إسماعيل عبد الله
عندما نقول جيران السودان نعني بذلك الدول المحيطة به حينما كان موحّداً، قبل انفصال جنوبه عن شماله، فمعظم السودانيين لم يستشعروا حقيقة وواقع انفصال الجنوب، وما يزالون يذكرون تميز بلادهم في المساحة على مستوى القارة الأفريقية، إذ أنه ما يزال هنالك الكثير من الباحثين عند استضافتهم لدى القنوات الفضائية يقولون (أرض المليون ميل)، و(أرض الأربعين مليون نسمة)، وما يميز هذا البلد العظيم عن غيره، هو أن أطول نهر في العالم يشق أرضه طولاً، وربما هو البلد الوحيد في أفريقيا والعالم الذي تجاوره ثمان دول، ناهيك عن الحديث الدائم عن التنوع المناخي والتعدد السكاني والثراء الثقافي، فبلد بهذا الحجم العملاق لا يمكن أن يرجو سكانه من العالم الذي تديره المؤامرة، أن يحرص على جعله سليم من الأذى دون أن يراق على جوانب أرضه الدم، ولو لم تؤمّن حدوده وتثمّن اسهامات مجتمعاته العديدة الممتدة، لن يحظى هذا القطر الأفريقي الكبير بأي دور رائد في النهضة والتنمية الاقتصادية المستدامة، فواحدة من مفاتيح حلول أزماته السياسية والاقتصادية، الشروع في جمع جميع جيرانه على طاولة واحدة، للتفاوض والتشاور حول مصيره المجهول، الذي فرضته هذه الحرب اللعينة، فلو اجتمعت هذه الأقطار على كلمة توافقية فيما يتعلق بمصالحها المشتركة مع رجل أفريقيا العملاق – السودان، لتبرأ المتشاكسون حول كعكة السلطة عن المنابر القائمة اليوم، تلك الساعية لحلحلة المعضلة الوطنية السودانية، فجذر المشكل الوطني يضرب بعمق في تربة الامتدادات الديموغرافية والجغرافية للشعوب والأراضي السودانية، وهذا التمدد الاجتماعي المنتشر في ربوع جميع الدول المجاورة، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، صار نقمة ووبالا بدلاً من أن يكون نعمة وكمالا.
العقول الصغيرة التي كانت مسؤولة عن شئون الحكم والإدارة في البلاد، والقلوب الضعيفة التي نبضت بحب الوطن الذي لا تحده الحدود، لعبت دوراً سالباً في بناءه، وفشلت في صناعة الكيان الكبير للدولة العظيمة، التي تستطيع أن تترجم عظمة هذا الثراء وذلك التنوع للمنفعة العامة المشتركة، فابتليت البلاد بقادة أقزام لا يتجاوز طموحهم الوطني أرنبة أنفهم، فعملوا على تعطيل عجلة التنمية من أول يوم لبزوغ فجر الدولة الوطنية الثانية (دولة ما بعد المستعمر)، وأولى المعضلات التي لم يفلح في تشخيصها هؤلاء الأولون، هي حقيقة أن السودان وطن لم يسع الجميع في يوم من الأيام، برغم سعة صدر جغرافيا أرضه، المتجاوزة لأربعة مناخات – الصحراوي – السافانا الفقيرة – السافانا الغنية – الاستوائي، ويمكن لأحدث طالب في علوم الاجتماع ان يبيّن دور الاختلاف المناخي في تشكيل الوجدان الإنساني، وأن الحروب المندلعة في البلاد جنوباً وشرقاً وغرباً، لعب فيها الاختلاف البيئي دوراً فاعلاً، وحسمت فيها الميول الثقافية مسألة الولاءات السياسية، والحرب الأخيرة طرحت هذه الجدلية بصورة صارخة لا تخطئها العين ولا تغفلها الأذن، فوضحت معالم ثورة المفردة المناطقية – (قنقر وطقيق ودنقاس) – من محبسها نتاج الكبت والقهر الثقافي، وبانت الخصائص الثقافية للشعوب المتمددة داخل الدول المجاورة غصباً عن مخططات الفرنسيين والبريطانيين، وعبّر الثائرون الجدد عن خصائصهم الثقافية رغماً عن أنف الأحاديين، أصحاب الرؤية المكرّسة لتعميد نظرية مسرح الرجل الواحد، عاكسين بذلك واقع التشارك السكاني بين السودانيين والأحباش والنوبيين في جنوب مصر، والتشاديين في غرب البلاد والارتريين في شرقها.
جيران السودان يمكن أن يسهموا في تحقيق سلام وأمان الشعب الذي قطّعت أوصاله الحرب، وهؤلاء الجيران هم كينيا ويوغندا والكنغو زائير، وإفريقيا الوسطى وتشاد، وليبيا ومصر، وإرتريا وإثيوبيا، وقد يستغرب القارئ لماذا لم يرد ذكر جنوب السودان، الدولة الطموحة الحديثة المولد، لم يحدث ذلك لأن الجنوب ما هو إلّا هذا الإنسان الذي يجلس تحت ظلال أشجار المانجو في أويل وواو وأبو جبيهة وسنار، لكن وللأسف العميق فإنّ عسف الكهنوت الإخواني جعله يغرد خارج السرب، ومن أسباب عدم أهليته للتوسط بين أشقائه تأثره برواسب الأزمة الوطنية الأم، التي ورثها الشمال والجنوب معاً، وانحيازه المكشوف لفئات أيدلوجية وحزبية وسياسية سودانية ضد أخرى، والدليل على مذهبنا هذا هو المخرجات الفطيرة لاتفاقية جوبا، تلك الصفقة التي وصفها الحاكم المزعوم لإقليم دارفور بأنها كانت مجرد اتفاق سري متستر عليه، تمت هندسته تحت الطاولة، فالمنبر الذي يجب أن يشارك فيه جميع المذكورين أعلاه، يجيء نتيجة للرفض المستمر لأحد طرفي النزاع لأطروحات المنابر السابقة التي تقدمت الصفوف وأدلت بدلوها، فلكسر الجمود الذي حاق بالعملية التفاوضية، لابد من طرح جديد يتناسب والتحدي الحاضر الذي أوصل البلاد لعنق الزجاجة، ومهما بلغ سيل التقوقع بين الطرفين الزبى، لابد من صنعاء السلام المستدام وإن طال السفر.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
7مارس2024
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ما الذي تخشاه دول عالمية وإقليمية من الوضع الجديد بسوريا؟
يعيش المشهد السوري مرحلة حساسة منذ الإعلان عن التحرير في دمشق، مما دفع دولا إقليمية وعالمية لإعادة تقييم مواقفها والتسابق للتواصل مع الإدارة الجديدة.
ويرى الكاتب والباحث السياسي السوري سعد الشارع أن هذه التطورات تعكس عوامل جيوسياسية وأمنية معقدة، مما يثير مخاوف هذه الدول من تداعيات الوضع الجديد.
وأشار الشارع -عبر شاشة الجزيرة- إلى أن التحرير في دمشق أحدث انعطافة واضحة في مواقف عديد من الدول، ومن بينها تلك التي كانت تصطف مع نظام بشار الأسد سابقًا.
وأرجع ذلك إلى الأهمية الجيوسياسية لسوريا، التي تجعل من الصعب على أي دولة تجاهل دمشق مهما كانت توجهاتها السياسية.
وأوضح الشارع أن القلق الدولي يتزايد بسبب التوترات المحيطة بسوريا، خاصة مع اشتعال الحرب في قطاع غزة وتصاعد التوتر في لبنان وداخل العراق.
تحييد عن المشهد المتأزموبيّن أن هذه الأوضاع قد تؤدي إلى خلق بؤر صراع جديدة، مما يدفع الدول الكبرى إلى محاولة تحييد سوريا عن هذا المشهد المتأزم.
ورغم التحرير، فلا تزال الجغرافيا السورية مسرحا لتنافس عسكري متعدد الأطراف -حسب الشارع- حيث يستمر الوجود العسكري للقوات الأميركية والتركية، إلى جانب الفصائل المحلية، وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذي بدأ بتحركات مريبة مؤخرًا.
إعلانولذا، يرى الشارع أن هذه التحديات تستدعي تعاونا دوليا واضحا لضمان استقرار سوريا والمنطقة، لافتا إلى أن التحركات الدبلوماسية الأخيرة، من زيارات واتصالات بالقيادة السورية الجديدة، تعكس رغبة دولية في تقليل الاحتكاك بين سوريا وبقية الملفات الإقليمية المشتعلة.
ويكشف التسابق الدولي والإقليمي للتواصل مع الإدارة الجديدة في سوريا عن مصالح متباينة، إذ تسعى بعض الدول لضمان استقرار المنطقة، في حين تحاول أخرى تأمين مواقعها الإستراتيجية.