وأنت تسير خارج المنزل في يوم شديد الحرارة، قد تتمنى لو كان بإمكانك تخفيف الشعور بالحرارة بأن تخلع بعضا من ملابسك، لكن ربما لن يتكرر ذلك مستقبلا، لأن ملابسك نفسها قد تكون الحل بحيث تمنحك البرودة المطلوبة، وهو الاختراق الهام الذي حققه الباحثون بالمعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن بأستراليا، وأعلنوا عنه في دورية " بوليمرز أوف أدفانسد تكنولوجي".

فقد أعلن الباحثون عن استخدام "الألماس النانوي" لإنشاء منسوجات ذكية يمكنها تبريد الأشخاص بشكل أسرع، ليجدوا أن القماش المصنوع من المنسوجات المطلية بـ"الألماس النانوي" باستخدام طريقة تسمى "الغزل الكهربائي"، يمنح انخفاضا بمقدار 2-3 درجات مئوية في الحرارة مقارنة بالقطن غير المعالج، وهو ما يمكن أن يفيد في تحقيق هدف "التكيف المناخي" لسكان المناطق الحارة الذين تزداد معاناتهم من الحرارة بسبب تغيرات المناخ.

و"الألماس النانوي" عبارة عن جزيئات صغيرة الحجم بمقياس النانومتر من الألماس، يتراوح حجمها عادة من 1 إلى 100 نانومتر، والنانومتر هو جزء من مليار من المتر، مما يجعل الألماس النانوي غير مرئي للعين المجردة.

وتتكون هذه الألماسات النانوية من نفس ذرات الكربون مرتبة في بنية شبكية بلورية مثل الألماس الأكبر حجما. ومع ذلك، وبالنظر لصغر حجمها، فإنها تحمل خصائص فريدة تختلف عن الألماس الأكبر حجما، حيث إنها تمتلك نسبا عالية من مساحة السطح إلى الحجم، والتي يمكن أن تعزز تفاعلها وتجعلها مفيدة في التطبيقات المختلفة، بما في ذلك المنسوجات.

الألماسات النانوية تتكون من نفس ذرات الكربون مرتبة في بنية شبكية بلورية مثل الألماس الأكبر حجما (المعهد الملكي للتكنولوجيا بملبورن)

وحاولت فرق بحثية في دراسات سابقة توظيف "الألماس النانوي" في المنسوجات، ولكن التقنيات المستخدمه لتطبيقه على المنسوجات -مثل الطلاء أو الرش أو التضمين- لم تكن عملية أو اقتصادية، فضلا عن أنها لم تحقق النتائج المرجوة بدرجة كبيرة، ويزعم الباحثون أن طريقتهم التي استخدموها في الدراسة الجديدة جمعت بين الحسنيين، وهما "الجدوى الاقتصادية" و"تحقيق التبريد بدرجة أكبر".

ما هو الغزل الكهربائي لـ"الألماس النانوي"؟

الغزل الكهربائي عملية تُستخدم لإنشاء ألياف متناهية الصغر باستخدام مجال كهربائي، وتُشبّه بصناعة حلوى القطن، لكن بدلا من استخدام السكر يُستخدم خليط سائل يحتوي على جزيئات صغيرة تسمى "الألماس النانوي".. وهذه خطوات تنفيذه:

التحضير: يُحمّل الخليط السائل في محقنة، تماما مثل تلك التي يستخدمها الطبيب للحقن. الغزل: تُعلق إبرة بالمحقنة وتوضع قرب سطح مستو مثل الطاولة. الشحنة الكهربائية: تُطبق بعد ذلك شحنة كهربائية خاصة على الخليط السائل عن طريق توصيله ببطارية أو مصدر طاقة، وهذه الشحنة تجعل السائل يتشكل على شكل خيوط رفيعة على غرار الطريقة التي يغزل بها العنكبوت شبكته. التمدد: عندما يخرج السائل المشحون من الإبرة فإنه يتمدد ويتمدد، ويصبح أرق وأرق، مثل سحب قطعة من العلكة. التصلب: أثناء تمدد الخيوط يبدأ السائل بالجفاف تاركا وراءه أليافا صلبة صغيرة مصنوعة من السائل الخاص والألماس النانوي، حيث يبدو الأمر كما لو أن الماء يتبخر من بركة، تاركا وراءه الأرض الجافة فقط. التجميع: تُجمع كل هذه الألياف الصغيرة على السطح المستوي لتشكل حصيرة ناعمة ورقيقة هي النسيج الخاص، وتكون مصنوعة من ألياف شبيهة بالقطن ومملوءة بالألماس النانوي. عينة من القطن غير المعالج (يمين) بجانب عينة من القطن المعالج بالألماس النانوي (المعهد الملكي للتكنولوجيا بملبورن) 4 مزايا تمنحه الأفضلية

ويبدو الغزل الكهربائي بهذه الكيفية متميزا عن الطرق الأخرى -مثل الطلاء أو الرش أو التضمين- بأربع مزايا، كشفت عنها الدراسة، وهي:

التوزيع الموحد: فالغزل الكهربائي يسمح بالتحكم الدقيق في توزيع الألماس النانوي داخل الألياف، مما يضمن التشتت الموحد في جميع أنحاء النسيج، ويعزز هذا التوحيد فعالية خصائص التبريد والوظائف الأخرى المطلوبة. التكامل المباشر: تقوم تلك العملية بدمجه مباشرة في مصفوفة البوليمر أثناء تكوين الألياف، وهذا يعني أنه يصبح جزءا أساسيا من النسيج، مما يوفر أداء ثابتا طوال عمر المادة. الكفاءة وقابلية التوسع: يُعتبر الغزل الكهربائي عملية قابلة للتطوير مقارنة بالطرق الأخرى، ويمكن تكييفه بسهولة للإنتاج على نطاق واسع، مما يجعله مناسبا للتطبيقات الصناعية والتسويق. تعدد الاستخدامات: الغزل الكهربائي متوافق مع مجموعة واسعة من البوليمرات والمواد المضافة، مما يسمح بالمرونة في اختيار المواد، ويتيح هذا التنوع تصميم خصائص النسيج لتلبية متطلبات محددة، مثل التبريد والمتانة والراحة. لماذا اختير "الألماس" لمهمة التبريد؟

واختير الألماس تحديدا لاستخدامه في الغزل الكهربائي لأداء وظيفة تبريد الجسم لخمس مزايا، أشار إليها  البيان الصحفي الذي أصدرته الجامعة، وهي:

الموصلية الحرارية العالية: فالألماس النانوي يمتلك موصلية حرارية عالية للغاية، مما يعني أنه يمكنه نقل الحرارة بكفاءة من مكان إلى آخر، وعند دمجه في المنسوجات، يمكنه سحب الحرارة بسرعة بعيدا عن الجسم على غرار الطريقة التي يقوم بها المعدن بتوصيل الحرارة بعيدا عن السطح الساخن. مساحة السطح المحسنة: فالألماسات النانوية تتمتع بمساحة سطحية كبيرة بالنسبة لحجمها نظرا لصغر حجمها ونسبة السطح إلى الحجم العالية، وتتيح مساحة السطح المتزايدة هذه اتصالا أكثر فعالية بالجلد، مما يزيد من نقل حرارة الجسم إلى القماش. تبديد الحرارة: بمجرد أن تمتص الألماسات النانوية الحرارة، فإنها تتبدد بعيدا عن الجسم وفي البيئة المحيطة، وتخلق هذه العملية تأثيرا مبردا على الجلد، مما يساعد على خفض درجة حرارة الجسم وتحسين الراحة. إدارة الرطوبة: بالإضافة إلى ذلك، قد تعمل المنسوجات المدعومة بالألماس النانوي على تحسين إدارة الرطوبة عن طريق طرد العرق بعيدا عن الجلد وتعزيز التبخر، وتساهم عملية التبخر هذه أيضا في الإحساس بالتبريد عن طريق إزالة الحرارة من سطح الجسم. التطبيق المستهدف: من خلال تطبيق طلاء الألماس النانوي على مناطق محددة من النسيج التي تتلامس بشكل مباشر مع الجلد مثل الطبقة الداخلية من الملابس، يحدد تأثير التبريد في المكان الذي تشتد الحاجة إليه. آلة الغزل الكهربائي أنشأت شبكة من ألياف الماس النانوية على ألياف القطن (المعهد الملكي للتكنولوجيا بملبورن) مادة رخيصة.. تطبيقات متعددة

وخلافا للاعتقاد السائد، فإن الألماس النانوي ليس مثل الذي يزين المجوهرات، فهو أرخص من أكسيد الغرافين وأنواع أخرى من المواد الكربونية، كما أنه سهل التصنيع كما تقول الأستاذة بكلية الهندسة بالمعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن والباحثة الرئيسية بالدراسة شادي هوشيار.

وتوضح شادي في البيان الصحفي الذي أصدره المعهد، أنه يمكن تصنيع الألماس النانوي بعدة طرق منها:

طريقة التفجير: تتضمن هذه الطريقة تفجير المواد المحتوية على الكربون في بيئة خاضعة للرقابة، ويولد الانفجار ضغطا ودرجة حرارة عالية، مما يتسبب في إعادة ترتيب ذرات الكربون لتكوين هياكل الألماس. طريقة الضغط العالي ودرجة الحرارة المرتفعة: وفي هذه الطريقة، تتعرض المواد الكربونية مثل الغرافيت لظروف ضغط ودرجة حرارة شديدة مماثلة لتلك الموجودة في أعماق وشاح الأرض، حيث يتشكل الألماس الطبيعي على مدى ملايين السنين. ترسيب البخار الكيميائي: في هذه التقنية، يجري إدخال غاز يحتوي على ذرات الكربون مثل الميثان إلى الغرفة مع مادة ركيزة، ويقوم مصدر الطاقة العالية مثل البلازما أو الليزر بتكسير جزيئات الغاز، مما يسمح لذرات الكربون بالترسب على الركيزة وتشكيل طبقات الألماس.

ويُستخدم الألماس النانوي في التطبيقات الطبية وتحلية المياه ومنتجات العناية الشخصية وتحسين الخواص الميكانيكية للمواد وتخزين الطاقة، ويسهل الغزل الكهربائي استخدامه في المنسوجات، كما تقول الباحثة المشاركة بالدراسة عائشة رحمان.

المشرف على الأبحاث الدكتور شين وانغ (يسار)، والباحثة المشاركة بالدراسة الدكتورة عائشة رحمان (وسط)، ورئيسة المشروع الباحثة الرئيسية الدكتورة شادي هوشيار (المعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن)

وتضيف رحمن في البيان الصحفي أنه "على الرغم من أن الانخفاض بمقدار 2-3 درجات مئوية  في الحرارة قد لا يبدو تغييرا كبيرا، فإنه يُحدث فرقا في تأثيرات الراحة والصحة على مدى فترات طويلة، ومن الناحية العملية يمكن أن يتمثل الفرق بين تشغيل مكيف الهواء أو إيقاف تشغيله".

خطوة نحو التطبيق

ويعتبر أستاذ المواد بجامعة المنصورة المصرية معتز الشافعي، النتائج التي توصل لها الباحثون بمثابة خطوة أولى نحو التطبيق، مشيرا في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت"، إلى أن هناك العديد من الأسئلة التي يتعين الإجابة عليها في دراسات لاحقة لاستكمال الطريق.

وقال الشافعي: إن من بين الأسئلة المهمة ما يتعلق بـ"المتانة وطول العمر"، حيث إن هناك حاجة إلى معرفة "مدى متانة المنسوجات المطلية بالألماس النانوي خلال الاستخدام المتكرر ودورات الغسيل، والعوامل التي تؤثر في طول عمر خصائص التبريد، وكيف يمكن إطالة عمر هذه المنسوجات؟".

ويوضح أن من بين الأسئلة الأخرى، ما يتعلق بنسبة الانخفاض بمقدار 2-3 درجات مئوية التي أعتبرها الباحثون مرضية، فينبغي العمل -في رأيه- على  تحسين كفاءة التبريد بمعدل أكبر، ويضيف: "يجب أن تجيب الدراسات اللاحقة عما إذا كانت هناك تركيزات من الألماس النانوي، أو تقنيات تصنيع تعمل على تحسين أداء التبريد".

وأخيرا يرى الشافعي أنه لا بد من إجراء مزيد من التجارب الشخصية للأفراد الذين يرتدون المنسوجات المطلية بالألماس النانوي في ظروف بيئية مختلفة، حيث يمكن أن يساعد تقييم ردود الفعل على تحسين راحة هذه المنسوجات وقابليتها للارتداء لضمان اعتمادها وقبولها على نطاق واسع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات بعیدا عن یمکن أن

إقرأ أيضاً:

كوريا الجنوبية تنجح في إطلاق «قمر تجسس صناعي» ثالث من مركز فضائي أمريكي

قالت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية إن كوريا الجنوبية نجحت في وضع قمرها الصناعي التجسسي الثالث في مداره؛ بعد إطلاقه من مركز فضائي أمريكي، في الوقت الذي تسعى فيه البلاد إلى تعزيز قدراتها المستقلة في مراقبة كوريا الشمالية.
وذكرت الوزارة - في بيان نقلته وكالة الأنباء الكورية الجنوبية "يونهاب" اليوم الأحد - أن صاروخ فالكون 9 الذي يحمل القمر الصناعي انطلق بشكل طبيعي أمس في الساعة 8:34 مساءً (بتوقيت كوريا) من قاعدة فاندنبرغ الفضائية في كاليفورنيا كما هو مخطط له، وأرسل القمر الصناعي للاستطلاع إلى مداره في الساعة 9:24 مساءً.
وأضافت أن القمر الصناعي الذي تم إطلاقه نجح في الاتصال بمحطة أرضية خارجية في الساعة 11:30 مساءً، في خطوة تشير إلى أنه يعمل بشكل طبيعي.
ويعد هذا القمر هو القمر الصناعي العسكري الثالث الذي تطلقه كوريا الجنوبية في إطار خطتها لإطلاق خمسة أقمار صناعية للتجسس بحلول عام 2025 لمراقبة كوريا الشمالية بشكل أفضل بشبكة أقمار صناعية عسكرية مستقلة. وكانت كوريا الجنوبية تعتمد في السابق إلى حد كبير على صور الأقمار الصناعية التي تقدمها الولايات المتحدة.
وكانت كوريا الجنوبية قد أطلقت أول قمر صناعي للتجسس مزود بأجهزة استشعار كهروضوئية وأشعة تحت الحمراء لالتقاط صور مفصلة لسطح الأرض في ديسمبر من العام الماضي من قاعدة الفضاء في كاليفورنيا، وخلال أبريل، أطلقت قمرها الثاني المزود بأجهزة استشعار رادار الفتحة التركيبية التي تلتقط البيانات باستخدام الموجات الدقيقة والقادرة على جمع البيانات بغض النظر عن الظروف الجوية من مركز جو إف كينيدي للفضاء في جزيرة ميريت بولاية فلوريدا.

مقالات مشابهة

  • الإمارات تنضم إلى معاهدة القارة القطبية الجنوبية لتسريع العمل المناخي
  • كوريا الجنوبية تنجح في إطلاق «قمر تجسس صناعي» ثالث من مركز فضائي أمريكي
  • كرة نارية غامضة تضيء سماء أركنساس.. حطام فضائي أم قمر صناعي؟ (فيديو)
  • شركة إسرائيلية مسؤولة عن اختراق WhatsApp
  • سوق الغزل.. رحلة عبر الزمن ومزيج من التراث والتجارة في قلب بغداد
  • وزير قطاع الأعمال: تطوير شامل لقطاع الغزل والنسيج لتحفيز الإنتاج المحلي
  • شيمي: تطوير شامل لقطاع الغزل والنسيج لتحفيز الإنتاج المحلي
  • وزير قطاع الأعمال في جولة ميدانية بشركة غزل المحلة
  • نصر الدين: 34 قطاعًا صناعيًا مصريًا يسهم في برنامج إعادة إعمار ليبيا
  • البنك الدولي يمنح المغرب 250 مليون دولار لتعزيز قدرة الفلاحة على الصمود في وجه التغير المناخي