السودان ومفارقات في تناقضات الخطاب
تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
في آواخر شهر سبتمبر 2019م و قبل تشكيل حكومة الدكتور عبد الله حمدوك الأولى، ذهب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة إلي الأردن و قدم محاضرة في " الجمعية الأردنية للعلوم و الثقافة" و بالتعاون مع " منتدى الوسطية" و في هذه المحاضرة قال الصادق المهدي( زملائنا يتطلعون لمحاصصة في تكوين مجلس الوزراء و هذا مرفوض، و أيضا هم يدعمون حكومة يشكلها رئيس الوزراء المختار دون فرض شروط عليه، و نحن ملتزمون بدعم ذلك من حملات اليساريين و تائهين و سدنة و مغبونين) لخص المهدي أن الصراع السياسي الذي كان دائرا بين القوى السياسية هو صراع البحث عن السلطة و المحاصصة فيها، و ما كان للصراع أي علاقة بقضية التحول الديمقراطي.
في جانب أخر من المشهد السياسي: كان الحزب الشيوعي يصرخ لا تتعاملوا مع اللجنة الأمنية للإنقاذ، باعتبار أن التعامل معها هو استمرار للنظام.. رغم أن اللجنة الأمنية منحت قوى الحرية و التغيير في الوثيقة الدستورية 67% من مقاعد المجلس التشريعي و 33% للقوى السياسية الأخرى، و إجازة القوانين و تعديلها يتم 50+1. و هذا تأييد منها بتفكيك دولة الحزب لمصلحة التعددية السياسية.. فإذا كانت القوى السياسية جميعها وضعت التحول الديمقراطي أولوية كانت بدأت التشكيل بتكوين المجلس التشريعي الذي يضبط العملية السياسية، و ايضا يحافظ على الوثيقة و عدم خرقها و تجاوزها من قبل مجلسي الوزراء و السيادة.. أن تعطيل تكوين المجلس التشريعي كان من قبل القوى السياسية و ممحكاتها.. و نجد في تشكيل الحكومة الثانية أن الكل قد خلع ثياب الواعظين، و بدأوا يصارعون من أجل توزيع المحاصصات، و التي أدت لخلاف داخل التحالف خرجت بموجبه أحزاب و حركات كونت "قحت الديمقراطي" و السلطة هي صراع دائم لأنه محكوم بحركة مراكز القوى داخل ساحة الصراع.. انتقل الصراع من دائرة القوى المدنية و كان العمل على جذب المكون العسكري لكي يكون جزء من الصراع بهدف أن بعض القوى كانت تريد أن تغير ميزان القوى لمصلحتها، و دخول المكون العسكري في الصراع كان لابد أن يحدث انقلاب 25 أكتوبر.. هذا التغيير و اعتقال القوى المدنية كان لابد أن يخلق واقعا جديدا و خطابا مغايرا و أيضا يفرض شروط جديدة على الاعبين.
ألحزب الشيوعي وصل إلي قناعة أن الصراع الدائر سوف يحرجه إذا استمر في التحالف السياسي الداعم لحكومة حمدوك لسببين.. الأول أنه كان يتخوف من قوى نداء السودان التي كان يصفها جماعة " الهبوط الناعم" حيث كان نداء السودان يريد الحل السياسي قبل ثورة ديسمبر حيث كانوا مرتبطين باللجنة التي كان يرأسها رئيس دولة جنوب أفريقيا الأسبق ثامبو أمبيكي .. القضية الثانية التخوف من مجموعة "المزرعة" و أغلبية هؤلاء كانوا عضاء سابقين في الحزب الشيوعي و خرجوا بعد صراع فكري داخل الحزب.. لذلك تعللت قيادة الحزب الشيوعي أنهم يرفضون المشاركة في أي عمل له صلة تربطهم باللجنة الأمنية، و بعد أشهر قليلة رفع الشيوعيون شعار إسقاط حكومة حمدوك الأمر الذي أضعف القوى المدنية أمام المكون العسكري، أن خروج الحزب الشيوعي من دائرة الصراع المباشر إذا كان داخل التحالف أو بالقرب من مؤسسات الدولة ثم تحريك المنتسبين إليه من لجان المقاومة مستغلين الشباب أقل من 15 سنة في هذه التظاهرات لم يوفر للحزب دورا له أثر حول العملية السياسية و شعارات عملية التغيير، لآن الحزب نفسه لم يكن لديه مشروعا معروفا للتغيير، اعتمد الشيوعيون فقط على نقد أفعال الآخرين، و هذه السياسة لا تخلق نتائج إيجابية تعزز للحزب دوره في عملية إقناع قطاع واسع من الناس للوقوف إلي جانبه، فأصبح في حالة ثبات سالب، و بعد فترة بدأ يمد حبال الوصل مع حركتي "الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو" و " تحرير السودان عبد الواحد محمد نور" ثم كون الجذرية و لم يجد مناصرين له غير واجهاته المتعددة.. و ظل يجلس القرفصاء في الجذرية دون أي اسهامات تذكر منذ إندلاع الحرب.. هذه المتغيرات و حالة الركود السياسي و عدم التفاعل مع متغيرات الأحداث لابد تجعل المتابعين يتساءلوا عن موقف الشيوعي من الأحداث.. حيث الشيوعي هاجم " تقدم" لكنه لم يقدم أي مشروع أخر بديلا .. بل يؤكد أنه رافض الميليشيا و الجيش و الكيزان.. و هذه القوى هي المحركة للأحداث و متغيراتها. فالذي يصنع الأحداث هو القادر وحده أن يملأ الفراغ الذي يخلفه الآخرين، و أصبحت أي رؤية مخالفة لرؤية الشيوعيين و الميكافليين الجدد تصبح رؤية كيزانية، و هذه تدل على حالة الجمود العقلي و سيطرة الثقافة الشمولية على الساحة السياسية ..
أن الخطاب السياسي للأحزاب معلوم يتغير بتغير الأحداث التي تنتج قضايا جديدة تتطلب مواقف جديدة، لكن يصبح متناقضا عندما تتجاوزه الأحداث و تفرض شروط جديدة على العملية السياسية، و تغدو القوى السياسية غير متأثرة بالمتغيرات، هنا يصبح الخطاب القديم متناقضا مع حركة الواقع و يجتر موضوعات تجاوزها الواقع.. مازلت أتذكر مقولة لغازي صلاح الدين القيادي الإسلامي المعروف عندما سئل عن موقفهم من الأحداث الجارية بعد انقلاب 25 أكتوبر إذا كان ذلك يؤثر على الإسلاميين؟ قال صلاح الدين نحن الاسلاميين دائما نراهن على الزمن لأنه سوف يخلق واقعا جديدا، و شروطا جديدة على العملية السياسية. و بالفعل الآن يوجد واقعا جديدا مغايرا لفترة ما بعد الثورة، و حتى شروط العملية السياسية ليست هي الشروطة السابقة التي كانت تحكمها رؤية واحدة،، الآن تتعدد الرؤى.
السؤال: هل النخب السياسية ذات البعد الواحد في تفكيرها الرغائبي، تستطيع أن تهيء بيئة جيدة للحوار بعيدا عن فرض شروط هي نفسها لا تستطيع أن تلتزم بها، أم أن تمسكها بالشروط الهدف أمنه أن تحفظ لنفسها مقعدا في العملية السياسية القادمة ؟ أن محاولة إدخال الشعارات في الجدل السياسي الدائر، و استخدامها ككروت ضغط لا تقدم لأصحابها مكسبا، بل تجعلهم يقفون خارج أسوار مسرح العملية السياسية، أن شروط العملية السياسية بعد الحرب سوف يكون صحاب السطوة فيها هو الشعب السوداني و مدى تقبله لما يقدم له من مشروع سياسي.. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العملیة السیاسیة القوى السیاسیة الحزب الشیوعی
إقرأ أيضاً:
مآلات الصراع على السلطة في جنوب السودان .. هل ينجح سلفاكير في إقصاء مشار من المشهد؟
يبدو أن القوى المهيمنة على السلطة فعلياً في جنوب السودان، وهي قبيلة الدينكا ومجلس سلاطينها، قد قرروا التخلص كلياً من أبرز الرموز التي يمكن أن تشكل منافساً حقيقياً على خلافة الرئيس سلفا كير، في حال جرت في جنوب السودان إنتخابات حرة ونزيهة، فالدكتور رياك مشار، المنحدر من قبيلة النوير يمكن أن يقود تحالفاً من قبائل النوير والقبائلالاستوائية وبعض قبائل بحرالغزال لفك هيمنة الدينكا على مقاليد السلطة في الدولة الأحدث في العالم.
ففي السابع والعشرين من مارس الماضي، جرى اعتقال رياك مشار، النائب الأول لرئيس جنوب السودان، بعد دخول كل من وزير الدفاع ورئيس الأمن الوطني بالقوة إلى مقر إقامته، حيث سلماه مذكرة اعتقال، وتم منع زيارته حتى من قبل المبعوثين الإقليميين والدوليين، الذين زاروا جوبا في سياق الجهود المتصلة لنزع فتيل الأزمة المتفجرة في جنوب السودان، على خلفية الصراع المسلح الذي تصاعد في ولاية أعالي النيل بين جيش جنوب السودان وقوات غير نظامية تسمى “الجيش الأبيض” قوامها من أبناء قبيلة النوير التي ينتمي إليها رياك مشار، وهو الصراع الذي أدى لمقتل قائد منطقة الناصر العسكرية وهو من أبناء الدينكا.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت التخلص من نائبه رياك مشار، والتحفظ عليه، مما أسهم في مخاوف عديدة من انفجار الصراع في جنوب السودان مجدداً وتزايد إحتمالات أن يؤدي إلى مواجهات دامية تلقي بظلالها على دول الجوار.
ففي يوم 24 يوليو 2013، أقال سلفاكير، نائبه رياك مشار و أعضاء حكومته، وأحال أمين عام الحركة الشعبية لتحرير السودان، أنذاك، باقان أموم للتحقيق الأمر الذي قاد إلى خروج رياك مشار من جوبا خلسة بعد مواجهات مسلحة داخل المدينة، واندلعت إثر ذلك حرب أهلية بين الدينكا والنوير استمرت خمس سنوات وقالت الأمم المتحدة أنه ارتكبت فيها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولم تتوقف إلا بعد دخول الخرطوم على خط الوساطة التي رعتها منظمة الإيغاد، على عهد الرئيس عمر البشير.
وعلى الرغم من أن محاولات السلطة الفعلية في جوبا لم تتوقف عن عزل مشار بشتى الطرق وإبعاده من المشهد السياسي في جنوب السودان، إلاّ أن المحاولة هذه المرة أخذت منحى جديداً شرعت من خلاله جوبا لإحداث إنقسام داخل صفوف الحركة الشعبية – في المعارضة التي يتزعمها مشار، فبعد أن تم إعتقال مشار وعدد من الوزراء في حزبه، سعت السلطة الحاكمة لاستمالة بعض المتطلعين من أبناء النوير ودعمتهم لتشكيل “قيادة بديلة” أسموها “القيادة المؤقتة”، وخلال الأيام الماضية التقى وفد من هذه القيادة المؤقتة للحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة، بقيادة وزير بناء السلام استيفن فار كول، بالرئيس سلفا كير ميارديت في جوبا، لمناقشة “سُبل دفع عجلة تنفيذ اتفاق السلام المُوقع في عام 2018″، وهو الاتفاق الذي كان قضى بدمج المجموعات المسلحة في الجيش الوطني، وإجراء إنتخابات عامة ورئاسية، وفجر عدم تنفيذه الصراع الكامن على السلطة.
هذا الاجتماع مع سلفاكير أتى بعد أيام قليلة من إعلان مجموعة من كبار أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان – في المعارضة بجوبا، تكليف استيفن فار كول، كرئيس مؤقت للحركة، خلفا للرئيس الحركة رياك مشار الذي بقي قيد “الإقامة الجبرية”،. وأوضح كول أنه سيشغل هذا المنصب إلى حين إطلاق سراح مشار، في محاولة لتخفيف وقع إنحيازه ضد رئيس الحركة، النائب الأول مشار.
وأدى هذا التطور إلى انقسام داخلي عميق داخل الحركة الشعبية – في المعارضة، حيث قاطع الاجتماع الذي تم فيه تأسيس القيادة المؤقتة عدد من كبار المسؤولين في الحركة بينهم وزيرة الداخلية أنجلينا تينج، ووزير التعدين مارتن أبوشا، والأمينة العامة للحزب رجينا كابا.
وفي المقابل يضم الفصيل الداعم للوزير كول، شخصيات بارزة مثل وزير الشؤون الفيدرالية لاسوبا وانغو، ورئيس مجلس الولايات دينق دينق أكون، ونائب وزير المالية السابق أقوك ماكور.
وكان دينق لام وآخرون، بمن فيهم استيفن بار كول، قد عُلِّقَت عضويتهم من قبل نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة أويت ناثانيل، وهو القائم بأعمال رئيس الحركة “قيد الإقامة الجبرية”، وقد رفضوا قرار التعليق، ووصفوا قرار “أويت” بأنه غير قانوني، مشيرين إلى أنه خارج البلاد.
خلافة سلفا كير
ونظراً لتراجع صحة الرئيس سلفا كير، وكبر سنه، بدأ الصراع على خلافته يأخذ أكثر من منحى، فمن ناحية يدور صراع غير معلن داخل مكون قبيلة الدينكا، التي تهيمن على الجيش وأجهزة المخابرات ، ومن الواضح أن الممسكين بملفات المخابرات والاستخبارات، شرعوا في إبعاد “الحرس القديم”، من قادة الجيش الشعبي، أمثال كول مانيانق، وإبراز قيادة جديدة من أبناء الدينكا، ومن ناحية أخرى تحاول قيادات القبيلة القضاء على أي تحالف قد ينشأ بين النوير والقبائل الأخرى سواء من القبائل الاستوائية، التي تشكلت لها مليشيات مسلحة، أو قبائل بحر الغزال من غير الدينكا .
ضغوط أمريكية
محاولات سلفاكير بعزل مشار نهائياً تواجه بضغوط إمريكية، حيث دعت الولايات المتحدة، رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت إلى إطلاق سراح نائبه الأول رياك مشار، من الإقامة الجبرية، وحثت قادة البلاد على إظهار التزامهم بالسلام.
وقال مكتب الشؤون الأفريقية الأمريكي على حسابه في موقع التواصل الإجتماعي -إكس- “نشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بأن رياك مشار، النائب الأول لرئيس جنوب السودان، قيد الإقامة الجبرية، ونحث الرئيس كير على التراجع عن هذا الإجراء، ومنع المزيد من تصعيد الوضع”.
وأضاف “لقد حان الوقت لقادة جنوب السودان لإظهار صدق التزاماتهم المعلنة بالسلام”.
الرئيس لا يتحدث مع نائبه الأول!!
وكانت العلاقه بين الرئيس سلفا كير ونائبه الأول قد تدهورت منذ بداية العام، حتى أن التواصل المباشر بينهما تعثر فاضطر مشار أن يبعث برسالة مؤرخة في 27 فبراير 2025، أكد فيها على الحاجة الملحة للحوار لمنع المزيد من العنف وعدم الاستقرار. وطلب تحديدا عقد اجتماع مع الرئيس كير لمناقشة تدهور الأوضاع الأمنية، وخاصة في أعالي النيل وغرب الاستوائية، لكن الرئيس سلفا كير لم يستجب لطلبه.
وجاءت في الرسالة “أكتب مجددا لطلب مقابلة مع سعادتكم لمناقشة تدهور الوضع الأمني في ولايتي أعالي النيل وغرب الاستوائية، على وجه الخصوص”.
وتضيف الرسالة “في 20 فبراير 2025، كتبت إلى سعادتكم لمناقشة استبدال قوات دفاع شعب جنوب السودان في مدينة الناصر، التي أصبحت نقطة اشتعال مؤخرا”.
وحذر مشار من أن الانتهاكات في هذه الولايات خطيرة بما يكفي لتبرير تدخل الضامنين لاتفاقية السلام لعام 2018.
وأضاف “الانتهاكات في هذه الولايات خطيرة لدرجة أنني مضطر لإثارة هذه القضايا مع الضامنين، حتى يتمكنوا من التدخل واقتراح حلول ودية لكسر الجمود”.
وتشهد مقاطعة الناصر بولاية أعالى النيل، تدهورا للأوضاع الأمنية، على خلفية القتال بين قوات دفاع شعب جنوب السودان، والمدنيين المسلحين “الجيش الأبيض”.
إلى أين تتجه الأمور ؟
يتضح من سياق الأحداث، أن الأمور بين الرئيس سلفا كير ونائبه الأول رياك مشار وصلت مرحلة اللاعودة، بدليل أن الجيش الأوغندي هو الذي نزل إلى ساحة المعركة، ووصلت طلائعه حتى قرب الحدود مع السودان، وأن مشار إن لم يتنازل عن طموحه الرئاسي، فقد يتم تغييبه عمداً من المشهد، إما بمحاكماه وسجنه أو حتى بتصفيته، وبغض النظر عن رجحان هذا السيناريو من عدمه، فإن الوضع في جنوب السودان مرشح لمزيد من التصعيد، وأن الحدود مع السودان مرشحة أن تصبح نقطة ساخنة، إن لم يكن بسبب القتال، فبسبب التدفقات المحتملة للاجئين.
المحقق – طلال إسماعيل
إنضم لقناة النيلين على واتساب