د. نهلة غسّان طربيه ويجيء عيد ميلادي.. حافي القدمين كعادته على بساط الصيف الملوَّن بألف وألف لون وشكل من الورد والزهر والتشكيلات النباتية العارمة خضرةً وبهاء! وكأنّني أراه يمشي على تلك الأغطية الملوّنة التي كانت تخيطها جدّتي لأبي.. تزرع فيها كلّ ألوان أثواب العائلة عبر الأجيال.. مِزَقاً مربّعةً ومستطيلةً صغيرةً صغيرة من أحلى الذكريات.
. من وشوشات الجلسات العائلية المطعّمة بالحبّ.. والخير.. والحنان.. وكثيرٍ من الدفء المثير للأحاسيس الجميلة.. والذي لا تشبهه سوى رائحة ماء الزهر الذي كانت تصنعه أمي بيديها المباركتين.. مثل يدَي عميدة عائلتنا.. جدّتي! ويأتي كعادته أيضاً عيد ميلادي! فأنا أتعمّد باستمرار أن أخبّئه فيّ.. أهرب معه إلى ساحاتي المعتادة التي شببْتُ واعتدتُ عليها.. ساحاتي التي لايتغيّر لونها البتة.. الأزرق الليلكيّ! أجدني في ساحاتِ شاسعة من شتّى أنواع البنفسج والليلكيّات.. مايحلو للعين الاستراحة فوق كثافة اللون.. والعبير.. والنغم.. فيها كلّها.. فوق الجبال التي تتناوب تسلّقها شمس الصباح مع قمر العشيّة.. وفي عمق الوديان التي تلد الماء ينابيع دفّاقة للعطاش. هي مازالت ذاتها ليلكيّاتي تلك.. فيها منمنمات لوطني الغالي.. سوريتي ” الأميرة النائمة”. فيها دردشات مابيني وأبي.. وفيها أصوات كلّ الأحبة من الأهل وأصدقاء العمر. بلى.. أجدني في عيد ميلادي أدندن مع فيروز..كلّ مرّة.. كولاجاً جديداً بالموسيقى والكلمات من أغانيها الحلوة كلِّها.. كولاجاً من “الفرحِ الحزين”.. أدندنه كما يروق لي.. وأنا في ساحاتي الليلكية لهذا اليوم الخاصّ جداً بي! هكذا إذاً يجيء عيد ميلادي.. يؤرجحني ما بين ليلَك وليلَك. مدهشٌ جداً كيف يغدو العيد في الغربة.. بعد سنوات سحيقة.. عميقة.. ساحقة.. ماحقة.. أرجوحةَ ذكريات! يُدنيني عيد ميلادي من وجوهٍ غابَت جداً وراء طبقات كثيفة بُعدُها سماءٌ واحدةٌ وحيدة! يفتِّتُ العيدُ حُرقةَ الشوق إليهم.. فتافيتَ حصىً صغيرة.. صغيرة.. تنهال على روحي الملتاعة كقطرات المطر. أُدرِكُ على حين غرّة أنني فقط أستطيع التحدث إليهم في سِرّي.. فأتحدّث بصمت وأصلّي.. وأقطفُ دمعةً من هنا.. وابتسامةً من هناك.. وأعرّشها على قلبي دواليَ خضراء حبًاتُ عناقيدها من زمرّدِ همسات. يحلو لي دائماً أن تكون زهور ليلكية.. بنفسجية.. زرقاء.. مع زوجي وولديّ.. وباقةِ الأحباب البعيدين عن مصطبة غربتي.. والأحباب الذين رحلوا إلى فسحات السماء.. هي وحدها ما تحتفل معي في عيد ميلادي كلّ عام! فأنا بالقدر الذي أحبّ فيه التجديد.. أحبّ أيضاً الرّسوخ والتشبّث بأعرافي وتقاليدي. مابين الحُبَّين ميزان لايتذبذب البتة لكلّ سنوات حياتي.. لايعلو ولاينخفض عليه الثِّقَل: زقزقةُ عصفورةٍ زرقاء.. ابتسامةُ بنفسجةٍ صغيرة متجذّرة ما بين حَبّاتِ تراب في “ذيّاكَ الهُناك”! .. يحقّق العيد كلّ عام أمنيتي بطريقةٍ سحريةٍ تدهشني! وهذا العام حَدَثَت الدهشة أيضاً.. بلا سابق إنذار.. وبالعفوية ذاتها التي أحبّها.. لابل أعتنقها وأحياها كلياً.. بلا سابقِ ترتيبٍ مصطنع أو نفاقٍ مبرمج ومزركش! فقد رَحّبَ بي المكان بكلّ أبوابه وشبابيكه وجنيناته الزرقاء الليلكية والتي حَجَزَها لفسحة ساحاتي كلٌّ من زوجي وولديّ أحبّة عمري ورفاقي في السّرّاء والضّرّاء.. في مواسم القمح.. والزيتون.. والطّيّون.. وصهيل الخيول.. وعويل الرياح.. وحقول القرنفل والورد والياسمين.. من “مدينتي البحرية”.. إلى “ قريتي الجبلية”.. إلى “ عاصمة الضباب”! كان كلّ أهلي وأصدقائي يحتفلون معي! مِن على سطوح بيوتهم المندّاة بالحُبّ والضوء والصلاة يطيّرون معي بالوناً إثر بالون بِلَون كلّ الذكريات معهم.. وكان غطاء جدّتي المرقَّع بمربّعات اللون يدثّرنا بما يشبه لذّةَ دفء الشمس التي تغمر الروح أوّل ماتطأ أقدامنا مطار دمشق الشام والتي يتعذّر أَسْرُ رحابتها وخصوصيّتها بكلمات. وكانت فتافيت زهر النارنج الصغيرة في كفّي اليمنى تغدو في يدي اليسرى قطراتِ ماء زهر كأنها أمّي.. كأنها صوتٌ معتّق قديم قديم خبّأَتْهُ جرّةُ فخّار كبيرة في بيتنا الطفوليّ في ضيعتنا.. جرّةٌ يَعلوها قِطفٌ مٍن الآس.! ثمّ غدا المشهد كلُّه (أليس في بلاد العجائب).. حين أهدَتني شقيقتي الوحيدة.. الحبيبة ريمة.. حفنةَ كلمات من زيتٍ وزعتر.. من مسكٍ وعنبر.. في طيّاتِ بتلاتٍ حريرية ومخملية لتشكيلةِ زهورٍِ ليلكية من صُوَرٍ التقطتْها لي خصّيصاً ليوم عيد ميلادي.. نَثَرَتْها فوق سنا شمسٍ هاربة إلى حقل ساحاتي الكبيرة العارم بسحر الزهر واللون والدندنات الفيروزية! فَرُحتُ أدندن: “يا
الله تنام ريما.. يا الله يجيها النَّوم يا الله تحبِّ الصَّلا.. يا الله تحبِّ الصَّوم يا الله تجيها العوافي.. كلّْ يوم بيوم”. للّه درّه عيد ميلادي لهذا العام! “ما بين غمضةِ عينٍ وانتباهتها” صارت شقيقتي ريمة زهوري الليلكية.. مَدايَ الأزرق الليلكيّ.. هديّتي الصغيرة/ الكبيرة في فنجانٍ من القهوة المرّة بالهال، تعلوه زهرةُ بنفسج جديدة لسنة جديدة أُخرى من تَغريبتي الطويلة.. في مشوارِ “الحبّ والحقّ والحياة” مع الأهل والأصحاب.. عَن بُعدٍ وقُربِ.. مع الأرض والسّماء.. ومع حفنة كلمات! (أكاديميّة سوريّة مقيمة في لندن)
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
رهف القحطاني: لقيت لأبوي عروس صغيرة في الثلاثين وهو موافق .. فيديو
خاص
أثارت مشهورة التواصل الإجتماعي رهف القحطاني حالة من الجدل بعد ظهورها في مقطع فيديو أبدت فيه عن رغبتها في تزويج والدها من شابة صغيرة في السن .
وقالت رهف القحطاني في مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الإجتماعي:”لقيت لأبوي عروس صغيرة في الثلاثين وهو موافق”.
وأضافت ” البنت ماشاء الله تبارك الله ولا غلطة ” معبرة عن حماسها الشديد لتزويج والدها من هذه الفتاة التي أثارت إعجابها وانتباهها .
https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/01/فيديو-طولي-311.mp4