ليست حربا عبثية إنما سيناريو معلوم الأهداف غربة الخطاب السياسي عن الواقع الماثل توطئة (تتسم هذه الحرب الراهنة بخصائص وسمات نوعية عنوانها تدمير البلاد وحرقها، وربما تقسيمها إلى دويلات استجابة لمخططات مدروسة، وفي جانب آخر منها، فإنها حرب بالوكالة عن أطراف خارجية عينها على السودان الشاسعة الخصبة ومياهه الوفيرة ومعادنه النفيسة، ويعزز من ذلك موقع السودان الجيوسياسي، والذي جعله في مرمى نزاعات وصراعات الموانئ والممرات المائية الدولية والإقليمية *  د/الشفيع خضر القدس اللندنية  ٩ أكتوبر ٢٠٢٣  مقدمة  اندلعت الحرب بين الجيش والدعم السريع، ولم تكن منبتة عن الحروب في المنطقة، ولا تخرج عن سياقاتها، وإن اختلفت الذرائع التي اتسم بها الخطاب السياسي لأطرافها فهنا كان العنوان مدنية الدولة وإبعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم، وفي تقديرنا أنه عنوان مخادع يخفي بين طياته أهدافاً أخرى لا صلة لها بالحكم المدني وقيم الديمقراطية فأي ديمقراطية تلك التي تأتي باحتلال منازل المواطنيين، واستباحتها ونهب ممتلكاتهم ومقتنياتهم واغتصاب الفتيات القصر؟ يقيني الذي لا يخالجه شك بأن هذا السلوك الممنهج الذي لا يمكن إنكاره أو تبريره خبيث الغرض يهدف إلى التكريس للغبن الاجتماعي بين أبناء الوطن في إطار خطاب الكراهية والتسويق للعنصرية والجهوية ادخارا ليوم كريهة بدت نذره تلوح في الأفق.

دارت رحى الحرب بكل ما تحمله من مآسي وما تفرزه من تداعيات لتطحن المواطن المغلوب على أمره طحنا، وتدهسه دهسا هلعا وجوعا ومسغبة وموتا مجانيا وفزعاً ونزوح وتشرد بحثا عن ملاذات آمنة وظروف أفضل.  انتشرت الفوضى في الخرطوم ومثلما لعلع صوت الرصاص ودك القصف الممنهج والعشوائي المنشآت والمباني كذلك اشتعلت أحزمة الفقر والبؤس من ضحايا رأس المال المعولم والشركات عابرة القارات، وتفجرت غبنا اجتماعيا في أبهى تجلي لسلوك البروليتاريا الرثة قضى على الأخضر واليابس.  أقفرت الخرطوم، ولم تعد تلك التي ترتدي أجمل ثيابها مساء، وتتعطر بمياه العشق والياسمين، وتتسكع راجلة على شارع النيل، ثم تتكئ على جانبيها، وتغتسل بمياهه، والذي بدا وكأنه قد فارق مجراه، وتاه عن “الدرب الأخضر” ولم تعد خطواته نشوي كعادتها. جرفت الحرب الضروس الخرطوم من مظهر إنساني، حتى دعك عن جمالي، وتحولت إلى سرادق عزاء لوطن.  تمددت السنة الحرائق كما مدت أيادي آلاف النساء المكلومات يسألون الناس في انكسار وذلة عساهن يجدن ما يسد رمق زغب حواصل تحجرت الدموع في مآقيهم من عضة الجوع، وهم يبيتون على الطوى ليلة وراء ليلة.  غادر شباب الوطن عاصمة بلاده لا يحملون من متاع الدنيا سوى أحلام تداعب أخيلتهم عساها تزيح عنهم هذا الكابوس. خرجوا زرافات ووحدانا أصدقاء وإخوة يتسابقون على أرصفة الموانئ وصالات المغادرة جلهم يفاضل ما بين ما يسد الرمق أو سداد كلفة الإجراءات، وهو يتوسد الثرى، ويلتحف السماء. اتسعت رقعة الحرب لتنتقل حسب ما هو مخطط لها في دهاليز أجهزة استخبارات دول محور الشر ووكلائها الإقليميين وحلفائهم الداخليين من أصحاب مشروع مثلث حمدي أو دولة النهر والبحر أو الانكشاريين الجدد ممن يزعمون بأن الديمقراطية يمكن أن تخرج من فوهة البندقية تحت رعاية ممثلي الأنظمة الظلامية من ممالك النفط وإمارات الشر إلى دارفور كهدف استراتيجي. وربما لاحقاً إلى أقاليم أخرى لتدخل البلاد في نفق الفوضى وعدم الاستقرار كاولي مراحل التقسيم والتفكيك، ولعل السماء ستمطر قريبا بعد أن تلبدت سماء الفاشر بالغيوم، ولا إخالها ستمطر حصوا أو بدون براق، بل ربما برقاً عبادياً. كان حرياً بالساسة والكتاب من صناع الرأي تناول هذه الحرب من هكذا جانب لا حصرها في هذا الحيز الضيق واعتبارها جزءا من الصراع على السلطة ما بين المدنيين والعسكر. إنها حرب الكفلاء والصراع على الموارد بامتياز مع التأكيد على أغراضها الأخرى *  لم تشتعل هذه الحرب بغتة، فقد سبقتها مراحل من التحضير ابتداء من جريمة فض الاعتصام وتخريب الانتقال وتعطيل مساره بشتى أنواع المكابح؛ ومن ثم انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر وانتهاء بالاتفاق الإطاري الذي أشرف على صياغته المبعوث الأممي فولكر ومعاونيه من الكتبة من قبيلة اليسار اللبرالي، وعهد بتنفيذه إلى دعاة النيولبرالية، ومن يتمشدقون بالثورة بلا نظرية ثورية، والذي كان بمثابة الشرارة التي أضرمت النار في الهشيم، ودق آخر المسامير في نعش البلاد. ليس من مشتغل بالسياسة إلا بائس الفكر، أو من تنكب طريق الوطنية، وحاد عنه ترهيبا أو ترغيبا من يمكن أن يتعامى عن العامل الخارجي دوليا وإقليميا في هذه الحرب ليحشد خطابه السياسي بمفردات تتناسب وسياقات تجاوزها الزمن وأبعد ما تكون عن الواقع الماثل وهو خطاب مضلل بامتياز، ويمكن وصفه وبكل ثقة بأنه عرضة خارج الحلبة. لا يمكن إغفال العامل الخارجي كمعطى أساسي عند تحليل المشهد، ومن المؤكد أنه، وعلى الرغم من الاعتداد بالمجتمع الدولي بكل تبايناته وتقاطعاته، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال أن نمضي في طريق مفروش بحسن النوايا في المجتمع الدولي ومؤسساته، على الرغم من أنه واقع لا يمكن تجاوزه أو القفز فوقه عند تناول الشأن الداخلي لأي دولة، لا سيما دول العالم الثالث، ولكن الإقرار بهذا الأمر لا يعني أن ترهن الدول قرارها للهيئات الأممية أو الإقليمية أيا كانت، فقد ظلت البرغماتية هي السياسة المفضلة بكل ما تحمله من تناقضات.  علينا أن نقرر في شأن بلادنا بأيدينا وأن لا نترك الفرصة لأيدي “عمرو” لتعبث بنا. نقرأ المشهد السوداني على ضوء متابعتنا لسنوات للواقع في المحيط، ومن قبل متابعتنا لحد ما للمشاريع أو الإستراتيجي الغربي تحديدا في المنطقة العربية والإفريقية فبلادنا وما يجري فيها ليست استثناء إن لم تكن حجر الزاوية على طريق إنفاذ تلك المشاريع التي تهدف إلى تفكيك الدول ونهب مواردها لإيقاف تطورها ونموها.  لسنا معنيين بالأسئلة الغبية من شاكلة من أطلق الرصاصة الأولى أو أسباب الحرب فهي محض أسئلة تنم على استهبال سياسي كما نبين أننا لسنا من دعاة الترويج للمصطلح التضليلي حول (عبثية الحرب) فتاريخ الشعوب يقول إنه ما من حرب عبثية إنما تقوم الحرب لخدمة أهداف معلومة ذلك أن مثل هذه الحروب والانقلابات العسكرية في دول العالم الثالث لا بد لها من غطاء سياسي وأمني وما تستلزم من تحضير وإعداد ودعم لوجستي وتسويق سياسي ومن ثم، فإن ما يجري في بلادنا لا يختلف عما جرى في العراق وسوريا وليبيا واليمن إلا في جزئيات متعلقة بطبيعة الدول. إذن هذه ليست حرباً عبثية كما يشاع، بل هي في إطار مشروع دولي تقوم برعايته دول في الإقليم، وتنفذه جهات عسكرية وسياسية داخلية تحت ذرائع وشعارات زائفة لذلك تصدر هذا المقال مقتطف من مقال الدكتور الشفيع خضر يتسق مع ما نراه من وجهة نظر حول هذه الحرب، وإن كنا نختلف مع الدكتور ومع حفظ المقامات بالنظر إلى أن الرجل سياسي ضليع غزير المعرفة ثر التجربة أن ما أشار إليه بوضوح هو السبب الأساسي الحرب، وليس (جانب منها) ومن ثم، فإن المنطق يقول إن المطلوبات والمقترحات بحل الأزمة ينبغي أن تركز على الخارج حيث الفاعلون الحقيقيون والكفلاء لا الوكلاء عسكرا أو مدنيون؛ ومن ثم كشف وتعرية الانفصاليين وتفنيد أطروحاتهم. في ظل سعير الحرب واكتواء الشعب بلظى نيرانها ظل الخطاب السياسي لكل القوى السياسية ومعظم الكتاب من صناع الرأي موغلا في التاريخانية والماضوية بعيدا، بل غريبا عن الواقع الماثل، إذ لم تزل مفردات ومصطلحات الفترة التي سبقت اندلاع الحرب تشكل البنية الأساسية لذلك الخطاب، وكان عجلة الزمن قد توقفت ليظل الخطاب السياسي أسيرا لدى محطات الثورة وسجينا لذاكرة الصراع مع الفلول قابعا في قبو تاريخ العلاقة مع المؤسسة العسكرية المليء بدماء الجراحات النازفة مع أن الخطر الذي يهدد وجود الدولة ككيان لا يحتاج إلى زرقاء اليمامة لتصيح في قومها أني أرى شجرا بسير وكأننا لم نعايش مآسي تفكيك الجيوش الوطنية بشتى الحجج والذرائع ولا ما نجم عن ذلك من تفكك وتفتيت الدولة المركزية. إن لنا في ما فعله “بريمر” عبرة وما فعله طيران التحالف في باب العزيزية عظة، وحري بنا التفطن إلى مآلات اتفاق الطائف وقياس المسافة بينه وجدة. جدير بقادتنا أن يعوا الدرس بأن نهاية الرقص مع الثعابين لدغة قاتلة.  ينبغي أن نبحث في تشابه القسمات بين قانون “اجتثاث البعث” والشعار الذي يصادم أهم مقتضيات العدالة، ولا يكفي أن نحتفي بمقولة المفكر الأستاذ محمود بأن “الحرية لنا ولسوانا” بل نجعلها سلوكا في مواجهة الآخر المختلف. علينا مراجعة العنوان فقط لأطروحة المفكر عبد الله بولا، فربما كانت شجرة نسب الغول تقودنا إلى حقيقة أن الإسلاميين لم يأتوا من السماء. ينبغي أن نؤسس لخطاب سياسي يتسق ودقة المرحلة وخطورة المنعطف الذي تمر به بلادنا.  تعلمنا في كتابنا الأول ألا حياد في القضايا الوطنية، وأنه ينبغي التزام جانب الشعب ووحدة تراب هذي البلاد.  في الجزء الثاني من المقال نكتب حول تفكيك الدول عبر تفكيك الجيوش الوطنية بالاستناد إلى التجارب التاريخية، ونستعرض كذلك التقرير الذي أعدته مجلة فورين بوليسي، ونشرته الحرة في موقعها بتاريخ 13 يوليو 2023، وكيف تحول الصراع في السودان إلى منافسة بين السعودية والإمارات للسيطرة على السودان. الوسوممجدي عبد القيوم «كنب»

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الخطاب السیاسی هذه الحرب ومن ثم

إقرأ أيضاً:

استمرار نهب الذهب الدموي بعد الحرب

استمرار نهب الذهب الدموي بعد الحرب

تاج السر عثمان بابو

1

تابعت في دراسة سابقة قبل الحرب بعنوان “نهب الذهب الدموي في السودان” عملية نهب الذهب وتهريبه من البلاد، بدلا من أن يكون قوة دافعة للتنمية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وبعد الحرب استمرت عملية النهب، علما بأن من أسباب الحرب نهب ثروات البلاد ومنها الذهب، في إطار الصراع علي السلطة بين طرفي الحرب ومن خلفهما القوى الإقليمية والدولية التي تسلحها.

رغم استمرار الحرب لم تتوقف عملية استنزاف الذهب وتهريبه للخارج، في ظروف تعاني فيها الجماهير معيشة ضنكا ونقص في الأنفس والثمرات، بعد تدمير الصناعة والزراعة والنظام الصحي، وتقف البلاد علي شفا جرف هار من المجاعة التي تهدد حوالي 26 مليون مواطن، رغم ذلك يستمر تدفق المليارات من الدولارات من ثروة الذهب لمصلحة تجار الحرب من  قيادات الطفيلية الإسلاموية والعسكرية والدعم السريع، ويتم تمويل تكلفة الحرب الباهظة من ثروة الذهب كما تشاهدها في المدافع و المسيرات التي تقتل وتدمر منازل المواطنين والمرافق العامة والبنيات التحتية، اضافة إلى نزوح حوالي 12 مليون مواطن داخل وخارج البلاد، ومقتل وفقدان عشرات الآلاف.

إضافة لحملات التطهير العرقي لنهب أراضي المواطنين ومناجم الذهب كما هو حاري حاليا في الجزيرة ودارفور.

2

من الأمثلة لاستمرار نهب الذهب ما أشار له مسؤول حكومي محمد طاهر عمر في بورتسودان بتاريخ 21 نوفمبر 2024 “إن صادرات الذهب حققت إيرادات رسمية بلغت 1.5 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2024، وأوضح أن 1.5 مليار دولار تم توريدها إلى بنك السودان المركزي كعائدات صادرات الذهب منذ بداية العام وحتى أكتوبر. ويعمل نحو مليوني شخص في التعدين التقليدي تحت ظروف قاسية في مناطق السودان المختلفة، حيث يسهمون بحوالي 80% من إجمالي إنتاج الذهب في البلاد”.

علما بأن قيمة الصادرات من الذهب كما أوضحنا في الدراسة السابقة لا تقل عن 8 مليار دولار، مما يعني استفادة الجهات المصدر لها الذهب كما في الإمارات وروسيا. الخ.

كما أشار المسؤول الحكومي الي اقتسام نهب ثروة الذهب بين الجيش والدعم السريع، فالذهب المنتج من مناجم دارفور خرج عن سيطرة الحكومة بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على معظم مناطق إقليم دارفور، مما جعل هذه الموارد بعيدة عن متناول الدولة، هذا في وقت يعتمد السودان على إيرادات الذهب بشكل أساسي، لا سيما بعد اندلاع النزاع الذي تسبب في تعطيل حوالي 80% من الإيرادات العامة.

3

أوضحنا في الدراسة السابقة، انه كما تم نهب الأراضي وثروة البترول استمرت الممارسات نفسها في نهب ثروة الذهب في السودان، وتهريب أكثر من 70% من عائداته للخارج، علي سبيل المثال: متوسط إنتاج الذهب بين 100- 250 طن ( الشرق الأوسط: 11 يناير 2020)، وتُقدر العائدات بحوالي 8 مليار دولار، في حين التقديرات الرسمية للحكومة بين 82- 93 طن (موقع الجزيرة 5/1/ 2017)، بعائدات تُقدر بمتوسط 850 مليون دولار، مما يعكس حجم النهب والتهريب الكيير لعائدات الذهب في السودان، وفقدان الدولة لثروة كبيرة، مما يتطلب اوسع حملة لوضع الدولة يدها علي ثروة الذهب.

أصبحت القوي العاملة في التعدين كبيرة، حسب تقرير وزارة المعادن (2019) الذي أشار الي 3 ملايين يعملون في تعدين الذهب، منهم 2 مليون يعملون في المهن الملحقة بالتعدين “التكسير، جلب المياه، اعداد الوجبات. الخ”، مما يتطلب حمايتها من الآثار الضارة للتعدين، وضرورة قيام نقابات واتحادات لها تدافع عن حقوقها، وتوفير بيئة العمل المناسبة من سكن وخدمات صحية وتعليمية وثقافية، ورفع مستوي المعيشة. اضافة لحق مناطق التعدين في نسبة من الإنتاج لتنميتها وبناء المدارس والمستشفيات والطرق والبنيات التحتية، وتوفير خدمات الكهرباء ومياه الشرب، وحماية البيئة من آثار استخدام المواد الضارة في التعدين، ومراجعة العقود المجحفة لشعب السودان التي تمت مع الشركات بما يضمن نسبة للدولة منها لا تقل عن 70% تذهب لبنك السودان، بدلا من اهدار هذه الثروة وايداع عائداها خارج السودان مقابل الغذاء والوقود!!!، وحماية ثروة البلاد من النهب والتهريب.

وتعيش هذه القوى العاملة في ظروف غير انسانية ومهددة بمخاطر التعدين مثل: انهيار المناجم، وتدمير المواقع الأثرية، لسعات العقارب والأفاعي، وتقلب الجو من البرودة الي الحرارة العالية كلما تم الوغل داخل المنجم، اضافة للآثار الضارة للتعدين باستخدام المواد الضارة بصحة البيئة والانسان والحيوان والنبات، والابادة الجماعية للسكان المحليين لنهب الذهب، حنى اطلق مجلس الأمن وصف “الذهب الدموى”، كما يصنف البنك الدولي مشتريات بنك السودان من الذهب بأنها “غير معقمة” بسبب تلك الممارسات.

تدخل عامل آخر في الصراع الدموى علي الذهب والصراع في دارفور حيث تريد الشركات الأجنبية طرد الأهالي والاستحواذ علي الأراضي التي يعيشون فيها المليئة بالثروات الطبيعية من ذهب ويورانيوم وماس. الخ، لكي يحدث ذلك لا بد من اخلاء السكان بالابادة الجماعية والتهجير، بالتالي دخل عامل جديد للصراع في دارفور ومناطق التعدين الأخرى وهو الاستحواذ علي الثروات والموارد لصالح فئات معينة، كما حدث في جبل عامر، وفي الصراع الأخير الذي دار في جبل مون الذي يزخر بموارد تعدينية كبيرة علي رأسها الذهب، أي صراع من أجل السيطرة علي الذهب، والهدف تهجير قسري للسكان في المنطقة من قبل الشركات.

فضلا عن الاشكال الأخرى لاخلاء السكان مثل: خلق الفوضي، تدمير الموسم الزراعي، نهب مخازن الاغاثة التابعة لليوناميد من قوات الحركات بهدف لتجريد سكان المعسكرات من الغذاء، ووضع النازحين في ظروف سيئة، كما حدث أخيرا، ايضا من المخاطر اطلاق النار من قوات الدعم السريع علي العاملين السلميين في التعدين في حالات النزاع.

4

أصبحت الدولة تعتمد علي صادرات الذهب بشكل اساسي بعد انفصال الجنوب وفقدان البلاد لـ75% من عائدات النفط التي لعبت دورا كبيرا في استقرار الجنية السوداني في فترة تصديره منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، ولكن مافيا التهريب التي تضم شركات نافذين في نظام المؤتمر الوطني السابق كانت تسيطر يشكل شبه كامل علي تجارة الذهب السوداني، بالتالي لم يكن الذهب ذو فائدة كبيرة للاقتصاد الوطني.

منذ هيمنة المؤتمر الوطني كانت حصيلة صادرات الذهب لا تدخل خزينة الدولة، بل تودع في حسابات بنكية خارج البلاد، وصادر الذهب مقابل الغذاء والسلع الضرورية، والدولة لا تشرف علي صرف الشركات قبل الإنتاج التجاري التي تضخم الفواتير، اضافة الي أن العقود بها خلل، 70% لشركات الامتياز، وهي نسبة عالية لمورد ناضب علي مدي 25 عاما ، والدولة غير موجودة الا في 73 موقع فقط من 713 موقعا (موسي كرامة، من يسرق الذهب في السودان، تحقيق الجزيرة: 9/ 10/ 2019).

يواصل موسي كرامة وزير المعادن السابق: كما ارتفعت العائدات الفعلية للذهب في العام نفسه الي 8 مليار دولار، إذا اعُتمد الحد الأدنى 200 طنا، وهو عائد كبير لو ذهب الي خزينة بنك السودان لحدث فائض في ميزان المدفوعات السوداني، ولكن النسبة الأكبر من الذهب تُهرب عبر مظار الخرطوم وتُقدر بنحو 200 طن، اضافة لدور تجار الذهب الذين يعرضون مبلغا يزيد عن سعر البنك بنحو الفي دولار للكيلو الواحد، اضافة الي أن أغلب شركات التعدين لا تنقب عن الذهب، بل تشتري من المعدنين التقليديين (موسى كرامة وزير المعادن السابق).

ايضا: كشف تقرير أعده فريق من الاتحاد الإفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، عن تهريب 267 طنا من الذهب السوداني خلال 7 سنوات، وافاد التقرير الذي تحدث عن الوضع الراهن لمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة بأنه جرى تهريب هذه الكمية خلال الفترة بين 2013 و2018، وأوضح رئيس الآلية الوطنية لمحاربة التدفقات المالية غير المشروعة، عمر حسن العمرابي أن تهريب الذهب خلال 7 سنوات بلغ 267 طن، بواقع 80 كيلو يوميا، مشيرا إلى وجود فرق 13.5 مليار دولار، بين معلومات الحكومة السودانية والدول التي استوردت الذهب والنفط.

أما التقارير الرسمية لوزارة المعادن تقول: إن الفاقد يقدر بين “2- 4” مليار دولار سنويا بنسبة 37% من اجمالي صادرات البلاد، وأكثر من 70% من إنتاج الذهب يتم تهريبه بطرق غير رسمية (الشرق الأوسط: 11/ 1/ 2020).

في السياق الإقليمي والعالمي وخاصة في افريقيا الذي اشتدت فيه حمى البحث عن الذهب بسبب ارتفاع اسعاره بعد أزمة كورونا، زادت ايضا حمي تعدين الذهب الدموي في السودان الضار بالبيئة والانسان والحيوان والنبات والماء والتربة واستخدام مواد مثل الزئبق الذي يسبب الفشل الكلوى، اضطرابات في القلب، والكبد والطحال والاضطرابات العصبية. الخ، وغير ذلك من آثار شكوي التعدين، مما يعني أن الذهب الدموي يدمر ثروة السودان وبيئته، مع التهريب للعائد من عصابات المرتزقة منذ حكم الانقاذ، والذي اصبح فيه حميدتي بين عشية وضحاها أكبر تجار الذهب في البلاد..

من خلال الذهب ونشاط المرتزقة المعتمد رسميا، أصبح حميدتي يتحكم بأكبر “ميزانية سياسية” للسودان، أموال يمكن إنفاقها على الأمن الخاص، أو أي نشاط، دون أي مساءلة، واصبحت شركة الجنيد، التي يديرها أقاربه، مجموعة ضخمة تغطي الاستثمار والتعدين والنقل وتأجير السيارات والحديد والصلب، وتساءل اليكس دي وال المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس في الولايات المتحدة، الذهب أكبر عدو للديمقراطية.. لماذا تقبل حكومة السودان التي يقودها الحراك باحتكار ميليشيا حميدتي لثروة البلاد التي لا تعوض؟ (موقع عربي بوست).

على الرغم من الجهود الحكومية الأولية بعد ثورة ديسمبر مثل قيام “بورصة الذهب”، وأسعار مجزية من بنك السودان للمعدنين. الخ لاستعادة سيطرة الدولة أو القطاع الخاص على أجزاء من صناعة الذهب السوداني، لكن تعثرت تلك الجهود ومن ضمن الاسباب إدارة قوات الدعم السريع النافذة سياسياً اقتصاداً موازياً لحسابها الخاص، وهيمنة شركات الطفيلية الإسلاموية، وشركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع التي هي خارج ولاية وزارة المالية، وزاد من الفوضي ونهب الذهب انقلاب 25 أكتوبر، اضافة للحرب الجارية التي زادت من حمى نهب الذهب.

5

كل ذلك يتطلب المقاومة من أجل  وقف الحرب واسترداد الثورة، وإعادة  النظر في عقودات الذهب لمصلحة شعب السودان، ونسبة من العائدات لمناطق التعدين للتنمية، وحماية البيئة من آثار التعدين الضارة، ومكافحة التهريب وقيام بورصة الذهب، وتحديد نسبة معينة للتصدير، وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة، وعودة شركات الجيش والأمن والشرطة الاقتصادية لولاية المالية، وحل مليشيات الدعم السريع وجيوش الحركات والكيزان وقيام الجيش القومي الموحد تحت إشراف الحكومة المدنية 1، ووضع الدولة يدها على ثروات البلاد المعدنية.

الوسومالإمارات الجيش الحكومة المدنية الدعم السريع الذهب السودان الكيزان تاج السر عثمان بابو روسيا محمد طاهر عمر موسى كرامة

مقالات مشابهة

  • استمرار نهب الذهب الدموي بعد الحرب
  • بنك السودان المركزي يحدد فئات العملة القديمة التي ما تزال سارية
  • مقتل الفلسطيني خالد نبهان.. الجد الذي أبكى العالم أثناء وداع حفيدته "روح الروح"
  • الذي سيحدث للتمرد في مدني ليس مجرد هزيمة .. فلم رعب
  • رحم الله الدكتور محمد خير الزبير الذي إرتحل اليوم إلى الدار الباقية
  • سياسي عراقي يكشف أسباب الزيارات المكوكية التي تشهدها العاصمة بغداد
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • سياسي عراقي يكشف أسباب الزيارات المكوكية التي تشهدها العاصمة بغداد- عاجل
  • سياسي: أوكرانيا تحاول دعم الجماعات الإرهابية في السودان
  • مواجهة جديدة بين هليفي ونتنياهو.. من هو الضابط احتياط فينتر الذي أثار الخلاف هذه المرة؟