في الأشهر الأخيرة، شهدنا ازديادا حادا في عدد المآزق الاستراتيجية التي يواجهها الغرب، والتي تعجز النخب الغربية عن إيجاد مخرج منها.

الأسوأ من ذلك هو أن معظم هذه الأزمات قد تبلغ ذروتها في نفس الوقت.

في الولايات المتحدة أصبح فوز ترامب واضحا بشكل متزايد، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى أزمات داخلية في الولايات المتحدة وأوروبا وحلف "الناتو".

ولا يستبعد أن تتحول الحرب الأهلية الخفية في الولايات المتحدة إلى حرب ساخنة.

من ناحية أخرى، فإن كل محاولات الغرب لتجنب الانهيار الاقتصادي باءت بالفشل، فلا يمكن قمع التضخم، وأسعار الفائدة المرتفعة تدمّر قطاعات الأعمال، والنظام المصرفي يحتاج إلى جهاز تنفس صناعي مستمر، فيما يبيع أصحاب أكبر الشركات الغربية أسهمهم، والذهب أصبح أكثر تكلفة، والجميع يستعد لانهيار البورصات.

إقرأ المزيد هل تتمكن الولايات المتحدة من تجميد صراع أوكرانيا وبدء حرب كبيرة في الشرق الأوسط في العام 2024؟

أظن أن كل جهود أصحاب المال العالمي الآن تتركز على تأجيل الانهيار حتى فوز ترامب، وإعطائه "شرف" تلقي الضربة الناجمة عن خيبة آمال المواطنين وغضب الشعب.

في الوقت نفسه، وجّهت الحرب في البحر الأحمر ضربة ساحقة للتجارة البحرية التي يسيطر عليها الغرب، والتي ستؤدي عواقبها إلى زيادة التضخم على أقل تقدير في غضون بضعة أشهر، ما سيسهم في الانهيار الاقتصادي الوشيك لنظام الدولار. من المؤكد أن العواقب يمكن أن تكون أسوأ بكثير، ولا توجد طريقة لمنعها دون تحييد إيران.

بالنسبة لإسرائيل، فإن حتى النجاح المحتمل في غزة لا يعني نهاية الحرب، كما أن إطالة أمد الحرب إلى أجل غير مسمى هو أمر غير مقبول لأسباب اقتصادية. وهو ما لا يترك أي خيار سوى التصعيد على أمل تحقيق نصر سريع على "حزب الله" ومن ثم إيران. في المقابل، فإن حربا كبرى مع "حزب الله"، بل وحتى توجيه ضربة إلى إيران، من شأنها أن تكون فرصة كبيرة لجرّ الولايات المتحدة إلى الحرب، ما سيؤدي إلى تفاقم مشكلاتها.

وعلى العموم، فإن إيران، من خلال حرب إقليمية تتصاعد بالتدريج، قد انتقلت بالفعل إلى فئة اللاعبين العالميين الرئيسيين، ولكن هذا أيضا يجعل من تحييدها العاجل أمرا ضروريا للغرب، الذي يضطر هنا للاختيار بين روسيا وإيران كهدف ذي أولوية، وهو ما من شأنه أن يؤجل الصدام مع الصين إلى أجل أطول.

وأخيرا، أوكرانيا هي أكبر وأثقل قطعة دومينو، يمكن أن يؤدي سقوطها إلى صدام مباشر بين روسيا وحلف "الناتو"، الأمر الذي من شأنه أن يقلب العالم رأسا على عقب، ويطلق سلسلة من ردود الفعل لكل الانهيارات والهزائم الأخرى التي مني بها الغرب، منذ ذلك الحين، ومن غير المرجح أن تقتصر هذه الحرب على أراضي أوكرانيا.

وقد عانت أوكرانيا، التي تم تزويدها بالأسلحة قبل عام، من فشل ذريع في هجومها. ويقوم الجيش الروسي، مثل جرافة الأسفلت، بسحق المواقع الأوكرانية ببطء، ولكن بلا هوادة على طول خط المواجهة بأكمله.

لقد أصبحت هزيمة أوكرانيا وانهيارها لأسباب داخلية أمرا لا مفر منه بالفعل، فيما يبدو أن هذا الأمر يد بدأ يصل إلى إدراك الغرب تدريجيا، استنادا إلى التصريحات الهستيرية للساسة الأوروبيين حول احتمال نشر قوات غربية هناك، وأن أوروبا ستكون في حالة حرب مع روسيا في غضون سنوات قليلة.

ومن غير المرجح أن يتصور الغرب أن تكرار المحاولة الهجومية، في ظل ظروف أسوأ بالنسبة لأوكرانيا، من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة مختلفة وأكثر نجاحا.

إلا أنه من الممكن الحديث عن محاولة الغرب تمديد هزيمة أوكرانيا إلى ما بعد 2024 والرغبة المتأصلة لدى كافة الأطراف في البدء بأقل قدر من قائمة الأزمات. ولكن في ظل الظروف الراهنة، فإن كل شيء مترابط ومتفجّر إلى حد أن عملية صغيرة تقوم بها "حماس" لتحرير السجناء الفلسطينيين قد تنتهي بحرب الجميع ضد الجميع على نطاق عالمي.

ومن الواضح أن الإمدادات الجديدة من الأسلحة الغربية لأوكرانيا لن تغيّر النتيجة المتوقعة لهذه الحرب. ومع ذلك، فإذا تحققت عمليات التسليم هذه، فإنها ستزيد بشكل كبير من احتمال أن تكون الحرب الكبرى الأولى حربا كبرى في الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تشمل جيران إسرائيل ودول الخليج.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: ألكسندر نازاروف ألكسندر نازاروف الأزمة الأوكرانية الاتحاد الأوروبي البنتاغون الجيش الأمريكي الجيش الروسي الحرب العالمية الثالثة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حلف الناتو وزارة الخارجية الأمريكية وزارة الخارجية الروسية وزارة الدفاع الروسية الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

الصراع الجيوسياسي في ليبيا والحراك الأمريكي

‎ذكر الدكتور "محمود جبريل" -رحمه الله- أن الولايات المتحدة الأمريكية كشفت للقذافي، خلال فترة السبعينيات، عن 27 انقلابًا ضده. وكان القذافي وإعلامه يخرج عقب كل محاولة ويدين الإمبريالية والمؤامرات الأمريكية، ويزعم أن أمريكا تعمل على إسقاط حكمه!!

‎التقى الدكتور جبريل عددا من الدبلوماسيين الأمريكيين، منهم "بلمر" الذي كان سفيرًا أثناء انقلاب القذافي، و"ديفيد نيوسن" الذي كان موجودا في ليبيا ثم أصبح مسؤولًا عن الملف الليبي داخل وزارة الخارجية الأمريكية، وكذلك "جوزيف ساندرز" الذي صار قائمًا بالأعمال بعد تخفيض العلاقات بين ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية. وجميعهم أكدوا أن مبررهم في ذلك هو أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتطلع إلى أن تكون ليبيا قاعدة لمواجهة المد الشيوعي. ولكن عندما سأل جبريل وزير الخارجية الليبي الأسبق منصور الكيخيا -رحمه الله- عن مبرر أمريكا في الكشف عن الانقلابات ضد القذافي؛ رد بتلاوته للآية الكريمة: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، لحثه على عدم البحث عن الأسباب.

الحراك الأمريكي
مرة أخرى، تجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أمام تحدٍ متسارع يتمثل في تمدد نفوذ الدول التي كانت تُوصف سابقاً بأنها شيوعية؛ (الصين وروسيا) نحو أفريقيا. الصين تسعى لتعزيز وجودها الاقتصادي القوي في أفريقيا عبر استثمارات واسعة، بينما تعمل روسيا على تعزيز نفوذها العسكري في القارة. وليبيا تعتبر بوابة لهذا الاهتمام الصيني والروسي، مما يخلق منافسة جيوسياسية جديدة في المنطقة.

‎ الحراك الأمريكي النشط في سباق مع الزمن، بعد الفشل المريع للمبعوثين الدوليين "يان كوبيتش" و"عبدالله باتيلي" اللذين أشرفا على عودة الانقسام السياسي واستمراره. هذا الحراك الأمريكي يسعى لتنشيط التوصل إلى حكومة موحدة إما باتفاق سياسي جديد وإما بالاستفادة مما هو موجود. أمريكا ترى أن الوقت ما زال في صالحها، وأن الفرقاء السياسيين، رغم محاولاتهم مد جسور مع الصين وروسيا، لا يزالون في إطار لا يشكل تهديدًا للمصالح الأمريكية. حتى استعانة حفتر بمجموعة الفاغنر، كانت في البداية بضوء أخضر أمريكي، وكان يهدف إلى تمكينه من السيطرة على كامل التراب الليبي في محاولته السابقة في 2019. إلا أن تجاوز الفاغنر للضوء الأخضر واستغلاله للتسلل نحو دول الساحل والصحراء، دفع بأمريكا لتحويل الضوء الأخضر غربًا -وذلك بغض الطرف عن التدخل التركي- بعد أن كان شرقًا بالسماح بتدخل الفاغنر.

اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية لم يقتصر على اللقاءات المختلفة مع الفرقاء السياسيين والعسكريين في ليبيا، بل قدم لهذا الاهتمام بقانون الهشاشة وقانون الاستقرار. قانون الهشاشة يهدف إلى إنشاء حكومة وطنية موحدة في ليبيا قادرة على تقديم الخدمات وضمان الأمن، وتشمل دعم الانتخابات الوطنية وتحسين الوصول إلى العدالة والمساءلة، مع جهود لتهيئة الظروف لنزع السلاح وإعادة دمج المقاتلين السابقين. بينما يهدف قانون الاستقرار إلى دعم الاستقرار بليبيا من خلال الجهود الدبلوماسية وفرض عقوبات على الكيانات الأجنبية التي تعرقل السلام وترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان، إضافةً إلى تعزيز الحكم الرشيد ومكافحة الفساد، ودعم التعافي الاقتصادي.
تسعى الولايات المتحدة للضغط على الحكومات العربية للاعتراف بالكيان الصهيوني، بينما يرفض العقل الجمعي الليبي ذلك إلا في إطار حل عادل للقضية الفلسطينية، وبإرادة فلسطينية حرة، وبممثلين حقيقيين عنهم.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بتعيين سفير فوق العادة، فمن المتوقع أن تتسلم السفيرة الأمريكية "جينيفر جافيتو" مهامها كسفيرة للولايات المتحدة في ليبيا. وهي دبلوماسية محترفة شغلت مناصب عليا في وزارة الخارجية وعملت في العديد من الدول، بما في ذلك دول من المنطقة. يأتي تعيينها كسفيرة فوق العادة لتتمتع بصلاحيات واسعة في ظل المخاوف الأمريكية من التوسع الروسي في غرب أفريقيا والصحراء الكبرى.

‎ تناغم وتضارب مع المصالح الأمريكية
أمريكا لديها خمس مصالح على الأقل في ليبيا: استدامة تدفق النفط لضمان استقرار إنتاجه كجزء من استراتيجيتها لتأمين مصادر الطاقة العالمية، وتحجيم المشروع الصيني الناعم والمشروع الروسي الخشن، ومكافحة الإرهاب حيث يمكن لليبيا أن تكون قاعدة له أو قاعدة لمكافحته، مما يؤدي إما إلى تعزيز الأمن الإقليمي والعالمي وإما إلى تهديده. المصلحة الخامسة، ما بين ظفرين، هي "نشر الديمقراطية".

تختلف ليبيا مع أمريكا في ثلاث قضايا أساسية: أولاً، في تعريف الإرهاب وبالذات في تصنيف الحركات كإرهابية أو حركات تحرر مشروعة، وهي مشكلة عالمية تعكس صعوبة الوصول إلى تعريف موحد للإرهاب. 

القضية الثانية تتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث تسعى الولايات المتحدة للضغط على الحكومات العربية للاعتراف بالكيان الصهيوني، بينما يرفض العقل الجمعي الليبي ذلك إلا في إطار حل عادل للقضية الفلسطينية، وبإرادة فلسطينية حرة، وبممثلين حقيقيين عنهم.

‎أما الخلاف الثالث فهو التفسير العملي لنشر الديمقراطية، فالسائد في المنطقة أن العمل على نشر الديمقراطية يكون بتمكين مستبد بثوب ديمقراطي، وهذا لا يجب أن يكون بحال. نتوقع من الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، أن تحترم التضحيات التي قدمت من أجل إنهاء الاستبداد، وعليها أن تساعد ليبيا لتمهيد الطريق نحو الانتخابات؛ من خلال حوار ينتج عنه ميثاق وطني، وعدالة انتقالية منجزة، ومصالح وطنية جادة، ومن ثم يُعاد صياغة مشروع الدستور ليعكس مخرجات هذا الحوار، وتجرى الانتخابات على أساسه وليس قبله.

إنهاء الانقسام الخارجي ينهي الانقسام الداخلي
المبعوث الدولي الدكتور "غسان سلامة" ونائبته "ستيفاني وليامز" تنبها مبكراً للأثار السلبية للصراعات الدولية في ليبيا وتأثيراتها على الاستقرار، وقادا جهوداً حثيثة لمعالجة هذا الانقسام الخارجي ومن ثم الانقسام الداخلي من خلال إيجاد حكومة وحدة وطنية. ثم عاد الانقسام إلى الواجهة من جديد في عهد المبعوث الأممي السابق "يان كوبيتش" بسبب أخطاء فادحة ارتكبها، مما أعاد إشعال الخلاف الخارجي بين الدول المتدخلة في الشأن الليبي. 

من مصلحة ليبيا أن توازن علاقاتها الخارجية لتحقيق المصالح المشتركة، خاصة مع الدول الكبرى، على الرغم من التحديات التي تواجهها بسبب الانقسام السياسي. بعض مصالح هذه الدول في ليبيا متضاربة، ومن هنا يجب على الفرقاء السياسيين تبني استراتيجية تتيح تحقيق أقصى قدر ممكن من المصالح الوطنية، والتعامل مع هذا التضارب ضمن إطار هذه الاستراتيجية، رغم صعوبة المهمة المركبة المتمثلة في إنهاء الانقسام الداخلي والخارجي وضمان تناغمهما لتحقيق المصالح الوطنية في ظل المصالح المتضاربة بين الدول الكبرى.

في ظل تعيين السفيرة جافيتو وتواجد سفراء الدول الكبرى والدول المتدخلة في الشأن الليبي بطرابلس، يمكن للممثل الخاص المساعد للأمين العام، ستيفاني خوري، أن تسير بخطى متسارعة باستثمار هذا التواجد لبناء استراتيجية مشابهة لجهود سلامة ووليامز؛ تهدف إلى ضمان دعم الدول المتدخلة في الشأن الليبي لعملية سياسية شاملة تدعم الحوار الوطني وتحترم مبادئ السيادة وإرادة الشعب الليبي.

مقالات مشابهة

  • أهم التحديات التي تواجه حكومة ستارمر الجديدة في الشرق الأوسط
  • الحزب الشيوعي التشيكي المورافي: واشنطن لا تريد إحلال السلام في أوكرانيا لسعيها لإضعاف روسيا
  • «تايم»: التصعيد الروسي ضد الغرب.. هل نحن على حافة حرب نووية؟
  • نيبينزيا: العملية العسكرية الروسية تحدد موقف الغرب من التسوية في أوكرانيا
  • موسكو: موقف الغرب من التسوية في أوكرانيا سيتغير استنادا لسير العملية العسكرية الروسية
  • بيسكوف: العقلاء في الغرب سيفكرون في خطة بوتين للسلام في أوكرانيا
  • الصراع الجيوسياسي في ليبيا والحراك الأمريكي
  • جوتيريش يدعو لإحلال السلام في الشرق الأوسط بدءًا من وقف الحرب على غزة
  • باحث: الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل حال دخولها في جبهة صراع جديدة (فيديو)
  • الولايات المتحدة تجري مباحثات مع فرنسا لاستعادة الهدوء في الشرق الأوسط