كاميرون: لا يوجد تحسن للأوضاع بقطاع غزة الغارق في أزمة إنسانية
تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT
أعرب وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، الأربعاء، عن قلقه لغياب "تحسن" في قطاع غزة الغارق في أزمة إنسانية بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس، بحسب "فرانس برس".
جاء حديث كاميرون في ختام اجتماع مع عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني جانتس.
وقال كاميرون عبر منصة إكس إن "هذا يجب أن يتغير"، مشيرًا أيضًا إلى أن بريطانيا "تشعر بقلق بالغ إزاء احتمال وقوع هجوم عسكري في رفح".
وأضاف "كاميرون": "خلال لقائي بيني جانتس، اليوم، ذكرت بوضوح الإجراءات الواجب على إسرائيل اتخاذها لزيادة حجم المساعدات لغزة".
وأشار إلى محادثات "صعبة لكنها ضرورية" مع الخصم الأول لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الوقت الذي تزداد فيه الضغوط الدولية على إسرائيل.
وتابع: "لقد ناقشنا الجهود التي يجب بذلها للتوصل إلى هدنة إنسانية حتى يتمكن الرهائن من العودة إلى ديارهم بأمان، ويتسنى نقل مستلزمات ضرورية إلى غزة"، داعيًا إسرائيل إلى "زيادة تدفق المساعدات".
كما أثار كاميرون وغانتس احتمال شن هجوم عسكري في رفح، كما أعلنت إسرائيل، لتحقيق "نصر كامل" على حماس.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
هل الحرب الأهلية في إسرائيل قدر حتمي؟
في سبعينيات القرن الماضي، عرض المخرج الإسرائيلي أوري زوهار فيلما هزليا قصيرا، صوّر خلاله شخصين عربيين يقفان على شاطئ في فلسطين، ويوجّهان الشتائم إلى قارب يدنو منهما يحمل على متنه مهاجرين يهود من روسيا.
بعد ذلك، يقف المهاجران الروسيان على الشاطئ نفسه ويكيلان الشتائم أيضا، لكن لقارب آخر يقترب وبه مهاجرون من بولندا، ثم يتكرر الأمر ذاته حين يقف البولنديان هذه المرة ويوجّهان الشتائم لقارب جديد يحمل مهاجرين ألمان، وبدورهم، يقف الألمان أمام الشاطئ ويحذون حذو أقرانهم بشتم أولئك القادمين على قارب من شمال أفريقيا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2حماس.. المهمة الصعبة في إقليم يتغيرlist 2 of 2إسرائيل تُظهر للعالم أقبح وجوه الذكاء الاصطناعيend of list البهرجة العِرقيةلعل هذا، بشكلٍ ربما لم يقصده المخرج، يُمثِّل اعترافا بالوجود العربي أساسا لهذه الأرض، وهو ما فعله زوهار، الذي ترك السينما فيما بعد وصار حاخاما أرثوذكسيا. لكن المؤكد أن زوهار أراد أن يقول -بشكلٍ واعٍ- من خلال هذا العرض، إن هذا الشكل من التصارع وعدم تقبل الآخر هو السمة المشتركة في كل بلدان الهجرة.
فهذه أيضا قصة أميركا وأستراليا وكندا، قصة مكررة لدول قامت على جذب أجناس وأعراق من أمم مختلفة تحت وعد أن وجهتهم هي أرض الأحلام، وهي ذاتها قصة تعزيز الاستعمار والاستيطان من خلال الخداع وتحفيز الطمع وتلفيق الهوية، واختراع شعب جديد يصطف تحت راية صُنعت لتوها.
إعلانلكن لسبب ما، قرر الكاتب الإسرائيلي أوري أفنيري أن يصف حدوث ذلك في إسرائيل بالأمر الغريب، إذ يفترض أنها دولة قامت على أيدولوجية قومية للشعب اليهودي، فكيف تخالف إسرائيل المنطق الذي بُنيت عليه وتُفرِّق بين مكوناتها العِرقية، رغم أنهم بالأساس يهود!
لكن التاريخ وعلم الاجتماع لا يستثنيان تكوينا ما من ذلك، ويُثبتان أن كثرة التنوعات داخل الدولة ليست أمرا إيجابيا على طول الخط، فمن الصعب أن يتماسك ويستمر مجتمع متباين التكوين إلى هذه الدرجة، فكلّ فئة تحمل مطالبها الخاصة، وكلما خفت بريق الراية الجامعة، بدأت الهويات الفرعية بالصعود والهيمنة شيئا فشيئا، فتعود كل فئة إلى ذاتها.
يقود ذلك بالتالي إلى تزايد إمكانية الانشقاقات والتمرد الذي يأكل في جسد الدولة على مهل، كما يقلل من قدرة السلطة الرسمية التي تُدير البلاد على تمرير رؤاها وإستراتيجياتها دائما بنجاح ويُسر.
وهل من مشهد يؤخذ دليلا على ذلك، أكثر مما جرى مؤخرًا أثناء اجتماع الكابينت الإسرائيلي في 23 مارس/آذار الجاري، من تراشق لفظي واشتباك جسدي بين إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، ورونين بار، الرئيس السابق لجهاز الأمن العام (الشاباك)، والذي أقاله رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مؤخرا على إثر خلافات نشبت بينهما بشأن نتائج التحقيق في أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وهو أمر يتعدى حدود الخلاف الشخصي، ويؤشر على طبيعة الصراع الأعمق بين اليمين المتطرف ومؤسسات الدولة الأمنية التي تحاول الحفاظ على استقلاليتها، فقد أشارت تقاريرصحفية إسرائيلية إلى تلقي بن غفير ما يفيد بأن الشاباك، تحت قيادة رونين بار، يجري تحقيقًا سريًّا حوله منذ شهور، بغرض كشف مدى تغلغل "المنظمات الإرهابية اليهودية في جهاز الشرطة"، وتحديدًا المتطرفين الكاهانيين الذين ينتمي بن غفير إليهم.
إعلانوهو حدث يمكن اعتباره عنوانا لأزمة الداخل الإسرائيلي الحالية، بعد تعثر المفاوضات بشأن إطلاق سراح المحتجزين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية.
ومع أن بوادر انقسام الداخل الإسرائيلي، تعود لوقت سابق على أحداث 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، لكن ثمة تأثير معضد لذلك الانقسام أحدثه وعمّقه الطوفان، فيما يبدو.
أول ما يثبت تأثير يوم السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023 على نسيج إسرائيل الاجتماعي، هو تمكّنه من تقديم فشل دولة الاحتلال في أن تصبح دولة آمنة ومستقرة في حماية مواطنيها. فلطالما رددت الصهيونية أن اليهود لن يشعروا بالأمان إلا من خلال الوجود داخل دولة يهودية، وكان ذلك هو الحلم الذي قدّمه ثيودور هرتزل إلى اليهود وجذبهم به إلى أرض فلسطين.
حتى إن العقيدة العسكرية الإسرائيلية تشكَّلت بالأساس لخدمة ذلك الغرض، وفقا لمبدأ القوة الهجومية الذي أرساه بن غوريون، وقوامه هو نقل المعركة دائما إلى أرض العدو، بعيدا عن الأراضي الإسرائيلية، والمبادرة بتنفيذ ضربات وقائية إذا استدعى الأمر، أي تنفيذ الإستراتيجية الدفاعية عبر الهجوم، بغرض تقليل الإصابات بين المستوطنين وتوفير الأمان الذي وعدتهم به الصهيونية عندما استوطن آباؤهم هذه الأراضي.
وتجدر الإشارة إلى ما يحدث داخل إسرائيل من تكثيف دعوات الفرار والهجرة العكسية كلما تعرضت لهجومٍ ما، وهو ما تؤكده التقارير الصادرة عن هيئة السكان والهجرة الإسرائيلية، حيث تشير إلى هجرة أكثر من نصف مليون إسرائيلي منذ "طوفان الأقصى".
ووفقا لذلك، ففي الإمكان القول إن مبدأ بن غوريون كان إدراكا بأن إلحاق الأذى بالمستوطنين من شأنه أن يدفعهم إلى موجات من الهجرة العكسية، بما يهدد مشروع إسرائيل في جوهره.
إعلانلكن الطوفان تمكن من كسر هذا المبدأ، واستطاع أن يضرب عمق الأراضي المحتلة، مُفقِدا المستوطنين سلعة الأمان المزعوم.
كما أنه على جانب آخر، تمكّن من إرسال رسالة عملية إلى النسيج الإسرائيلي، مفادها أن قوة جيشهم وإمكانياته والدعم الذي يتلقاه أشياء لن تتمكن بمفردها من توفير الأمان والاستقرار لإسرائيل، وليس ثمة حل سوى المُضي قُدما في عملية "سلام عادلة مُرضية"، وهذا نوع من الرسائل لن يتسلمه سوى "العقلاء" داخل إسرائيل، الذين يقفون بالأساس في وجه القبضة المتطرفة، ويرون في هذه الرسالة تأكيدا على موقفهم ودافعا لمقاومة هذه القبضة، وهو ما يعزز أيضا من حالة الانقسام والصراع الداخلي بشكلٍ ما.
الخطر على المؤسسة العسكريةوعلى نحو مماثل، أدت قضية المحتجزين الإسرائيليين خلال عملية "طوفان الأقصى"، بما تلاها من فشل الحكومة الحالية في استعادتهم بالقوة العسكرية وتلويحها في أحيان بالتضحية بهم، إلى نشوب احتجاجات متصاعدة ضد حكومة نتنياهو والمؤسسات الأمنية، وعلى إثرها حاول القادة العسكريون والسياسيون التنصل من هذا الفشل، عبر تبادل إلقاء اللوم على بعضهم بعضا في أكثر من مناسبة.
وتتجلى حالة الانقسام أيضا في الهجوم الذي شنَّه مئات المتطرفين الإسرائيليين في يوليو/تموز الماضي على معسكر الاعتقال في قاعدة سدي تيمان العسكرية بصحراء النقب، حيث يحتجز جيش الاحتلال أسرى من قطاع غزة منذ بداية الحرب. وقد تسبب ذلك في وقوع صدامات بين ضباط الشرطة العسكرية من جهة، وجنود الاحتياط المتحدين مع المستوطنين المتطرفين من جهة أخرى.
ويرى المراقبون الإسرائيليون أن حادثة سدي تيمان تُمثِّل سابقة خطيرة، نظرا إلى أن هجوم المتطرفين على قاعدة عسكرية تابعة للجيش الإسرائيلي بهذه الدرجة من العدوانية تشير إلى شعور هؤلاء بقوة غير مسبوقة، وأن أية قوة حكومية لن تستطيع أن تتصدى لهم، وأنهم يعتبرون أنفسهم مجازين لفعل ما يحلو لهم، وأنهم فوق أي قانون في الدولة لأنهم يُمثِّلون روح العقيدة، ومن ثم يجب على الدولة (وقوانينها) أن تتبعهم وتسترشد بهم، وليس العكس.
إعلانويشير إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إلى أن ما يثير مخاوف الإسرائيليين بشأن سدي تيمان بصورة أكبر هو معرفتهم التامة بالكيفية التي تنظر بها هذه الجماعات المتطرفة إلى بقية المجتمع الإسرائيلي، فبالنسبة لهؤلاء ليس ثمة مانع من تطهير المجتمع من كل ما لا يتفق معهم، وبالنسبة لهم، كلّ مَن يرغب في سلام أو تسوية مع المحيط الإسرائيلي يوصف بـ"اليساري الخائن"، الذي يمكن التحريض ضده وإطلاق النار عليه إذا لزم الأمر.
كما يؤكد أولمرت أن مثيري الشغب الذين يمتثلون لأوامر إيتمار بن غفير ورفاقه في حزب "عوتسما يهوديت" لم يعودوا يتألفون فقط من أعضاء متطرفين في الكنيست أو من عصبة شبيبة التلال كالسابق، بل صار بينهم رجال شرطة تخلّوا عن واجبهم القانوني وجنود احتياط، وليس ببعيد أن يتبنى ضباط وجنود في جيش الاحتلال نهجا مماثلا، فيتمرّدون عند تلقيهم أمرا بالامتناع عن القتال أو خوضه، ما داموا يرون أنفسهم المرجعية الأولى وأنهم مَن يحددون أولويات الدولة.
من جهة أخرى، فإن عدوى التطرف تتسلل بالفعل إلى داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، مثلما يحدث في لواء كفير سيئ السمعة، المتهم بارتكاب جرائم وانتهاكات حقوقية عدة، الذي يُعد مظلة تضمّ المستوطنين المتشددين من التيارات المختلفة، مثل الذكور من عصابة شبيبة التلال، ويُستَخدم هؤلاء بالأساس لقمع المدنيين الفلسطينيين داخل المناطق الحضرية في الضفة الغربية.
ويتعزز ذلك عبر سعي الحكومة إلى تجنيد الشباب المتدين، وبالأخص الذكور من طائفة الحريديم، بعد تصاعد ضرورات القتال ونقص القوة البشرية على خلفية أحداث "طوفان الأقصى". وبسبب ذلك يدور صدام من نوع آخر بين الحكومة وأعضاء الطائفة التي تُشكِّل نحو 13% من مجموع الإسرائيليين (1,28 مليون نسمة)، ويرفض أعضاؤها الانخراط في أنشطة المجتمع العلماني بما في ذلك الخدمة العسكرية.
ورغم أن الحكومة الإسرائيلية توصلت إلى حل وسط تتمكن عبره من تجنيد هؤلاء، كما هو الحال في كتيبة "نيتسح يهودا" التابعة للواء كفير المذكور، فإن التقارير الإعلامية ترصد بين آنٍ وآخر ما يُبديه أعضاء هذه الكتيبة من تمرد، وميلهم إلى تلقي الأوامر من الحاخامات وقادة المستوطنات الذين يزورون قواعدها باستمرار، عوضا عن اتباع المبادئ والمعايير العسكرية، مما يعني أنها تتحول إلى ميليشيا دينية مستقلة أكثر من كونها وحدة تتبع قيادة الجيش.
إعلان جذور لا يمكن تجاهلهاكل ما يجري في الوقت الحالي، كردة فعل على السابع من أكتوبر/تشرين أول وتبعاته، لا يمكن فصله عن ماضي إسرائيل، القصير فعليا لكنه مليء بمسببات الفتنة والاحتقان والنزاع الداخلي.
فرغم أن دولة الاحتلال تُقدَّم (وتُجمَّل) بوصفها الأمة متعددة الثقافات، والبوتقة التي تنصهر داخلها انقسامات اليهود العِرقية، فإن ذلك لا يستر، مثلًا، حقيقة انفراد النخبة الغربية (الأشكناز) بالقرار، واعتمادها ثقافتها وقيمها باعتبارها القيم والتقاليد الرسمية للدولة، مع أن هذه النخبة لا تُمثِّل أكثر من 30% من مجموع السكان في إسرائيل.
وفي حين تنال الأجيال الجديدة من هذه النخبة فرص التعليم الأفضل، وبالتالي تتزايد فرصها داخل سوق العمل، إذ تشير الدراسات إلى أن نسبة اليهود الغربيين إلى الشرقيين داخل الجامعات الإسرائيلية بلغت 4 إلى 1، فيما يرى الكاتب والمؤرخ الإسرائيلي زئيف ستيرنهيل أن سياسات الدولة تتعمد حجب التعليم عن السفارديم، كي يستمر استغلالهم في الأعمال الزراعية والأعمال الدُّنيا من قِبَل النخبة الغربية.
وهو ما يشير إليه أوري أفنيري بـ"انكسار بوتقة الانصهار"، فإذا ما كان الجيل الأول من اليهود الشرقيين منشغلا بتدبير أموره في البلاد الجديدة، ومأخوذا ببن غوريون ورفاقه، فإن الجيل الثاني بدأ في طرح الأسئلة، فيما يعيش الجيل الثالث "حالة من التمرد" والثورة ضد تكبُّر الأشكناز، وبمرور الوقت، لم يعد ثمة متسع للرؤية الصهيونية التي تردد أن اليهود في إسرائيل مثل بعضهم، مع فروق طفيفة في اللغة ولون البشرة.
فضلا عن ذلك، ثمة جانب آخر يتجلَّى خلاله انقسام أعمق في الداخل الإسرائيلي، هو الصراع بين المتدينين والعلمانيين، الذي يُعدّ الأقدم تاريخيا بين كل الانقسامات في صفوف اليهود.
فتاريخ هذا الخلاف يعود إلى القرن الـ18، حين أراد بعض اليهود الخروج من أسوار الانغلاق التي تفرضها التجمعات اليهودية (الغيتوهات)، والتعامل وفق ثقافة أوروبا الرأسمالية العلمانية، فيما عارض آخرون هذه الخطوة، وفضَّلوا البقاء داخل تجمعاتهم المنغلقة.
إعلانوضمن هذين التيارين، نشأت حركات ورؤى مختلفة تصادمت فيما بينها، وكان على الحركة الصهيونية سدّ هذه الفجوة والجمع بين التيارات، كي تتمكن من تحقيق هدفها المتمثل في تشكيل دولة.
ونشأ عن ذلك ما يُعرف بـ"الوضع القائم"، وهو استحداث نوع من التوازن بين ما لا يجوز انتهاكه داخل المؤسسات اليهودية، وبين عدم التدخل في حياة الأفراد الشخصية ونمط التعليم الذي يطبقه كل قطاع منهما. وتعزز ذلك باتفاق الطرفين على عدم كتابة دستور الدولة، والاستعاضة عن ذلك بما يُسمّى "قوانين الأساس".
لكن هذا لم يوقف سعي المتدينين نحو تبني اتجاه الانفصال عن الدولة اجتماعيا، وذلك عن طريق السكن في تجمعات خاصة بهم في الضواحي، وانعزالهم داخل مؤسسات تعليمية معينة، كما سعى بعضهم في الوقت ذاته إلى تولي أدوار قيادية وسياسية بغرض التأثير في المجتمع العلماني وبثّ القيم الدينية داخله.
وفي حين يرى البعض أن حرب يونيو/حزيران 1967 ونتائجها كانت سببا في تعاظم قوة التيار الديني، حيث تعالت إثرها الأصوات المنادية بفرض القوة والتمسك بأرض إسرائيل، ثمة رأي آخر يَعتبر ثمانينيات القرن الماضي فترة بروز التيار الديني المتشدد داخل إسرائيل، حين بدأ الحريديون في محاولة فرض معتقداتهم المتشددة، عبر نزع اللوحات الإعلانية المُخلّة بالآداب العامة، واستخدام القوة لغلق الشوارع خلال صلوات السبت وفي المناسبات الدينية.
ولاستعراض الصورة الأوسع، فلا يمكن أن نختزل التيار المتشدد داخل طائفة واحدة فقط، حيث ينقسم هؤلاء بشكل عميق إلى تصنيفات متباينة، ويتوزعون فكريا بين حريديين متزمتين ومحافظين على التقاليد، علاوة على إصلاحيين أو متدينين فقط، كما تسهم التأثيرات العِرقية في تعزيز حالة الانقسام داخل إطار التشدد الديني، إذ تشير الدراسات إلى أن علاقات القُربى والأصل الجغرافي تُمثِّل رابطا أوثق من التشابه في الفكر الديني بين هؤلاء.
إعلانوبشكلٍ مماثل، ينقسم الجمهور العلماني إلى طبقات متعددة، مما يعني أنه لا توجد صورة تبسيطية للوضع المعقد والمتداخل للنزاع الفكري والديني داخل إسرائيل.
ورغم أن استطلاعات الرأي التي أُجريت في التسعينيات من القرن الماضي كانت تشير إلى تقسيم الجمهور الإسرائيلي إلى 4 فئات، بحسب تعريفه نفسه، وكانت النسبة الغالبة آنذاك لصالح العلمانيين الذين احتلوا الصدارة بنسبة 52%، مقابل 48% لمجموع الجمهور المتدين، فإن السنوات الأخيرة شهدت تصاعد أحزاب أقصى اليمين، ومحاولتها جرّ إسرائيل إلى ممارسة عنف متزايد، بما يضع الدولة برُمَّتها في قبضة التطرف، وللمفارقة، فهي قبضة تُكِنُّ بالأساس احتقارا وعداءً للدولة، وترى في الصهيونية كُفرا لا يمكن التعايش معه.
لكن اتجاه التحليل السابق لا يقود لنتيجة ضرورية بحدوث حرب أهلية في الداخل الإسرائيلي، لكنه توصيف لمجريات الأمور التي يمكن أن تراوح مكانها بين شد وجذب بين الأطراف المتضادة دون تدحرج الأحداث لفوضى الحرب في ظل مجتمع ما زال حتى اليوم منضبطا، ولو نسبيا، في إطار الدولة الجامع.
وعلى الجهة المقابلة أيضا، فإن توصيف ما يجري وفق معطيات الميدان يضع في الحسبان سيناريوهات التصعيد في ظل مجتمع مسلح منقسم على ذاته وينحو كل يوم باتجاه مزيد من العنف، تجاه ذاته، وتجاه الآخر في ظل غياب القيادة التوافقية.