على القضايا والملفات الإقليمية، ليصب كل ذلك في اتجاه تموضع تسعى إليه كلاعب سياسي واقتصادي وأمني رئيسي في المنطقة لا يمكن تخطيه من قبل اللاعبين الأساسيين في العالم. ولا يهمها في سبيل ذلك إن تقسمت الدول أو ماتت شعوبها أو تشردت.
ولكن السودان ليس كغيره، وربما ذلك أمر قد تمت ملاحظته مبكرا منذ بداية الحرب. فلقد خسرت الإمارات بسبب دعمها للجنجويد على مستوى الرأي العام العالمي كما لم يحدث في كل تجاربها السابقة، وستستمر في الخسارة. كما أن الدعم السريع يختلف عن كل المشاريع الأخرى، فهو مليشيا متهمة بأفظع جرائم الحرب، وفي مقدمتها الإبادة الجماعية. جماعة عسكرية أسسها النظام البائد لتحصين نفسه من التمرد والانقلابات وتضخمت تباعا لتصبح شركة أسرية تعمل من أجل المال والسلاح والسلطة بلا أي مشروع. في هذه الحرب ظل الدعم السريع يحاول في كل حين أن يعتنق مشروعًا جديدًا، بدءًا من حرب في سبيل الديمقراطية، إلى حرب ضد ما يسمى بـ “دولة 56” الظالمة، وصولًا إلى حرب ضد قبيلة أو قبيلتين. وكلها محاولات فاشلة لإضفاء شرعية على المشروع الأساسي، وهو دولة عائلة حميدتي المالكة.
لن تسمح الفظائع التي عايشها السودانيين من عنف المليشيا قديمًا، والآن في هذه الحرب التي دخلت كل البيوت بتغيير الرأي العام، الذي انحاز بصورة غير مسبوقة ضد الدعم السريع وفظائعه وانتهاكاته. ولن تؤثر في ذلك محاولات تجميل مصطنعة من مشاريع مستعارة بعضها عظيم كالسودان الجديد للزعيم الراحل جون قرنق، مشاريع قرر قادتها اليوم أن مصالحهم التكتيكية تتقاطع مع بنادق وذهب وأموال الجنجويد والإمارات، ليهزموا أنفسهم لا المشاريع. وستظل دولة المواطنة المتساوية والديمقراطية والسودان الجديد والجيش الواحد القومي البعيد عن الصراع السياسي أهداف نضال الملايين من أبناء وبنات الشعب السوداني عبر السنين، وأهداف الثورة التي خرجت ضد النظام البائد الذي صنع الجنجويد ومكنهم وأرسلهم ليحاربوا خارج البلاد ومكنهم من صنع علاقاتهم الخارجية المستقلة و امبراطوريتهم الاقتصادية.
لن نستطيع بصورة عملية مقاومة الحرب واستمرارها وسيناريوهات تمزيق السودان بدون الحديث بوضوح عن الدول التي تتدخل في الصراع السوداني ومن قبله لعقود عبر استغلال هشاشة الأوضاع الداخلية، من الإمارات ومصر، إيران، تركيا والسعودية وغيرها من الدول التي تدعم الحرب بالسلاح والمال والنفوذ وتتجه بالحرب في السودان إلى حرب كاملة بالوكالة لا يملك السودانيين من العسكريين والمدنيين القرار في استمرارها أو إيقافها. لتستمر أو تتوقف حينها في سبيل أجندات تلك الدول الخاصة التي تسعى لتحقيقها من خلال دماء وأرواح ومقدرات السودانيين.
أخيرا، تمزيق السودان لن يتم عبر سلطة أو حكومة الجنجويد الموازية، بل يمكن أن يحدث فعليا فقط إذا لم تتوقف آلة الكراهية البغيضة التي أشعلتها الحرب والتي تستثمر فيها العديد من الجهات، هذه الكراهية التي تزيد بسببها الشقة الاجتماعية بين مكونات السودان، تلك التي تنفي مواطنة البعض والتي تصنف الناس على أساس مناطقهم، قبائلهم، إثنياتهم وأديانهم لتمنحهم الحقوق أو تنزعها عنهم، والتي تعتبرهم محاربين أو مسالمين إذا كانوا من هذه القبيلة أو تلك والتي تسترخص دماء بعض السودانيين وتجعلها أقل من دماء سودانيين آخرين. وهي عنصرية وكراهية وتعصب ليست وليدة الحرب، ولكنها أشعلتها وزادتها ضراما وهي بدورها تعود لتزيد من اشتعال وتأجيج الحرب. كراهية يتمزق السودان من خلالها كل يوم وبسلطة وحكومة موازية أو بدونها.
محمد ناجي الأصم
إنضم لقناة النيلين على واتساب