عـجـزٌ أمـريـكيّ أمام نـتـانيـاهـو
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
بقرارها إسقاط المساعـدات على غـزة جـوا، تكون الإدارةُ الأمريكيـة قـد دقَـتِ المسمارَ الأخير في نعـش هـيـبتـها في العالم. إنـها تسلِـم، صراحـةً، بأنـها أعجـزُ من أن تستطيـع مـمارسة أي مثـقـالِ ذرة من الضـغـط على دولة الاغتصاب لحـمْلها على فـتح المعابـر بين فلسطيـن المحتـلـة وقـطـاع غـزة لإيصـال المساعـدات إلى الشـعب الذي يـتـضوَر جـوعـا ويُسام خسـفـا ويتعـرض للإبـادة اليوميــة من جيشها الخارج عن القانـون.
ما أغـنانـا عـن القـول إن إدارةً بـهـذا القـدْر المَـهُـول من العـجـز السـياسي وضَـعْـف الحيلـة، أمـام دولـة العـدوان، لا تملك أن تـبـرِر لأحـدٍ في العالم إصرارَهـا على وضْـع اليـد على ملـف الصـراع العـربي-الصـهـيوني ومـا يسمى بأزمـة «الشـرق الأوسـط»، واحتـكـارِ إدارة الصـراع وتلك الأزمـة، مع استـبعادها غـيرَها من أي دورٍ سياسـي، حتى وإنْ كـان رَمـزيـا، في المـوضوع. إن فـرضَ أمريكـا نـفسَـها طـرفا وحيـدا في إدارة الصـراع، و«راعـيا» وحيـدا للتـسويـة بين الجـلاد والضحيـة، و«وسيطـا» وحـيدا بين فريـقيْ الصـراع، ومهـنـدسا وحيـدا لِـ «حـلٍ» سياسي لمرحلة ما بعـد محـرقـة غـزة... لا يستـقيـم- ولا تستـقيـم معه تلك «الوحـدانـيـة»- مع انكـشـاف هـشاشة نفـوذ أمريكا أمام أحـدِ أطـراف الحـرب والصـراع؛ نعـني دولـة الاحتـلال والاستـيـطان. والحـقُ أنـنا ما كُـنـا- عـربا ومسلـميـن- في حـاجـة إلى هـذه المحـرقـة النـازيـة في غـزة لنـدرك أن واشنطـن ليست جديـرةً بأن تـتـناول ملـف الصـراع منـفـردةً، وعلى حسـاب الأمـم المتـحدة؛ فـلقـد كـان الجمـيع يعـرف أنـها تـفْـتـقـر إلى ما يجـعـل دورهـا مبـرَرا: الحيـاد والنـزاهـة؛ إذْ هي منحازة إلى الجـلاد والمعـتـدي انحـيازا أعـمـى، ومشارِكـةٌ له في جرائـمـه بالڤـيـتو وتـوريد الأسلحـة، انحيازا سافـرا وقـبيـحا. ولكنـها المـرةُ الأولى التي نـدرِك فيهـا على التحقـيق، أن انحيازهـا يـقـترن بعجزها عـن أن تـفرض على مَـن تَـنْـحازُ إليه أن يَـحْـفـظ لهـا ماء الوجـه مع العالم، فيُـبـقي لـديـها قـدرا، ولو ضئـيلا، من طقـوس الهـيبـة كـدولة عظمـى!
في كـل عـهـود العلاقة بين الإدارة الأمريكـيـة ودولـة الاحتـلال، كـان قـادةُ البيت الأبيض هُـمْ مَـن يُـمْـلُون إرادتهم على قـادة الكيان حين تـتـقابـل الإرادتان أو تخـتـلـفان. بل كـثـيرا ما جـرع رؤسـاءُ أمـريكا قـادةَ الاحتـلال قـراراتٍ سياسيـةً مُـرة وحملـوهـم على ازدرادها كَـرْهـا لمصلـحةٍ تراءت لهم في ذلك، فأُجـبِـروا على الامتـثـال. تلك، مـثـلا، حال ضغـوط جيمي كارتـر على الإرهابـي مـناحـيم بيـجـن ليـقْـبَـل الـتـفاوُض مع مصـر السـادات للوصـول إلى «معاهـدة سلام» («كامـپ ديـڤـيـد»)، ويتـجـرع ثـمـن ذلك انسـحابـا عسـكريـا من سيـناء المحتـلـة. وتلك، أيـضـا، حـال ضغـوط جـورج بـوش الأب على الإرهابي إسحق شامير لـتـشارِك دولـتُـه في مـؤتـمر مدريد لِـ «السـلام» في «الشـرق الأوسـط». وفي الحالتـين انصاعـا للضـغـط من رئيسـيْ دولـةٍ هي أنبـوبُ أوكسجيـن الكـيان الذي لا حياة له من دونـه. وما انْصـاعا إلا لِعـلْمِـهِـما بأن أمريكـا لا تبغـي من ذلك الضـغـط سـوى مصلحة الكيان في أن يستـتـب له أمـنٌ واستـقـرار في محيـط عربي مناهـض. أمـا اليوم فما عـادت أمريـكا تُـنْـجِب الرؤساء الذين يَـقْـووْن على فـرض إملاءات البيت الأبيض على قـادة الكـيان؛ إذْ أقصى ما بات في مستطاع رجـلٍ مـثـل جو بـايـدن هـو أن يناشـد قـادة دولة الاستيطـان، وأن يُحْـسِن الظَـن بهم وباستعـدادهـم لِـ «احتـرام» القانـون الـدولي الإنسانـي على نحو ما ينصحـهـم بـه!
لم يتعـرض رئيس الولايات المتحدة الأمريكـيـة للإهانة، يـومـا، من جهـةٍ مـا في العالـم مثـلـما تَـعـرَض رئـيسُـها ويـتـعـرض، اليـوم، لضـروبٍ من الإهـانـة والتـجـاهُـل مـن رئيـس وزراء دولـة الاحتـلال. يـتـقـمـص نـتانـياهـو، في العـلاقـة بـبايـدن، دور الآمـر الذي يـأمُـر، فيـما لا يـبـدو على الثـانـي أنـه يرفـض - تمـامـا - دور المـأمـور. هـذا، على الأقـل، ما تَـحْـمـل عليه مراقـبـةُ سلـوكـِـهِ الـدائب لـرفْـد دولـة الاحتـلال وإسعافـها في عـدوانـها على غـزة؛ يطلب نـتـانياهو وأركان جيشـه السلاحَ فيـستجيـب رئيسُ البيـت الأبـيـض متحايـلا على الكـونـجرس وشـروطـه؛ ويطلـب دعـمـا سياسيـا دوليـا فيـمْـحضُـه بـايـدن الڤـيـتو في كـل مـرةٍ سيـقت فيه دولـةُ الإرهـاب للمساءَلـة الـدوليـة في مجلس الأمـن؛ ويطـلبُ منـه التـبرئـة لجـرائـم جـيشـه، فلا يتـورع رئيسُ أمريكـا عـن ممارسـة التهويـن من وحشيـة الجـرائـم؛ وحيـن يطالب العالـمُ بإجـراء تحـقيـقٍ دولـي مستـقـل في بعض تلك الجـرائـم، يسارع إلى قـطـع الطـريق على الـدعـوة بالقـول: إنـه يـراهـن على «تحـقـيقٍ» «إسـرائيـلي» «شـفـاف»!؛ وحين تـرفـع دعـوى في محكـمة العـدل حـول الإبـادة الجماعـيـة، وتسـلِـم المحكمة - مـبدئـيـا- بثـبـوت التـهمـة، يعبـر عن استـنـكار إدارتـه لاتـهام جيش الاحتـلال بارتـكـاب الإبـادة...إلخ. في المقابـل، لا أحـد من قـادة الكـيـان يستـمع إلى «نصـائـح» بـايـدن أو يـبـدي الاستـعـداد للأخـذ بـها؛ فهـو عنـد هـؤلاء، - ونـتـانـياهـو أولـهـم - رئيـسٌ يُـؤْمَـر من دولـة الاغـتصـاب ولا يـأمُـر! وهـذه معادلـة سيستـمـر العمـلُ بـها طالـما ارتضـى ذلك سـيـدُ البيت الأبيض؛ ولـن يـغـيـِـر منها توجيـه دعـوة إلى جـانـتـس مـن بـاب إغاظـة غريـمـه نـتـانـياهـو.
عبدالإله بلقزيز أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وحاصل على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دولـة الاحتـلال
إقرأ أيضاً:
مصر: نتانياهو يحاول التغطية على الانتهاكات الإسرائيلية بتصريحات مُضللة
أعربت مصر، اليوم الإثنين، عن استهجانها لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، التي اتهم فيها مصر بأنها وراء حصار الفلسطينيين في غزة، وأنها ترفض خروجهم من غزة عبر معبر رفح إلى جهة أخرى يريدونها.
وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية والهجرة المصرية "تعرب جمهورية مصر العربية عن استهجانها للتصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، لإحدى القنوات الإعلامية الأمريكية أمس الأحد، التي تتضمن ادعاءات وتضليل متعمد ومرفوض يتنافى مع الجهود التي بذلتها وتبذلها مصر منذ بدء العدوان على غزة، وقيامها بإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة للشعب الفلسطيني وآخرها أكثر من 5 آلاف شاحنة من مصر منذ وقف إطلاق النار، وتسهيل عبور الجرحى والمصابين ومزدوجي الجنسية".
وتابع البيان "وتؤكد مصر على أن تلك التصريحات تستهدف التغطية وتشتيت الانتباه عن الانتهاكات الصارخة التي ارتكبتها إسرائيل ضد المدنيين، وتدمير المنشآت الحيوية الفلسطينية من مستشفيات ومؤسسات تعليمية ومحطات كهرباء ومياه الشرب، فضلاً عن استخدام الحصار والتجويع كسلاح ضد المدنيين".
وأعربت مصر عن "رفضها التام لأية تصريحات تستهدف تهجير الشعب الفلسطيني إلى مصر أو الأردن أو السعودية، وتعرب عن تضامنها مع أبناء غزة البواسل الذين يتمسكون بأرضهم رغم كل ما يتعرضون له من أهوال للدفاع عن قضيتهم العادلة والمشروعة"، بحسب البيان.
كما أكد البيان على "التمسك بالثوابت المصرية والعربية الراسخة والمرتكزة على حق الشعب الفلسطيني، في إقامة دولته على حدود 4 يونيو (حزيران) عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".