أرواحنا في الليل.. غياهب الجسد الآخر
تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT
آخر تحديث: 7 مارس 2024 - 11:27 صطالب عبد العزيز تشعر آدي موور «جين فوندا» الأرملة في فيلم «أرواحنا في الليل-Our souls at night –” وقد تجاوزت الستين بالوحدة، فتطرق الباب على جارها الأرمل أيضاً، لويس ووتزر “روبرت ريد فورد” طالبة منه أن يأتي لينام معها، في بيتها، فتستدرك، متجنبةً دهشته من الطلب الغريب، قائلة: “ليس من أجل الجنس!” لكنْ، وبعد أكثر من ليلة من وجودهما في فراش مشترك ظلَّ الحديثُ عن الطقس واحداً من الملاذات التي جنبتهما الخوضَ في فعل الجنس، وهكذا كانت “موور” تتفادى الحرج، فتصغي له، أو تأخذه في جولة داخل منزلها، مشيرة إلى الغرفة التي كانت لها وزوجها، ذات يوم، دون الخوض في تفاصيل أكثر.
كنتُ قد شاهدتُ الفيلم هذا قبل ثلاث سنوات، لكنني واستجابة إلى مشورة إحدى الصديقات- تصغرني بعقد وأكثر قليلاً- جلستُ وشاهدتُه ثانيةً. متعقباً حياتي على أكثر من سرير “قد أجرؤ يوما على كتابة بعضها في كتاب المذكرات” ومستحضراً سنوات الصِّبا والفتوّة والشباب ومن ثم صورة الرجل المستكين، الذي يقمعُ رغباته بهدوء، محتفظاً بسكونه القلق، في جسده الآن، بعيداً عن سفاسف البطولة، وخارج المفاخرة بين النساء والأنبذة وصراع الأسرّة، وناظراً إلى حياته بمرآة ما صار اليه، غير توّاقٍ إلى خوض مغامرة، ولا ساعياً وراء لذة، حتى ليبدو مكتفياً بما تحقق له ذات يوم، وبيين شبه تامٍّ، يقول بأنَّ الدرسَ كان جميلاً، وأنَّ ما تحصل في السنوات تلك كان استحقاقاً، ولعلَّ بعضَ ما كتبَتُ من قصائدَ كان حصيلةَ ذانك كله. لا أريدُ أن أنصِّبَ نفسي حكيماً هنا، ولست بوارد البحث في الأسباب، التي تجعل الحياة واقفةً عند نقطة ما بسبب العجز أو التقدِّم في العمر، لكنني، وجدتُ السيدة موور «جين فوندا» الأرملة بحاجةٍ إلى اللحظة الحميمية أكثر من السيد ووتزر، الارمل أيضاً.. فقد ظلت تستهجنُ حديثه عن الطقس، ولأكثر من مرة، وحين حدَّثها عن علم أصدقائه «كبار السن» في المقهى بذهابه إلى بيتها والنوم معها لم تأبه لذلك، إنما قالت: «قضيتُ حياتي أفكِّرُ بماذا يقول الناسُ عنّي». وحين طرق البابَ الخلفيَّ عليها ذات يوم لم تفتحه، بل طلبت منه أنْ يدخل من الباب الرئيس، فيما ظلَّ هو يترك مجلسه في المقهى مع أصدقائه متذمراً وحانقاً حال سماعه تقريعهم. وفي لقطة تجمعهما معاً في الكنيسة حيث لم يبديا اهتماماً واضحاً بما يتلى من الكتاب هناك، سألتُ: هل يمكن أنْ يكون دخولُ المعبدِ معادلاً موضوعياً عند الانسان الذي فقد الجسدَ الآخر، ذكراً كانَ أم أنثى؟ يقول ديكارت إنَّ «الجسم آلة صنعها الله بطريقة منظَّمة، تتجاوز في تفوّقها كلَّ الآلات التي يمكن للإنسان أنْ يخترعها» وبذلك لا أظنُّ بأنَّ الرغباتِ تبلى بذبول الجسد وتراجع الرغائب فيه. دخولُ الجسدِ بغياهب الجسدِ الآخر حقيقةٌ مطلقةٌ في فهم أبديّة الروح، أما حكاية التقدم في العمر أو البكاء على أطلال الجسد ذاته فتشبه إلى حدٍّ بعيد دخول بطليْ قصة «ليلة القبيحين» لـ «ماريو بنيديتي»* بجسدي بعضهما، في الليلة الشهيرة تلك، حيث كان الظلامُ الكامل الذي لفهما، والذي حال دون رؤية وجه احدهما للآخر بمثابة الجسدِ العتيقِ المشترك لايِّ اثنين «رجل وامرأة» في لحظة علوية كتلك سيتلاشي فيها ذبولُ الذراعين، والساقين والعنقين لصالح رغبة طال انتظارها، ظلت كامنةً تبحث عن منفذ لعبورها التقليدي، حيث تتكفل اليدُ رؤية المفاتن، وستعمل الستائرُ المسدلة والابواب المغلقة وقطع الأثاث الصامتة على اكتشاف ما كان مضمراً في الثياب، ولن تُفلحَ مصابيحُ المنزل الأخرى في اكتشاف حقيقة ما سيكون عليه. هناك دائماً، ما لا يستشعر بالأصابع، ولا يرى بعين، لأنَّ زاوية النظر ستنحرف إلى كلِّ ما هو حسيٍّ وذهنيٍّ متخيل، بعيداً عن كلِّ وجودٍ محسوس ومرئيٍّ ومعاين، هناك حيث تنبتُ للذائذِ أجنحةٌ أربعُ لا تسعُ رفيفَها أيُّ سماء. الحبُّ والرغائبُ واللذائذُ تعيدُ تكوين الجسد ثانيةً، تدخله من بلادته فتخلّصه من حقيقته في الزمن الرقميّ، لصالح حقيقته في الميتافيزيق، الزمن الذي لا يتبدلُ بالسنوات، فتفعل به ما فعلته العصيدةُ المشويّةُ في الأسطورة الافريقية، القائلة بأنَّه وعندما حلَّ الموتُ، لأوّلِ مرّةٍ، أرسل الإنسان الحرباءَ تتحرى السببَ، فاخبرَالإلهُ الحرباءَ بانْ تبلِّغَ الانسانَ أنَّه إذا رمى عصيدةً مشويّةً على جثة فأنَّها تعودُ إلى الحياة. كانت حياة آدي مور ولويس ووتزر قد تغيرت ما أنْ تحركتْ يدُ أحدهما باتجاه الآخر داخل السرير، ليكتشفا أنَّ الكنيسةَ ليست مكاناً «خاتمةً» نهائيةً لهما، وأنَّها ليست الطريق تلك التي تنتهي بشجرة ميتة، وكان واضحاً أنَّ المشاهدَ الخلفيّة والحواراتِ الملحقةِ بالفيلم ما هي إلا زوائد، لا معنى لها، إزاء ما يجبُ أن يتحقق في السرير، ولمّا أُضطرا لترك بعضهما بسبب موقف ابن آدي موور المتشدد كان لويس ووتزر يواجه صعوبةً في النوم، على الرغم من انشغاله بتحريك القطار «الدمية» الذي سيظل يدور حول نفسه إلى الأبد.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: أکثر من
إقرأ أيضاً:
دعاء النصف الثاني من شعبان .. كلمات لا ترد في جوف الليل
دعاء النصف الثاني من شعبان، انقضت ليلة النصف من شعبان، لتبدأ معها رحلة البحث عن دعاء النصف الثاني من شعبان، خاصة وأن وقت ثلث الليل الأخير هو من أوقات إجابة الدعاء، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث ينزل الله جل وعلا إلى السماء الدنيا مخاطباً عباده وهو أعلم بحاجتهم : هل من داعٍ؟، هل من سائلٍ، هل من مستغفرٍ؟.
دعاء النصف الثاني من شعبانومن نعم الله وفضله ومنحه وعطائه أن شرع لعباده مواسم للخير والطاعات، وضاعف لهم فيها الثواب والأجر على العبادات، وحثهم على اغتنام الفرص وإعمار الأوقات والتعرض للنفحات، والمسارعة إلى الطاعات فاستبقوا الخيرات وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها الأرض والسموات، فعن محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه قال .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لربكم عز وجل في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعل أحدكم أن تصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدا " .
وشهر شعبان هو شهر التهيئة أو التوطئة لشهر رمضان وهو أشبه ما يكون بالتدرب على استعادة الهمة واستحضارها، فمن لم يتمرس بصيام النوافل على مدار العام وبالأخص فيشهر شعبانقد ينتابه النسيان في أول أيام الصوم ، فيأكل أو يشرب ناسيًا لطول عهده بالصيام.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : "كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان" رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم: "كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا"، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان، وإنما كان يصوم أكثره، ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت : ”ما علمته – تعني النبي صلى الله عليه وسلم – صام شهرا كله إلا رمضان“.
وفي رواية له أيضا عنها قالت : "ما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان"، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : ”ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا غير رمضان ” أخرجه البخاري ومسلم.
دعاء منتصف شعبانكما أن شهر شعبان موسم مبارك من مواسم الطاعات ونفحة من النفحات فأكثروا فيه من القربات وتخففوا من أثقال التبعات وتوبوا من مقارفة المعاصي والسيئات، شعبان توطئة لشهر رمضان شهر الصيام والقيام فهو مقدمة لركن من أركان الإسلام وهو من رمضان بمثابة السنن الرواتب من الفرائض تجبر الخلل وتكمل النقص وهو شعبان شهر الاستعداد والتأهب وتدريب النفوس وتمرين الأبدان وإصلاح القلوب فالارتياض يخفف المشقة ويزيد من النشاط والقوة ويعين على تذوق حلاوة الطاعات ولذتها فالاجتهاد في شهر شعبان هو سبيٌل معين للاجتهاد في رمضان.
ويتطلب لاستقبال شهر رمضان خلال النصف الثاني من شهر شعبان، تنظيم الوقت وتهيئة النفس والإخلاص والعزم على الوفاء بحقه وصيانته والدعاء بإدراكه وتقبله وإن من أهم ما يستعان به على استقبال الطاعات التوبة والإنابة إلى الله والتخلص من الحقوق والتبعات والابتعاد عن الشبه والشهوات والاستغفار من الذنوب والخطيئات ، كما أن من أهم ما يستعان به أيضاً على استقبال رمضان التمرن على الطاعة فالنفس تحتاج إلى ريَّضة وتدرج ومقدمات وإلى سلم وممهدات فإن عدم التدرج قد يسبب الفتور وجموح النفس ويحرم من لذة العبادة وربما لا يستطيع المرء المواظبة والمداومة فيفوته بذلك خير كثير.
دعاء النصف الثاني من شعبانيعتبر الإلحاح فى الدعاء أمر مشروع، وقد ثبت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا" (صحيح مسلم :1794).
والدعاء للفرج وإزالة الهم والكرب واحدة من الأمور التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء بصفة عامة من العبادات التي حض عليها الشرع الحنيف، فقال المولى جل وعلا:" ادعوني استجب لكم"، وقال تبارك وتعالى:"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان"، وعن الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم:" الدعاء هو العبادة".
وكشف الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء عن ثناء ودعاء في جوف الليل من شأنه أن يفرج الكرب ويزيل الهم ويوسع الرزق ويقضي الدين فيقول السائل والداعي في هذا الوقت متوجهاً إلى ربه سواء أكان مؤدياً لصلاة القيام أو ذاكراً في هذا الوقت :"لا إله إلا الله العظيم الحليم،لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم".
اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شئ،وبقوتك التي قهرت بها كل شئ، وخضع لها كل شئ،وذل لها كل شئ، وبجبروتك الذي غلبت بها كل شئ، بعزتك التي لا يقوم لها شئ، وبعظمتك التي ملأت أركان كل شئ
وبسلطانك الذي علا كل شئ، وبوجهك الباقي بعد فناء كل شئ، وباسمائك التي غلبت أركان كل شئ، وبعلمك الذي أحاط بكل شئ،بنور وجهك الذي أضاء له كل شئ، يا نور يا قدوس، يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين،اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم،اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم،اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم،اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء،اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء، اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته وكل خطيئة أخطيتها.
اَللـهُمَّ اِنْ لَمْ تَكُنْ غَفَرْتَ لَنا في ما مَضى مِنْ شَعْبانَ فَاغْفِرْ لَنا في ما بَقِيَ.
اللهمّ أنت ربّي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
اللَّهُمَّ يَا ذَا الْمَنِّ وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، يَا ذَا الطَّوْلِ وَالإِنْعَامِ.
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ظَهْرَ اللَّاجِئينَ، وَجَارَ الْمُسْتَجِيرِينَ، وَأَمَانَ الْخَائِفِينَ.
اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ شَقِيًّا أَوْ مَحْرُومًا أَوْ مَطْرُودًا أَوْ مُقَتَّرًا عَلَيَّ فِي الرِّزْقِ، فَامْحُ اللَّهُمَّ بِفَضْلِكَ شَقَاوَتِي وَحِرْمَانِي وَطَرْدِي وَإِقْتَارَ رِزْقِي، وَأَثْبِتْنِي عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ سَعِيدًا مَرْزُوقًا مُوَفَّقًا لِلْخَيْرَاتِ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ فِي كِتَابِكَ الْمُنَزَّلِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ الْمُرْسَلِ: ﴿يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾.
إِلهِي بِالتَّجَلِّي الْأَعْظَمِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ الْمُكَرَّمِ، الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَيُبْرَمُ، أَنْ تَكْشِفَ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا نَعْلَمُ، وَمَا لَا نَعْلَمُ وَمَا أَنْتَ بِهِ أَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ.