الوحدة نيوز:
2025-03-12@05:26:45 GMT

مَنْ أنا بعد موت غزّة؟ | شهادة

تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT

مَنْ أنا بعد موت غزّة؟ | شهادة

مؤمن موسى

– مَنْ أنا بعد موت غزّة إلى الأبد؟

قلت لها: لا بدّ من حلّ لهذا اللغز، سنسأل عن النجاة والحياة والسماء.

فقدت غزّة حقّها في الكلام، مصادفةً انطفأت شمعتها الّتي كانت تحرّر العالم، الشمعة الوحيدة في الظلام. الموت في هذا البلد تكرار للذكرى، وإفراط في تحويل النهار إلى عتمة على صدور أطفالها. نحن أبناء غزّة مصابون بوباء جماعيّ في حبّ بلد ونحن لسنا فيه، كيف أولئك الّذين فيه؟

مصادفةً نجا مَنْ نجا من المدينة.

الصدفة وحدها مَنْ تحكم هذا المشهد في غزّة، فأنا مثلًا هيّأت حقيبة السفر، وآخر ما تبقّى من لحم أصدقائي وسافرت، مصادفة تأخّرت عن موعد قتل غزّة بخمس دقائق، أخطأني الموت ونجا صاحب حقيبة السفر، مصادفة أمسكت هاتفي في محاولة اطمئنان عبثيّة على صديقتي، مصادفة لم تصلني الأسطوانة المعتادة في هذه الحرب – فقدت الاتّصال بغزّة الحبيبة، نتيجة العدوان عليها.

بعد انقطاع اتّصال بها لأكثر من عشرة أيّام، استطعت الاتّصال بصديقتي الشقيّة، طالت المكالمة لنحو نصف ساعة، قالت لي ما لن أنساه: “والله أنا هيّني بكلّمك من البلكونة، وبشرب قهوة، والوضع رايق، والحرب هتخلص وهنلتقي خاوة في المطار”. سمعت صوت دموعها تتساقط في كأس القهوة.

سألتها: “إنت منيحة؟”

قالت بعد صمت طويل: “أنا تمام بسّ عندي زكام، معلش”.

لم يمرّ أقلّ من نصف ساعة إلى أن وصلني خبر استهداف العمارة الّتي تقطن فيها بأكملها وسط المخيّم، يا إلهي! كدت أفقد عقلي؛ بل فقدت عقلي وقلبي، لمّا يمرّ الوقت بعد، يداي ترتجفان، والدمعة تفرّ من عيني، خرّ من قلبي الدم.

الكلام هنا ضرب من عبث، لا شيء يمكنه وصف هول المصيبة والصدمة، تواصلت مع أحد الأصدقاء أتأكّد من الخبر، بعد مرور أكثر من ساعة انتظار تعجّ بالموت، كنت قد عرفت أنّها الناجية الوحيدة، وكلّ مَنْ في العمارة السكنيّة تحت الأنقاض.

هذا الجنون يعتري جسدي، والصمت يأكل روحي، لا شيء أفعله سوى تدخين السجائر الحقيرة واحدة تلو الأخرى، أصرخ في وجه السماء، وكلّ شيء حولي ينمّ عن غضب في كلّ مكان. في الانتظار البعيد يموت الإنسان، ويقتله العجز، حينذاك أنا على وشك السقوط في مقبرة الانتظار اللعينة.

بعد مرور يوم تقريبًا، توصّلت إليها وهي أسيرة المستشفى.

– منيح إنّك كلّمتني يا مؤمن قبل القصف، سكّرت معك المكالمة لقيت صاروخ بنزل عليّ في البلكونة؛ يعني لو ما رنّيت عليّ وطلعت في البلكونة أكلّمك عشان شبكة الجوّال منيحة، كان أنا هلّأ تحت الردم، كيف صار هيك؟ بسّ ماما وخواتي تحت الأنقاض، طيّب أنا هلّأ كيف بدّي أكمّل حياتي من غير ماما، خلص إسرائيل أخذت ماما منّي؟ أخذتها للأبد؟

يمشي الموت في غزّة واثقًا بخطاه. كانت هذه العائلة فريسة شهيّة له، هي الصدفة تختار لك شكل الموت وتوقيته، كلّ شيء خارج السياق والفكرة والعقل. الصدفة وحدها مَنْ تحكم هذا المشهد وكأنّ شيئًا ما عبثيّ الشكل يلاعبنا، أو يلعب بنا، أو حتّى يرسم موتنا بقسوة، لكنّ الغريب أنّ سماء غزّة تجبرنا على التصفيق مع نهاية كلّ مشهد.

هذا الفيلم عبثيّ يضرب كلّ شيء، لا يميّز الأحلام ولا يضع أولويّة لها، يريد الضحايا أن يسألوا كيف سيختارون الموت؟ أتكون الضحيّة وحيدة أم سعيدة أم ممتلئة بالنجوم؟

تريد الضحيّة أن يخبرها الموت قبل ثوانٍ لترتّب خصلات شعرها جيّدًا، ولتعدّ النجوم لآخر مرّة. تريد من هذا الموت أن ينتظر قليلًا هناك تحت الرمال، رأس لي وفي السماء يدي. تريد أن تموت بيدين ورأس واحد وأحلام كثيرة.

هذا الموت جائع، يحمل عائلة بأكملها، ويترك الهشّ منها ليأكل حسرتهم طوال حياته؛ ليراهم في أعمدة البيت المهدّم، وعلى الورد في النوافذ. هذا الموت أحمر، سماؤه سوداء، متجذّر في الأرض، لا أريد إصبعي أن يطير ويتركني، ولا أريد أن أكون أشلاء، لن أملأ الكون بعبثيّة أصابعي. هل تعلم، أيّها المخرج، أنّني أمتلك أحد عشر إصبعًا بلا عقلة؟

***

استطاعت ديمة الخروج من مخيّمات النزوح من قطاع غزّة، بعد أن نزحت أكثر من خمس مرّات، وفقدت عائلتها وخصلات شعر أمّها، بعد أن فقدت وطنها الحقيقيّ. اتّصلت بي فور وصولها القاهرة، قالت: منذ اليوم الأوّل الّذي وصلت فيه وأنا أسمع صوت الطائرات في القاهرة، لا أنكر أنّني خائفة، هل ستقتلني سماء القاهرة كما غزّة؟ الآن، وأنا أكتب لك من القاهرة، أسمع صوتًا بعيدًا يقول: “كلّ ده كان ليه؟”، هو سؤال يشبه كيف اختفت أمّي في لحظة ما؟

منذ سبعين يومًا، لم ترَ أمانًا في وجه أيّ إنسان، ناس تضحك وتشرب الشاي بالنعناع على قارعة الطريق، زجاجات الماء الصحّيّة في كلّ مكان، حرّيّة التنقّل والحركة، حرّيّة دخول الحمّام في أيّ وقت ممكن، طعم الخبز دون انتظار 8 ساعات في طابور المهانة، وخوف من الطائرات، المشي في شوارع هادئة لا تحسب حساب قذيفة مدفعيّة من هنا أو هناك، صباح مشرق من دون صوت الزنّانات – طائرات الاستطلاع – ومن دون دخان حطب فرن الطين الّذي لجأ إليه أهالي غزّة للحصول على بعض الخبز المغمّس بالدم.

هكذا يعيش الغزّيّون صراع الوجود في مخيّمات النزوح، كلّ شيء تفكّر في الحصول عليه عليك الوقوف في طابور الانتظار: الماء، والخبز، والزيت، وشحن الهاتف، وحتّى في حصولك على خيمة عليك أن تخوض تجربة الطابور. آخر ليلة قضتها ديما قبل الخروج من غزّة كانت في خيمة، قالت لي: “والله، البرد في الخيمة بوجّع روحك، ورجفة الأطفال غصّة في القلب”.

 

هل ماتت غزّة إلى الأبد؟

يا غزّة، أنا لا أعرف حالي، أنا أندب حالي… عصافير مدينتنا بنت أعشاشها على صدور أطفالها النائمة، مشيت كثيرًا في شوارعها، أنا خلّها الدائم، بيننا لغة خاصّة؛ لغة العشّاق والروائيّين، قالت لي: بأيّ لغة سنتقابل بعد اليوم؟ وكيف ستحملنا الأرض المنسيّة؟

غيّرت المدينة من ثوبها الأزرق، وحوّلت نفسها إلى كومة من عاصفة متناثرة على أجسادنا، صارت علامة حزن أبديّ للعشّاق والمنسيّين… في غزّة تفرّ رائحة الحبّ من عيون النساء، يغنّين بصوت خفيف:

يا طالعين عين للل الجبل يا مول الموقدين النار

بين للل يامان يامان  عين للل هنا يا روح

عين للل الهنا يا روح

 

 

 

المصدر: الوحدة نيوز

كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة الدكتور عبدالعزيز المقالح السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي

إقرأ أيضاً:

مسلحون يحتجزون 214 شخص بعد اختطاف قطار في باكستان

مارس 11, 2025آخر تحديث: مارس 11, 2025

المستقلة/- قالت جماعة مسلحة انفصالية في إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان إنها احتجزت 214 رهينة بينهم عسكريون بعد اختطاف قطار، في الوقت الذي يستمر فيه الوضع الأمني ​​في البلاد في التدهور بشكل حاد.

فجر جيش تحرير بلوش (BLA) القضبان وأطلق النار على قطار أثناء مروره عبر نفق في منطقة نائية وجبلية، مما أدى إلى توقف القطار.

كان القطار مسافرًا من كويتا في بلوشستان إلى بيشاور في إقليم خيبر بختونخوا المجاور بعد ظهر الثلاثاء.

قالت السلطات المحلية والشرطة ومسؤولو السكك الحديدية إن القطار، الذي كان على متنه حوالي 400 راكب، حوصر في النفق وأصيب السائق بجروح خطيرة، دون تأكيد رواية جيش تحرير بلوش بشأن الرهائن.

في بيان، زعم جيش تحرير بلوش أنه قتل 30 عسكريًا وأسر 214 عسكري وشرطي كرهائن، ووصفهم بأنهم “أسرى حرب”. وقالت إن جميع المدنيين على متن القطار تم إعطاؤهم طريقًا آمنًا للخروج من القطار.

ونفت حكومة بلوشستان وجود أي ضباط عسكريين على متن القطار. ومع ذلك، قالت مصادر رسمية لم يُسمح لها بالتحدث علنًا لصحيفة الغارديان إن أكثر من 150 فردًا من أفراد الأمن كانوا على متن القطار.

وبحلول ليلة الثلاثاء، ظل القطار والرهائن في عهدة جيش تحرير بلوشستان وقالت الجماعة إنها منخرطة في “مواجهة مكثفة” مع الجيش الباكستاني والقوات الجوية. وحذر جيش تحرير بلوشستان في بيان من أنه “إذا استمر التدخل العسكري، فسيتم إعدام جميع الرهائن”.

وعرضت الجماعة تبادل السجناء وقالت إن الدولة الباكستانية لديها 48 ساعة للإفراج عن السجناء السياسيين البلوش والأشخاص المختفين قسراً ونشطاء المقاومة الوطنية، وإلا فسيتم “تحييد جميع الرهائن وتدمير القطار بالكامل”.

وأكد مسؤول في السكك الحديدية أنه لم يتم إجراء أي اتصال حتى الآن مع الموظفين على متن القطار وأن السائق أصيب بجروح خطيرة في الهجوم.

وقالوا إن المزيد من القطارات أُرسلت إلى الموقع للمساعدة في إنقاذ الناس، لكنهم أضافوا أن الجهود تعرقلت بسبب التضاريس الوعرة وضعف تغطية الشبكة.

وقال المتحدث باسم حكومة بلوشستان، شهيد ريند، “يتم تحديد حجم الحادث واحتمال وجود عناصر إرهابية. أمرت حكومة بلوشستان باتخاذ تدابير طارئة، وتظل جميع المؤسسات نشطة”.

أدان وزير الداخلية الباكستاني، محسن نقفي، الحادث قائلاً: “الوحوش التي تطلق النار على الركاب الأبرياء لا تستحق أي تنازلات”.

بلوشستان، المقاطعة الوعرة والفقيرة التي تعد الأكبر في باكستان، تصارع الحركات الانفصالية العنيفة لأكثر من نصف قرن. المنطقة، التي تشترك في الحدود مع إيران وأفغانستان، عانت منذ فترة طويلة من الإهمال من قبل الحكومات الباكستانية المتعاقبة وواجهت تمردًا مضادًا طويل الأمد ووحشيًا من قبل القوات المسلحة، مما أسفر عن مقتل أو اختفاء الآلاف.

وقد اكتسبت الحركة المسلحة زخماً جديداً في السنوات الأخيرة وسط تراجع الوضع الأمني ​​في باكستان منذ عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان المجاورة.

وقد تضخمت صفوف جيش تحرير بلوشستان، ويقوم المسلحون البلوش بشكل روتيني بتشغيل نقاط تفتيش وإغلاق الطرق السريعة في المقاطعة.

وقد كان المسلحون مؤخراً وراء العديد من الهجمات الإرهابية البارزة. ففي فبراير/شباط، قتل مسلحو جيش تحرير بلوشستان سبعة مسافرين بنجابيين على متن حافلة، وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن تفجير في محطة السكك الحديدية الرئيسية في كويتا أسفر عن مقتل 26 شخصاً، بينهم 14 جندياً.

كما تم استهداف عدد كبير من المشاريع الصينية التي يجري بناؤها في المنطقة، بما في ذلك هجوم انتحاري في مطار كراتشي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أسفر عن مقتل العديد من العمال الصينيين.

مقالات مشابهة

  • مسلحون يحتجزون 214 شخص بعد اختطاف قطار في باكستان
  • حسام موافي: من يشمئز من ذكر الله والرسول عليه مراجعة نفسه
  • جنايات النجف تحكم على مدانين بالمخدرات شنقا حتى الموت
  • حسام موافي يتحدث عن لحظات الموت في العناية المركزة
  • دعاء الليلة العاشرة من رمضان.. ردده في جوف الليل
  • أميركا تأمر موظفيها غير الأساسيين بمغادرة جنوب السودان
  • «أمهات مصر» يحذر أولياء الأمور من خطورة البومب والصواريخ: تؤدي إلى الموت
  • غزة… أهناك حياة قبل الموت؟ أنطولوجيا شعرية توثق صمود الروح
  • مصر.. طفل يعود من الموت ويطالب والدته بحقه والمفاجأة مذهلة
  • تحقيقات وفاة مريض بـ«غرغرينا غازية»: تشخيص خاطئ وتركه لساعات بالمستشفى حتى الموت