قد يعيش إنسان عمره كله ولا تواتيه سوى فرصة واحدة، فإن ضيعها ضاعت حياته كلها، وإذا اغتنمها تغيرت إلى الأبد حياته كلها.. وهكذا حال الدول أيضاً..
وصفقة رأس الحكمة بلا شك فرصة ذهبية للاقتصاد المصرى، ولكن طريقة تعامل الحكومة معها حتى الآن تثير مخاوفى.. لأننا نتعامل معها بمنطق من سيذبح الدجاجة التى تبيض ذهبًا لتناول وجبة من لحمها!
طبعًا يعلم كل المصريين أن الدفعة الأولى من فلوس رأس الحكمة تبلغ 35 مليار دولار، منها 11 مليارًا سيتم إسقاطها من ديون مصر هى حجم وديعة الإمارات فى البنك المركزى، وهناك 24 مليار دولار دخلت منها حاليًا 10 مليارات دولار والـ14 مليار دولار الباقية ستدخل خزينة البنك المركزى خلال شهرين.
ولو استبعدنا قيمة الديون التى كانت علينا للإمارات وقيمتها 11 مليار دولار، فسيكون لدينا 24 مليار دولار باقية من مقدمة الصفقة.. فما الذى تنوى الحكومة فعله بهذه المليارات؟
من الطبيعى والمنطقى أن تستغل الحكومة جانبًا من هذه الأموال فى ضبط سوق سعر الصرف والقضاء على السوق السوداء.. ويقول خبراء اللاقتصاد إن هذا الأمر يتحقق باستخدام ٣ مليارات دولار فقط..
إذن سيبقى 18 مليار دولار.. فما الذى ستفعله الحكومة بهذا المبلغ؟
حتى الآن تم أمران: أولهما تخصيص 10 مليارات جنيه من تلك الأموال لصندوق «قادرون باختلاف».
والأمر الثانى أعلنه المستشار محمد الحمصاني- المتحدث باسم مجلس الوزراء، والذى قال فى تصريحات تليفزيونية: إن الحصيلة الدولارية غرضها استيفاء الحاجات الأساسية للمواطنين، ومن ضمنها بطبيعة الحال استيراد السلع الغذائية والأدوية ومدخلات الإنتاج لدعم المصنعين، ومشروعات حياة كريمة..
ولو كانت هذه هى رؤية الحكومة للحصيلة الدولارية لصفقة رأس الحكمة فقل على الدنيا السلام.. لماذا؟.. لأن هذه الأموال رغم ضخامتها لو أنفقناها فى الأكل والشرب واستيراد سلعًا غذائية سيأتى عليها يوم وتنتهى وبعدها ستعود السوق السوداء للدولار أشرس مما كانت، ويعود التضخم بأعنف مما كان، وتعاود الأزمة الاقتصادية سيرتها الأولى، وبسيناريو كارثى.
وكنت أتمنى لو أن المليارات العشرة من الجنيهات التى تم تخصيصها لصندوق "قادرون باختلاف" قد تم تخصيصها لإقامة مشروع صناعى كبير يخصص عائده للصندوق، فسيكون ذلك أفضل بكثير للصندون وللقادرين باختلاف، لأن إقامة مشروع اقتصادى ضخم تابع للصندوق سيضمن عائدًا سنويًا ضخمًا لهذا الصندوق يستمر للأبد.
والمطلوب الآن من الحكومة أن تحدد على وجه الدقة وبشكل سريع ما الذى يجب أن تفعله بهذه المليارات لتحيق أقصى استفادة منها لصالح المصريين ولصالح الاقتصاد المصري
فإذا كانت الحكومة لديها خطة شاملة فى هذا الموضوع فعليها أن تعلنها للرأى العام، فإن لم يكن لديها هذا المخطط، فعليها أن تعقد اجتماعًا موسعًا مع متخصصين من كل التوجهات الاقتصادية (يمينيين ويساريين وإسلاميين) لتحديد أنسب طرق الاستفادة من فلوس رأس الحكمة.
وأتصور أن أنسب طرق الاستفادة من هذه الأموال هو استثمارها فى مشروعات صناعية ضخمة تضخ إيرادات سنوية مباشرة ودائمة فى شرايين الاقتصاد المصرى على سبيل المثال: مصر بحاجة إلى إقامة مجمع ضخم للحديد والصلب، فأساس الصناعة والتصنيع هو الحديد، وعيب ألا أن تكون أساس كل الصناعات فى يد القطاع الخاص وحده..
نريد مشروعات استثمارية تحقيق نهضة اقتصادية حقيقية.. مشروعات صناعية تحقق قيمة مضافة كبيرة لتكون مصدرًا للدخل القومى.. نريد مشروعات تحقق الاكتفاء الذاتى من السلع الاستراتيجية، نريد أن تصبح مصر أكبر دول العالم تصديرا لأفريقيا..
هذا ما يجب أن نفعله، أما أن ننفق هذه الأموال فى استيراد الأكل والشرب، وسداد ما علينا من ديون فسنكون كمن ذبح الدجاجة التى تبيض ذهبًا، مكتفيًا بتناول وجبة من لحمها!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كلمات رأس الحكمة تعامل الحكومة فلوس رأس الحكمة ملیار دولار هذه الأموال رأس الحکمة
إقرأ أيضاً:
تحسين تنافسية مصر فى المؤشرات الدولية أهم أهداف الحكومة
نهيئ مناخ الاستثمار للقطاع الخاص ليقود التنمية خلال المرحلة القادمةتوريد 50٪ من الحصيلة الدولارية فى قطاعات التصدير لا يزال قيد الدراسة
عجز الموازنة وسعر الصرف وراء تخفيض نسب رد الأعباء للمصدرين.. ولا تطبيق للنسب بأثر رجعى
كشف المهندس حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية فى أول مؤتمر صحفى له مع مندوبى الصحف بالوزارة عن اتجاه الحكومة خلال المرحلة القادمة فيما يتعلق ببعض السياسات النقدية، والتجارية.
أكد الوزير أن الهدف الأول للحكومة فى الوقت الحالى هو تحسين تنافسية مصر فى المؤشرات الدولية، واحتلال مركز يليق بمكانتها وليكن المركز رقم 50 مؤقتاً، كما أكد الوزير أن الحكومة تقوم أيضاً بتهيئة مناخ الاستثمار للقطاع الخاص ليقود التنمية مشيراً إلى أن من بين أهداف الحكومة خلق مناخ جاذب للاستثمار يقوده القطاع الخاص بشكل واضح بعد تجاوز المرحلة الانتقالية التى يمر بها الاقتصاد، وأوضح وزير الاستثمار والتجارة أن هناك عدداً من القرارات والتشريعات الاقتصادية ومنها التشريع الخاص بالهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، وكذلك الضريبة التكافلية للتنمية الصحية الشاملة، وضريبة التدريب التأهيلى، وفيما يتعلق بالسياسات المالية أوضح المهندس حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية أنه سيتم تخفيض عدد الجهات والمؤسسات التى تفرض رسوماً وأعباء على الشركات، وسيكون الأمر على جهات محددة ولتكن مصلحة الضرائب، وهيئة التنمية الصناعية وستقوم الحكومة بفتح صفحة جديدة بين مصلحة الضرائب والشركات، مؤكدا أن هدف الحكومة هو الوضوح والشفافية فى السياسة المالية.
وعن توريد المصدرين لنسبة 50٪ من حصيلتهم الدولارية، أكد وزير الاستثمار والتجارة أن الموضوع قيد الدراسة وسيتم التعامل مع كل قطاع منفرداً بناءً على نسبة استخدامه لنسبة المكون المحلى، فلا يعقل معاملة الحاصلات الزراعية كقطاع الصناعات الهندسية مثلاً، ومن الممكن أن تقوم بعض القطاعات بتوريد 30 أو 40٪ وقطاعات أخرى بتوريد 50٪ من حصيلة التصدير.
كما أكد وزير الاستثمار والتجارة أن عجز الموازنة وسعر الصرف هو السبب الرئيسى فى خفض نسب المساندة التصديرية فى برنامج رد الأعباء للسنة المالية الجديدة، مشيرا إلى عدم تطبيق نسب تخفيض المساندة بأثر رجعى، وأضاف وزير الاستثمار والتجارة الخارجية أنه سيقوم بحل الخلاف الموجود بين هيئة المعارض وصندوق مساندة الصادرات بشأن دعم الشركات التى تشارك فى المعارض الخارجية بشكل منفرد، حيث ترى الهيئة أن الشركات التى تشارك فى المعارض الخارجية بصورة منفردة لن تزيد على خمس شركات، بينما يرى الصندوق أنه لا يوجد عدد معين للشركات التى تشارك بشكل منفرد وتستحق المساندة التصديرية.
وشدد وزير الاستثمار والتجارة الخارجية على أنه سيبحث موضوع إلغاء المعارض المتخصصة المصرية التى تقام فى الدول الخارجية، مؤكدا أنه ضد فكرة إلغاء المعارض المصرية فى الأسواق الخارجية. كما شدد الوزير على أهمية المكاتب التجارية المصرية فى الخارج ودورها فى زيادة الصادرات مؤكدا أن جهاز التمثيل التجارى مليء بالكفاءات التى لم تستغل بعد، وتعمل المكاتب التجارية التى يصل عددها لنحو 42 مكتباً بشكل فعال على زيادة الصادرات، وجذب الفرص الاستثمارية لمصر، وكشف وزير الاستثمار والتجارة بشكل حاسم عن أنه سيتم إلغاء الإجازات أثناء فترات الأعياد والعطلات الرسمية بالموانئ والجمارك، مؤكدا أن يوم الإجازة الواحد فى الموانئ يكلف الدولة 150 مليون دولار، و850 مليون دولار فى الأسبوع الواحد وهذا لا يستقيم مع اتجاه الدولة لتخفيف الأعباء على الشركات والمستثمرين.
وأكد «الخطيب» مجدداً أنه سيتم خفض مدة الإفراج الجمركى عن الشحنات لتصل إلى ثلاثة أيام أو يومين، مشيراً إلى أن مدة الإفراج فى ميناء مارسيليا الفرنسى لا تتجاوز ساعات، وهو نفس الحال تقريباً فى العديد من دول العالم مثل: تركيا والهند.
كما أشار الوزير إلى أن الوزارة تقف بكل قوتها مع الصناعية المصرية واتخاذ كل الإجراءات الحمائية التى تكفل الحماية للصناعة، من خطر الممارسات الضارة من التجارة والتى جرمتها قواعد منظمة التجارة العالمية مثل ممارسات الإغراق، لافتاً إلى أنه يتابع بعض القضايا التى تم رفعها على مصر سواء من جانب الاتحاد الأوروبى أو المغرب.
مهندس حسن الخطيب وزير الإستثمار والتجارة الخارجية