لماذا تطمئن ضمائر صنّاع القرار في عواصم أوروبا وأميركا وهم يصطفون مع إسرائيل – يدًا في يد وكتفًا بكتف – وهي تشنّ حرب إبادة صليبية لا رحمة فيها ضد آخر حصون المقاومة الفلسطينية؟
حرب الإبادة لا جديد فيها إذا نظرنا إليها من المنظور الأوروبي – الأميركي أو بمنظار الحضارة الغربية من أثينا، ثم روما، ثم إسبانيا، ثم البرتغال، ثم هولندا، ثم فرنسا، ثم بريطانيا، ثم ألمانيا، ثم أميركا، ثم الصهيونية، حضارة تأسَّست على العنف، وعلى تفوق الغرب، وعلى النظرة المتدنية لكل من هو غير غربي أو غير أبيض.
فهو – في نظر الغرب – بربري وهمجي أو متخلف أو وثني، وهذه كلها مبررات تسوغ جريمة الإبادة بقلب مطمئن، تبيض وجهها وتنزع عنها ما فيها من إثم، ثم تضفي عليها وصف المهمة المقدسة أو الواجب المقدس.
عنف واستعلاء ملازمان للحضارة الغربية في كل أطوارها، يصاحبانها، وهي وثنية، وهي مسيحية، وهي استعمارية، عنف لم يفارقها في لحظة، إذا لم تصدره خارجها وضد الأغيار مارسته ضد نفسها بين قبائلها، ثم بين مذاهبها الدينية، ثم بين قوميّاتها، ثم بين إمبراطورياتها التي تصارعت واقتسمت النفوذ والنهب والسيطرة على القارات الستّ.
إبادة مادية ومعنويةالغرب لا يعيش بغير حرب، والحرب لا تكتفي فقط بكسر شوكة الخصم، لكن تتطور إلى إبادته، سواء بشكل مادي يعني مسح الخصم من فوق وجه الأرض وإلغاء وجوده وحضوره في دفاتر التاريخ، أو إبادته بشكل معنوي؛ أي نزع فاعليته بصورة حاسمة ومسخ هُويته وإفقاده الثقة في نفسه، وتدفعه للتنكر لذاته والانسلاخ من جوهره والدوران الذليل في فلك الغرب المنتصر والقائد، من موقع المنهزم التابع، ونفسيته المنسحقة، وذهنيّته المشوهة، وروحانيته المنحطة.
نجح الغرب في كلا النوعين من الإبادة المادية والمعنوية في مواجهة الشرق العربي – الإسلامي، فخرج – باستثناء المقاومة الفلسطينية- من دائرة المواجهة، وأصبح يدور – باستثناءات هامشية – في أفلاك الغرب المنتصر، وما الصهيونية إلا ممثل حصري لهذا العنف والتفوق والاستعلاء الغربي.
الغرب – في فلسطين – يخوض معركته الأزلية منذ اليونان، والرومان، وحتى الصليبيين والفرنسيين والإنجليز إلى الأميركان. الصهيونية – في جوهرها – تخوض معركة الغرب، أو هي حلقة في مسلسل العنف الغربي الذي لم يتوقف تصديره إلى الشرق: قديمه وحديثه.
يتساوى المعنى حين نقرر أن الغرب يخوض معركة الصهيونية مع المعنى حين نقرر أن الصهيونية تخوض معركة الغرب، الصهيونية – بشكلها الذي نعرفها عليه – هي أداة مهمة من أدوات الغرب في السيطرة على الشرق، ولو لم تكن الصهيونية موجودة في هذا المكان، وفي هذا التوقيت لكان الغرب قد اخترع – دون تردد – ما يحل محلها ويقوم مقامها وينوب عنها ويؤدي دورها.
لا حياة للغرب دون وضع الشرق العربي الإسلامي في القفص، وهو يؤدي هذه المهمة عن طريقين: توظيف الصهيونية، وتوظيف من يقبل التوظيف من بعض حكام الشرق، وبعض نخبه السياسية والفكرية والاقتصادية، فلم تعد الصهيونية في الخدمة وحدها، ولم تعد الصهيونية يهودية فقط، فقد تضافرت معها روافد عربية وإسلامية.
وهذا يفسّر لك المعضلة الكبرى: لماذا يصطفّ الغرب كله – بزعامة أميركا – مع إسرائيل، كما يفسّر لك لماذا يتخلّى الشرق العربي – الإسلامي كله عن المقاومة الفلسطينية.
جبهة واحدةالغرب – مع الصهيونية يتصرف كجبهة واحدة، كحلف واحد، يربطه توافق على مبدأ أن هزيمة إسرائيل لا تجوز، وأن المساس بأمنها غير مسموح به، وأن تهديد وجودها من جذوره هو خطر يتهدد الغرب ذاته، وذروة هذا الحلف هو الإجماع على قيادة أميركا لا ينازعها منازع ولا يخرج عن مظلتها خارج، وهي – بذاتها – مخلصة لدورها القيادي كإمبراطورية وريثة للعنف والتفوق والاستعلاء الغربي.
الرئيس الأميركي إمبراطور كونيّ فعلي يملك صلاحيات لم يسبق أن ملكها إمبراطور من قبل، لا الإسكندر، ولا قيصر، ولا هارون الرشيد، ولا سليمان القانوني، ولا الملكة فيكتوريا، ورغم كل ما يقال عما في النظام السياسي الأميركي من توازن ورقابة متبادلة بين السلطات، فإن مساءلة الرئيس أمام الكونغرس لا تحد من سلطاته، فوزنه السياسي في أميركا والعالم – في نهاية المطاف – من وزن البنتاغون، من وزن وزارة الدفاع، من وزن القدرة غير المسبوقة في التاريخ على عسكرة الكون: برِّه وبحره وجوّه وفضائه الأبعد. الإمبراطورية تقود الغرب كله – بمن فيه الصهيونية – لتصفية آخر أنفاس الهُوية المستقلة غير المنسحقة أمام هيمنة الغرب والصهيونية في الشرق.
عُمر إسرائيل هو عُمر القيادة الأميركية، كلاهما من علامات القرن العشرين، وهو القرن الذي تلاشت فيه آخر رابطة عالمية تربط المسلمين، ففي مثل هذا الأسبوع من عام 1924م سقطت آخر خلافة إسلامية، سقطت بعد أن عاشت سبعة قرون، منها قرنان في تكون وتشكيل، وثلاثة قرون في ذروة التمكين، وقرنان في الهبوط بالتدريج.
وفرت على مدى ثلاثة قرون حوائط صد تحمي الشرق الإسلامي من الغرب المسيحي، بدأت الأفول الفعلي مع غزو بونابرت لمصر 1798م، لم تصده عن مصر، لكن حين تحرك من مصر قاصدًا الشام ومنه القدس، كانت جيوشها في انتظاره وارتدّ على أعقابه، وفشلت أوّل صهيونية حديثة.
صدمة وتخاذلكذلك عندما تحرّكت قوات الحلفاء من مصر قاصدة الشام – وفي القلب منه القدس- كانت القوات العثمانية تعسكر في انتظارهم على جبهة سيناء، وقد انهزموا أمام قوات الجنرال اللنبي في معركة بئر السبع في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1917م، وخرج يواصل زحفه – الذي عجز عنه بونابرت – إلى القدس.
آثرت القوات العثمانية الانسحاب من المدينة حتى لا يتم تدميرها، إذا دارت الحرب على أسوارها، خرجوا منها بعد أن وفروا لها الحماية لمدة 673 عامًا، ودخلها الجنرال اللنبي، فارتفعت في روما أجراس الكنائس، ومن ذاك التاريخ التاسع من ديسمبر/كانون الأول 1917م والقدس في عهد الصليبية الجديدة، والصليبية الجديدة تتكفل بضمان وجود وبقاء وتفوق الصهيونية.
لا فرق بين مهمة الجنرال اللنبي والرئيس الأميركي – أو إمبراطور الغرب الأخير – بايدن أو من قبله أو من بعده، أي جنرال مسيحي كان سيفعل ما فعله الجنرال اللنبي، وأي رئيس أميركي سوف يفعل ما يفعله الرئيس الحالي، وقلْ مثل ذلك عن أي حاكم غربي، فلا فرق بين بطرس الناسك 1050 – 1115م، ولويس التاسع 1212 – 1270م، ونابليون بونابرت 1769 – 1821م، والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون المولود في عام زيارة الرئيس السادات للقدس 1977م.
كذلك لا فرق بين الملك الألماني فريدريك الثاني 1194 – 1250م، الذي أعاد استرداد القدس بعدما حررها صلاح الدين، لا فرق بينه وبين الرئيس الألماني ووزيرة خارجيته الحاليين إلا في أن فريدريك الثاني – بكل صليبيته – كان أكثر تعقلًا وأقل تعصبًا من قادة ألمانيا الحاليين، فهو لم يسترد القدس في أحضان الصليبيين بالحرب، ولكن استغل الانقسامات والصراعات الدموية بين ورثة صلاح الدين وحصل عليها – سلمًا وهديةً وعربون صداقةٍ وتحالفٍ – من الملك الكامل 1177 – 1233م.
ويصف المؤرخ الدكتور قاسم عبده قاسم في ص 118 من كتابه " في تاريخ الأيوبيين والمماليك " هذه الواقعة بقوله: " لقد جاء فريدريك الثاني بجيش هزيل، وفي عنقه قرار الحرمان البابوي، ولكنه عاد بمكاسب لم تستطع أي حملة صليبية أخرى أن تحققها منذ نجاح الحملة الصليبية الأولى التي احتلت القدس في السنوات الأخيرة من القرن الحادي عشر الميلادي ".
ثم يقول في ص 119: " كانت الصدمة عنيفة على العالم الإسلامي، إذ إن سياسة التخاذل والخوف التي سار عليها السلطان الكامل، قد آتت ثمارها المُرة في هذه المعاهدة الفضيحة، فقد سلم – دون قتال – كل ما فتحه المسلمون أيام جَده صلاح الدين الأيوبي بعد حروب استرداد طويلة ".
وعي فاسدالمقاومة الفلسطينية التي صمدت شتاء 2023م – 2024م أمام تحالف الصليبية – الصهيونية، هي آخر أنفاس صلاح الدين؛ أي آخر الوعي الصحيح بجوهر الصراع، الصراع بين الشرق الإسلامي كله، والغرب المسيحي كله، وليس صراعات بينية داخلية بين مسلمين ومسلمين، في مقابل نموذج الوعي الفاسد الذي يمثّله الملك الكامل – ابن شقيق صلاح الدين – حيث تضطره صراعاته بين أشقائه الأيوبيين إلى التحالف مع العدو الإستراتيجي، ثم يكون تسليم القدس للصليبيين – كهدية – ثمن هذا الوعي الفاسد والتحالف الخاطئ.
انظرْ حولك في عواصم العروبة والإسلام، ترَ الملك الكامل حيًا لم يمت. الوعي الفاسد، التحالفات الخاطئة، سلاح فاسد، سلاح يرتد إلى صدر الأمة.
الوعي الفاسد، أو نموذج الملك الكامل، يقف وراء: محنة المقاومة، الخذلان العربي الإسلامي، الانسحاب الصامت من اعتبار القضية الفلسطينية قضية الأمة بكاملها وليس الشعب الفلسطيني فقط. وأعباؤها يلزم توزيعها على كل العرب والمسلمين.
وأخطر من كل ذلك، فإن الوعي الفاسد وراء عدم تسكين إبادة المقاومة في مكانها الصحيح، هي جزء من تاريخ، كما هي جزء من مشروع، كما هي جزء من مستقبل. أو هي – الإبادة – آلية معتمدة من آليات الغرب للتعامل معنا، أو للتعامل مع من تراه خطرًا عليها.
إيان لوو Ian Law باحث في دراسات العرقية والعنصرية، وهو مؤسس ومدير مركز دراسات العرقية والعنصرية في جامعة ليدز بالمملكة المتحدة، له كتاب مهم تمت ترجمته إلى العربية تحت عنوان: " العنصرية والتعصب العرقي من التمييز إلى الإبادة الجماعية "، في الفصل الأول يشرح جذور فكرة التفوق العرقي بما أنها إحساس بالتميز ينتج عنه استعلاء الذات ثم ازدراء الآخرين، مركب الاستعلاء مع الازدراء يترتب عليه عنف، والعنف يصل إلى الإبادة، ثم الإبادة يترتب عليها مقاومة.
وهو – في ص 54 يؤرخ لها – أي الإبادة الجماعية – في النظام العالمي الحديث منذ مطلع القرن الخامس عشر فصاعدًا، إذ حفرت العرقية والتعصب العرقي لنفسها مكانًا في ذاكرتنا وفهمنا للعالم عبر أشكال من الإبادة الجماعية.
عبودية أطلسيةوتتضمن هذه الأشكال عمليات القتل الجماعي للسكان الأصليين في الأميركتين وأستراليا في سياق الاستعمار الاستيطاني؛ أي الغزو والاحتلال وإحلال المستوطنين المستعمرين محل أهل المكان الأصليين، كذلك الإبادة الجماعية عبر ما يسمى العبودية الأطلسية، وهي جلب الرقيق – قسرًا – للعمل في مزارع المستوطنين – قهرًا – وقد ترتب على هذه العبودية مقتل من 15 إلى 20 مليون إنسان.
وحتى نفهم حرب الإبادة الجارية ضد الفلسطينيين، يلزمنا وضعها في سياقها الصحيح: استعمار استيطاني يتخلص بكل سبيل ممكنة من أهل البلاد الأصليين. وحتى نفهم موقف الغرب المشارك – بكل ما يملك – في الإبادة يلزمنا فهم أن سلوك الإبادة ليس طارئًا ولا عابرًا ولا هامشيًا ولا دخيلًا على الغرب، بل هو جذر تاريخي متجدد متأصل متواصل.
فلولا الإبادة ما تأسست رأسمالية الغرب، ولولا الإبادة ما تأسست الدولة القومية في الغرب، ولولا الإبادة ما تأسس الاستعمار الغربي، ولولاها ما ترتب على الاستعمار من ديمقراطية وثورات علمية وتكنولوجية، ثم لولاها ما كان الغرب هيمن على العالم الحديث، وأعاد تشكيله وفق هواه، وتظل الإبادة جاهزة لتوضع في الخدمة الفعلية كلما لزم الأمر في الحاضر والمستقبل. أو ما يسميه إيان لوو Ian Law القتل الجماعي أحادي الجانب. (ص 53). ثم يذكر بعض أمثلة الإبادة:
1- في منطقة الكاريبي – فيما يعرف الآن بهاييتي وجمهورية الدومينيكان – كان يسكنهما ثمانية ملايين إنسان عندما دخلهما المستعمر الإسباني، ثم في خلال ثلاثين عامًا فقط، نجح القتل الجماعي أحادي الجانب في إفناء الملايين الثمانية، حتى لم يتبقَّ منهم غير عشرين ألفًا فقط.
2- كندا والولايات المتحدة كان يسكنهما نحو عشرة ملايين، قبل أن يستعمرهما الفرنسيون والإنجليز، ثم على مدى خمسة قرون، تم إفناؤهم، فلم يتبقّ منهم غير 237 ألفًا فقط، قتل رسمي برعاية الدولة ذاتها: قتل مباشر، تفشي أوبئة، مجاعات، سرقة أطفال، مصادرة الغذاء، وحرمان السكان الأصليين من مواردهم .
3- في عام 1788م كان سكان أستراليا الأصليون سبعمائة وخمسين ألفًا ( ثلاثة أرباع المليون)، جرت إبادتهم حتى لم يتبقّ منهم عام 1911م غير واحد وثلاثين ألفًا فقط، بالأساليب نفسها: مذابح منظمة، حملات إبادة، أمراض فتاكة، مجاعات، سرقة أطفال، مصادرة موارد .
4- جزيرة تسمانيا – من جزر أستراليا – عام 1804م كان يعيش عليها قبل دخول المستعمرين الإنجليز أربعة آلاف وخمسمائة، وفي غضون ثمانين عامًا – حسبما يقول المؤلف – تمت إبادة كل من تجري في عروقهم دماء أصحاب الأرض الأصليين، فقد قُتل آخر رجل عام 1869م، ولقيت آخر امرأة حتفها في عام 1876م، ولم يبقَ على قيد الحياة إلا بعض المهجّنين، أي من زيجات مشتركة.
كان المستعمرون يقومون برحلات صيد بتصويب رصاص البنادق، ثم إطلاقه في عيون السكان الأصليين، كان تسميم الطحين سلوكًا معتادًا من المستعمرين ضد السكان الأصليين. (ص 58) .
5- نموذج أكثر حداثة، أول عملية إبادة جماعية افتتح بها القرن العشرون، باكورة أعمال الألمان في سجل الإبادة، ففي ناميبيا كان شعب الهيريرو يبلغ عدده ثمانين ألفًا، أبادهم الألمان حتى لم يتبقّ منهم غير ستة عشر ألفًا .
يختتم المؤلف هذا الجزء من الفصل الأول بملاحظتين في قمة الشجاعة:
الأولى: الإبادة الجماعية الاستعمارية استهدفت الاستيلاء على الأرض، والموارد الطبيعية والبشرية، ومن ثم كانت حجر الزاوية في بناء الرأسمالية .
الثانية: التطور الديمقراطي كان يسير، يدًا بيد، مع عمليات القتل الجماعي الذي تأسست عليه إمبراطوريات الإسبان، والبرتغاليين، والهولنديين، والإنجليز، والفرنسيين.
وأضيف إليه الأميركان والصهاينة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المقاومة الفلسطینیة الإبادة الجماعیة القتل الجماعی الملک الکامل صلاح الدین لا فرق بین لم یتبق
إقرأ أيضاً:
الكاتب آفي شتاينبرغ: الجنسية الإسرائيلية أداة للإبادة الجماعية من البداية
أعلن الكاتب اليهودي آفي شتاينبرغ، المقيم في الولايات المتحدة أنه تخلى عن جنسيته الإسرائيلية بسبب "الإبادة الجماعية" التي ترتكبها تل أبيب بحق الفلسطينيين بقطاع غزة منذ 15 شهرا.
وفي مقاله بموقع "تروث آوت" الإخباري ومقره الولايات المتحدة، أكد شتاينبرغ أن إسرائيل تقوم على "قوانين عنصرية مبنية على أساس عرقي".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"أسطورة المثالية الأميركية" لتشومسكي.. كيف تُهدد السياسة الخارجية الأميركية استقرار العالم؟list 2 of 2تقرير سنوي: حرب غزة محفز جيوسياسي للإسلاموفوبيا في أوروباend of listوقال: "استخدمت إسرائيل وجودي ومولدي وهويتي، ووجود كثيرين آخرين، أسلحة في حملة الإبادة الجماعية التي تشنها للقضاء على السكان الأصليين في فلسطين".
وشدد على أن إسرائيل منذ تأسيسها اعتمدت على "قوانين التفوق العرقي لدعم نظام استعماري عسكري علني هدفه القضاء على فلسطين".
ودعا أصدقاءه الإسرائيليين إلى الانضمام إليه في التخلي عن جنسياتهم أو على الأقل رفض الخدمة العسكرية الإجبارية.
يذكر أن آفي شتاينبرغ ولد في القدس، لأبوين يهوديين هاجرا إلى إسرائيل بموجب "قانون العودة"، واستقر بعد ذلك في بوسطن الأميركية.
وفي العام 1950 أقر الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) "قانون العودة" الذي يسمح لليهود بالهجرة والاستقرار في إسرائيل والحصول على جنسيتها.
وتنشر الجزيرة نت ترجمة لمقال الكاتب والباحث آفي شتاينبرغ:
التخلي عن الجنسية الإسرائيليةمؤخرا، دخلت قنصلية إسرائيلية لتقديم أوراق التخلي رسميا عن جنسيتي. كان يوما دافئا على غير العادة في فصل الخريف، في حين كان الموظفون يسترخون بجانب بركة الماء في بوسطن خلال استراحتهم. في الليلة السابقة، وقعت سلسلة من الهجمات الجوية الإسرائيلية الوحشية على مخيمات اللاجئين في غزة. وبينما كان الفلسطينيون لا يزالون يعدون الجثث أو في كثير من الحالات، يجمعون ما تبقى من أحبائهم، سألتني امرأة أمامي في طابور القنصلية بمرح عن سبب وجودي هناك اليوم.
إعلانفي الوقت الذي يوثق فيه الباحثون والصحفيون والقانونيون حول العالم تفاصيل جرائم إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويؤكدون أنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية تستوجب المحاكمة، تمتد القصة إلى ما هو أبعد من أهوال العام الماضي. الجنسية الإسرائيلية، التي كنت أملكها، كانت دائما جزءا ماديا من عملية إبادة جماعية طويلة الأمد. منذ نشأتها، اعتمدت الدولة الإسرائيلية على قوانين تفوق عرقي لتعزيز نظام عسكري هدفه الواضح هو محو فلسطين من الوجود.
أثناء ملء النموذج الذي أحضرته إلى القنصلية، لفت نظري الإشارة إلى قانون الجنسية لعام 1952، الأساس القانوني الذي منحني وضعي عند الولادة. سبب استغنائي عن الجنسية مرتبط بشكل وثيق بهذا القانون، وبالسياق التاريخي الذي أنتجه في ظل النكبة.
View this post on InstagramA post shared by قناة الجزيرة مباشر (@aljazeeramubasher)
النكبة وقوانين الجنسية الإسرائيليةفي عام 1949، عقب توقيع اتفاقيات الهدنة التي كان يُفترض أن تضع حدا لحرب 1948، بدأ المستوطنون الصهاينة البحث عن طرق لتأمين دولتهم العسكرية. بعد تنفيذهم لمجازر وطرد 3 أرباع السكان الفلسطينيين الأصليين من الأراضي التي استولوا عليها، كان أولويتهم منع اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى قراهم وأراضيهم بأي ثمن. كانت الخطة واضحة: تحويل الأرض المصادرة إلى أملاك قانونية للدولة الجديدة، وتجهيزها لاستقبال موجات المهاجرين اليهود القادمين من الخارج. في ذلك العام، أُفرغت أكثر من 500 قرية ومدينة فلسطينية من سكانها، وبدأ العمل على محوها من الخريطة إلى الأبد.
ورغم أن الدولة الاستيطانية احتاجت عقودا لتُقر بأنها كيان قائم على التفوق اليهودي بحكم القانون، كانت ممارسة التطهير العرقي جزءا أساسيا من إستراتيجيتها منذ البداية. الهدف كان واضحا: إنشاء دولة يهودية تضمن أغلبية يهودية على أرض كانت، قبل العقود الأولى من القرن العشرين، تضم سكانا 90% منهم غير يهود.
إعلانلكن إتمام مشروع التطهير العرقي كان يتطلب هندسة عدوانية وواجه مقاومة شرسة من السكان الأصليين. في عام 1949، كانت الحدود المصطنعة لا تزال مسامية، والأراضي الريفية الخاضعة للاحتلال بعيدة عن السيطرة الكاملة. كان الفلسطينيون الذين تحولوا حديثا إلى لاجئين يعيشون على مقربة من منازلهم، في خيام لا تبعد سوى أميال قليلة عن قراهم. بالكاد يحصلون على وجبة واحدة يوميا، إلا أنهم كانوا مصممين، بعد الهدنة، على العودة إلى ديارهم ومحاصيلهم.
آفي شتاينبرغ: على مدى عقد استخدم المستوطنون الصهاينة كل وسيلة ممكنة لقطع الصلة بين الفلسطينيين الأصليين وأراضيهم (الفرنسية) الحياة كمستوطنحاول البعض العمل ضمن النظام القانوني الاستعماري الجديد الذي فُرض على عجل. استندوا إلى ما ورد في "إعلان الاستقلال" للكيان الجديد الذي زعم منح حقوق متساوية للجميع. لكن هذا الإعلان لم يكن يتمتع بأي قوة قانونية، إذ صُمم أساسا كأداة دعائية تهدف إلى كسب قبول دولي ضمن إطار الأمم المتحدة الجديدة. وقد رُفض طلب عضوية هذا الكيان، الذي أطلق على نفسه اسم "دولة إسرائيل"، في الأمم المتحدة مرة واحدة، مما دفع القيادة الصهيونية إلى البحث عن وسائل لإضفاء شرعية على طلبها الجديد. كانوا يأملون أن يمنحهم إظهار شكلي لحقوق الفلسطينيين غطاء سياسيا للانضمام إلى النظام الدولي الناشئ الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.
لكن بغض النظر عن الدعاية التي كانت الدولة تروجها في الخارج، كان الوضع على الأرض يعكس بوضوح عملية تطهير عرقي. على مدى ما يقرب من عقد، استخدم المستوطنون الصهاينة كل وسيلة ممكنة لقطع الصلة بين الفلسطينيين الأصليين وأراضيهم. في أبريل/نيسان 1949، اعتمدوا سياسة "إطلاق النار الحر"، حيث كان يمكن، وغالبا ما يتم، إطلاق النار على ما يسمى "المتسللين" -أي الفلسطينيين الأصليين الذين يحاولون العودة إلى منازلهم التي عاشوا فيها لأجيال- بمجرد رؤيتهم. أنشأت الدولة معسكرات اعتقال عبر عمليات واسعة لجمع القرويين والمزارعين، ومن هذه المعسكرات جرى ترحيل أعداد كبيرة من الفلسطينيين عبر "الحدود"، حيث تم دفعهم إلى مخيمات اللاجئين المتزايدة في الأردن ولبنان، وفي غزة الخاضعة للإدارة المصرية، وهكذا أصبحت غزة، مع مرور الوقت، القطعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.
إعلانتجدر الإشارة إلى أن هذه المشاهد حدثت بعد توقيع الهدنة، أي بعد الحرب التي بدأت في 1948. كان هذا جزءا من إستراتيجية ما بعد الحرب التي استخدمت وقف إطلاق النار كغطاء لتأمين أراضٍ مطهرة عرقيا، وهو نمط سيستمر لعقود. الهدف كان واضحا منذ البداية: طرد الفلسطينيين من أراضيهم بشكل نهائي، وإضعاف ارتباط أولئك الذين بقوا، ومحاولة محو فلسطين كمفهوم وواقع مادي.
في هذا السياق، وُضعت قوانين الجنسية للدولة في أوائل الخمسينيات. بدأ ذلك بـ "قانون العودة" عام 1950، الذي منح الجنسية لأي يهودي في العالم، ثم توسع في "قانون الجنسية" لعام 1952، الذي ألغى أي وضعية قانونية كانت للفلسطينيين. أعادت الدولة صياغة مفهوم الجنسية على أسس التفوق اليهودي، ليصبح المبدأ الدستوري الأساسي لها. ونتيجة لهذه التشريعات الجذرية، التي فرضها احتلال مسلح قاسٍ، كما تقول الباحثة والأكاديمية المختصة بالاستعمار الاستيطاني لانا تطور، "أصبح المستوطنون أصليين، والسكان الفلسطينيون الأصليون غرباء". وتضيف "تطور" أن هذا الإطار القانوني لم يكن فشلا في السياسة، بل على العكس، كان يؤدي الدور الذي صُمم له: "تطبيع الهيمنة، وإضفاء الشرعية على سيادة المستوطنين، وتصنيف السكان، وخلق الفروقات، واستبعاد السكان الأصليين وتجريدهم من حقوقهم."
آفي شتاينبرغ: الشعب الفلسطيني لم يكن يوما مدينا بشيء لليهود عن جرائم معاداة السامية الأوروبية، ولا هو مدين لهم اليوم (رويترز)بعد 19 عاما من إقرار قانون الجنسية لعام 1952، انتقل والداي من الولايات المتحدة إلى القدس، حيث مُنحوا الجنسية الكاملة وحقوقا شاملة بموجب "قانون العودة". بدافع من سذاجة شبابية تطورت لاحقا إلى إنكار متعمد، تمكن والداي من أن يكونا ليبراليين يعارضان الغزو الأميركي لفيتنام، بينما كانا في الوقت نفسه مستوطنين مسلحين يعيشون على أرض شعب آخر. انتقلا إلى حي في القدس تم تطهيره عرقيا قبل سنوات قليلة فقط. سكنوا في منزل بناه وأقام فيه عائلة فلسطينية طُردت إلى الأردن ومنعت من العودة بقوة السلاح وبموجب أوراق الجنسية التي كانت عائلتي تحملها.
إعلانلم يكن هذا الاستبدال سرا، عائلات مثل عائلتي عاشت في تلك الأحياء بالتحديد لأنها كانت منازل "عربية"، وهو ما كان يُعلن عنه بفخر نظرا لتصاميمها الأنيقة وأسقفها العالية، على النقيض من الكتل السكنية العشوائية التي بناها المستوطنون الصهاينة. ولدت أنا في قرية فلسطينية مطهرة عرقيا تُدعى عين كارم (كبرى قرى قضاء القدس)، كانت تثير الإعجاب لما امتلكته من سحر عربي أصيل، مع غياب العرب الأصليين الذين كانوا يشكلون جزءا من هذا الجمال. كان والدي في الجيش الإسرائيلي، وبعد الغزو الوحشي للبنان عام 1982، خرج هو وأصدقاؤه كمدافعين ليبراليين عن "السلام". لكن بالنسبة لهم، كان "السلام" يعني الحفاظ على دولة ذات أغلبية يهودية، وترك عملية التطهير العرقي الأصلية قائمة، ولكن بشكل أكثر شرعية وأمانا من أي وقت مضى. كانوا يسعون إلى سلام يوفر الاستقرار لليهود في إسرائيل، بينما يعني للفلسطينيين الاستسلام التام والاحتلال الدائم والنفي.
حق تقرير المصير اليهوديكل ما سبق قوله يُظهر أن قراري بالتخلي عن هذه الجنسية لا يتعلق بمحاولة إلغاء وضع قانوني بقدر ما هو اعتراف بأن هذا الوضع لم يكن شرعيا منذ البداية. قوانين الجنسية الإسرائيلية تستند إلى أسوأ أنواع الجرائم العنيفة التي نعرفها، وإلى سلسلة متزايدة من الأكاذيب التي تهدف إلى تبييض هذه الجرائم. المظاهر الرسمية، ورموز الحكم القانوني المزيفة التي تحمل أختام وزارة الداخلية، لا تشهد على شيء سوى محاولات الدولة المتكررة لإخفاء عدم شرعيتها الجوهرية. هذه وثائق مزورة. والأهم من ذلك، أنها أدوات قمع تُستخدم باستمرار لتهجير أناس أحياء، وعائلات، وسكان أصليين بأكملهم من أراضيهم.
في حملتها الإبادية لطمس وجود السكان الأصليين لفلسطين، وظفت الدولة وجودي ذاته، هويتي ومولدي، تماما كما فعلت مع الكثيرين غيري. الجدار الذي يمنع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم يتكون بقدرٍ متساوٍ من الوثائق المزيفة ومن كتل الخرسانة. مهمتنا هي إزالة تلك الكتل الخرسانية، وتمزيق هذه الأوراق الزائفة، وزعزعة الروايات التي تضفي الشرعية على هذه البنى القمعية وتجعلها تبدو كأنها حتمية ولا مفر منها.
شتاينبرغ: بوصفي يهوديا تقليديا أومن بأن التوراة تحمل رؤية جذرية تنص على أن أي شعب، بمن فيهم اليهود، ليس له الحق المطلق في أي أرض (غيتي)إلى أولئك الذين يسارعون بالتذرع بحجة أن "لليهود حق تقرير المصير"، أقول ببساطة: إذا كان هذا الحق موجودا، فلا يمكن أن يتضمن الغزو والاحتلال والتطهير العرقي لشعب آخر. لا يملك أحد هذا الحق. علاوة على ذلك، يمكن بسهولة التفكير في دول أوروبية عدة تدين بديون الأرض والتعويضات لليهود الذين اضطُهدوا في تلك القارة. أما الشعب الفلسطيني، فلم يكن يوما مدينا بشيء لليهود عن جرائم معاداة السامية الأوروبية، ولا هو مدين لهم اليوم.
إعلانإيماني الشخصي، الذي ينسجم مع كثير من أسلافي في القرن العشرين، هو أن تحرير اليهود لا ينفصل عن الحركات الاجتماعية الأوسع نطاقا. لهذا السبب كان العديد من اليهود اشتراكيين في أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية، ولهذا السبب يظل كثير منا مرتبطا بهذا التقليد حتى اليوم.
وبوصفي يهوديا تقليديا، أومن بأن التوراة تحمل رؤية جذرية تنص على أن أي شعب، بما فيهم اليهود، ليس له الحق المطلق في أي أرض، بل هو مقيد بمسؤوليات أخلاقية صارمة. إذا كانت التوراة تحمل رسالة واحدة، فهي أن من يظلم الأرملة واليتيم، ومن يمارس الفساد تحت غطاء الطمع والعنف الممنهج، ومن يجمع الأرض والثروة على حساب الناس العاديين، سيطرده إله العدل. التوراة التي يُلوَح بها القوميون المهووسون بالأرض كأنها وثيقة ملكية، هي في حقيقتها سجل للإنذارات النبوية ضد إساءة استخدام السلطة.
وفقا للتوراة، الكيان الوحيد صاحب السيادة الحقيقية هو إله العدل الذي يحتقر المغتصب والمحتل. الصهيونية لا تمت بصلة إلى اليهودية أو التاريخ اليهودي، سوى أن قادتها استغلوا الروايات التاريخية العميقة لتعبئة أجندتهم الاستعمارية. ويجب أن نركز على مواجهة تلك الأجندة الاستعمارية وحدها. المحاولات المستمرة لاستدعاء تاريخ اضطهاد اليهود لتبرير أو تشتيت الانتباه عن أفعال كيان اقتصادي وعسكري قوي، هي محاولات مثيرة للسخرية لولا أنها تُستخدم بوقاحة وأحيانا بدموية.
التفكيك الاستعماري كحل أوحدالاستعمار الصهيوني لا يمكن إصلاحه أو جعله ليبراليا. هويته الوجودية، كما تعكسها قوانين الجنسية وتصريحات مواطنيه، تُمثل التزاما بالإبادة الجماعية. الدعوات لفرض حظر على الأسلحة، أو لفرض المقاطعات وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، هي مطالب منطقية، لكنها ليست رؤية سياسية. التفكيك الاستعماري هو الرؤية. إنه المسار والغاية في الوقت ذاته. ويجب علينا جميعا توجيه جهودنا التنظيمية بناء على ذلك.
إعلانهذا التغيير بدأ يحدث بالفعل. واقع جديد قيد البناء بفضل حركة واسعة ونشيطة ومفعمة بالأمل تضم أشخاصا من جميع أنحاء العالم يؤمنون بأن المستقبل الأخلاقي الوحيد هو فلسطين حرة محررة من السيطرة الاستعمارية. الطريقة للوصول إلى هذا المستقبل تكمن في حركة تحرير محلية يقودها الفلسطينيون أنفسهم، مدعومة عالميا. ستكون هذه الحركة مسلحة بتكتيكات متعددة، تعتمد على ما تتطلبه الظروف المختلفة، بما في ذلك المقاومة المسلحة، التي تُعد حقا عالميا لكل شعب واقع تحت الاحتلال.
آفي شتاينبرغ: فلسطين ستتحرر ولكن هذا التحرير لن يتحقق إلا عندما نلتزم، هنا والآن، بممارسات التحرير (الأوروبية)إن التفكيك الاستعماري يبدأ بالاستماع إلى دعوات المنظمين الفلسطينيين والإجابة عليها، وذلك لتطوير وعي وممارسة تفكيك استعماري حقيقي. يشمل هذا العمل إزالة الهياكل المادية التي وُضعت كحواجز بين الفلسطينيين وأرضهم، والعمل على عكس عملية تطبيع هذه الحواجز التعسفية.
يتطلب التفكيك الاستعماري للجنسية أيضا فهم العلاقة المادية بين الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي وأشكال الاستعمار الأخرى في جميع أنحاء العالم. من المعروف أن الولايات المتحدة تزود حليفها الاستعماري الإسرائيلي بأسلحة لا تنتهي ودعم سياسي غير محدود، ولكن ما قد لا يُعرف هو أن النظام القانوني في أستراليا ضد السكان الأصليين كان بمثابة نموذج قانوني لإسرائيل.
إن النضال من أجل تحرير فلسطين مرتبط ارتباطا وثيقا بنضالات حركات "استعادة الأراضي" للسكان الأصليين في كل مكان. ورغم أن جنسيتي الفردية ليست سوى لبنة واحدة في هذا الجدار، فإنها تظل لبنة، ويجب إزالة هذه اللبنة بشكل فعلي.
أولئك الذين يهمهم موقفي مدعوون للانضمام إلى شبكة متنامية وداعمة من الأفراد الذين يتخلون عن جنسيتهم كجزء من ممارسة أوسع للتفكيك الاستعماري. أما من لا يجدون أنفسهم في هذا الموقف، فعليهم اتخاذ خطوات أخرى. إذا كنت تعيش في فلسطين المحتلة، فانضم إلى حركة رفض الخدمة العسكرية وحولها إلى حركة أكثر فعالية. قاتل من أجل تفكيك واستعادة الطابع الثوري لحركة العمل، وحولها إلى رافعة قوة مضادة للدولة كما ينبغي أن تكون.
إعلانانضم إلى المقاومة التي يقودها الفلسطينيون. وإذا لم تكن قادرا على القيام بهذه الأمور، فغادر وقاوم من الخارج. اتخذ خطوات مادية لتفكيك هذا الهيكل الاستعماري، وزعزع السردية التي تدعي أن هذا الوضع طبيعي، أو أنه يمثل المستقبل.
هذا ليس مستقبلنا. فلسطين ستتحرر. لكن هذا التحرير لن يتحقق إلا عندما نلتزم، هنا والآن، بممارسات التحرير.