بقلم: نزار بولحية
هل هي بداية فصل جديد في معركة الإخوة الأعداء؟ لا أحد يأمل ذلك، أو يرجو أن تتطور الأمور إلى الأسوأ، فتقدم الرباط على رد مماثل وتقول للجزائريين أنتم السابقون ونحن اللاحقون، فإن فتحتم مكتبا للانفصاليين الريفيين فإننا لن نتأخر ساعة بعد اليوم في فتح مكتب لانفصالي القبائل، وإن أنشأتم تحالفا ثلاثيا ضدنا في الإقليم فإننا سنشكل بدورنا تحالفا مقابلا وموازيا له.
والواضح أن القولة التي تنسب إلى الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين في لقائه الأول بقادة البوليساريو وهي: «سأضع حجرا صغيرا في حذاء المغرب»، التي كان القصد منها أن تكون الجبهة، التي رعاها العقيد الراحل القذافي عند ولادتها ونشأتها، قبل أن تحتضنها الجزائر في مرحلة موالية، وتظل ولأكثر من أربعة عقود الداعم الأساسي والأكبر لها، هي مصدر الإزعاج الدائم والمستمر للمغرب تعود اليوم بقوة.
لكن في الوقت الذي قد يكون فيه مفعول ذلك الحجر قد تضاءل تدريجيا، بحكم عدة عوامل، فهل بدأ الجزائريون الآن بالتفكير بوضع حجر إضافي داخل حذاء آخر، يخيل إليهم أنه الحذاء الأول ذاته؟ لقد طرح تزامن حدثين حصلا مؤخرا في العاصمة الجزائرية نقطة استفهام كبرى حول ما إذا كانوا بصدد المضي حثيثا في ذلك الاتجاه. ففي أعقاب اجتماع ثلاثي عقد هناك الأحد الماضي، على هامش القمة السابعة للغاز، وضم كلا من رئيسي الجزائر وتونس ورئيس المجلس الرئاسي الليبي، أصدرت الرئاسة الجزائرية بيانا قالت فيه، إن الرؤساء الثلاثة «تدارسوا الأوضاع السائدة في المنطقة المغاربية، ليخلص اللقاء إلى ضرورة تكثيف الجهود وتوحيدها لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية، بما يعود على شعوب البلدان الثلاثة بالإيجاب»، كما أنهم قرروا أيضا «عقد لقاء مغاربي ثلاثي كل ثلاثة أشهر يكون الأول في تونس بعد شهر رمضان المبارك». لكن قبلها بيوم واحد فقط وفي خطوة مفاجئة وغير مسبوقة في المنطقة، أعلن عن افتتاح ما يسمى بمكتب تمثيلية الريف بالجزائر، وقال أحد أعضائه في كلمة نشرت على مواقع التواصل، إن فتح ذلك المكتب يأتي «إقرارا منا بالعلاقات التاريخية والاجتماعية، وكذا قواسم الدم والعرق والأرض التي تربط الشعبين الريفي والجزائري»، وفي إطار «سعي مناضلي الريف لوضع هذه اللبنة في صرح جمهورية الريف»، على حد وصفه. وظاهريا لا يبدو أن هناك رابطا ما بين الأمرين، أي بين اجتماع الرؤساء المغاربيين الثلاثة، وقرار السلطات الجزائرية فتح مكتب لحركة تطالب بانفصال شمال المغرب عن باقي أراضيه، لكن القاسم المشترك بين الاثنين قد يكون رغبة الجزائر في تقديم أنموذج جديد للمنطقة يقوم على تصور مغاير تماما للشمال الافريقي كما عرفته الأجيال السابقة، ولا وجود فيه لمغرب كبير متعدد ومتوازن وقائم على خمسة أضلاع، بل فقط على قيادة دولة هي الجزائر مقابل التغييب المتعمد لأخرى مهمة ومؤثرة في المنطقة وهي المغرب. لقد ذكر البيان الرسمي الجزائري أن القادة الثلاثة «تدارسوا الأوضاع السائدة في المنطقة المغاربية»، لكن بأي عين يا ترى نظروا إلى تلك الأوضاع؟ وهل أنهم وضعوا أصابعهم على أكبر عائق يحول اليوم دون تحقيق آمال شعوبهم، وهو فرض الجزائر ومنذ ما يقرب من ثلاث سنوات لقطيعة تامة وشاملة مع دولة مغاربية جارة هي المغرب، وصل حد منع طيرانها من عبور الأجواء الجزائرية في سابقة لم تحدث بين بلدين مغاربيين شقيقين؟ لا شك في أنهم حاولوا الالتفاف على ذلك الموضوع مثلما أنهم لم يتطرقوا أيضا إلى تبعاته وتداعياته على باقي الدول والشعوب، ولعل واحدا من بينها هو بقاء الخلاف التونسي المغربي مستمرا لما يقرب من السنتين.
أما الطريقة التي وجدوها مناسبة للتعامل مع تلك الأوضاع فتمثلت ببساطة لا في محاولة إصلاح الاتحاد المغاربي والسعي إلى تحقيق التوافق بين دوله كافة، بل نسفه وتقويضه بالكامل من خلال التأكيد على «تكثيف الجهود وتوحيدها» ليس بين شعوب المنطقة المغاربية كافة، بل بين شعوب ثلاثة أقطار فحسب هي، ليبيا وتونس والجزائر، بما يعني إنشاء قطيعة فعلية لا مع الدولتين أو الحكومتين، بل مع الشعبين المغربي والموريتاني، وهذا أخطر ما يمكن أن يحدث لا بالنسبة للمغاربة والموريتانيين، بل لشعوب تلك الدول الثلاث نفسها. فإن كانت الجزائر مصممة على غلق الباب بوجه جارتها الغربية، وما زالت تسعى بقوة لاستمالة الموريتانيين حتى ينضموا إليها في ذلك المسعى، فهل أن من حقها أن تحكم على جارتيها ليبيا وتونس بأن تقطعا فعليا تواصلهما الطبيعي مع المغرب، وتفقدا بالتالي عمقا استراتيجيا هما بأمس الحاجة إليه؟ ثم إن كان التلويح بالورقة الانفصالية في المغرب يمكن أن يسبب قلقا في الرباط، ألا يدفع البلدين الحليفين للجزائر لأن يفكرا بدوريهما مليا في عواقب ذلك، وفي ما إذا كان هناك ما قد يحول دون استخدام تلك الورقة ضدهما أيضا وبشكل ما في المستقبل؟ لقد وجدت تونس على سبيل المثال في الهجوم الذي شنته منتصف ثمانينيات القرن الماضي إحدى الميليشيات المسلحة المدعومة من ليبيا والجزائر على إحدى بلداتها الجنوبية دعما فوريا وقويا من جانب المغرب. ولا يزال كثير من التونسيين يذكرون إلى الآن كيف قال العاهل الراحل الحسن الثاني في ذلك الوقت لصحافي فرنسي سأله عن موقف المغرب، ما إذا تم المس باستقرار تونس، «إن ذلك لن يحصل أبدا لأن تونس هي شعب، ولا يمكن لشعب أن يتزعزع. يمكن أن يتزعزع نظام، ويمكن جعل البلد يتعثر ويعرج ويتأخر لسنوات، ولكن أن نصل لمسح الوعي والعقل الباطن التونسي، فلا بد من استعمال قنبلة أو عدة قنابل ذرية لمحوه نهائيا من الخريطة في تلك الحالة، وثانيا إن لتونس عدة أصدقاء وسوف لن يقبلوا بالدفاع عنها فقط عن طريق الراديو والصحافة. وعسكريا في صورة ما إذا تعرضت تونس لهجوم فنحن مستعدون لأخذ التدابير اللازمة لنكون إلى جانب الشعب التونسي». فهل هناك من سبب وجيه يدعو التونسيين إذن لأن يتخلوا عن ورقة استراتيجية وأمنية ثمينة قد يحتاجونها في وقت ما؟ وهل هناك من سبب وجيه أيضا يمكن أن يدفع الليبيين، الذين يعانون من الانقسامات، ولا يزالون يتقاتلون على السلطة لأن ينحازوا إلى جار على حساب آخر أتاح لهم فرصة التحاور بعيدا عن صوت الرصاص، الذي ظل يلعلع في بلدهم؟ وبالنهاية أليس أكبر متضرر من الحجر الجزائري هم جيران البلدين؟ ففيما تملك الرباط أكثر من حذاء قد يسمح لها التحرك بأريحية تامة، فإن أحذية هؤلاء قد تضيق عليهم وتسبب لهم آلاما مبرحة ربما تكون أقوى من تلك التي قد يحدثها لها ذلك الحجر.
كاتب وصحافي من تونس
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: فی المنطقة یمکن أن ما إذا
إقرأ أيضاً:
الرئيس التونسي يشن هجوماً واسعاً على «النهضة الإخوانية»
أحمد شعبان (تونس، القاهرة)
أخبار ذات صلة انتشال جثث 9 مهاجرين وإنقاذ 27 آخرين قبالة سواحل تونس «تريندز» يناقش «تعارض الانفصالية الإخوانية مع قيم التعايش»شن الرئيس التونسي، قيس سعيد، هجوماً واسعاً على حركة النهضة الإخوانية، واصفاً عناصرها بأنهم خونة وعملاء ما زالوا يتوهمون تقسيم البلاد كمن يلهث وراء السراب.
جاء ذلك في كلمته خلال زيارته إلى مدينة بن قردان جنوب شرقي البلاد، بمناسبة الذكرى 14 للثورة، حسبما نشرت الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية أمس.
وأكد سعيد ضرورة تواصل المسار الثوري لتحقيق تطهير الإدارة، حتى يكون البناء صلباً كي لا يؤول بعد ذلك إلى السقوط، في إشارة إلى تطهير المؤسسات الحكومية من جماعة الإخوان التي تغلغلت منذ سنة 2011.
في غضون ذلك، أوضح المحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، أن الرئيس قيس سعيد يتبع نهجاً محافظاً، وليس لديه إشكال إيديولوجي مع الفكر والتيار الإسلامي، ولكن لديه إشكال سياسي مع تنظيم الإخوان وقيادته وارتباطاتهم بالخلفيات التي ينطلقون منها في سياساتهم وتحالفاتهم، وبالتالي فإن هذا الأمر قد يفضي إلى اتجاه قضائي يؤدي إلى تفكيك حركة النهضة وحظرها.
وأوضح ثابت، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الرئيس سعيد لديه احترازات حول ارتباطات وممارسات التنظيم السياسي خلال إدارة حكم الإخوان للبلاد من 2011 إلى 2021 والتي وصفت بالعشرية السوداء، إلى جانب أن الشارع التونسي حسم أمر الإخوان وحركة النهضة التي أصبحت منبوذة من عموم الشعب.
وحذر المحلل السياسي التونسي من أنه إذا ما تأزمت الأوضاع فإن جماعة الإخوان قد تعود لدى قطاع محدود وضيق داخل الرأي العام، ولن تتجاوز في وجودها الشعبي 15%، مؤكداً أنه لا مستقبل لحركة النهضة تحت حكم الرئيس قيس سعيد.
وأشار ثابت إلى وجود سردية جديدة قد يدعمها انتخاب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وأن هذا قد يؤدي إلى كتابة النهاية لما تبقى من الجماعات المتشددة في المنطقة العربية كلها وليس فقط في تونس.
ومازالت النهضة الإخوانية في تونس تواجه عدة ملفات أمام القضاء، وسط مطالبات في الشارع والأحزاب، بحل وحظر نشاط الحركة سياسياً للأبد.
ومنذ 25 يوليو 2021، انطلق مسار محاسبة الإخوان لتورطها في قضايا متعددة أبرزها، التآمر والتخابر، وتلقيها تمويلات أجنبية من الخارج وارتباطها بالإرهاب وقضايا التسفير، وتورط قياداتها في جرائم ضدّ أمن الدولة والاغتيالات السياسية، وتبييض الأموال.
ومن جانبه، يرى المحلل والباحث التونسي، الخبير في الجماعات الإرهابية، الدكتور أعلية علاني، أن الإخوان والجماعات المنتمية إلى نفس الفكر في تونس والعالم العربي ستدخل في مرحلة سُبات لمدة طويلة لا تقل عن عقدين من الزمن، وستبقى بعض الأحزاب التابعة لهم في المعارضة البرلمانية ولكن كأقليات.
وقال علاني في تصريح لـ«الاتحاد»، إنه ربما تتم في الفترة المقبلة مبادرات تمنح بعض قيادات «النهضة» عفواً مشروطاً وإخراجهم من السجون، لكنّ الفكر الإخواني لن يستطيع أن يكون جذّاباً لأن تنظيم وفكر الجماعة الذي ظهر في 22 مارس 1928 شارف على قرن من الوجود ولم تعرف له تجربة ناجحة في الحكم.
وأعرب عن اعتقاده بأن العديد من القيادات الإخوانية في العالم العربي ستدخل في مُراجعات نتمنى أن تكون عميقة هذه المرة، وتنتهي بمخرجات جديدة أهمها الامتناع نهائياً عن توظيف الدين في السياسة، وتحريم التكفير واستعمال العنف مهما كانت المبررات، وأخيراً إعلاء فكرة الوطن.