في ظل التكنولوجيا: كيف نستطيع إعادة طفلنا إلى الرسم والقراءة؟
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
أثير- مكتب أثير في دمشق
لا زِلتُ تلك الطفلة التي تتأرجح على غيمة بيضاء.. وأتزحلق على حافة القمر.. أمدّ يدي إلى السماء لأقطف نجمة وبعض أمنيات. ما تزال السماء بعيدة ونجومها تحاكيها بعداً.. ما يزال القمر حيث هو.. وما زلت أمد يدي وكلّي يقين أنني سأقطف يوماً ما طاب لي من نجوم وأمنيات.. بهذه الكلمات المليئة بالطفولة والجمال أحبّت الكاتبة والشاعرة والمترجمة والمتخصصة في أدب الأطفال ثراء الرومي أن تقدّم نفسها لأثير، وكان لأثير معها هذا الحوار .
الدّخول إلى عالم الطّفل والكتابة له يعدّ السّهل الممتنع… كيف استطعت الولوج إليه وأيّ أسلوب تتّبعينه للتّواصل مع هذا العالم المتفرّد وهو عالم الأطفال؟
بالفعل أدب الطفّولة هو عالم محفوف بمخاطر الانزلاق في هوّة الاستسهال أو المباشرة الفجّة، طفل اليوم كائن بالغ الذّكاء، إن لم يخاطبه العمل الأدبيّ محترماً هذه المَلَكة، فلن يلقى لديه استحساناً أبداً.
وأهمّ عنصر في الكتابة للطّفل أن يتحلّى الكاتب أو الشّاعر بروح طفوليّة ترافق كل حرف يكتبه لهم، هذه الرّوح تمدّه بالمرح والفكاهة، وتزوّده بعنصر الإدهاش والمباغتة. فكلّ هذه عوامل تشدّ الطّفل إلى العمل الأدبيّ الموجّه له. أنا شخصيّاً لم أبدأ الكتابة للأطفال إلّا بعد أن ترجمتُ لهم، وبعد أن قرأت الكثير، ولا زلت أقرأ ولا أرتوي. ولا أبوح سرّاً إذ قلت أنّني أستمدّ من يوميّاتي مع أطفالي وسواهم أجملَ الأفكار الخلّاقة.
ربّما تكون أجمل تجاربي ورشات القراءة وحلقات الكتاب التي استهدفت بها تلاميذاً وطلاباً من أعمار مختلفة بحكم عملي في المجال الثّقافي. وأصدقك القول: لا فرحة تداني فرحتي وأنا أرى تفاعل الأطفال مع قصّة أو قصيدة لي أو لغيري وأنا أقرأها عليهم.
هل يستطيع أيّ أديب أو شاعر أن يخاطب الطّفل أو يكتب له؟
قطعاً لا.. الأمر يحتاج دراسة مستمرّة لأنّه امتحان دائم لعلاقة قصصنا مع الأطفال تتغيّر إجاباته وفق معطيات المرحلة وتثريها تجارب الآخرين. من لا يقرأ قبل أن يكتب، وللأطفال بالدّرجة الأولى، فليعلن إفلاس قلمه مهما بلغت ثقته بنفسه. قد يمتلك الشّاعر كلّ أدوات البلاغة والعروض لكنّ الطّفل الذي في داخله يأبى الظّهور في طيّات القصيدة أو ربّما يكون قد تاه في غياهب الوقار. وكذلك الأمر بالنّسبة لكلّ الأنماط الإبداعيّة، فمن يتمتّع بلغة سليمة قد يصوغ جملاً وعبارات ملفتة لكن، لكي نخاطب الأطفال في قصصنا ورواياتنا علينا أن نتحلّى بروح الطّفل وروح الباحث التي إن لم نسلمها دفّة وقتنا وصبرنا واجتهادنا فلن ترسو سفينة إبداعنا على شواطئ الأطفال…
من قصيدة: فنّان
بـحّارٌ، وشِراعي لونٌ
فُـــــــرشــــاةٌ وخيالٌ آسِــــرْ
أقطـــــفُ نـجـمــاً، أرسمُ حُلْماً
شلّالاً مِن فرحٍ هادِرْ
*
ألواني طَيْفُ فراشاتٍ
تَـــرقصُ عَبْـرَ الـمَرْجِ الأخضرْ
تَتنفَّسُ فُرشاتي زَهْراً
ببَـــــراعـمِـــهِ الكونُ تَعطَّـــرْ
يقال الطفل وليد بيئته وهو يقلد ويفعل ما يرى وليس ما يسمع. كيف نشجعه على القراءة؟ وأيّ عمر هو الأنسب ليبدأ الطفل في المطالعة؟
هذه الرّحلة ينبغي أن تبدأ منذ السّنوات الأولى من عمر الطّفل، عبر مخاطبته بصريّاً بالقصص المصوّرة، انتقالاً إلى القصص البسيطة المواكبة لاكتسابه الحروف الأولى. والطّريقة الأمثل لجذب الأطفال إلى القراءة هي خلق مناخ يجدون فيه مدى أهمّيّة الكتاب بالنّسبة لمحيطهم الأسريّ. لكن قد يضطّرّ بعض الأهل للأسلوب السّماعيّ فحسب حين تضيق بهم السّبل، فالطّفل المتململ يجب أن نسعى لإحاطته بسرد قصصيّ وشعريّ يتلاءم مع مرحلته العمريّة بحيث نغرس هذا الأمر في لا وعيه من حيث لا يدري. ولا يجوز إدخال الطفل في متاهات العبارات المعقدة والمركبة في السنين الأولى.. لهذا يجب أن نبحث عن كل ما قد يلفته ويسترعي انتباهه وبشكل لطيف بسيط وعفوي حتى نبسط له الفكرة، أعطيك مثالا حاولت في قصيدتي صانع الألعاب أن أعلّم الطفل كيف نصنع الألعاب من صوف الخاروف..
أنا صانعُ ألعابٍ ماهرْ
أغزل خيطاني كالسّاحرْ
ها سترة صوفٍ منسيّةْ
صارت حالاً خيرَ هديّةْ
أحشو الدّمية بالخيطانْ
صحبي قالوا: يا فنّانْ
*
للّحيةِ أستخدمُ قُطْنا
بالأسلاكِ أَشدَ القرنا
من بعضِ بقايا الأقمشةِ
أزياءُ دُمايَ المدهشةِ
فيها مُهرٌ جَرَّ العربة
وغزالٌ، ثورٌ في حلَبَةْ
طفلٌ يحبو، سِربُ حمامْ
وعرائسُ، راعٍ، أغنامْ
*
كَمْ تسحرُني كُرةُ الصّوفْ
قبلاً كانت ثوبَ خَروفْ
في ظلّ التّطوّر التّكنولوجيّ الهائل والمتسارع، وفي عالم السّوشيال ميديا وما رافقها من تقنيّات وألعاب خاصّة بالأطفال. كيف نستطيع أن نعيد الطّفل إلى القراءة وكيف نستطيع أن نستغلّها لفائدته؟
ليس لأحد أن يتجاهل حقيقة هذا الزّحف التّكنولوجيّ الذي يحاصرنا جميعاً. قد يقول قائلون كثر: “لا حيلة لنا فالجوال لا يبرح أيدي أطفالنا،” لا شكّ أنّ التّحدّي جسيم، لكن برأيي يحتاج الأمر بعض الحزم عبر تحديد وقت معيّن في اليوم يبتعد فيه الطّفل عن الشّاشة الزّرقاء وينصرف إلى أنشطة قرائيّة أو فكريّة تغدو رونيناً يوميّاً مهما كانت درجة تذمّره. وقد يتطلّب تقبّل الأطفال لوضع كهذا وقتاً وجهداً، لكنّ نتائجه المثمرة تقتضي الخوض المضني فيه. ولعلّنا في الخيارات الدّنيا المتاحة لنا نستطيع توظيف أسلوبَي التّرغيب والتّرهيب لنؤسّس لزحف عكسيّ. أعني أن تكون هذه الألعاب والوسائل التّقنيّة سلاحاً في يدنا بدلاً من أن تُشهَرَ في وجوهنا، ويكون ذلك عبر مكافأة الطّفل الذي يعطي وقتاً أطول للقراءة بلحظات لعب إضافيّة، وأن تكون عاقبة أيّ سلوك غير مرغوب به حرمان مؤقت من فردوس هذه الألعاب. هي أزمة جيل كامل ولا ينبغي أن يقف كلّ منّا مكتوف الأيدي أمام معطياتها، فكلّنا مطالبون بمحاربة تفشّيها.
على عاتق من يقع الدور الأكبر في تنشئة جيل مهتمّ بالقراءة.. المدرسة… العائلة… الجهات الرّسميّة والوزارات المعنيّة؟
الجميع يتقاسمون المسؤوليّة، كلٌّ من موقعه… فخلق مناخ القراءة الذي ذكرته وتعزيزه بكلّ الوسائل يحتاج تضافر جهود المعلِّمة والمدرسة مع جهود الأمّ والأب والجدّ والجدّة. ومن الحلول التي أراها مجدية للغاية أن تتحوّل قاعات المكتبات في المدارس إلى ميادين تنافس تشرف عليها أمينات وأمناء المكتبات بمتابعة حثيثة من معلّمة اللّغة العربيّة وبدعم كامل من إدارة المدرسة. كما أؤكّد على نشر ثقافة الكتاب المهدى التي أحرص عليها شخصيّاً بكلّ ما أوتيت من سبل التّواصل مع الأطفال، فالقراءة صنعت منّي ما أنا عليه. والكتاب هو قطعة السّكاكر المفضّلة التي يطيب لي إهداءها لكلّ طفل ألتقيه، فهذا يختزل رسالتي في الحياة ككاتبة ومترجمة وكمربية في المقام الأوّل.
من قصيدة أهلاً بالصّيف
الصّيف الهانئ إذ لاحَ
وغدوتُ الطّيرَ الصّدّاح
غنَّيْتُ وداعاً مدرستي
عطرٌ بحروفي قد فاحَ
*
ألواني الحلوةُ تبتسمُ
بيدي والرّيشةُ والقلمُ
ثمراً صيفيّاً يرسمُ لي
موجاً بالصّخرة يرتطمُ
هل المسابقات التي أصبحنا نراها وتهتمّ بالقراءة والطّفل مفيدة أم أنّها سلاح ذو حدّين؟
لا يمكننا إنكار الدّور التّحفيزيّ الذي تلعبه هذه المسابقات بالنّسبة لمن يحصدون نتائجها، لكن علينا أن نضع بعين الاعتبار نسبة الأطفال الذين لا يتصدّرون المشهد، ولا يحظون بتسليط ضوء مناسب على اقترابهم من حيازة اللّقب. قد ينقلب الأمر عكسيّاً عليهم ما لم نعزّز لديهم الشّعور بأنّ المشاركة بحدّ ذاتها في حدث كهذا هي قلادة فوز، وأنّ الطّفل الذي لا يكسب اللّقب يعود من المسابقة بعادات قرائيّة جميلة أهمّ من كلّ الألقاب. الأمر ليس بهذه السّهولة ويقتضي جلسات حوار مطوّلة.
أحب أن أختم بجملة لأحد الكتّاب وعلى بساطتها، وبرغم بعض الجدل الذي دار حولها فهي تختصر الكثير من الدروس في التربية والتعليم وتنشئة الأطفال
(يولد الطفل صفحة بيضاء تنقش عليها التجربة ما تريد)
من قصيدة الجوهرة الخضراء
إنّي جوهرة لا تلمعْ
أربعةٌ -يا صحبُ- حروفي
من أخضرِ قلبي تتفرّعْ
للطّيرِ غصوني كرفوفِ
*
أنا عنواني أنقى نسمةْ
والفيءُ هديّةُ زوّاري
ثَمَراتي هيَ أحلى نعمةْ
أجملُ لوحاتٍ أزهاري
*
من يعرفُ سرّ حكاياتي
أسردُها والصّوتُ حفيفُ
ترويها كلّ وريقاتي
وعليها للطّيرِ رفيفُ
*
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
بين الواقع والافتراض.. كيف نربّي جيلًا نشأ في حضن التكنولوجيا؟
سهير العامرية:
مع تسارع التقنيات وتتشابك العوالم الرقمية نشأ جيلٌ جديد يختلف في سلوكياته وأنماط تفكيره عن الأجيال السابقة؛ جيلٌ وُلد في قلب التكنولوجيا وتغذّى على وسائطها منذ خطواته الأولى... إنهم "جيل ألفا"، مواليد عام 2010 الذين يُعدّون الأكثر اتصالاً بالعالم الرقمي والأكثر إلمامًا بمهاراته وأدواته.
ورغم ما يتمتع به هذا الجيل من ذكاء رقمي واستقلالية في اتخاذ القرار، إلا أن تحدياتٍ جديدة برزت في محيط الأسرة والمدرسة على حد سواء، نتيجة ضعف تواصلهم الواقعي وانغماسهم في العوالم الافتراضية.
وحول هذا الواقع وتأثير الاعتماد المفرط على التكنولوجيا في تكوين شخصية "جيل ألفا" وتفاعله الاجتماعي، كان لنا هذا الحوار مع الأخصائية النفسية سهير العامرية التي تسلّط الضوء على أبرز الجوانب النفسية والسلوكية لهذا الجيل وتجيب عن تساؤلاتنا الآتية:
- من هم جيل ألفا؟
جيل ألفا هم الأطفال المولودون منذ عام 2010 فصاعدًا، أي الجيل الذي أعقب جيل "زد"، ومن المتوقع أن يمتد حتى عام 2025 تقريبًا. ويتميّز هذا الجيل بكونه الأول الذي وُلد ونشأ في بيئة رقمية خالصة، تحيط به الأجهزة الذكية، والتقنيات الحديثة، والتعليم الرقمي، والذكاء الاصطناعي منذ سنواته الأولى.
-ما الذي يميز جيل ألفا عن الأجيال السابقة؟ وكيف أسهمت التكنولوجيا في تكوين شخصيته؟
يُعرف جيل ألفا بكونه "جيلًا رقميًا بالفطرة"، إذ يتعامل مع التكنولوجيا منذ سنواته الأولى بسهولة ومرونة. وتميل فئة كبيرة من هذا الجيل إلى التعلم البصري والعملي، مفضّلين مقاطع الفيديو والصور والتجارب التفاعلية على القراءة التقليدية.
وتضيف العامرية أن أبناء هذا الجيل يميلون إلى الاستقلالية ولا يتقبلون الأوامر المباشرة، بل يفضلون المشاركة في اتخاذ القرار، كما يتّصفون بالحساسية والعاطفية، ويتأثرون سريعًا بالكلمة أو الموقف، مما يستدعي دعمًا نفسيًا مستمرًا من الأسرة والمحيطين.
وتشير إلى أن جيل ألفا اجتماعي بطريقته الخاصة، إذ يعبّر عن تفاعله عبر الإنترنت من خلال الألعاب والمنصات الرقمية، في حين ترتفع توقعاته تجاه كل ما يحيط به، فهو يحب السرعة والجودة والحصول على إجابات مباشرة.
-ما دور الأسرة في توجيه جيل ألفا وسط التطور الرقمي المتسارع؟
الإصغاء إلى الأبناء يُعد الخطوة الأولى لفهم هذا الجيل، مع ضرورة إتاحة المجال لهم للتعبير عن آرائهم حتى وإن اختلفت مع وجهة نظر الأسرة. وينبغي تجنّب أسلوب الرفض القاطع أو الجدال العقيم، واستبداله بالحوار الهادئ القائم على طرح الأسئلة، مع توظيف التكنولوجيا بشكل إيجابي في عملية التعليم والتربية، عبر التطبيقات والوسائط التي يفضلها الأبناء.
كما أن الاعتراف بمشاعرهم عبر عبارات بسيطة مثل: "أفهم شعورك"، يسهم بشكل كبير في بناء الثقة، إلى جانب تشجيع الأبناء على الاستقلالية الموجّهة، من خلال منحهم مساحة من الحرية وإشراكهم في اتخاذ القرارات بطريقة متوازنة بين الحزم والدعم.
-هل يُعدّ جيل ألفا أكثر ذكاءً تقنيًا من الأجيال السابقة؟
يُعد جيل ألفا بالفعل الأكثر ذكاءً تقنيًا بين الأجيال، إذ نشأ في بيئة رقمية متكاملة تحيط به التكنولوجيا من كل جانب، بدءًا من الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، وصولًا إلى الذكاء الاصطناعي والتعليم عبر الإنترنت.
ويعيش هذا الجيل في عصر السرعة، ما جعله معتادًا على الحصول الفوري للمعلومة عبر محركات البحث ومنصات التواصل مثل "يوتيوب" و"تيك توك"، ويتواصل بسهولة مع أقرانه حول العالم من خلال الألعاب والمنصات الرقمية، ويتمتع بقدرة عالية على التفاعل عبر الشاشات واكتساب المعرفة الذاتية، إضافةً إلى امتلاكه مهارات ابتكارية تؤهله لتطوير تطبيقات وبرامج رقمية جديدة.
-ما إيجابيات وسلبيات استخدام الأجهزة الذكية في سن مبكرة؟
يحمل الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية في مراحل الطفولة المبكرة آثارًا سلبية عدة، أبرزها الإدمان على الشاشات الذي يؤدي إلى ضعف التركيز وتشتّت الانتباه، إضافة إلى تراجع القدرة على الصبر والرغبة في النتائج الفورية. كما يسهم تأثير المحتوى الإعلامي في تشكيل سلوكهم واتجاهاتهم، إذ يتأثر بعض الأطفال بالمؤثرين ومحتوى الإنترنت أكثر من تأثرهم بآراء الأسرة.
ويؤدي الإفراط في استخدام الوسائط الرقمية إلى ضعف مهارات التواصل الواقعي، حيث يميل الأطفال إلى الدردشة والكتابة بدل اللقاء المباشر.
أما الجانب الإيجابي، فيكمن في تنمية قدراتهم المعرفية والإبداعية، إذ يمتلك جيل ألفا قابلية عالية للتعلّم السريع ومرونة في استخدام التكنولوجيا، إلى جانب انفتاحه على الثقافات العالمية، ما يجعله أكثر استعدادًا لمستقبل رقمي متطور.
-هل فقد هذا الجيل جزءًا من التواصل الاجتماعي الواقعي؟
لقد فقد بالفعل جزءًا من تواصله الاجتماعي الواقعي نتيجة انغماسه العميق في العالم الرقمي، حيث ضعفت لديه مهارات الحوار المباشر والعلاقات الإنسانية القائمة على التفاعل الوجداني. وتشير المعطيات إلى أن الكثير من الأطفال والمراهقين باتوا يعتمدون على الرسائل النصية والرموز التعبيرية (الإيموجي) للتعبير عن مشاعرهم، بدل التواصل اللفظي والمشاعر الحقيقية، مما أحدث فجوة في مهاراتهم الاجتماعية على أرض الواقع.
-كيف يمكن تعزيز قيم الاحترام والمسؤولية لدى هذا الجيل؟
يشكل الانشغال بعوالم الإنترنت خطرًا على منظومة القيم الإنسانية والروحية، مما يستدعي دورًا أكبر للأسرة في التربية بالقدوة والحوار. ويؤكد الخبراء على ضرورة أن تكون القدوة حاضرة قبل التوجيه، مع استبدال أسلوب الأوامر بالنقاش الهادئ المبني على الاحترام المتبادل.
ويُعزز تعليم الأبناء لغة الاحترام اليومية من خلال الممارسة، وتحديد الحدود السلوكية بوضوح وشفافية، وربط تلك القيم بالهوية الوطنية والأخلاقية؛ لترسيخ الانتماء والمسؤولية في نفوسهم منذ الصغر.
-ما دور المدرسة والمجتمع في بناء شخصية متوازنة؟
يُتوقع من المدرسة والمجتمع استثمار الأدوات التقنية المتاحة لتعزيز الجانب الإنساني والاجتماعي لدى الطلبة، والموازنة بين المعرفة الرقمية والمهارات الحياتية الواقعية. هذا يُسهم في بناء جيل متكامل قادر على التفاعل بفاعلية مع العالمين الواقعي والافتراضي معًا، مع الحفاظ على قيم الاحترام والمسؤولية والاستقلالية.
-كيف يمكن للوالدين تحقيق التوازن بين الحرية والضبط في التربية ؟
تربية جيل ألفا تتطلّب مقاربة جديدة تراعي طبيعة هذا الجيل الرقمي، وتقوم على الاحترام المتبادل والحوار الفعّال. وتؤكد أن غرس قيم الاحترام ينبغي أن يتم بأسلوبٍ حديثٍ مفهومٍ لهم، من خلال التواصل المستمر، وتوزيع المسؤوليات والمهام داخل الأسرة، والإصغاء الجيد لآرائهم، إلى جانب التعامل معهم بذات الأدوات والوسائل التي يفضّلونها، كالوسائط التقنية والتطبيقات الحديثة، مما يخلق جسرًا من الثقة والفهم المتبادل بين الطرفين.
-ما أبرز التحديات التي قد يواجهها جيل ألفا مستقبلًا؟
توضح العامرية أن التحدي الأكبر أمام جيل ألفا يتمثل في الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، إذ يُعدّ هذا الجيل أول من وُلد في بيئة رقمية تحيطه الأجهزة الذكية والذكاء الاصطناعي من كل جانب، مما جعل التقنية جزءًا من تكوينه النفسي والاجتماعي ،وذلك قد يؤدي إلى ضعف مهارات التواصل الواقعي والإدمان الرقمي، إلى جانب التغيّر السريع في منظومة القيم والمعتقدات وتعدّد الهويات الرقمية والاجتماعية، ما قد يسبب حالة من الارتباك أو المقارنة المستمرة مع الآخرين.،وهذه التحديات تتطلب تعزيز الوعي الذاتي والانتماء الحقيقي للقيم الإنسانية والوطنية لدى هذا الجيل.
-كيف سيكون سوق العمل في المستقبل مناسبًا لهذا الجيل ؟
يشهد سوق العمل تحوّلًا جذريًا خلال السنوات القادمة بفعل الذكاء الاصطناعي والأتمتة والروبوتات، ما سيؤدي إلى اختفاء العديد من المهن التقليدية وظهور وظائف جديدة لم تُخترَع بعد ،وسيكون أكثر قدرة على التكيّف مع هذا الواقع، بفضل مهاراته التقنية العالية ومرونته في التعامل مع التقنيات الحديثة، ما يؤهله لقيادة المستقبل في مجالات الابتكار الرقمي والتقنية الذكية.
-هل سيؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تغيّر طريقة تفكيرهم ؟
إن الذكاء الاصطناعي سيترك أثرًا واضحًا في طريقة تفكير هذا الجيل، إذ سيمتد تأثيره إلى الجوانب العقلية والنفسية والتعليمية والاجتماعية، وسيسهم في تطوّر التفكير الإبداعي لدى هذا الجيل، ويعزز قدراته المعرفية والتعليمية بفضل التفاعل المستمر مع الأدوات الذكية والمحتوى التفاعلي. ومع ذلك فإن هذا التطور يحتاج إلى توجيه سليم حتى لا يطغى الجانب التقني على القيم الإنسانية والمهارات الواقعية.
-ما المجالات التي يُتوقّع أن يبدع فيها جيل ألفا؟
إن جيل ألفا يمتلك قابلية فطرية للإبداع في مجالات التقنية الحديثة، ويتوقّع أن يتفوّق في التصميم، والبرمجة، والتكنولوجيا، والاختراع والابتكار، بفضل قدرته العالية على التعلم الذاتي والتعامل مع الأدوات الرقمية منذ سن مبكرة.
-هل من المهم أن يفهم الآباء طبيعة هذا الجيل ؟
إن فهم الأهل لطبيعة جيل ألفا أمرٌ جوهري لبناء تواصل فعّال معهم، حيث إن الفهم هو أساس العلاقة المتوازنة داخل الأسرة وغيابه يؤدي إلى صدامٍ دائم بين الطرفين، إذ قد يظنّ الأهل أن أبناءهم يتصفون بالعناد أو قلّة الاحترام، بينما يرى الأبناء أن ذويهم لا يفهمونهم أو يرفضون أفكارهم.
وتختم بالقول إن إدراك الوالدين لخصائص هذا الجيل وسلوكياته يجعل العلاقة أكثر قربًا وتفاهمًا، ويتحوّل أسلوب التربية من الأوامر الصارمة إلى حوار بنّاء يعزز الثقة والاحترام المتبادل.