لم تكن حياته التي بدأها لاعبا لكرة القدم بسيطة أو مترفة بل شهدت متعاب جمة وصعوبات لا حصر لها كما شهدت انعطافات وتشكلات متعددة على مستوى الأفكار والرؤى السياسية فمن الشيوعية إلى الوجودية إلى التشكيك المطلق. كان يؤمن بالعدالة ويطالب بارسائها على الأرض ويرى أن الوصول إليها لا يكون بغير التمرد.. وأن المتمرد بديل عن الثوري إذ أن الأول يتمتع بعقل مستقل والثاني يعقلن أو يشرعن القتل.

 

ألبير كامو أحد أبرز كتاب فرنسا والعالم ولد بالجزائر وعرف بين الناس بالفيلسوف.. وإيمانه بالعبثية ولا جدوى الحياة لم يمنعه من إيمانه بالحب.. الحب الذي دفعه للانغماس الكامل في الشعور بالغيرة والألم.. ألم انتظار رؤية حبيبته أو وصول أي رسالة منها. لم يكن كامو في أعماله بهذه الهشاشة التي تتجلى في رسائلة إلى "ماريا" بل كان قويا ومتمردا على كل ما يُخضع الإنسان. اعتبر ان الحب والإيمان به دلالة واضحة لسعي الإنسان إلى حريته.. إلى شعوره بإنسانيته. إذ أن الكراهية والتعصب ونبذ الحب لا يعنوا شيئا سوى الخضوع إلى العبودية والخروج من الإنسانية والولوج إلى عالم لا ينتمي إلى عالم البشر. 

قدم كامو العديد من الأعمال التي أثرت الأدب والفكري العالميين فمن "الغريب" و"الطاعون" و" أسطرة سيزيف" و" الإنسان المتمرد" انطلق إلى العالمية وحصل على أرفع جائزة أدبية في العالم حتى الآن وهي جائزة نوبل في الأداب. عاش كامو حياة صاخبة مكتظة بالمعارك الفكرية والسياسية لكنها لم تكن خالية أبدا من الحب العظيم. هذه الحياة التي عاشها طولا وعرضا أبت أن تنتهي بدون أن يكون مشهدها الأخير دارميا أو مأساويا ومفجعا. إذ رحل كامو في حادث سير مأساوي وقبل الحادثة التي أودت بحياته بأربعة أيام، كتب ألبير كامو رسالة إلى ماريا كازاريس وعدها فيها بتناول العشاء رفقتها يوم الثلاثاء حال وصوله إلى باريس وقد أخبرها أنه أغلق ملفاته فلا مزيد من العمل، لا شيء سوى الأمنيات لرأس السنة. كانت تلك رسالته الأخيرة للحبيبة التي راسلها لفترة امتدت من 1944 إلى 1959 ابتدأت قصة ألبير وماريا في السادس من يونيو 1977، يوم إنزال الحلفاء بالنورماندي.. التقيا مصادفة، وكم يبدو ذلك عبثيا بالنسبة إلى شخص يقول في إحدى رسائله: على الحبيبين أن يفوزا بحبهما وأن يكسباه أن يبنيا حياتهما وشعورهما. كانت ماريا تبلغ من العمر 21 سنة وكان ألبير يبلغ الثلاثين من عمره أما زوجته فرانسين فكانت آنذاك بعيدة عنه بسبب الاحتلال الألماني وحين انتهت الحرب قررت ماريا أن تنهي القصة لتعود "فرانسين" ويعود إليها ألبير وتتوقف الرسائل.

ثم بعد فراق دام أربع سنوات التقى ألبير بماريا مصادفة ثانية في نفس تاريخ لقائهما الأول ليعودا مجددا حبيبين للمسرح والسينما وللبحر والرقص على موسيقى الجاز وتدوم علاقتهما السرية المستحيلة حتى مماته.

لم يتوقف "ألبير" عن الكتابة لـ" ماريا" فبين نص وآخر وفكرة وأخرى بين الشمس والمطر يكتب لها مثلما يكتب العشاق المتلهفون. كانت رسائله تتدفق عبر العالم من الجزائر وبلجيكا ومن السويد والبرازيل ومن كل مكان زاره كي يخبرها في كل حين أنها لا تغادر تفكيره.

الرسائل التي جمعتها بياتريس فيان وقامت بترجمتها سهى بخته والصادرة عن دار صفحة سبعة للنشر توضح الكثير من أفكار الكاتب الفرنسي ألبير كامو الذي أعتبر أنه الأصغر سنا بين الكتاب الحاصلين على جائزة نوبل للأداب. وهنا نقدم بعض من هذه الرسائل التي ضمها الكتاب بين دفتيه.

 

 

 يونيو 1944 الساعة الرابعة بعد الزوال

ماريتي الصغيرة،

كنت أرجو أن نلتقي، لكني مشغول، لذلك فخلال ما لدي من وقت وجيز بين موعدين، أكتب لك بعض الكلمات هي بالطبع بدون معنى لكنها ستجعلك تفكرين بي عندما تجدينها هذا المساء حال عودتك إلى البيت.. كم أنا مرهق، وكم أحتاجك. أفضل أن أقول هذا بينما أضمك إلى صدري. ليلة طيبة عزيزتي، نامي كثيرا وفكري بي بقوة، أقبلك في انتظار اللقاء غدا.

 

 

 

 يونيو 1944 الخميس الساعة العاشرة مساء

عزيزتي، قرأت للتو إهداءك، وها أنا ذا وشيء بداخلي يرتعش. لطالما قلت لنفسي إن المرء قد يكتب مثل هذه الأشياء مأخوذا بالحركة يكتبها دون أن يكون متشبعا بها. لكني أ]ضا أقول لنفسي إن بعض الكلمات لا يمكن أن تكتبيها دون أن تكوني قد أحسست به حقا.

كم أنا سعيد يا ماريا. هل يعقل هذا؟ هذا الشيء الذي يرتجف داخلي إنه نوع من الفرحة المجنونة. غير أن المرارة تتملكني بسبب رحيلك وبسبب الحزن الذي سأراه في عينيك لحظة مغادرتك لطالما كان إحساسي تجاهك مزيجا من السعادة والحيرة لكن إن كنت تحبينني كما تكتبين فلابد أن يكون بيننا أكثر من هذا. آن الأوان كي نحب، ولابد أن نرغب في ذلك بقوة تكفي لكي نتجاوز كل المصاعب.

لم أحب نظرتك الخاوية هذا المساء فحين نمتلك روحا نسمي إحباطنا شفافية ونطلق حقيقة على ما يناسبنا لكن هذه الشفافية عمياء، هي لى العكس من البصيرة التي تبغي السعادة.

أعلم أن هذه الفرحة على قصرها وهشاشتها ورغم كل ما يهددها فإنها ستكون من نصيبنا إن نحن مددنا أيدينا لها لكن علينا أولا أن نمد أيدينا.

أنتظر الغد أنتظرك أنتظر وجهك الجميل. أشعر هذا المساء بالتعب وأعجز عن اخبارك عن قلبي الفائض بسببك. هل لدينا هذا الشيء بيننا. الذي لا يملكه سوانا، هذا الشيء الذي يجعلني ألتقيك دون مشقة. لدينا هذه الساعات التي أصمت فيها ووتشكي في لكن ذلك مهم فقلبي مليء بك. 

إلى اللقاء عزيزتي شكرا لكلماتك التي بعثت في سعادة غامرة. شكرا لروحك التي تحبني وأحبها. أقبلك بكل ما أوتيت من قوة.

 

 

 

الساعة الرابعة بعد الزوال

ماريا الصغيرة، لا أعلم إن كنت تفكرين في الإتصال بي. لا أعلم أين أنت في هذه اللحظة، ولا كيف أصل إليك. لا أملك شيئا بعينه كي أقوله لك. ليس لدي سوى هذه الموجة التي ترفعني منذ الأمس وهذه الحاجة الملحة في الثقة وفي الحب الذي أكنه لك.

ذلك أنني لم أكتب لك منذ فترة. إن وجدت هذه الرسالة عند عودتك مساء، اتصلي بي. لا تنسيني في هذه الأيام التي تفصلنا عن يوم السبت. فكري بي خلالها. أخبري نفسك أنني بقربك دائما في كل دقيقة تمر.

إلى اللقاء حبيبتي، إلى اللقاء يا حبي العزيز.

 

 

 

السبت الساعة الثانية بعد الزوال.

لقد كانت رحلتي طيبة ولم يطرأ شيء ذو بال. انطلقنا على الساعة السابعة وعشرين دقيقة صباحا، وسار بنا القطار مدة تسع ساعات. ثم سرنا على الأقدام لسبعة كيلو مترات كي نتجاوز محطة فرز ما. لقد قصفوا المحطة ليلة البارحة حوالي الساعة الحادية عشرة وإثر ذلك أخذنا القطار مجددا حتى حلول منتصف النهار. انتظرنا قطارا آخر لمدة ساعتين في "مو" ثم أخيرا وصلنا في الساعة الخامسة بعد الزوال. كنت متعبا جدا ككلب أسود لكني كنت سعيدا لأنني تركت هذا الطريق الشاق ورائي. أما المنزل الذي سأمكث فيه فقد كان جزء منه محطما جراء القصف سنة 1940. صحيح أنه قابل للسكن لكنه مغمور بالغبار حتى إن تنظيفه تطلب مني ثمان وأربعين ساعة والاستعانة بسيدة طيبة من الأرجاء. حسنا نمر الأن لوصف المكان. في القرية منخفضان اثنان تكسوهما الأشجار والمزروعات. الطقس هنا منعش، صوت ما قريب رائحة عشب بعض الأبقار بعض الأطفال هنا وهناك وعصافير تغرد بالأعلى قليلا يوجد ذلك التل المنبسط المفتوح حيث يصبح التنفس أفضل. تتكون القرية بالأساس من بعض المنازل وبعض الناس الطيبين أما بالنسبة إلى البيت فهو متوار داخل حديقة كبيرة غاصة بالأشجار وبآخر ورود هذه السنة الورود ليست حمراء. يقع البيت تحت ظل كنيسة قديمة أما الجزء الأمامي من الحديقة فهو حقل مشمس تحت أقواس الكنيسة. بالإمكان أخذ حمام شمس هناك.

أقوم الآن بتجهيز غرفة ومكتب في الطابق الأول. عندما أفرغ من ذلك سأكتب كي أصفهما لك.

أكتب لك بكل ما يمكنني من وضوح لأنني أظن أنك مبدئيا ترغبين في بعض التفاصيل الدقيقة أما أنا ففكري يذهب في اتجاه آخر فمنذ مساء يوم الخميس أحيا بك. يتراءى لي أني لم أغادرك كما ينبغي وأن هذا الرحيل جاء وسط الكثير من الحيرة تحت سماء تحف بالمخاطر، رحيل يصعب علي تحمله.

كل أمل بقدومك فإن تمكنت من ذلك بالسيارة فسيكون الأمر أسهل وإن لم يكن ذلك متاحا فسيلزمك أن تقومي بنفس الرحلة الطويلة التي قمن بها. توجد الدراجة أيضا أستطيع أن أستعملها كي آتي للقائك. لا تنسي وعدك لي أيتها العزيزة فأنا أعيش به.

أظن أني سأجد بعض السلام هنا. ريح وبعض الأشجار ونهر سأصنع بها كلها هدوءا يملؤني من الداخلهدوءا كنت قدد فقدته منذ زمن لكن ذلك يصبح مستحيلا عندما يتحتم علي تحمل غيابك والركض خلف طيف صورتك وذكراك لا أنوي أن أصبح يائسا أو أن أترك هذه الحالة تتمكن مني سأشرع يوم الاثنينفي العمل وسأعمل حتما هذا مؤكد لكن كم أرغب في أن تساعديني بمجيئك.

إلى حدود هذه اللحظة كل ما حدث بيننا هو أننا التقينا وأحببنا بعضنا بحمى الشوق والغلبيان وهو أمر لا أندم عليه، حتى إن كل ما عشته من أيام معك كفيل بأن يبرر الحياة كلها لكن توجد طريقة أخرى للحب أن نحب بعمق أكثر سرية وأكثر تناغما، وأعلم أننا قادرين على ذلك أيضا. هنا في هذا المكان سنجد الوقت لذلك لا تنسي ذلك يا صغيرتي واحرصي أن نمنح حبنا هذه الفرصة.

بعد بضع دقائق ستقفين على الركح سيكون كل تفكيري معك اليوم وغدا سأنتظرك تلك اللحظة التي ستجلسين فيها كي تقولي لقد كان كل شيء مذهلا. سأنتظر المشهد الثالث حيث تلك الصرخة التي أحب. أه يا حبيبتي كم يصعب علي أن أكون بعيدا عنك، أن أكون محروما من وجهك الذي ليس لدي ما هو أغلى منه.

اكتبي لي كثيرا ودائما.. لا تتركيني وحيدا. سأنتظرك كل الوقت اللازم، لدي صبر لا ينضب فيما يتعلق بك، بيد أن عروقي تنبض بلهفة تؤلمني، برغبة قادرة على إضرام النار في كل شيء قادرة على التهام كل شيء.

إلى اللقاء أيتها الانتصار الصغير ابقي بقربي داخل أفكارك وأرجوك تعالي سريعا أقبلك بكل ما أوتيت من شغف. بإمكانك أن تكتبي لي على عنوان السيدة "باران" في "فيرديلو" "سان إيمارن".

 

 

 

الجمعة، الساعة الحادية عشرة مساء

أرغب في هذا المساء بشدة في أن أرتمي بين أحضانك. قلبي مثقل بالهموم والحياة يصعب عيشها. كتبت قليل هذا الصباح، ومنذ الظهيرة لم أخط حرفا الأمر كما لو أني فقدت قدرتي ونسيت ما يجدر بي القيام به. تحل بي أحيانا هذه الساعات، وهذه الأيام وهذه الأسابيع حيث أشعر أنني بكل ما في أموت بين ذراعي أنت أيضا تعرفين هذا الإحساس.

إن هذه الساعات التي تتملكني فيها الرغبة في ترك كل شيء هي الساعات الأخطر على الإطلاق إنها الساعات التي تجتاحني خلالها رغبة في الهروب من أي شيء قادر على مساعدتي.. وها أنا ذا ألجأ إليك أنت لو أنك كنت هنا لكان كل شيء أسهل. لكن هذا المساء يتملكني اليقين بعد قدومك. أشعر أني فقدت كل شيء منذ زمن. عندما تبتعدين عني أجدني محاطا بالليل. وفي الانتظار ليس لدي أمل في لقائك قريبا.

هذا المساء أتسءل عما تفعلين، أين أنت؟ ماذا تتخيلين؟ أريد أن أمتلك يقين أنك تفكرين بي وأنك تحبينني بالفعل أمتلك هذا اليقين من حين لآخر ولكن أي حب هو ذاك الذي نستطيع أن نثق به على الدوام؟ بإمكان تصرف صغير أن يجعل كل شيء ينهار. على الأقل للحظة من الزمن فلو ابتسم لك شخص أو جعلك سعيدة حينها سيختفي الحب من قلبي ولكن ماذا بيدي سوى التفهم من أنا في الأصل كي اطلب منك كل هذا؟ عليم انا بكل أنواع الضعف وحتى أن القلب المتماسك بإمكانه أن يأتي عليه زمن ويضعف لذلك أتفهم هذا الغياب وهذا الفراق الغبي الذي يجعلني أغذي يالخيال والذكريات حبا يسري تحت الجلد.

حري بي أن أكون مسكونا بما أكتب ممتلئا بهذه الرواية وشخصياتها لكنني أجد نفسي أشاهدها من الخارج أكتب مشوش الذهن مستعينا بفطرتي دون ان أتمتع بلحظة واحدة من الشغف أو العنف الذي اعتدت أن أضعه فيما أحب.

سأتوقف فورا عن القيام بهذا فأنا أشعر أن هذه الرسالة تتحول إلى رسالة عتاب. حتما لدينا أنا وأنت الكثير للقيام به عدا تبادل اللوم ربما حين يجف القلب يكون لزاما علينا أن نصمت فقط.

اعلمي أنك الشخص الوحيد الذي أرغب في أن اكتب له أشيائ مماثلة إلا أن ذلك ليس حجة كافية كي أفعل. ولكن أيضا ليس ذلك سيئا جدا. لقد أحببت في أفضل ما أنا عليه إلى حدود هذه اللحظة. ربما لا يعد ذلك حبا بعد وربما لن يعد ذلك حبا حتى تحبي ضعفي ومساوئي. كم سيستغرق ذلك؟ إنه لمن الرائع ومن المرعب أن يكون علينا أن نحب رغم الخطر وانعدام الثقة في عالم ضاج وتاريخ لا تساوي فيه حياة الإنسان شيئا. لن أنعم بالسلام ما دمت محروما من وجهك. إن لم تأت سأتحلى بالصبر سأتجلد متألما بقلب يملؤه الججفاف.

الكل نائم الآن أما انا فمستيقظ برفقتك أشعر أني جاف كصحراء أوه عزيزتي متى يعود التدفق والصراخ أشعر أنني أخرق بكل هذا الحب العاطل الذي يجثم على صدري ويثقله دون ان يمنحني السعادة كما يبدو لي أني لا أجيد شيئا.

مساء الخير أيتها البيضا أيتها السوداء حاولي جاهدة أن تبقي قريبة مني وانسي كل تطلبي ومزاجي العكر. ليست الحياة على وفاق معي هذه الآونة ولدي أسباب تمنعني من أن اكون سعيدا. لم أتوقف عن حبك وعن انتظارك حتى وسط الصحراء.. تذكريني.

 

 

الإثنين 11 يوليو 1944

حبيبتي الصغيرة ماريا. لقد تلقيت رسالتك التي لطالما انتظرتها جالبة إلى قلبي السعادة كيف لا وهي تأتيني منك وتعلمني أنك حقا موجودة، وأن شيئا ما حدث بينا ذات زمن بعيد، زمن كنت أهتم فيه بمسلارحية وأنت كنت تمثلين فيها. لكني كنت أنتظر أيضا ان تقولي لي إنك قادمة وهو ما لم يحدث عندما تصلك هذه الرسالة ستكونين قد قابلت "بيير" الذي بعثته إليك ليحضرك إلى هنا غير أنني أفترض الآن أنك لن تستطيعي القدوم لا يهم سأمني نفسي بقدومك يوم الخميس. ليتك تعلمين مدى انتظار وشوقي ونوبات البرد والحرارة التي تنتابني وكل هذا الزخم تجاهك أنت لا تتجاهلين شيئا من كل هذا كمان أنك تعرفينني بما يكفي لتتيلي ما لا تعرفينه عني. حاولي أن تتصوري ما تفعلينه بي كلما قررت تأجيل قدومك ربما قدومك ربما قد تؤثر هذه الفكرة في قرارك.

أرجو ألا تكون والدتك مريضة جدا، أبلغيها تمنياتي لها بالشفاء إذ لابد أنها تعلم أنني أراسلك. وأخبريها أني أكن لها مشاعر المحبة والاحترام واني لا أجد العبارات لأقول هذا بطريقة ملائمة لا أريد أن أتسبب في تمزق العلاقة بينكما. أطلعيني على تفاصيل دقيقة من حياتك خبريني بما تفعلين واعلمي ان مخيلتي الغيورة تصير خصبة عندما تكونين بعيدة عني. زد على ذلك أن الأسئلة قد تجوب قلبا عاشقا على غرار: هل أنت في "مودو"؟ مع من؟ أين ستمكثين؟ ماذا فعلت يوم السبت على الساعة الساجسة مساء: في شارع لبراري؟ في مفترق الطرق البعيد عن حيك؟ هل ترين حبيبتي الصغيرة ماري ما قد يخطر ببال رجل متفرغ لا يملك شيئا يعلق عليه شغفه؟ حاولي أن ترضي رغباتي وامنحيني بعض التفاصيل. كل ما يتعلق بك يهمني.

أنتظرك كما ترين أنتظرك طوال اليوم ولم أعد أجد طريقة كي أبثك هذا أو كي أصيح به.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: هذا المساء إلى اللقاء أن یکون أشعر أن بکل ما کل شیء کل هذا

إقرأ أيضاً:

اسم (بلة) الشائع في وسط السودان وكيف يكتب؟

سألت الأخ الدكتور علي عبد الله الحسين من جامعة القرآن الكريم عن اسم (بلة) الشائع في وسط السودان وكيف يكتب؟ بالهاء مثل سيبويه وابن سيده أم بالهاء المؤنثة، فأجاب مشكورا بهذا الرد الضافي:
رحلة مع بلة السودانية
سألني بعض الأساتذة الأفاضل سؤالا علميا عن رسم آخر حرف في كلمة (بلة)، هل ترسم بالهاء أم بالتاء؟ ومن هنا بدأت الرحلة فاستعنت بسؤال بعض الزملاء عن أصل الكلمة واشتقاقها، فجاءتني إجابات متعددة منها: أنها قد تكون وفدت إلينا في السودان من كلمة (بلو) وهي من لهجة الهوسا أو الفولان في نيجريا، وأفادني البعض بأنها تعني عندهم (المعين)، وإن ( بلو) هو اسم الابن الأكبر لعثمان بن محمد فُودي الملقب بالفقيه أمير المؤمنين، شيخ الإسلام، المجاهد الذي تصدى لمشكلات بلاد الهوسا نصرة للإسلام.
المهم شعرت بالحاجة إلى معرفة أصل الكلمة، وهل لها صلة بنيجريا حقيقة، أم أنها من تراثنا السوداني ذي الجذور العربية والإسلامية. وبدات أتصفح بعض المواقع من خلال شبكة الانترنت، فوجدت أن لها ذكرا في التراث السوداني، وأن لها أصلا في اللغة العربية كما أن لها امتدادا في التاريخ الإسلامي.
بعض الاستعمالات السائدة في اللسان السوداني يستشهدون فيها بموقف لـ (بلة) صارت مضرب مثل، فيقولون: (يحلك الحلا بلة)، أو (يحلك الحلا بلة من القيد والمذلة).
وتنتشر تأويلات السودانيين وتفسيراتهم لـ(بلة) هذا، ويحكون عنه حكاوي لطيفة عن حله من القيد والمذلة. والكثيرون يتساءلون: من بلة هذا؟ ومن هو الذي حل بلة؟ وما هي المذلة التي ذل فيها بلة ثم انحل؟
وواحدة من حكاوي السودانيين نذكرها لطرافتها دون أن نقلل من قيمة غيرها من الحكاوي المنسوجة حول بلة، يقال إن بلة هذا عاش في عهد الخليفه عبدالله التعايشي، وكان رجلا معلوم السيرة معروفا بمقدرته على الكلام الجميل، ومعروفا لدى الخليفة، ولمكانته هذه طلب منه بعضهم أن يكلم الخليفة ليطلق سراح أحد المسجونين الكرام والمقربين من المهدي، فذهب بلة للخليفة في بيته فألفاه مستلقيا على (عنقريب) يلتف حوله حُماتُه وبعض المقربين، وكلهم جلوس على الأرض. يبدأ المشهد بدخول بلة على الخليفة، وهو يلقي عليه التحية ثم مباشرة يفاتحه في الموضوع.
وفجأة تغير وجه الخليفة وانتفض من رقدته وظهر الغضب على وجهه وخاطب من حوله في استنكار ورفض لما قاله بلة: “بلة قال شنو؟” وهي إشارة إلى أن بلة أدخل نفسه فيما لا تحمد عقباه، ولم يستطع أي من الحاضرين أن ينطق بكلمة لمهابة الخليفة وحساسية الموقف، ومرت لحظات والجميع واجم صامت إلا من نظرات حذرة وعيون شاخصة، وما قطع الوجوم والصمت إلا سؤال آخر من الخليفة توجه به إلى بلة ذاته: “قلت شنو يا بله؟” وأظهر بلة ثباتا وثقة تخفي ما بداخله من خوف العاقبة، ثم أجاب الخليفة قائلا: يا سيدي الخليفة، جيت أقول ليك أُمي بتسلم عليك. فانفجر الخليفة ضاحكا، وانحل بلة من موقف كاد يودي بحياته وأصبح موقفه هذا مثلا يقال لكل من قابلته مصيبة عويصة لا يعرف كيف يخرج منها.
والتراث السوداني مكتنز بأخوات بلة، وأخواتها أسماء لها اصولها في اللغة، فهم يسمون (البلولة)، وهي في اللغة من الثياب المبتلة، ويسمون: (بليل)، وهي في اللغة من البَلِيل مِنَ الرِّيَاحِ، وهي الرياح البَارِدَةُ مَعَ نَدىً، ويسمون الرجل (بَلَّال)، بفتح الباء وتشديد اللام، وإذا أنثت (بَلَّال) سميت به الأنثى فيقولون (بَلَّالة)، وأصولها من البَلَّة، ومن معانيها الغنى بعد الفقر، أو الرياح المبتلة، وكذلك من معانيها الخير، والعافية.
وبعض السودانيين يؤكد على أن اسمه (بَلَّال) بالتشديد.
وإن كانت للأسماء خصوصية فيمكن أن يقال إن التسمية بـ (بلة) من مفردات السودانيين، وكثير من الأسماء السودانية ينفردون بها فلا تراها إلا عندهم، وتقل عند غيرهم إن لم نقل تنعدم.
في عهد الرسالة روي إن العباس رضي الله عنه وهو صاحب السقاية في الحرم المكي الشريف كان يقول عن ماء زمزم: “لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حلّ وبل” أي: لا أحل ماء زمزم لمغتسل أن يغتسل به، فهو لمن يريد أن يشربه (حل وبِل)، ومعنى: (حل)، أي حلال، وأما (بل) التي هي محل الشاهد فهي تروى بكسر الباء كما تروى بفتحها، ومعناها أنها بللٌ لحرارة القلب أو حرارة الجسد من العطش، وقيل إن معناها في لغة حمير: مباح، وقيل: معناها شفاء من المرض.
وما رويته عن العباس رضي الله عنه روي كذلك عن ابنه عبدالله وروي عن عبد المطلب بن هاشم جد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المسمى بشيبة الحمد.
وتستبحر المصادر اللغوية في كلمة (بلة) فهي في اللغة من البل، يقال: بِلَّةُ و بَلَلُ وبِلالُ وبُلالَةُ: النُّدْوَةُ. ومنها يظهر معنى التسمية ببلال، فبِلال: الماء، وكلُّ ما يُبَلُّ به الحَلْقُ. ومن معاني بِلَّةُ: الخَيْرُ والرِزْقُ. والبلل: العافية.
وعلى هذا فالاستعمال السوداني له أصل وجذر في اللغة العربية مثله ومثل كثير من ألفاظ السودانيين التي أُخذت من العربية الفصيحة ثم سُودنت لتصبح صناعة سودانية مائة المائة لونا وطعما ورائحة.
ورد في منشور صفحة جمعية التراث والثقافة السودانية محاولة لتأصيل (البلال)، حيث جاء في الصفحة أن البلال اسم من أسماء (الخيش)، والخيش كما هو معروف في الزمان السابق أنه مصنوع من نبات القِنَّب، ومع تطور الحياة صار يصنع من المواد البلاستيكية، لعمل الأكياس والجوالات الكبيرة، وما جاء في الصفحة بنصه: “أصل التعبير مستوحي من الخيش المبلول والمستخدم لتليين السعف ليسهل ضفره، وهو الـمَعِين المعيشي الأول في الزمن البعيد القريب لسيدةٍ ترملت أو فقدت عائل أسرتها لأي سبب فكانت تقوم بضفر السَعَف، علي مختلف منتجاته وتسويقه, ومن هنا أتي اسم البلال: أي الخيش الذي يساعد في بل السعف ويوازيه (المترار) وهو آلة غزل القطن يدويا. وكثيرا ما ترد إحدي النساء علي أخرى أرادت ألاّ تخضع لإرادة أحد وشقت طريقها بنفسها، وهي خالية اليدين. فتردعها قائلة: مقوية راسك في شنو ..بلالك ولا مترارك ..أي إنك معتمدة علي الآخرين أو الهبات في إعاشتك.
والتغني للبلال أي الولد الذي كبر وشد أزره، وقام مقام بلال والدته في إعالة أسرته، وبدأت بعده الإحساس بالراحة وإناخة ناقة الهم في إعاشة الأسرة، فهو هنا عمادها وسندها، أو تغنيه الحبيبة بذات المعنى، إذ أنه سيوفر لها مملكتها الخاصة وكينونة تزيدها عزة علي جمالها:
بلال انا وين انا يا بلالة
وهو البفك شبكي وحلالا
بلالي اسمعني ان صحت وندهت
وهو البشيلني كان في الهم حتلت
الليلة وين مقنع كاشفتي
امانة في وانا ما هملت”.
انتهى من صفحة الجمعية.
وتتناثر كلمة (بَلَّال) في العديد من ألحان الطرب التراثية السودانية سواء كانت باللغة العربية الفصحى أو العامية السودانية، واستعمالها في الطرب السوداني له عدة دلالات، فيستعمل خطابا للمحبوبة، ويستعمل للدلالة على الكرم والشجاعة، ويستعمل لغير ذلك من المعاني الكثيرة.
ومن ذلك مثلا ما في أغنية عائشة الفلاتية:(يا بلال تزورنى مرة يا حنان تزورني مرة) وهو خطاب للمحبوب.
ومما ورد في المدح ما يتغنى به العديد من المطربين:
البلال بلال يا بلالي انا
دخري الحوبه سار يا بلالي انا
يا تمساح راس بروس يا بلالي انا
ما بيمرق يكوس يا بلالي انا
ما قايم بروس يا بلالي انا
ما بياكل المكوس…

عثمان أبوزيد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • «سامح الشوبكي».. نادي الأسير يكشف عن أبرز أسير فلسطيني محرر في الدفعة الثالثة
  • مصطفى الشيمى يكتب: رسائل
  • طلاب ثانوية عامة 2024 يتبرعون بجهاز غسيل كُلى صدقة جارية.. فيها حاجة حلوة
  • تحليق 80 بالونًا في سماء الأقصر.. 2000 سائح يستمتعون بتجربة فريدة
  • البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
  • جعجع التقى وفد عائلة الأب ألبير شرفان
  • رفض دعوى شطب المحامي منتصر الزيات من جداول المحامين
  • اسم (بلة) الشائع في وسط السودان وكيف يكتب؟
  • د. الحسبان يكتب .. عن اليرموك وازمتها والساحر الذي يهز قبعته فتلد أرنبا
  • «سامح الحفني» في لقاء المكاشفة.. هذا ما تعانيه «مصر للطيران»