حالة من "العمى الاستخباراتي" تحول دون نجاح حملة الولايات المتحدة الأمريكية لردع الحوثيين، ووقف هجماتهم البحرية، وفقاً لمسؤولين أمريكيين تحدثوا لصحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية.

وعلى الرغم من اعتقاد واشنطن أن الضربات العسكرية التي بدأت فجر الـ11 من يناير الماضي ضد الحوثيين في اليمن، أحدثت أضراراً في قدراتهم العسكرية، فإنه من الصعب تقييم مدى أثر تلك الضربات بسبب "ثغرات استخباراتية".

وينفذ الجيشان الأمريكي والبريطاني ضربات جوية وبحرية ضد أهداف للحوثيين بمناطق متفرقة في البر اليمني، لكن من النادر رؤية تأثير تلك الضربات، أو معرفة تفاصيل عنها باستثناء ما يصدر عن الأمريكيين، فكيف ستتعامل واشنطن مع مثل هذا التحدي الاستخباراتي؟

ثغرات استخباراتية

الجانب الاستخباراتي جزء أصيل من أي عملية عسكرية، لكن كما يبدو أن لدى الولايات المتحدة مشكلة في هذا الأمر بخصوص الحوثيين، الذين نجحوا إلى حد كبير في عزل مناطق سيطرتهم، إضافة إلى غلق السفارة الأمريكية من صنعاء منذ قرابة 10 سنوات.

صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية نقلت عن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، قولهم إن "البنتاغون" يواجه انخفاضاً في المعلومات الاستخباراتية بشأن اليمن، بعد توقف هجمات الطائرات المسيرة ضد تنظيم القاعدة في البلاد، والتي كانت مستمرة حتى نهاية عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

وقال المسؤولون الأمريكيون، إن واشنطن تعاني من "ضعف استخباراتي" كبير في اليمن، الأمر الذي يعيق محاولاتها وقف هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.

المسؤولون أشاروا إلى نقص المعلومات حول "ترسانة الحوثيين العسكرية، وتأثير الضربات الأخيرة على قدراتهم"، رغم ثقة "البنتاغون" بأن الضربات خلال الأسابيع الماضية، دمرت كثيراً من الأسلحة، وأجبرت الجماعة على إجراء تعديلات تكتيكية.

وأوضح دان شابيرو، كبير مسؤولي البنتاغون في الشرق الأوسط، خلال جلسة استماع سرية بالكونغرس، الأسبوع الماضي، وفقاً لـ"فايننشيال تايمز"، أنه في حين أن "الجيش الأمريكي لديه انطباع جيّد بما حقّقه، فإنه يجهل مصدر ترسانة الحوثيين قبل بدء الحملة العسكرية في يناير الماضي".

معضلة اليمن

ويبدو أن واشنطن تدفع الآن ثمن تراجع التركيز الاستخباراتي على اليمن الذي يعيش في حروب طاحنة منذ 10 سنوات، وحول هذا يقول ميك مولروي، وهو مسؤول كبير سابق في البنتاغون، وضابط بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "CIA"، إن "اليمن تراجع كأولوية لدى الأمريكيين، وكذلك تركيزنا الاستخباراتي هناك".

كما نقلت "فايننشيال تايمز" عن تيد سينجر، وهو مسؤول متقاعد في وكالة الاستخبارات المركزية، إن الحوثيين يميلون إلى تخزين أسلحتهم في تضاريس وعرة للغاية، لكن الحصول على معلومات استخباراتية على الأرض، أصبح أكثر صعوبة منذ أن أخلت الولايات المتحدة سفارتها في صنعاء عام 2015، عندما استولى الحوثيون على العاصمة.

وأضاف وفقاً للصحيفة البريطانية: إن "إعداد التقارير عن بلد ما، من بعيد أو من الخارج، يمثل تحدياً بطبيعته، وهو أمر مضاعف بالنسبة لبلد شهد كثيراً من الاضطرابات على مدى السنوات العشر الماضية".

وعلى الرغم من هذه التسريبات بخصوص الضعف الاستخباراتي الأمريكي، فإن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بنقاط استخباراتية في الأجزاء الشرقية من اليمن، حيث يظهر من فينة إلى أخرى جنود أمريكيون، ونشاط دبلوماسي أمريكي في محافظات حضرموت والمهرة، وكذا في العاصمة المؤقتة عدن.

وتشير المعلومات المتوافرة إلى وجود ضباط أمريكيين في المهرة بوابة اليمن الشرقية، وكذلك في محافظة حضرموت، جنوب شرقي البلاد، في إطار جهود الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب.

فشل في الردع

وعلى الرغم من تشكيل الولايات المتحدة تحالف "حارس الازدهار"، في 19 ديسمبر الماضي، وإعادة تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية عالمية" في 17 يناير، ودخوله حيز التنفيذ في 16 فبراير الماضي، وكذا تنفيذ سلسلة ضربات ضد الجماعة منذ 11 يناير، فإن كل ذلك لم يفلح في ردع الحوثيين.

ونفذت الجماعة أكثر من 55 هجوماً بحرياً منذ أواخر أكتوبر الماضي، بعضها أحدث أضراراً بالغة في السفن، كما تسبب أحد الهجمات في غرق سفينة تحمل أسمدة، تدعى "روبيمار"، تم استهدافها بالقرب من مضيق باب المندب.

ومطلع فبراير الماضي، غيّر الحوثيون تكتيكاتهم العسكرية، وفقاً لشبكة "بي بي سي"، ففي نوفمبر كانت هجماتهم تتركز على الطرف الجنوبي للبحر الأحمر القريب من مضيق باب المندب، إلا أنهم لاحقاً توغلوا أكثر، جنوباً في خليج عدن.

كما أشارت "بي بي سي" في تقرير لها، إلى أن الجماعة غيرت أيضاً الطرق التي تتبعها في الهجوم؛ ففي البداية كانت تستخدم الصواريخ والمسيّرات التي تحمل المتفجرات، أما في الهجمات الأخيرة فقد أصبحت تعتمد بشكل أساسي على إطلاق الصواريخ من اليمن.

وأدخل الحوثيون أيضاً طائرات القوارب المسيرة عن بعد، وكذلك الغواصات البحرية المسيرة، وهو ما شكَّل تحدياً للقوات البحرية المنتشرة في البحر الأحمر وخليج عدن.

ظلام معلوماتي

وعلى الرغم مما تملكه الولايات المتحدة من إمكانات عالية في مجال الرصد والاستخبارات، فإن هناك حالة "من الغموض"، وجانباً مظلماً بالنسبة لهم، وفقاً للخبير العسكري والاستراتيجي علي الذهب.

يقول الذهب في بحسب موقع"الخليج أونلاين": "الحوثيون خلقوا منطقة ظلام معلوماتية، بحيث لا يستطيع الأمريكيون ولا البريطانيون ولا حلفاؤهم ضمن تحالف حارس الازدهار، تقييم الأثر الناجم عن الهجمات المضادة، التي قامت بها هذه الدول على الجماعة".

وأشار إلى أن "الحوثيين في العادة طوال سنوات الحرب، كانوا يفصحون عن نتائج الضربات التي كان التحالف العربي يشنها ضدهم، لكنهم في المواجهة الأخيرة لا يكشفون عن أي تفاصيل أو معلومات تتعلق بتلك الهجمات".

ولفت إلى أن الحوثيين "لا يسمحون بالتصوير ولا الإفصاح عن نتائج الضربات مادياً أو بشرياً، خلافاً لما كان سابقاً"، مشيراً إلى أنه تم منع مندوب قناة "الجزيرة" من التصوير المباشر بعد الهجمة التي طالت ميناء الصليف بالحديدة.

قدرات واشنطن

ويرى الذهب أن واشنطن لا تزال تملك القدرات اللازمة للحصول على المعلومات حول مختلف النشاط العسكري للحوثيين، ومنها تحركاتهم في البحر الأحمر.

وبيّن أن لدى واشنطن قدرات كبيرة، في الاستطلاع والاستخبارات، وكذلك لديها قنوات محلية على مستوى الحلفاء والشركاء الداخليين والإقليميين، بما يمكنها من تجاوز النقص الاستخباراتي بنسبة 80%.

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فایننشیال تایمز وعلى الرغم إلى أن

إقرأ أيضاً:

ما الذي تنوي الولايات المتحدة فعله في الشرق الأوسط مع زيادة التوتر؟

نشر موقع "لا كروا" مقالًا يحلل فيه سياسة الإدارة الأمريكية والتي على الرغم من جهودها، فإن إدارة جو بايدن عاجزة عن إسماع صوتها لإسرائيل. فهي تشجب هجمات بنيامين نتنياهو العسكرية، لكنها ترفض التطرق إلى النقطة المؤلمة: تسليم الأسلحة إلى الدولة اليهودية. وفي خضم فوضى التفجيرات، يبدو أن واشنطن ليس لها صوت مسموع.

وقال كاتب المقال جيل بياسيت إنه منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وإدارة بايدن تسير على حبل مشدود حول التصدعات في الشرق الأوسط. فمن ناحية، أعلنت واشنطن دعمها الثابت لإسرائيل، حليفتها القديمة في المنطقة، مشيرةً على وجه الخصوص إلى حق الدولة اليهودية في الدفاع عن نفسها؛ ومن ناحية أخرى، لم يخفِ جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن عدم موافقتهما على استراتيجية بنيامين نتنياهو الداعية للحرب، حيث كانا يتجادلان في كل فرصة لصالح الدبلوماسية عندما يختار رئيس الوزراء الإسرائيلي القنابل والدبابات.

وأضاف الكاتب أنه بعد غزة؛ حيث كان جو بايدن يدعو منذ أشهر إلى وقف إطلاق النار لحل أزمة الأسرى، جاء الآن دور لبنان ليوضح الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة في منطقة طالما ألقت واشنطن بثقلها فيها. فبعد أن حذر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في البداية من "حرب شاملة"، والتي "ستكون مدمرة لإسرائيل ولبنان"، وافق لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي، على هجوم القوات الإسرائيلية والهجوم الذي استهدف حسن نصر الله، زعيم حزب الله. وقال أنتوني بلينكن: "لقد أصبح العالم مكاناً أكثر أمناً"، ولكن ليس، على أي حال، بالنسبة للمدنيين الذين قتلوا في القصف الإسرائيلي في لبنان.

ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، يبدو أن النمط نفسه يتكرر: تمارس واشنطن ضغوطًا على إسرائيل، دون جدوى، قبل أن توافق الدولة العبرية عندما تلتزم بعمل كانت الولايات المتحدة تعارضه في السابق... وهذا ما يولد شعوراً بازدواجية الكلام، أو على الأقل عدم التماسك. ولا سيما في قضية رئيسية: توريد الأسلحة إلى إسرائيل. فواشنطن هي إلى حد بعيد أكبر مورد للأسلحة إلى الدولة اليهودية. ولفترة من الوقت، في أيار/مايو الماضي، علّق جو بايدن عمليات التسليم للضغط على بنيامين نتنياهو، الذي كان قلقًا بشأن استخدامها في غزة، في منطقة رفح، ثم قام بتغيير موقفه في آب/أغسطس.



وأشار الكاتب إلى أن واشنطن تقدم لإسرائيل كل عام 3.8 مليارات دولار (حوالي 3.5 مليار يورو) كمساعدات عسكرية. وهذا المبلغ محدد في مذكرة سارية المفعول لمدة عشر سنوات، تم وضعها في الثمانينيات ويتم تجديدها منذ ذلك الحين، بغض النظر عن اللون السياسي للرئيس الأمريكي. ومن الوسائل المهمة لممارسة الضغط تعليق تسليم الأسلحة إلى أي بلد لا يستوفي معايير معينة. وفي 25 أيلول/سبتمبر، استند السيناتور اليساري عن الحزب الديمقراطي، بيرني ساندرز، إلى عدة قوانين (بما في ذلك قانون المساعدات الخارجية لعام 1961، الذي يحظر إرسال أي شحنات أسلحة إلى بلد يحد من وصول المساعدات الإنسانية الأمريكية) للدعوة إلى وقف تسليم الأسلحة إلى إسرائيل.

لذا، وكما كتب الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز" روجر كوهين في نهاية أيلول/سبتمبر، فإن الولايات المتحدة لا تزال تملك "تأثيراً على إسرائيل". ولكن مع تنبيه كبير: "إن التحالف الحديدي الذي تم تشكيله مع إسرائيل حول الاعتبارات الاستراتيجية والسياسية، ولكن أيضًا بسبب القيم المشتركة بين الديمقراطيتين“، كما تابع الصحفي، ”يعني أنه من شبه المؤكد أن واشنطن لن تهدد أبدًا بوقف تدفق الأسلحة.“

وأكد الكاتب أنه قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية؛ فمن غير الوارد أن تسيء إدارة بايدن إلى الناخبين الديمقراطيين اليهود، حيث يوضح معهد أمريكان إنتربرايز الأمريكي البحثي أنه ”تاريخياً، انحاز اليهود الأمريكيون للمرشحين الرئاسيين الديمقراطيين بأغلبية مريحة بلغت 71 بالمئة، مقارنة بـ 26 بالمئة منذ عام 1968". وفي عام 2020؛ صوّت 68% من الناخبين اليهود لجو بايدن.

واختتم الكاتب مقاله بالقول إنه على الرغم من أن حكومة بنيامين نتنياهو لا تحظى بشعبية كبيرة في الولايات المتحدة، إلا أن 7 من كل 10 أمريكيين ما زالوا يعتقدون أنه يجب الدفاع عن إسرائيل؛ حيث يقول ريتشارد هاس، الدبلوماسي السابق والرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي: "إذا كان للسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل أن تتغير، فسيكون ذلك على الهامش فقط".


مقالات مشابهة

  • هل يتغير تعاطي واشنطن مع هجمات الحوثيين المستمرة؟
  • ما الذي تنوي الولايات المتحدة فعله في الشرق الأوسط مع زيادة التوتر؟
  • الجيش الأمريكي يتبنى ضربات لـ 15 هدفًا في اليمن
  • مخاوف من هجمات في الولايات المتحدة مع مرور عام على عدوان «7 أكتوبر»
  • مسؤول أمريكي: الصين ترفض التعاون مع الولايات المتحدة بشأن أزمة اليمن
  • دولة كبرى ترفض مناشدات واشنطن لاتخاذ إجراء دولي مشترك ضد هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر
  • غارات أمريكية بريطانية على عدة مناطق في اليمن
  • الصين تصعق الولايات المتحدة بموقفها من الحوثيين في اليمن!
  • سفير روسيا لدى واشنطن: الولايات المتحدة تمهد الطريق أمام صراع نووي
  • الصين ترفض دعوات الولايات المتحدة للتعاون في أزمة الحوثيين