عربات تجرها الحمير تحل مكان سيارات الإسعاف جراء تداعيات الحرب في السودان
تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT
تسبب النزاع الدائر في الخرطوم في شلل العديد من القطاعات الهامة، ما جعل ثلاثة أرباع المستشفيات خارج الخدمة، فيما يشعر المرضى والجرحى أنهم متروكون لمصيرهم. وبات السكان يعتمدون بشكل أساسي على الدواب في حركة النقل والإسعاف والمواصلات في تحول جديد لمظهر الحياة في المدينة. وحلت العربات التي تجرها الحمير محل سيارات الإسعاف جراء تداعيات الحرب.
بورتسودان (السودان) - في المرآب المخصص لسيارات الإسعاف بأحد مستشفيات وسط السودان، اختفت السيارات والشاحنات وحلت مكانها عربات تجرها الحمير تقوم بنقل المرضى في بلد بات ينقصه كل شيء بعد مرور أكثر من عشرة أشهر على اندلاع الحرب.
ويقول حسين علي “إن عرباتنا التي تجرها الحمير هي الوسيلة الوحيدة لنقل المرضى إلى المستشفيات” في مدينة تمبول بولاية الجزيرة (جنوب الخرطوم) التي امتدت إليها في ديسمبر الحرب بين قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ويتابع بفخر واضح “منذ قليل نقلت بعربتي سيدة حاملا في حالة وضع من قرية تبعد عن هنا 15 كيلومترا”.
وصار علي يقوم بدور أساسي على الطرقات التي أقام مسلحون نقاط تفتيش عليها بينما خلت المحطات من الوقود وباتت مهجورة. وأصبحت العربة الخشبية التي يجرها حمار الوسيلة الوحيدة المتاحة للتنقل أمام المدنيين الذين يحاولون الفرار من الحرب.
وأوقع النزاع الحالي عشرات الآلاف من الضحايا، من بينهم ما بين 10 و15 ألف قتيل في مدينة واحدة بدارفور، بحسب خبراء الأمم المتحدة، وأدت إلى نزوح قرابة 8 ملايين سوداني من ديارهم.
العربة الخشبية التي يجرها حمار أصبحت الوسيلة الوحيدة المتاحة للتنقل أمام المدنيين الذين يحاولون الفرار من الحرب
وفي ولاية الجزيرة وحدها نزح نصف مليون شخص بعضهم للمرة الثانية بعدما لجأوا إلى الجزيرة في بداية الحرب هربا من الخرطوم حيث اندلعت المعارك في 15 أبريل 2023.
وعلق ملايين آخرون أنه لم يكن لديهم قدرات مالية لدفع ثمن وسائل المواصلات في ديارهم وهم يعانون من نقص السلع وارتفاع الأسعار والأوبئة والانهيار التام للعملة السودانية.
ومع مرور 10 أشهر على بدء الحرب، أصبحت ثلاثة أرباع المستشفيات خارج الخدمة فيما يشعر المرضى والجرحى أنهم متروكون لمصيرهم.
ويقول موظف في محطة وقود طالبا عدم كشف هويته خشية تعرضه للأذى، “لم تعد شاحنات نقل الوقود التابعة للجيش تزود محطات ولاية الجزيرة بأيّ إمدادات”. وأشار إلى ارتفاع سعر لتر البنزين بشكل صاروخي من دولار واحد إلى عشرين دولارا.
واشترى بابكر عربة يجرها حمار لأنه لم يكن يستطيع “التوقف عن العمل” فيما بات “أقل من 5 في المئة من السودانيين يستطيعون الحصول على وجبة واحدة كاملة يوميا”، وفق برنامج الأغذية العالمي.
وكان بابكر يعرف أنه سيجد زبائن كثيرين، فمع الحصار المفروض على معظم المناطق من قبل المعسكرين اللذين يتنازعان على السلطة، أصبح يتعين على السكان الخروج من قراهم بحثا عن الغذاء والماء والأدوية.
فعلى سبيل المثال يقطع بكري خالد يوميا 13 كيلومترا ذهابا وإيابا على عربة يجرها حمار للوصول إلى سوق تمبول.
ويوضح لوكالة فرانس برس أنه قبل الحرب كان الطريق يستغرق ربع ساعة أما اليوم فالمسافة نفسها تقطعها العربة في ساعتين ومقابل ضعف السعر الذي كان يدفعه للشاحنة.
أما مربو الحمير وتجارها فقد شهدت مبيعاتهم ارتفاعا كبيرا أيضا.
ويؤكد أحدهم وهو عبدالرحمن الزين، أن الطلب في تزايد مستمر ويقول مغتبطا “أسعار الحمير والأحصنة والعربات في ارتفاع”.
وبات السكان يعتمدون بشكل أساسي على الدواب في حركة النقل والإسعاف والمواصلات في تحول جديد لمظهر الحياة في المدينة التي تُعد إحدى أكبر مدن السودان.
ونتج تحول السكان إلى استخدام هذه الوسيلة عن انعدام أيّ خيار آخر بعد توقف حركة المواصلات وسيارات الإسعاف ومنع مرور العربات.
ويستغل بعض أصحاب عربات “الكارو” الأوضاع الحالية برفع قيمة الترحيل، بينما يقدم آخرون الخدمة بأسعار معقولة.
وفي منتصف سبتمبر الماضي، أثارت صورة الشاعر السوداني الشهير هاشم صديق، وهو يُنقل على عربة “كارو” يجرها حصان، ردود فعل واسعة في السودان وخارجه.
واضطُرت أسرته لإجلائه في هذه العربة من منزله بحي بانت في مدينة أم درمان بالعاصمة الخرطوم، لتلقي العلاج بعد منع دخول وخروج السيارات للحي .
واستفحلت الأزمة المعيشية في السودان وتأثرت جميع الولايات بالحرب، إذ تشهد الأسواق موجة غلاء جديدة متأثرة بتوقف الإنتاج في عدد كبير من مصانع العاصمة، وسط صعوبة في نقل البضائع وخاصة المزروعات إلى الخرطوم ومنها.
وشكا والي الجزيرة التي نزح إليها أكثر من 4 ملايين مواطن من الخرطوم، من تدهور الأوضاع المعيشية والخدمية، حيث يضغط النزوح الكبير على الخدمات ويقلل من القدرة على توفير الكهرباء والمياه. ويحصل ذلك في الوقت الذي أطلقت فيه بعض الولايات الأخرى مثل نهر النيل، والنيل الأبيض، وسنار، حملات استنفار عام لتسجيل الوافدين والنازحين من ولاية الخرطوم، وتقديم الخدمات الممكنة وأخذ الإجراءات اللازمة في ما يتعلق بالسيطرة على الأزمة المعيشية.
وعزا اقتصاديون الغلاء إلى توقف الحركة الاقتصادية وإغلاق المصانع أبوابها ونفاد مخزون السلع مع توقف الواردات إلى البلاد. ولم تُفلح كل محاولات أحمد إبراهيم في توفير سيارة لنقل والدته المريضة من مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، إلى ولاية سنار المتاخمة، ولم يكن أمامه من مخرج سوى الاستعانة بعربة يجرها حمار، تعرف باسم الكارو، تقلهما إلى نقطة بعيدة للحصول على سيارة خاصة.
ونزح إبراهيم إلى ود مدني بعد اشتداد القتال في العاصمة حيث كان يقيم في ضاحية الكلاكلة جنوبي الخرطوم، ويقول إنه فشل في توفير سيارة لنقل والدته المريضة لإجراء جلسة غسيل الكلى التي تخضع لها منذ عامين. ولم يكن المواطنون السودانيون في مناطق الاشتباكات بخير، وكثيرون منهم لا يجدون قطعة خبز تسد جوع بطونهم الخاوية. وتنقل وسائط التواصل وأجهزة الإعلام أن أعداداً منهم فارقوا الحياة بسبب الجوع، بعد أن أخطأهم الرصاص والقذائف والقصف الطائش.
وتزداد معاناة السودانيين باستمرار الحرب، خاصة أولئك الذين لم يغادروا الخرطوم، ويحاولون باستمرار التعايش مع واقع الحرب وإيجاد بدائل للتغلب على الأوضاع السيئة التي يعيشونها. فقد لجأ البعض إلى الاعتماد على الأرز بديلاً عن الخبز؛ لأن الحصول على الخبز صعب للغاية، وطوابير الناس على المخابز القليلة التي لا تزال تعمل، تمتد لمسافات طويلة، وفي النهاية لن يحصل المرء إلا على حصة خبز لا تكفي ليوم واحد.
ويعدّ استخدام الحطب في الطبخ أمراً نادراً في السودان قبل الحرب، لكنه بعد الحرب أصبح هو الشائع، لعدم وجود غاز الطبخ وبسبب انقطاع التيار الكهربائي؛ ما جعل النساء يبذلن جهوداً كبيرة لجمع ما يتيسر من الحطب والعشب، وفي سبيل ذلك يواجهن خطر التعرض لإصابات بالرصاص المتطاير أو القذائف العشوائية. وليس الحصول على الغذاء وحده هو ما يواجه الناس في مناطق الحرب. ذلك أن السكان المتبقين في الخرطوم والبالغ عددهم نحو 9 ملايين شخص، يحاولون إيجاد تدابير اقتصادية، ويعانون عدم توفر الخدمات العلاجية، وقضى كثير منهم بسبب عدم الحصول على الدواء أو الوصول إلى المشافي.
وعلى مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة، من العام الماضي لا يكاد يمر يوم في السودان دون الإعلان عن إضراب أو احتجاج في عدد من المؤسسات التعليمية والحكومية، كما طالت موجة الإضراب بنوكا ووزارات للضغط في اتجاه تحسين الرواتب في ظل تفاقم الأوضاع المعيشية الناجم عن التردي الاقتصادي.
وقد انضم قطاع المواصلات العامة لسلسلة الإضرابات المستمرة، محدثا حالة من الشلل في عدد من المناطق بالعاصمة الخرطوم، في شهر يناير من العام الماضي، حيث احتج أصحاب المركبات العامة على الزيادات الكبيرة في رسوم المخالفات ورفع قيمة الحصول على رخصة القيادة والترخيص بصلاحية المركبات.
ودفع الإضراب السلطات، وقتها، لإعلان تجميد المخالفات، وإتاحة الفرصة أمام المركبات لتجديد الترخيص بالإعلان عن عمل مراكز الفحص يومي الجمعة والسبت رغم العطلة الرسمية، لكن دون التراجع عن الرسوم الباهظة المفروضة.
نقلا عن العرب الدولية
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ولایة الجزیرة الحصول على فی السودان لم یکن
إقرأ أيضاً:
الكتابة في زمن الحرب (48): أبكتني أوجاع أهل الجزيرة
تأثر الناس بشدة بما حدث ويحدث لأهلي في منطقة الجزيرة، تلك الرقعة الممتدة بمزارعها وأهلها الذين يتمتعون ببساطة وطيبة تخلو من التعقيد. هؤلاء الناس لا يعرفون في دنياهم سوى الطورية والملود، ويعيشون حياتهم من أجل تربية أبنائهم الذين سيكملون دورة الحياة من بعدهم، بينما يرتاحون في قبورهم.
ما يحدث في الجزيرة الان من مآسٍ ومعاناة هو معلوم لكل من له قلب ينبض اوعقل مستنير سوف يشهد على يتم وألم كل من عرف هذه الارض…عندما فكرت في الكتابة عن المجازر الدموية هناك، ترددت في ذهني رائعة الشاعر الرقيق المرحوم مبارك المغربي، التي غناها ابن الجزيرة والمبدع الفنان الخير عثمان (سحرتني الجزيرة).
كل هؤلاء الشعراء والمبدعين الذين عاشوا في تلك الأرض الخيّرة، وقعوا في حبها، فهي مكان ينبض بالحياة، يمنح من يقصده الصحة والعافية. الجزيرة بالنسبة لي جزء من هويتي وحبي لها لا تحده الكلمات، فقد تعمق في نفسي منذ أيام الطفولة وحتى بواكير الشباب.
اذكر اننا في مرافئ اغترابنا، كنا نتابع برنامج “أغاني وأغاني” ونستمتع بأداء الفنانين الشباب لأغنيات فنان الجزيرة المرحوم الخير عثمان، خصوصًا رائعته "سحرتني الجزيرة". اما المرحوم السر قدور، صاحب البرنامج، الذي تأثر بالثقافة المصرية حيث كان يقيم، ونجح في تقديم جيل جديد من الفنانين جعل منهم جواه عملت لتجديد غناء جيل الرواد في السودان، ما جعل برنامجه يحظى بشعبية واسعة في السودان وخارجه.السر قدور الشاعر والدرامي، كان من أبرز مؤرخي الفن السوداني، وقد كتب في صحيفة “الخرطوم” (نسخة القاهرة) عن شخصيات سودانية في عموده “أساتذة وتلاميذ”.
اما أغنية “سحرتني الجزيرة” التي كتبها المغربي تبقى في نظري واحدة من أجمل أعماله. المغربي رأى في الجزيرة سحرًا لم نره نحن، أبناؤها. فالشاعر بعيونه الحصيفة يستطيع تجسيد الرؤى شعراً، وهو يرى في موطننا جمالًا لا يُرى بالعين المجردة، ونجح في نقل هذا الجمال ليصبح جزءًا من ذاكرتنا الأدبية والثقافية.
عرفتُ مبارك المغربي عن قرب من خلال عملي معه في المجلس القومي للآداب والفنون. كانت تربطنا علاقة عمل وأدب، وكنت محظوظًا بأنه كان يُطلعني على مخطوطات أعماله الشعرية، ويستمع لرأيي، رغم قلة خبرتي. بعد مرور الزمن أدركت أن الأستاذ المغربي كان يسعى للأمام، حيث انتبهت لدور الفن في بناء شخصية الأمة وعلو شأنها.
الجزيرة، بجمالها وسحرها، ألهمت المغربي ليعبر عنها بأجمل الكلمات، فقد رأى فيها نجمًا متألقًا وسحرًا لا يُنسى. هذه الجزيرة ليست مجرد مكان؛ إنها شعور وانتماء، وحكاية تتناقلها الأجيال. أما مدينة ود مدني، التي أتممت فيها دراستي الثانوية، فلها مكانة خاصة في قلبي. فمدرستها العريقة سهلت لي الطريق نحو دراستي الجامعية، وسأظل دائمًا ممتنًا لأهلها وترابها ونيلها.
عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة
osmanyousif1@icloud.com