لم تتوقف المؤسسات الاقتصادية ذات الطابع الدولي كالبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي منذ اندلاع حرب إسرائيل على قطاع غزة. عن إصدار التقارير والتصريحات عن مدى تأثر الاقتصاد في قطاع غزة والضفة الغربية، وحتى دول جوار الحرب (الأردن ومصر ولبنان) جرّاء الحرب. لكن هذه المؤسسات لم تشر إلى تقييمات بشأن الخسائر لاقتصاد إسرائيل رغم ضخامتها.

البنك الدولي

وذكر البنك الدولي في مذكّرة اقتصادية خلال الشهر الماضي أن الاقتصاد الفلسطيني شهد منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، إحدى أكبر الصدمات الاقتصادية المسجلة في التاريخ الاقتصادي الحديث، ففي غزة، على وجه التحديد، هوى الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 80% في الربع الأخير من عام 2023.

وأشار إلى أن جميع الأنشطة الاقتصادية في غزة توقفت تقريبا، مع عدم وجود مؤشرات تذكر على حدوث تحسن في أي وقت قريب.

وبحسب التقرير، فإنه في حين أن الضفة الغربية لم تشهد تدميرا للأصول الثابتة، فإن اقتصادها تأثر بشدة من جراء الآثار المتتابعة الناجمة عن "الصراع". والأهم من ذلك، أن الجمع بين القيود المتزايدة على الحركة والوصول التي تفرضها حكومة إسرائيل داخل الضفة الغربية والتي تمنع العمال من الوصول إلى أماكن عملهم وإلغاء تصاريح العمل لأكثر من 170 ألف عامل فلسطيني، أثر بشكل كبير على الضفة الغربية.

كما أدى تراجع نشاط التجارة والقطاع الخاص في الضفة الغربية، وانخفاض الدخل بسبب فقدان الوظائف والتخفيضات المؤقتة في الرواتب العامة، إلى انكماش اقتصادي يقدر بنحو 22% في الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأخير من عام 2023، مع انكماش 2.5% للسنة بأكملها، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

صندوق النقد

لم تختلف تقييمات صندوق النقد الدولي لأداء الاقتصاد الفلسطيني، وفق ما جاء على لسان المديرة العامة للصندوق، كريستالينا غورغييفا في منتدى المالية العامة للدول العربية، في فبراير/شباط الماضي، لكنها أضافت بعدا إقليميا جراء الحرب على غزة، إذ توقعت أن تتباطأ اقتصادات الشرق الأوسط في 2024.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي ركّز برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقرير على النتائج الأولية للحرب على اقتصادات كل من الأردن ومصر ولبنان، وأعلن عبد الله الدردري الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه بناء على دراسة فإن الكُلفة الاقتصادية للحرب على الدول الثلاث قد ترتفع إلى ما لا يقل عن 10 مليارات دولار في عام 2023، وتدفع أكثر من 230 ألف شخص إلى براثن الفقر.

وردا على سؤال للجزيرة نت" بشأن الخسائر المرجّحة لاقتصاد إسرائيل، قال الدردري إنه غير مخوّل بالرد بالنظر إلى أنه يختص بالمنطقة العربية التي أجريت الدراسة الأممية على 3 من بلدانها بتكليف من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وبشأن التوقعات الاقتصادية في الربع الأول من السنة الحالية وجهت الجزيرة نت سؤالا لكل من صندوق النقد والبنك الدوليين، وقال الصندوق إنه سيرد في أقرب فرصة في حين لم يستجب البنك.

خسائر إسرائيل

وأظهر تقدير أولي لمكتب الإحصاءات الإسرائيلي المركزي بعد نحو 50 يوما من انتهاء 2023 أن اقتصاد إسرائيل انكمش بنسبة 19.4% على أساس سنوي في الربع الأخير من السنة، متضررا من الحرب التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة.

وذكر المكتب أن الانكماش المسجل في الربع الأخير، جاء مدفوعا بتدهور القطاعات كافة، في وقت تراجع فيه مستوى الاستثمار بنسبة 70%.

وحسب البيانات، تباطأ النمو الاقتصادي لإسرائيل إلى 2% لعام 2023 بأكمله مقارنة مع 6.5% عام 2022.

وتوالت خلال الفترة الأخيرة مؤشرات تراجع الاقتصاد الإسرائيلي، فقد وافقت لجنة المالية في الكنيست (برلمان إسرائيل) على مقترح لرفع عجز موازنة 2024 من 2.25% إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة زيادة الإنفاق للمساعدة في تمويل الحرب على غزة.

وتمهد موافقة اللجنة الطريق لإجراء تصويت بالكنيست بالكامل في الأسابيع المقبلة.

ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية عن المحاسب العام في وزارة المالية الإسرائيلية يالي روتنبرغ، الأسبوع الماضي قوله إن إسرائيل تخطط لاستدانة 60 مليار دولار في السنة الحالية وتجميد التوظيف الحكومي وزيادة الضرائب بعد أن تضاعف إنفاقها العسكري تقريبا جراء حربها على قطاع غزة.

وقال روتنبرغ إن العامل الأساسي في استعادة صحة الاقتصاد الإسرائيلي هو تسريح جنود الاحتياط، وإن نحو خُمس من تم استدعاؤهم هم الذين ما زالوا يحاربون (أي نحو 60 ألفا)، متوقعا أن يتراجع العدد إلى ما بين 30 و40 ألفا بنهاية مارس/آذار المقبل، خاصة أن حدة المعارك كانت "في تراجع"، على حد قوله.

مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا ورئيس البنك الدولي أجاي بانغا خلال اجتماع سابق في 2023 (الفرنسية) تحيز

في خضم الحرب التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتأثير الاقتصادي السلبي على أطرافها يبرز السؤال: لماذا تركز المؤسسات الدولية على خسائر الاقتصادات العربية من الحرب من دون التعرض لخسائر إسرائيل؟

ويقول الخبير الاقتصادي، مصطفى عبد السلام لـ"الجزيرة نت" إن ثمة تحيزا واضحا من قبل المؤسسات الدولية تجاه الاقتصاد الإسرائيلي المتعثر بسبب كلفة الحرب الباهظة على غزة والتي فاقت 50 مليار دولار والخسائر التي مني بها مع استدعاء ما يزيد على 300 ألف من جنود الاحتياط واضطرابات البحر الأحمر.

ويضيف أن هذا التحيز ظهر بشكل واضح في تأخر مؤسسات التصنيف العالمية خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل لمدة تجاوزت 4 أشهر رغم قيام المؤسسات نفسها بخفض تصنيف روسيا عقب أيام قليلة من الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

وأشار إلى أن هذا التحيز ظهر كذلك من قبل هذه المؤسسات والتي شاركته فيها وكالات الأنباء والمؤسسات الإعلامية الغربية في تجاهل الكشف عن الخسائر الفادحة التي تعرض لها اقتصاد دولة الاحتلال بسبب الحرب والكلفة الباهظة للحرب والعجز المزمن في الموازنة العامة والإيرادات الحكومية خاصة من الضرائب، مع تكثيف التغطية لخسائر الاقتصاد الفلسطيني وإظهاره بمظهر الهش والضعيف.

ورأى عبد السلام أن هذا التحيز له ما يبرره، إذ إن تلك المؤسسات سواء المالية أو الإعلامية مملوكة لحكومات وشركات ومستثمرين غربيين يدعمون إسرائيل في حربها "الإجرامية" على قطاع غزة، أو تخضع إداراتها ومجالس إداراتها لسيطرة أميركية أوروبية كما هو الحال مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وكذا المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، على حد قوله.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات برنامج الأمم المتحدة الإنمائی الضفة الغربیة البنک الدولی الربع الأخیر صندوق النقد فی الربع قطاع غزة عام 2023

إقرأ أيضاً:

«النقد الدولي» يعلن استعداده لدعم لبنان في مواجهة التحديات الاقتصادية

أبدى صندوق النقد الدولي استعداده لدعم لبنان في مواجهة التحديات الاقتصادية وسيكون على اتصال مع الحكومة لمساعدتها في وضع برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي يركز على الاستدامة المالية، وإعادة هيكلة القطاع المالي، وتمكين النمو الاقتصادي، وإصلاحات الحوكمة والمؤسسات المملوكة للدولة، فضلاً عن تعزيز توفير البيانات لتعزيز الشفافية وإبلاغ صنع السياسات.

جاء ذلك في بيان بعد زيارة فريق من الصندوق برئاسة إرنستو راميريز ريغو بيروت في الفترة من 10 إلى 13 مارس 2025، للقاء ممثلين للحكومة وتبادل وجهات النظر حول الوضع الاقتصادي الراهن وآفاقه.

وقال راميريز ريغو إن الفريق أجرى مناقشات مثمرة مع الرئيس جوزيف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الوزراء نواف سلام، ومصرف لبنان، وأعضاء مجلس الوزراء بشأن سياساتهم وأجندتهم الإصلاحية.

ورحب الفريق بطلب السلطات برنامجًا جديدًا يدعمه صندوق النقد الدولي لتعزيز جهودها في مواجهة التحديات الاقتصادية الكبيرة التي يواجهها لبنان.

ووفق البيان، لا يزال الاقتصاد اللبناني يعاني من ركود حاد، ومعدلات الفقر والبطالة مرتفعة بشكل استثنائي منذ أزمة عام 2019. ولا يزال انهيار القطاع المصرفي يعيق النشاط الاقتصادي وتوفير الائتمان، مع عجز المودعين عن الوصول إلى أموالهم. وقد أدى تدمير البنية التحتية والمساكن والنزوح الناجم عن الحرب الأخيرة إلى تفاقم التحديات التي يواجهها لبنان.

أضاف صندوق النقد الدولي أن الاحتياجات الإنسانية واحتياجات إعادة الإعمار كبيرة وتتطلب دعمًا دوليًا منسقًا. علاوة على ذلك، لا يزال لبنان يستضيف عددًا كبيرًا من اللاجئين، مما يضيف عبئًا كبيرًا على اقتصاده.

وتابع: “ساعدت الإجراءات السياسية الأخيرة في الحفاظ على قدر من الاستقرار الاقتصادي. انخفض التضخم واستقر سعر الصرف بعد القضاء على العجز المالي منذ منتصف عام 2023، بدعم من إنهاء البنك المركزي للتمويل النقدي ودعم النقد الأجنبي، تحسن تحصيل الإيرادات على الرغم من الصراع، مما ساعد على دعم الإنفاق الأساسي، على الرغم من تزايد ضغوط الإنفاق في النصف الثاني من عام 2024”.

لكن صندوق النقد رأى أن هذه الخطوات غير كافية لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المستمرة، مشيرا إلى أن وضع استراتيجية شاملة لإعادة التأهيل الاقتصادي أمر بالغ الأهمية لاستعادة النمو، والحد من البطالة، وتحسين الظروف الاجتماعية.

مقالات مشابهة

  • نائب وزير الخارجية يلتقي ممثلي المنظمات الدولية المعتمدة لدى اليمن
  • وزير داخلية تركيا: سيبدأ عهد جديد ضد تجار المخدرات!
  • مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يعقد اجتماعًا
  • متلازمة «الإعلام هو السبب».. لماذا نبحث دائما عن شماعة؟
  • عون: استقرار لبنان لا يتحقق من دون تطبيق القرارات الدولية
  • إعلام أمريكي: تطبيق قواعد إسرائيلية صارمة على منظمات الإغاثة في فلسطين
  • واشنطن بوست: إسرائيل تطبق قواعد صارمة على منظمات إغاثة الفلسطينيين
  • إسرائيل تفرض قيودًا صارمة جديدة على منظمات الإغاثة بالأراضي المحتلة
  • هيئة الآثار تدعو الانتربول الدولي لوقف بيع قطع أثرية يمنية معروضة في مزاد “liveauctioneers”
  • «النقد الدولي» يعلن استعداده لدعم لبنان في مواجهة التحديات الاقتصادية