كاتب صحفي: الشركة المتحدة أعادت للدراما الرمضانية بريقها من جديد
تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT
قال جمال رائف، الكاتب الصحفي، إن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية أعادت الدراما الرمضانية إلى بريقها من جديد، وأصبح ليس فقط المتابع المصري ولكن العربي أيضا، نظرا لأن الدراما المصرية مؤثرة إقليميا وليس محليا، وبالتالي الدراما المصرية عادت لتتموضع من جديد إقليميا.
وأضاف "رائف"، خلال استضافته ببرنامج "هذا الصباح"، المذاع على قناة "إكسترا نيوز"، اليوم الخميس، أن الدراما المصرية احتلت مكانتها الحقيقية على صعيد الأعمال الفنية في المحيط الإقليمي، بعد فترة كانت هناك تأخرا ما لكنها عادت من جديد القوة الناعمة المصرية من خلال الدراما وكل مفردات القوة الناعمة التي تحتل المكانة التي تستحقها.
وتابع: "ننتظر عددا كبيرا من المسلسلات المهمة، ولكن الأهم هي عودة الأعمال التاريخية، وهذا مهم للغاية من خلال مسلسل الحشاشين فالجميع منتظره وأعمال أخرى على المستوى التاريخي مثل جودر".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية الدراما الرمضانية مسلسل الحشاشين جمال رائف من جدید
إقرأ أيضاً:
وعد الخطة المصرية لغزة
في مؤتمر صحفي مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في فبراير، روج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمقترحه بسيطرة الولايات المتحدة على غزة، بعد إفراغها من سكانها البالغ عددهم قرابة مليوني نسمة، وإعادة تطويرها لتحويلها إلى منطقة سياحية هي «ريفييرا الشرق الأوسط». وهذه الخطة مرفوضة لدى الدول العربية التي تعتبرها قبولا للتطهير العرقي في غزة. ففي حرج، اعترض الملك عبد الله، مشيرا إلى أنه ينتظر خطة بديلة لغزة تقدمها مصر.
برغم وقوع غزة على حدودها، فقد تركتها مصر لإسرائيل ثم لحماس على مدى عقود. فمصر في نهاية المطاف لا تزال تعاني من آثار محاولتها الأخيرة لإحلال السلام في الشرق الأوسط، أي اتفاقية كامب ديفيد لعام 1978 التي أنهت الأعمال العدائية بين إسرائيل ومصر، وقد أشيد بالاتفاقية باعتبارها انتصارا، لكنها كلفت مصر ثمنا غاليا. فهي لم تفض فقط إلى اغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981، وإنما أدت أيضا إلى تهميش القاهرة في المنطقة واعتمادها اقتصاديا على واشنطن. كما أنها أغضبت شعوب مصر والشرق الأوسط، مما أدى إلى تأجيج التشدد الإسلامي الذي عصف بالمنطقة لعقود.
غير أن الحرب في غزة تمنح مصر فرصة لاستعادة مكانتها التي كانت تنعم بها في العالم العربي. ففي الرابع من مارس، كشفت مصر عما وصفته بـ«رؤية شاملة لإعادة إعمار غزة مع ضمان بقاء الفلسطينيين على أرضهم»، وتم طرح خطة إعادة إعمار غزة هذه في نشرة من 112 صفحة، مزودة بخرائط ورسوم مولدة بالذكاء الاصطناعي، وجدول زمني مرحلي مدته خمس سنوات، وميزانية تقديرية تبلغ نحو 53 مليار دولار. وتتضمن الخطة إعادة تطوير البنية الأساسية، ووحدات سكنية تتسع لـ1.6 مليون نسمة، وميناء تجاريا، ومركزا للتكنولوجيا، ومناطق صناعية، وفنادق شاطئية، ومطارا. وتصر الخطة، خلافا لادعاءات ترامب، على أن مثل هذا التطوير العقاري في غزة ممكن دونما تشريد لسكانها، والواقع أن هذا كان الهدف الرئيسي للخطة، ذات الوصفة السياسية الغامضة عمدا، إذ تحدد للمنطقة إدارة فلسطينية مؤقتة تكنوقراطية، بمساعدة من قوات حفظ سلام دولية. وفي اجتماعات منفصلة عقدت في أوائل مارس، دعمت جامعة الدول العربية ومنظمة الدول الإسلامية الخطة المصرية. وأشاد وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة بالخطة ووصفوها بـ«الواقعية».
أما إسرائيل، التي يبدو أن حكومتها اليمينية عازمة على طرد سكان غزة، فرفضت الخطة فورا. ووجهت واشنطن رسائل متباينة، إذ رفضها ترامب في البداية باعتبارها غير قابلة للتطبيق قبل أن يرحب بها مسؤولون آخرون في الإدارة. إذ وصف المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف الخطة بأنها «خطوة أولى حسنة النية من جانب المصريين»، مشيرا إلى أن المقترح العربي لم يولد محكوما عليه بالموت. ومن المؤكد أنه تبقى عقبات. فلا يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو ترامب في عجلة من أمرهما للتوصل إلى ترتيب سياسي طويل الأمد. ولكن المصريين وضعوا مفتاحا على الطاولة، وهو أكثر مما يمكن أن يفعله أي طرف آخر، وهذه خطوة مهمة بالنسبة للقاهرة.
فور طرح خطة السلام هذه لغزة، أنقذت مصر طموح الفلسطينيين إلى إقامة دولة من رغبة ترامب في استحضار صفقة تطوير عقاري باذخة. وبصفة أعم، تسعى القاهرة إلى استعادة إرث كامب ديفيد المتعثر. وبذلك، قد تتمكن مصر من تنويع مصادر دعمها الاقتصادي في وقت يتأرجح فيه اقتصادها على شفا أزمة. ويعتمد نجاح القاهرة على استعادتها لدورها الذي لم تلعبه منذ عقود، أي دور القائد الإقليمي القادر على حشد دعم نطاق واسع من الحكومات ذات المصالح المتنوعة والمتضاربة في كثير من الأحيان، وتتعدد العقبات التي تعترض الخطة المصرية، ولكن مصر قد تخرج من حرب غزة مرة أخرى بوصفها قوة محورية في الشرق الأوسط.
تكاليف السلام
كان دور مصر القيادي في تصور مستقبل غزة بعد الحرب مفاجئا بعض الشيء، وشهادة في جانب منه لتاريخها الوثيق مع غزة نفسها، ولكن الأهم من ذلك، أنه دليل على ما اعترى المنافسين الآخرين المحتملين على القيادة الإقليمية من إنهاك وقلق. فآخر مرة تقدمت فيها مصر بصفقة كبرى مع إسرائيل بناء على طلب من الولايات المتحدة لم تنته على ما يرام. صحيح أن اتفاقيات كامب ديفيد للسلام التي توسطت فيها الولايات المتحدة عام 1978 بجائزة نوبل للسلام للسادات (مناصفة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن)، وجلبت ما اعتبرته الولايات المتحدة وحلفاؤها استقرارا مثيرا للإعجاب لمصر، لكنها من معظم الأوجه الأخرى، أثبتت أنها مضرة للغاية.
إذ باتت مصر منبوذة في المنطقة، وبعد تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية، وتعرضها لانتقادات الحكومة الثورية في إيران، تخلت عن موقعها القيادي في الشرق الأوسط لسلسلة من الطامحين المصابين بجنون العظمة، فمنهم معمر القذافي في ليبيا وصدام حسين في العراق، ويليهما اليوم حكام الخليج الطموحون الأثرياء. وثبت أن معظم الفوائد الاقتصادية لاتفاقيات السلام كانت وهما، إذ فشل «السلام البارد» في تحفيز التجارة، وجعل مصر في نهاية المطاف معتمدة اعتمادا كبيرا على المساعدات الخارجية الأمريكية. ففي عام 2024 وحده، تلقت مصر أكثر من 1.5 مليار دولار من الولايات المتحدة، توجه 80% منها إلى الإنفاق العسكري، بينما اتجهت البقية، بإدارة إلى حد كبير من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي تم الآن تفكيكها، إلى دعم برامج تتعلق بالتعليم والرعاية الصحية والأمن الغذائي، بل وإلى الحفاظ على الآثار التي تدعم السياحة، في استثمار استهدف ـ على حد وصف الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قبل عدة سنوات ـ «تقليل اعتماد مصر على الديون الخارجية» ودعم «رحلة البلد إلى الاعتماد على الذات».
وعلى مدار عقود من هذا الاعتماد، برعت مصر في تأمين الموارد ـ من قبيل دعم الميزانية وتخفيف أعباء الديون، ومساعدات التنمية، والمساعدات العسكرية - عبر لعبها دور مفيد في تعزيز مصالح الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في المنطقة. فبين عامي 1978 و2022، قدمت الولايات المتحدة لمصر أكثر من 50 مليار دولار من المساعدات العسكرية و30 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية. ولهذا، ضمنت مصر للولايات المتحدة ألا تشكل أي تهديد عسكري خطير لإسرائيل، وأن تتعاون في مكافحة الإرهاب، وأن تساعد في ملفي ليبيا والسودان المعقدين، فضلا عن تقديم عدد لا يحصى من الخدمات المفيدة الأخرى، ومنها المرور التفضيلي في قناة السويس. ولكن جميع التدفقات لم تكن مساعدات، إذ أن الاضطرابات المحيطة بالإطاحة بالرئيس حسني مبارك في عام 2011 قد ذكَّرت المؤسسات المالية الدولية المدعومة من الولايات المتحدة بأن مصر «أكبر من أن تفشل». وتضخم الدين الخارجي للبلد من أكثر بقليل من 40 مليار دولار في عام 2014، عندما تولى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي منصبه، ليصل إلى أكثر من 160 مليار دولار في عام 2022، مع فتح خطوط ائتمان جديدة مع صندوق النقد الدولي والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ومع تفاقم الوضع الاقتصادي للبلد بسبب جائحة كوفيد وحرب أوكرانيا، أصبحت مصر ثاني أكبر عميل لصندوق النقد الدولي تالية للأرجنتين.
لم يكن التأجيل المستمر لـ«رحلة مصر إلى الاعتماد على الذات» ـ على حد تعبير تقرير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ـ هو النتيجة الوحيدة غير المتوقعة لمعاهدة السلام مع إسرائيل، بل هناك عواقب سياسية لا تزال تتردد أصداؤها حتى اليوم، حتى بعد فترة طويلة من عودة مصر الخجولة إلى الساحة السياسية الإقليمية العربية في أواخر الثمانينيات. إذ رأت شعوب مصر والمنطقة على نطاق واسع أن الحكومة المصرية متواطئة في عدم التوصل إلى تسوية عادلة للفلسطينيين. فغذت هذه المظلمة المستمرة خصوم إسرائيل والولايات المتحدة الإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة، ومن هؤلاء إيران وتنظيم القاعدة، وبالطبع حماس في غزة، وطالما تشككت حكومات مصر العسكرية بشدة في الحركات الإسلامية، وبخاصة جماعة الإخوان المسلمين المصرية. فحتى لو أن للرئيس المصري ولعا عاطفيا بالقضية الفلسطينية، فإنه غير متعاطف مع حماس، ولا يكن احتراما واضحا لقيادة السلطة الفلسطينية.
ومع ذلك، فإن إهمال الفلسطينيين أمر خطير على المستوى السياسي، وربما الشخصي أيضا. إذ كان أحد أعضاء حركة الجهاد الإسلامي، هو الذي اغتال السادات سنة 1981، بعد ثمانية عشر شهرا فقط من توقيع معاهدة السلام. وقد قوبل الاغتيال، الذي تم خلال عرض عسكري سنوي احتفالا بانتصارات مصر في بداية حرب 1973 العربية الإسرائيلية، برضا من حكومات العالم الإسلامي. فبرغم حضور ثلاثة رؤساء أمريكيين وعدد من رؤساء الدول الأوروبية للجنازة، فإن الزعيم العربي الوحيد الذي حضرها كان رئيس السودان، وأطلقت إيران اسم قاتل السادات على أحد شوارع طهران.
الصفقة المصرية
لقد كانت تكاليف نهج السادات الانفرادي معروفة جيدا للسيسي، وهو يضع خطة إخراج سكان غزة من بؤسهم دون موافقة على المقترحات الأمريكية والإسرائيلية بنقلهم إلى دول أخرى، منها مصر نفسها، التي تستضيف بالفعل حوالي مئة ألف من أبناء غزة الذين تمكنوا من الفرار من الهجوم الإسرائيلي بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر. ولقد واجهت الحكومة المصرية ثلاثة تحديات وهي تضع خطتها. فقد كان عليها أن تعرقل جهود ترامب لتحويل النقاش من مفاوضات حول تطلعات الفلسطينيين وطموحاتهم إلى مساومة على عقود تمويل وبناء لمشروع عقاري. وكان على مصر أيضا أن تثبت إمكانية وضع ترتيب لإدارة غزة يعكس السعي الفلسطيني لإقامة دولة. وأخيرا، كان القادة المصريون يرجون استغلال الحرب لضمان استمرار تدفقات مالية من شأنها منع وقوع أزمة اقتصادية في الداخل، حيث يعاني واحد من كل سبعة أشخاص من انعدام الأمن الغذائي، وحيث يعاني أكثر من واحد من كل خمسة أطفال دون سن الخامسة من سوء التغذية ونقص الوزن.
كل هذا يتوقف على قدرة مصر على الاضطلاع بدور لم تلعبه منذ عقود. فعليها أن تحشد الدعم من الحكومات في المنطقة وخارجها ممن لها مصالح مختلفة ومتنافسة في كثير من الأحيان في علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة. وقد أصرت مصر على أنه حتى أكثر مشاريع إعادة الإعمار طموحا لا تتطلب إخراج أي شخص من غزة، ومصر، في هذا المسعى، مجهزة تجهيزا جيدا لجمع التمويل من مجموعة متنوعة من البلاد، بما فيها الصين والمملكة العربية السعودية وتركيا، وطلب عروض من الشركات الدولية لعقود إعادة بناء البنية الأساسية المادية في غزة. فالسيسي في نهاية المطاف أظهر بالفعل حماسه لمثل هذه المشاريع الضخمة في إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، والتي صممت لاحتواء أكثر من ستة ملايين نسمة ولتغطي منطقة خارج القاهرة تبلغ مثلي مساحة قطاع غزة.
لا يمكن القول هذه المرة إن القادة المصريين يبيعون الفلسطينيين كما فعلوا بعد اتفاقيات عام 1978، بمفردهم أو بالتنسيق مع حلفائهم، مهما بلغت التكلفة. وبعيدا عن مبدأ دعم حقوق الفلسطينيين في وطنهم - وهو المبدأ الذي يتبناه كثيرون في شتى أنحاء المنطقة ـ لا بد أن تتعامل القاهرة مع اعتبارات أكثر برجماتية. فالسيسي يعلم أن تضخيم صفوف الفقراء ـ المتضخمة بالفعل في مصر ـ باللاجئين الفلسطينيين لن يعزز «رحلة البلد إلى الاعتماد على الذات». فمن المرجح أن سكان غزة، أينما يعيشون، سوف يحتاجون إلى مساعدة إنسانية كبيرة ومستدامة. وهذا القطاع محاصر بالفعل، كما يشير تفكيك إدارة ترامب للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وحظر إسرائيل للأونروا من العمل في الضفة الغربية وغزة (والأونروا هي وكالة الأمم المتحدة التي قدمت المساعدة للاجئين الفلسطينيين لمدة 75 عاما). فضلا عن أن أي تدفق كبير للاجئين من غزة سوف يشمل حتما مؤيدين لحماس. ومن شأن هذا أن يهدد استقرار الحكومة المصرية وذلك ما فهمه خلفاء السادات ـ ولعل الأكثر إثارة للقلق أنه قد يوفر مبررا لتدخلات إسرائيلية في الشؤون الداخلية المصرية، سواء على هيئة توغلات إقليمية كما يحدث حاليا في سوريا على ما يبدو، أو على هيئة عمليات سرية، من قبيل مناورة الاستخبارات الإسرائيلية عالية التقنية في سبتمبر 2024 التي شهدت تفجير آلاف أجهزة البيجر الخاصة بعملاء حزب الله الشيعي في لبنان في يوم واحد.
لن تسمح الحكومة المصرية لنفسها بالتقدم على الرأي العام أو على حلفائها الإقليميين. فما لم تبد الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، ومنه الإماراتيون والأردنيون والقطريون والسعوديون، استعدادها لتحمل العبء المتعلق بالسمعة، وربما العبء المالي والحكومي، للتوصل إلى اتفاق بشأن إدارة غزة، فلن تكون أي خطة قابلة للتنفيذ. لكن مصر تعود إلى دورها القديم بوصفها منسقا إقليميا. فمن خلال دعوة جامعة الدول العربية، التي كانت على وشك الانهيار مؤخرا، لمناقشة مقترحاتها، كانت مصر والحكومات العربية الأخرى تعرب عن آمالها في تشكيل جبهة موحدة، جبهة لا تتفكك بفعل تكتيكات «فرق تسد» التي اتبعتها إسرائيل في اتفاقيات السلام المنفصلة مع مصر في السبعينيات ومع الأردن في التسعينيات، وفي الاتفاقيات الإبراهيمية الأحدث عهدا بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. وقد أكد الأمين العام للجامعة (ووزير الخارجية المصري السابق) أحمد أبو الغيط أن «خطة مصر أصبحت الآن خطة عربية».
ولما كان من المرجح أن إسرائيل والولايات المتحدة سوف ترفضان على الفور أول مقترح (وهو ما كان)، فقد كان هذا ولا شك سببا جزئيا في أن الخطة متخففة نسبيا في ما يتعلق بتفاصيل الإدارة السياسية لغزة. إذ اقترحت الخطة بعثة مؤقتة للمساعدة في الحكم بقيادة تكنوقراط فلسطينيين، ودورا مجددا للسلطة الفلسطينية، ولكن التفاصيل ظلت مبهمة عن عمد لإفساح المجال لمفاوضات مستقبلية. ويبدو أنها نجحت بوصفها خطوة افتتاحية: فخفَّف ويتكوف، المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، من حدة إدانة ترامب الأولية للخطة، قائلا إن فيها «العديد من المزايا الجذابة».
سوف يتعين على ويتكوف وإدارة ترامب إقناع إسرائيل بمزايا التسوية مع جيرانها العرب. وبقدر ما يبدو من عزم ترامب على إطلاق يد نتنياهو في غزة، ومن لهفته على تحويل القطاع إلى «ريفييرا» براقة، فإن للرئيس أيضا مصالح في قيام علاقات ودية، وربما مربحة، مع دول أخرى في المنطقة، منها أطراف الاتفاقيات الإبراهيمية الذين كان غزو إسرائيل لغزة وهجماتها على لبنان وسوريا مصدر إزعاج وإحراج لهم. وقد أعلنت إسرائيل أنها لن تعوض الفلسطينيين أو تسهم في دفع تكاليف إصلاح الأضرار التي ألحقتها بغزة، لكن الحكومة الإسرائيلية قد تضطر إلى التسليم بمزيد من الاستقلال السياسي وبجدول زمني أطول ـ إن لم يكن ترتيبا دائما ـ مما ترغب فيه لمن سيتولون دفع تكاليف إعادة الإعمار.
ومن الذي سوف يدفع الفاتورة؟ قد تكون هذه فرصة لمصر لمعالجة أحد تحدياتها الأخرى وتنويع محفظة رعاتها بعيدا عن الاعتماد على ريع الأزمة التي جعلتها (والأردن أيضا) مرتبطة بالدعم الأمريكي. لقد أوضح ترامب أنه ليس حريصا على تمويل مصر إلى أجل غير مسمى وأنه يريد اختصار «رحلة الاعتماد على الذات» التي تراوغ البلد. فعندما سئل عما إذا كان سيمنع المساعدات عن مصر والأردن إذا لم يستقبلا سكان غزة، قال ترامب: «نعم، ربما، بالتأكيد، لم لا؟ إذا لم يفعلا ذلك، فمن المحتمل أن أحجب المساعدات، نعم». وبرغم أن إدارته تراجعت عن ذلك التهديد، فإن تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قد عرّض بالفعل برامج مدنية مهمة في كل من الأردن ومصر للخطر.
بديهي أن دول الخليج الغنية سوف تلعب دورا رئيسيا في توفير تمويل إعادة إعمار غزة، ومن المرجح أن تطلب مصر نسبة من هذا التمويل مقابل العمل بوصفها مقاولا عاما. وفي معرض تأييدها للخطة، دعت منظمة المؤتمر الإسلامي، بأعضائها السبعة والخمسين، «المجتمع الدولي ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية إلى تقديم الدعم اللازم لها على وجه السرعة». بل إن زعيم المعارضة الإسرائيلية ورئيس الوزراء السابق يائير لابيد اقترح تعويض مصر عن دورها الإداري في غزة بتخفيف أعباء ديونها الخارجية دوليا. ولا يجب أن ننسى أن نفوذ الصين في مصر قد ازداد بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي، فقد زار السيسي بكين أكثر من مثلي عدد زياراته إلى واشنطن خلال فترة ولايته، واحتفل البلدان بعام 2024 بوصفه «عام الشراكة المصرية الصينية». وأقر وزير الخارجية الصيني وانج يي الاقتراح المصري قائلا إن «جميع الأطراف في الشرق الأوسط لا بد أن تتغلب على خلافاتها لدعم قيام دولة فلسطينية»، بينما ينبغي على القوى الخارجية تعزيز السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ومن خلال توليها دور المهندس والمعماري لحل معاناة سكان غزة، تعتد مصر على تجربتها الطويلة، والمرهقة في كثير من الأحيان، في الالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وكما أشار السيسي مرارا بعد الكشف عن الخطة، فإن «مصر التي قادت السلام في منطقتنا قبل نحو خمسين عاما... لا تعرف إلا السلام القائم على الحق والعدل، الذي يصون الأرض والسيادة». وتبقى الخطوة التالية هي خطوة إسرائيل. فغزة قد تكون أكثر من محض أرض مدمرة تؤوي شعبا مهجرا تحكمه إسرائيل إلى الأبد. ومصر مهيأة تماما لتكريس قوتها التنظيمية وخبرتها ومهاراتها في تحقيق مستقبل عادل ومستدام للمنطقة وشعبها والمنطقة بأسرها.
ليزا أندرسون أستاذة في العلوم السياسية الأمريكية والرئيسة السابقة للجامعة الأمريكية بالقاهرة.
خدمة فورين أفيرز