السودان: الملايين على شفا المجاعة مع عرقلة الحرب للمساعدات الغذائية
تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT
إعداد: فرانس24 تابِع إعلان اقرأ المزيد
أم تحرم نفسها من الطعام حتى توفر ما يكفي من غذاء لطفليها، ومسن في الستين من العمر يتناول وجبة واحدة في اليوم لا تتكون إلا من عجين من دقيق وماء. أفراد يغامرون بالخروج من منازلهم في محاولة بائسة للبحث عن طعام حتى وهم يدركون أنهم يعرضون بذلك أنفسهم لخطر الإصابة بقذائف المدفعية.
عشرات من الروايات الشبيهة استمعت لها وكالة رويترز تظهر كيف ألقت ظروف قريبة من المجاعة بظلالها على مناطق من السودان تأثرت بشدة جراء الحرب التي اندلعت في نيسان/أبريل الماضي، منها مناطق في العاصمة الخرطوم وفي دارفور بالغرب.
وارتفع عدد السودانيين الذين يواجهون مستويات استثنائية من الجوع، وهي مرحلة ما قبل المجاعة، أكثر من ثلاثة أمثال خلال عام واحد، ليصل إلى ما يقرب من خمسة ملايين، وفقا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مؤشر للأمن الغذائي معترف به عالميا.
ويكابد مئات الآلاف في العاصمة السودانية صراعا يوميا من أجل الحصول على الطعام، حيث تتعرض المطابخ الشعبية التي يعتمدون عليها للخطر بسبب تضاؤل الإمدادات وانقطاع الاتصالات في أنحاء كثيرة من البلاد في الأسابيع القليلة الماضية. وفي دارفور، لم تتلق بعض المناطق أي مساعدات منذ بدء المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية قبل عام تقريبا.
وتحذر وكالات الإغاثة، التي لم تتمكن من إيصال الغذاء إلى الكثير من مناطق البلاد التي عصفت بها الحرب، من أن الجوع قد يتفاقم مع اقتراب موسم شح المحاصيل في السودان من نيسان/أبريل إلى تموز/يوليو، وهو الوقت الذي يقل فيه توافر الغذاء بسبب قيام المزارعين بالزراعة.
وقال يان إيغلاند الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين في مقابلة بعد زيارة لمخيمات في تشاد، في منتصف شباط/فبراير، حيث يقيم الآن أكثر من نصف مليون لاجئ سوداني: "نواجه خطرا جسيما من حدوث مجاعة كارثية تطول سنواتها العجاف".
وتحدثت رويترز إلى 30 من السكان، كثير منهم في المناطق التي أنهكتها الحرب في السودان حيث بدأ الجوع مع بداية القتال. تحدث معظمهم عبر الهاتف أو عبر تطبيق واتساب. وأجريت مقابلات مع بعضهم في القاهرة التي لجأوا إليها بعد فرارهم من منازلهم. كما أجرت رويترز مقابلات مع أكثر من 20 من موظفي الإغاثة.
ولم يرد الجيش السوداني ولا قوات الدعم السريع على الأسئلة ذات الصلة بهذا التقرير.
مياه شرب غير معالجةالفتيحاب منطقة في أم درمان تقع على خط المواجهة في المعركة الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع. ويقول السكان الذين يبحثون عن طعام إنهم يضطرون إلى المخاطرة بالمرور عبر نقاط التفتيش التي تقيمها قوات الدعم السريع، فضلا عن نيران مدفعية وقناصة قوات الدعم السريع والجيش.
ويحجم الناس عن مغادرة منازلهم خوفا من التعرض لمضايقات واعتداءات.
وقال سكان إن القتال ألحق أضرارا بمرافق الكهرباء والمياه، مما حرمهم من الكهرباء والمياه الجارية. ويعاني كثيرون من الإسهال بعد اضطرارهم لشرب مياه غير معالجة من نهر النيل. وأفادت تقارير منظمة الصحة العالمية بوجود أكثر من عشرة آلاف حالة يشتبه إصابتها بالكوليرا في أنحاء البلاد منذ اندلاع الحرب.
وفي محاولة لتوفير الطعام للآلاف من السكان في الفتيحاب، أنشأ متطوعون مطابخ شعبية في وقت مبكر من الحرب تقدم العصيدة والأرز والخبز مرة أو مرتين في اليوم. لكن المتطوع محيي الدين جعفر قال لرويترز إن المطابخ اضطرت إلى تقليص هذه الوجبات عندما تسبب حصار قوات الدعم السريع للمنطقة في انقطاع الإمدادات عنها في يوليو/تموز الماضي.
والمتطوعون جزء مما يسمى "غرف الطوارئ"، وهي شبكة تعمل على توفير الطعام وإجلاء السكان في مناطق في أنحاء البلاد. وقال متطوعان إن ثلاثة من زملائهم لقوا حتفهم بقذائف مدفعية ورصاصات طائشة في الفتيحاب العام الماضي في أثناء محاولتهم مساعدة سكان المنطقة.
وفي أواخر شباط/فبراير، أحرز الجيش السوداني تقدما في المنطقة، وكسر الحصار عن جزء من الفتيحاب. وسمح ذلك ببدء تدفق الطعام.
وكان الجيش وقوات الدعم السريع قد شاركا في انقلاب على الرئيس عمر البشير في 2019، لكن اندلعت حرب بينهما عندما تصاعد التوتر بشأن ما كان مزمعا من انتقال نحو الحكم المدني وإجراء انتخابات. وسرعان ما سيطرت قوات الدعم السريع على معظم أنحاء الخرطوم، بالرغم من تفوق الجيش في القوة الجوية والأسلحة الثقيلة. كما أحكمت القوات شبه العسكرية قبضتها على دارفور التي عانت من الصراع والنزوح على مدى أكثر من عقدين.
وأثارت الحرب الحالية موجات من القتل بدوافع عرقية في دارفور. ووثقت رويترز أعمال العنف هناك، والتي قادتها قوات الدعم السريع وجماعات مسلحة متحالفة معها. وفي سلسلة من التقارير، كشفت وكالة الأنباء كيف أطلقت الحرب العنان لحملة قتل بدوافع عرقية ضد قبيلة المساليت في غرب دارفور.
كانت قوات الدعم السريع عبارة عن ميليشيات جرى استخدامها لسحق تمرد اندلع بدارفور في أوائل القرن الحادي والعشرين. وبحلول 2008، لقي ما يقدر بنحو 300 ألف شخص حتفهم في أعمال عنف، ومات الكثير منهم جوعا.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الحرب في السودان أدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من 14 ألفا ونزوح أكثر من ثمانية ملايين من منازلهم، ليسجل السودان أكبر أزمة نزوح في العالم.
‘حكم بالإعدام‘قبل الصراع الأحدث، كانت الخرطوم بالكامل تقريبا بمنأى عن القتال الذي اجتاح إقليم دارفور. لكن الناس في كثير من مناطق العاصمة يجدون أنفسهم الآن عالقين في منطقة حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وقال متطوعان فرا من المنطقة في نهاية العام الماضي، إنه على الجانب الآخر من نهر النيل من الفتيحاب، يوجد نحو 2800 شخص محاصرون في المناطق المحيطة بقاعدة الجيش السوداني في حي الشجرة بالخرطوم.
وقال أحدهما، ويدعى جهاد صلاح الدين، إنه بعد نفاد الطعام بدأ الرجال بالتسلل تحت جنح الظلام للبحث عن إمدادات. وقال المتطوعان إن السكان يشربون أيضا مياه نهر النيل بلا معالجة.
وفي أنحاء العاصمة، أجبر انقطاع الاتصالات المطابخ الشعبية على التوقف عن الطهي لأنها لم تعد قادرة على تلقي التبرعات المرسلة عبر تطبيق الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول. وقالت غرف الاستجابة للطوارئ بولاية الخرطوم في الثالث من مارس/آذار، إنها اضطرت لإغلاق 221 من هذه المطابخ بسبب انقطاع التيار الكهربائي.
وفي الآونة الأخيرة، بدأت التبرعات تتدفق مرة أخرى، حيث تمكن المتطوعون بشكل متقطع من الوصول إلى الإنترنت باستخدام شبكة ستارلينك المملوكة للملياردير إيلون ماسك في بعض الأماكن.
لكن المساعدات الدولية التي تدخل السودان لا تكاد تذكر، حيث تواجه منظمات الإغاثة صعوبات للحصول على تصاريح الدخول والنقل اللازمة من السلطات. وانتقدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كلا من الجيش وقوات الدعم السريع بسبب تعطل توزيع المساعدات.
ولم تصل المساعدات إلى مناطق واسعة من دارفور منذ ما قبل بدء الحرب الأحدث، وفقا لسكان ووكالات إغاثة. وبعدما كانت السلطات تمنع دخول المساعدات في السابق من تشاد، قال مسؤول في الأمم المتحدة في الخامس من مارس/آذار عبر منصة إكس للتواصل الاجتماعي، إن السلطات السودانية وافقت على نقل المساعدات عبر معبر حدودي إلى شمال دارفور.
وخلص تقييم أجرته منظمة أطباء بلا حدود في كانون الثاني/يناير إلى أنه في مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور، الذي يؤوي ما يقدر بنحو 400 ألف شخص، يموت طفل كل ساعتين. ووجدت المجموعة أن ما يقرب من 40 بالمئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وسنتين يعانون من سوء التغذية.
وقال إيغلاند الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، إنه إذا لم تصل المساعدات إلى دارفور قريبا، فسيكون ذلك "حكما بالإعدام على الملايين الذين هم في أمس الحاجة إليها".
ووفقا لموظفي الإغاثة وسكان في مخيم كلما بجنوب دارفور، الذي يؤوي مئات الآلاف من النازحين، يكافح الناس من أجل البقاء على قيد الحياة بالاعتماد على عصيدة من دقيق الذرة والماء، في حين يصاب الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية بالعدوى والملاريا.
وقال محمد عمر، أحد سكان مخيك كلما، إنه نزح هو وعائلته أربع مرات منذ بدء الحرب. وأضاف أنه يتلقى وجبة واحدة في اليوم عبارة عن قطعة من العجين. وقال: "لا يمر يوم دون أن نذهب فيه إلى المقبرة لدفن ناس".
وكانت فاطمة إبراهيم حاملا بتوأم في الوقت الذي اتسع فيه نطاق القتال في العام الماضي. وقالت إنها بعد الولادة في ديسمبر/كانون الأول، لم تكن قادرة على تحمل تكاليف حليب الأطفال، ولم تتمكن من الرضاعة الطبيعية، لأنها كانت تفتقر إلى ما يكفي من الطعام.
وسرعان ما أصيبت ابنتاها التوأم، جنة وجنات، بسوء التغذية، وتم إدخالهما إلى المركز الطبي في كلما.
وتحدثت فاطمة إبراهيم (27 عاما) عبر الواتساب من المركز الطبي. وقالت: "لا يوجد مال ولا طعام ولا حليب...لا يوجد شيء".
فرانس24/ رويترزالمصدر: فرانس24
كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل الحرب في أوكرانيا الانتخابات الرئاسية الأمريكية ريبورتاج السودان نازحون السودان الأمم المتحدة مجاعة منظمة الصحة العالمية أطفال إسرائيل الحرب بين حماس وإسرائيل غزة فلسطين وقف إطلاق النار الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا الجیش وقوات الدعم السریع قوات الدعم السریع الجیش السودانی فی أنحاء أکثر من
إقرأ أيضاً:
"الدعم السريع" يتحدث عن مخطط لتقسيم السودان بعد تغيير العملة
اعتبرت قوات الدعم السريع في بيان يوم الأحد قرار تغيير العملة الذي أعلن عنه بنك السودان المركزي، "خطوة تمهيدية في سياق مخطط تقسيم السودان وفصل أقاليمه".
وأعلن بنك السودان المركزي يوم السبت طرح أوراق نقدية جديدة "لحماية العملة الوطنية وضبط الانفلات في أسعار الصرف في السوق الموازي".
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023 تدهور سعر صرف الجنيه السوداني بشكل كبير حيث يجري تداول الدولار الواحد حاليا عند نحو 2300 جنيه مقارنة مع 600 جنيها قبل اندلاع الحرب.
ويعاني الاقتصاد السوداني من مستويات تضخم عالية فاقت 300 في المئة في ظل تداول 90 في المئة من الكتلة النقدية المقدر حجمها بنحو 900 تريليون جنيه، خارج مظلة القطاع المصرفي.
وقبل اندلاع الحرب تزايدت المطالب بتغيير العملة لضبط السيولة الهاربة، لكن السلطات المالية رفضت ذلك متعللة بارتفاع كلفة طباعة العملة الجديدة التي قدرت وقتها بنحو 600 مليون دولار.
وفي بيان يوم السبت أوضح البنك المركزي أن خطوة تغيير العملة التي اتخذها تهدف أيضا لمعالجة الآثار السلبية للحرب الدائرة بالبلاد منذ منتصف أبريل 2023، وانتشار كميات كبيرة من العملات مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات الفنية، الأمر الذي أدى إلى زيادة مستوى السيولة النقدية بشكل واضح وكان له الأثر السالب على استقرار المستوى العام للأسعار.
وأكد البنك أن المصارف التجارية وفروعها ستواصل استلام العملات من فئتي الألف والخمسمائة جنيه من المواطنين وتوريدها وحفظها في حساباتهم وتمكينهم من استخدام أرصدتهم عبر وسائل الدفع المختلفة.
وقال البنك إنه سيعلن لاحقا عن تاريخ إيقاف التعامل بالطبعات الحالية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه واعتبارها عملة غير مبرئة للذمة.
وتعليقا على خطوة البنك، اتهمت قوات الدعم السريع "السلطة القائمة في بورتسودان" باللجوء لطرح العملة النقدية الجديدة لتغطية العجز في الإيرادات، وتمويل كُلفة الحرب.
وأكدت قوات الدعم السريع أنها لن تسمح بتمرير أجندات "الدولة القديمة"، ودعت السودانيين إلى رفض القرار وعدم إيداع أموالهم، وعدم التعامل بالعملة الجديدة.
وشدد بيان قوات الدعم السريع على أن قرار بنك السودان المركزي بتغيير العملة في ظل الانهيار الشامل بالبلاد واختلال النظام المصرفي وتعطله في غالب الولايات "لا يستند إلى مسوغ قانوني، وتبطله نظم الحماية المالية للأفراد في ظل الكوارث والحروب، ويبقى محض تهور اقتصادي لتحقيق أهداف سياسية معلومة".
ودعت قوات الدعم السريع السودانيين إلى "تفويت الفرصة على المتربصين الذين أدمنوا الفساد ونهب ممتلكات الشعب وتخريب مؤسساته وتوظيفها لخدمة الأجندة الحربية".