رأي اليوم:
2024-09-19@23:27:15 GMT

د. نهلة غسّان طربيه: “عيدٌ مِن لَيلَك”

تاريخ النشر: 23rd, July 2023 GMT

د. نهلة غسّان طربيه: “عيدٌ مِن لَيلَك”

د. نهلة غسّان طربيه ويجيء عيد ميلادي.. حافي القدمين كعادته على بساط الصيف الملوَّن بألف وألف لون وشكل من الورد والزهر والتشكيلات النباتية العارمة خضرةً وبهاء! وكأنّني أراه يمشي على تلك الأغطية الملوّنة التي كانت تخيطها جدّتي لأبي.. تزرع فيها كلّ ألوان أثواب العائلة عبر الأجيال.. مِزَقاً مربّعةً ومستطيلةً صغيرةً صغيرة من أحلى الذكريات.

. من وشوشات الجلسات العائلية المطعّمة بالحبّ.. والخير.. والحنان.. وكثيرٍ من الدفء المثير للأحاسيس الجميلة.. والذي لا تشبهه سوى رائحة ماء الزهر الذي كانت تصنعه أمي بيديها المباركتين.. مثل يدَي عميدة عائلتنا.. جدّتي! ويأتي كعادته أيضاً عيد ميلادي! فأنا أتعمّد باستمرار أن أخبّئه فيّ.. أهرب معه إلى ساحاتي المعتادة التي شببْتُ واعتدتُ عليها.. ساحاتي التي لايتغيّر لونها البتة.. الأزرق الليلكيّ! أجدني في ساحاتِ شاسعة من شتّى أنواع البنفسج والليلكيّات.. مايحلو للعين الاستراحة فوق كثافة اللون.. والعبير.. والنغم.. فيها كلّها.. فوق الجبال التي تتناوب تسلّقها شمس الصباح مع قمر العشيّة.. وفي عمق الوديان التي تلد الماء ينابيع دفّاقة للعطاش. هي مازالت ذاتها ليلكيّاتي تلك.. فيها منمنمات لوطني الغالي.. سوريتي ” الأميرة النائمة”. فيها دردشات مابيني وأبي.. وفيها أصوات كلّ الأحبة من الأهل وأصدقاء العمر. بلى.. أجدني في عيد ميلادي أدندن مع فيروز..كلّ مرّة.. كولاجاً جديداً بالموسيقى والكلمات من أغانيها الحلوة كلِّها.. كولاجاً من “الفرحِ الحزين”.. أدندنه كما يروق لي.. وأنا في ساحاتي الليلكية لهذا اليوم الخاصّ جداً بي! هكذا إذاً يجيء عيد ميلادي.. يؤرجحني ما بين ليلَك وليلَك. مدهشٌ جداً كيف يغدو العيد في الغربة.. بعد سنوات سحيقة.. عميقة.. ساحقة.. ماحقة.. أرجوحةَ ذكريات! يُدنيني عيد ميلادي من وجوهٍ غابَت جداً وراء طبقات كثيفة بُعدُها سماءٌ واحدةٌ وحيدة! يفتِّتُ العيدُ حُرقةَ الشوق إليهم.. فتافيتَ حصىً صغيرة.. صغيرة.. تنهال على روحي الملتاعة كقطرات المطر. أُدرِكُ على حين غرّة أنني فقط أستطيع التحدث إليهم في سِرّي.. فأتحدّث بصمت وأصلّي.. وأقطفُ دمعةً من هنا.. وابتسامةً من هناك.. وأعرّشها على قلبي دواليَ خضراء حبًاتُ عناقيدها من زمرّدِ همسات. يحلو لي دائماً أن تكون زهور ليلكية.. بنفسجية.. زرقاء.. مع زوجي وولديّ.. وباقةِ الأحباب البعيدين عن مصطبة غربتي.. والأحباب الذين رحلوا إلى فسحات السماء.. هي وحدها ما تحتفل معي في عيد ميلادي كلّ عام! فأنا بالقدر الذي أحبّ فيه التجديد.. أحبّ أيضاً الرّسوخ والتشبّث بأعرافي وتقاليدي. مابين الحُبَّين ميزان لايتذبذب البتة لكلّ سنوات حياتي.. لايعلو ولاينخفض عليه الثِّقَل: زقزقةُ عصفورةٍ زرقاء.. ابتسامةُ بنفسجةٍ صغيرة متجذّرة ما بين حَبّاتِ تراب في “ذيّاكَ الهُناك”! .. يحقّق العيد كلّ عام أمنيتي بطريقةٍ سحريةٍ تدهشني! وهذا العام حَدَثَت الدهشة أيضاً.. بلا سابق إنذار.. وبالعفوية ذاتها التي أحبّها.. لابل أعتنقها وأحياها كلياً.. بلا سابقِ ترتيبٍ مصطنع أو نفاقٍ مبرمج ومزركش! فقد رَحّبَ بي المكان بكلّ أبوابه وشبابيكه وجنيناته الزرقاء الليلكية والتي حَجَزَها لفسحة ساحاتي كلٌّ من زوجي وولديّ أحبّة عمري ورفاقي في السّرّاء والضّرّاء.. في مواسم القمح.. والزيتون.. والطّيّون.. وصهيل الخيول.. وعويل الرياح.. وحقول القرنفل والورد والياسمين.. من “مدينتي البحرية”.. إلى “ قريتي الجبلية”.. إلى “ عاصمة الضباب”! كان كلّ أهلي وأصدقائي يحتفلون معي! مِن على سطوح بيوتهم المندّاة بالحُبّ والضوء والصلاة يطيّرون معي بالوناً إثر بالون بِلَون كلّ الذكريات معهم.. وكان غطاء جدّتي المرقَّع بمربّعات اللون يدثّرنا بما يشبه لذّةَ دفء الشمس التي تغمر الروح أوّل ماتطأ أقدامنا مطار دمشق الشام والتي يتعذّر أَسْرُ رحابتها وخصوصيّتها بكلمات. وكانت فتافيت زهر النارنج الصغيرة في كفّي اليمنى تغدو في يدي اليسرى قطراتِ ماء زهر كأنها أمّي.. كأنها صوتٌ معتّق قديم قديم خبّأَتْهُ جرّةُ فخّار كبيرة في بيتنا الطفوليّ في ضيعتنا.. جرّةٌ يَعلوها قِطفٌ مٍن الآس.! ثمّ غدا المشهد كلُّه (أليس في بلاد العجائب).. حين أهدَتني شقيقتي الوحيدة.. الحبيبة ريمة.. حفنةَ كلمات من زيتٍ وزعتر.. من مسكٍ وعنبر.. في طيّاتِ بتلاتٍ حريرية ومخملية لتشكيلةِ زهورٍِ ليلكية من صُوَرٍ التقطتْها لي خصّيصاً ليوم عيد ميلادي.. نَثَرَتْها فوق سنا شمسٍ هاربة إلى حقل ساحاتي الكبيرة العارم بسحر الزهر واللون والدندنات الفيروزية! فَرُحتُ أدندن: “يا الله تنام ريما.. يا الله يجيها النَّوم يا الله تحبِّ الصَّلا.. يا الله تحبِّ الصَّوم يا الله تجيها العوافي.. كلّْ يوم بيوم”. للّه درّه عيد ميلادي لهذا العام! “ما بين غمضةِ عينٍ وانتباهتها” صارت شقيقتي ريمة زهوري الليلكية.. مَدايَ الأزرق الليلكيّ.. هديّتي الصغيرة/ الكبيرة في فنجانٍ من القهوة المرّة بالهال، تعلوه زهرةُ بنفسج جديدة لسنة جديدة أُخرى من تَغريبتي الطويلة.. في مشوارِ “الحبّ والحقّ والحياة” مع الأهل والأصحاب.. عَن بُعدٍ وقُربِ.. مع الأرض والسّماء.. ومع حفنة كلمات! (أكاديميّة سوريّة مقيمة في لندن)

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

الرئيس التنفيذي لمؤسسة “غيتس”: الإمارات شريك رائد في مواجهة الأمراض التي تهدد المجتمعات

أكد مارك سوزمان الرئيس التنفيذي لمؤسسة “غيتس”، وجود شراكات واسعة مع دولة الإمارات العربية المتحدة في المجالات الإنسانية ومنها مواجهة الأمراض الاستوائية المدارية، مشيرا إلى ريادة الإمارات في مساعدة الدول الأكثر احتياجاً للقضاء على الأمراض التي تهدد حياة المجتمعات.

وأضاف سوزمان، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد “عن بعد” للإعلان عن تقرير المؤسسة السنوي الثامن والذي أطلقته اليوم، أن مؤسسة “غيتس” من المؤسسين المشاركين للمعهد العالمي للقضاء على الأمراض المعدية “غلايد – GLIDE” الذي أسسته الإمارات في عام 2019.

وأشار إلى أن دولة الإمارات شريك رئيسي مع البنك الإسلامي للتنمية في ما يعرف بصندوق “العيش والمعيشة” الذي تدعمه مؤسسة “غيتس” إلى جانب عدد من دول مجلس التعاون الخليجي.

وأوضح أن الصندوق يعمل من خلال عدة دول إسلامية لتوفير قروض ميسرة في مجالات مثل الصحة والتنمية، بما في ذلك عدد من الاستثمارات المتعلقة بالتغذية وذلك بهدف دعم المشاريع الحيوية في مجال الصحة والأمراض المعدية والزراعة والبنية التحتية الاجتماعية في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط ضمن مجموعة البنك الإسلامي للتنمية.

وشدد مارك سوزمان على شراكة دولة الإمارات العربية المتحدة القوية في هذه المجالات، مضيفاً: “نأمل في تسليط الضوء على هذه المبادرات بما يوفر فرصة لشراكة أعمق في مجالات أخرى مثل صحة الأم والطفل”.

وقال الرئيس التنفيذي لمؤسسة “غيتس” في ختام حديثه: “أعلم أن لدينا بعض المناقشات النشطة بشأن شراكات جديدة محتملة مع الإمارات”.

في سياق متصل، دعا التقرير السنوي الثامن للمؤسسة إلى ضرورة زيادة الإنفاق العالمي على الصحة، وذلك لتحسين صحة الأطفال وتغذيتهم، خصوصًا في ظل أزمة المناخ العالمية.

وأشار التقرير إلى أنه في حال عدم اتخاذ إجراءات عالمية سريعة، سيعاني 40 مليون طفل إضافي من التقزم، و28 مليون طفل آخر من الهزال بين عامي 2024 و2050 وذلك نتيجة التغير المناخي.

وأوضح التقرير أن منظمة الصحة العالمية قدرت أن نحو 148 مليون طفل عانوا من التقزم في العام الماضي، بينما عانى 45 مليون طفل من الهزال.

وذكر التقرير أن النسبة الإجمالية من المساعدات الأجنبية الموجهة إلى أفريقيا تراجعت خلال السنوات الماضية.

ولفت التقرير إلى أن 40% من المساعدات الأجنبية كانت تذهب إلى الدول الأفريقية في عام 2010، بينما انخفضت هذه النسبة الآن إلى 25% فقط، وهو أدني مستوي لها منذ 20 عاماً وهو ما يترك مئات الملايين من الأطفال في خطر شديد من الموت أو الإصابة بأمراض يمكن تجنبها.وام


مقالات مشابهة

  • أسعار خدمة ‘‘ستارلينك’’ والاشتراك الشهري بالريال اليمنية.. والكشف عن المناطق التي تتوفر فيها الخدمة
  • “أجندة فعاليات أبوظبي” تكشف عن جدولها لموسم 2024-2025 الحافل بتجارب وعروض مُلهمة “تلقى نفسك فيها”
  • “خوري” تطّلع على عمليات “إيريني” والتحديات التي تواجهها
  • رئيس “سدايا”: الخطاب الملكي حمل العديد من المرتكزات التي توضح دور رؤية 2030 في دعم الحراك التنموي بالمملكة
  • شاهد| اللحظات الأولى عقب المجزرة المروعة التي ارتكبها الاحتلال بقصف مدرسة “ابن الهيثم” التي تؤوي نازحين بحي الشجاعية (فيديو)
  • بعد “البيجر”.. إسرائيل تفجر آلاف أجهزة اللاسلكي (ووكي توكي) التي يستخدمها حزب الله
  • شاهد بالفيديو.. الفنانة مكارم بشير تبهر المتابعين بأداء مذهل لأغنية “أنت السماء بدت لنا” خلال حفل بمصر وزميلتها تتغزل: (اقسم بالله بسمع فيها جسمي قشعر أداء خرافي وكروانة بجد)
  • “أرحومة” يتفقد المساكن المتضررة في سبها من الآثار التي خلفتها الأمطار
  • بعد أن أثارت ضجة واسعة بتصريحاتها الأخيرة بشأن الشقة التي كانت تسكن فيها وتمت زيادة الإيجار لها.. الممثلة المصرية مروة عبد المنعم: “ما قولتش أنه هيأجرها للسودانيين”
  • الرئيس التنفيذي لمؤسسة “غيتس”: الإمارات شريك رائد في مواجهة الأمراض التي تهدد المجتمعات