جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-11@22:35:38 GMT

التاريخ العُماني إلى أين؟

تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT

التاريخ العُماني إلى أين؟

 

 

حمد الناصري

 

أعتقدُ جازمًا أننا نَمُرّ بمرحلة حاسمة من التاريخ وحيث تُعاد كتابة التاريخ في بعض الدُول وفقًا للمصالح وليس للحقائق التاريخية وهذا أمرٌ خطير وعواقبه المُستقبلية أخطر مِمّا يَظن البعض.

ورغم أنّ تاريخ سَلطنتنا المَجيدة شَمس لا تَحجبها كل غرابيل الدنيا، وأنّ الحقيقة لا تُبَدّلها الأكاذيب لكنّنا يَجب ألّا نتجاهل أو نتهاون مع مُحاولات تحريف أو تزوير التاريخ ليس فقط لتأثيراتها الحالية ثقافيًا وحضاريًا ولكن لعواقبها المُستقبلية جُغرافيًا وسِياديًا أيضًا.

وبكل صراحة فنحن في عُمان ولأسْباب مرحليّة وظرفيّة أهْمَلنا توثيق وتجذير ذلك التاريخ وفَقَدْنا بسبب ذلك الكثير من الوثائق والمُستندات التاريخية التي تدعم أحقيّة السَلطنة بشواهد وشُخوص كثيرة لا حصر لها.

إنَّ عملية إعادة كتابة التاريخ بالاسْتعانة ببعض مُرتزقة المُؤرخين ليست بالأمْر الهيّن حتى ولو بدت حاليًا بلا أهميّة ولكنها ستكون مُؤثرة مُسْتقبلًا خُصوصًا فيما يخصّ حقوق السّيادة على المياه الإقليمية والأجواء بل وحتى الأراضي الحدودية.

إنّ دُولًا تشكّلت حديثًا مثل الكيان الإسْرائيلي مثلًا أصْبَحت تُطالب بأراض تابعة لدول ليس لديها حُدود أصْلًا مع فلسطين، فكيف إذا كان هناك حدود مُشتركة؛ وذلك مِمّا يُثِير مَخاوف كبيرة ليس فقط مِن ضَياع تُراثنا وتاريخنا؛ بل حتى سِيادتنا على أراضينا ومِياهنا لا سمح الله، ولنا في التاريخ القديم والجديد شواهد كثيرة على نِزاعات تاريخية وصلتْ حَدّ الاقتتال بين دُول نشأتْ مِثْل جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ودُول يوغوسلافيا السابقة ومَدى تأثير الوثائق والمُستندات التاريخية على ترسيم الحدود البرية والبحرية بلْ حتى على استغلال الثروات الدفينة كالنفط والغاز وغيرهما عند الحدود المشتركة.

ولا ريب أنّ تاريخ عُمَاننا الغالية مَشهود في أكثر مِن بُقعة تاريخية؛ بلْ إنّ دولًا حديثة العَهد غَطّت بعض المساحات الجغرافية وتشكّلت كجزء مِن عُمان التاريخية وامْتدت في مِساحات مِن الجزيرة العربية وصُولا إلى غرب آسيا وأقصى الشرق الأفريقي.

وغَطّت امْتدادات الإمبراطورية العُمانية مِساحات واسعة جدًا، وعُرفت بكونها دولة عربية عظيمة وسِلميّة امتدّت من الشرق الذهبي الأفريقي حتى سواحل باكستان وجُزء من فارس (مَكران حاليًا) وكان للأساطيل العُمانية اليَد الطُولى على بحر العرب والخليج العربي ومِساحات شاسِعَة من البحر المفتوح والذي تشترك في مياههِ الإمبراطورية العُمانية وعُرف لاحقًا بالمحيط الهندي .

تلك كانت الحُقبة الذهبية ومرحلة تاريخية شهدت توسّعًا عُمانيًا هائلًا شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا بَدءًا مِن مِياه الخليج "الجزيرة العربية" وصُولا إلى أقصى مِياه السواحل الافريقية وغرب آسيا، وساهمت الإمبراطورية العُمانية الخالدة في ازدهار البُلدان التي دخلتها وانعشت الحياة الاقتصادية فيها، ونَشطت حركة الملاحة البحرية بغير انقطاع في بِحارنا العربية والمِياه البحرية العميقة وبحر الهند والسواحل الشرقية الأفريقية في ظل سَيطرةٍ بحريّة للأسطول العُماني الجبّار آنذاك.

وفي موسوعة عُمان في التراث العربي، نقرأ ما كتبه. د. هلال الحجري في الجزء الأول "إنها لمفخرةٌ عظيمة لعُمان أنْ يأتي ذِكْرها على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث، وإنه لشرفٌ لها أنْ يتردد ذِكْرها في أفواه صحابته الكرام، وإنهُ لتخليدٌ لإسْمها أنْ يَلْهَج به فطاحل الشُعراء منذ الجاهلية إلى العصر الحديث، وإنه لكنزٌ عظيم ما خلّفَه عُلماءُ اللغة والأدب والتاريخ والجُغرافيا والطب، وهُم يتحدثون عن لُغة أهل عُمان وشُعرائها وخُطبائها ومُلوكها وأسواقها ونضالها في مُواجهة الطامعين والغُزاة واستقلالها واتساعها الجغرافي وجبالها ومُدنها وبِحارها وجواهرها ونخيلها ونباتاتها الطُبّية".

لقد أنْجَبت عُمان للأمة الإسلامية والعربية فطاحل الرجال في العلوم والأدب والفلسفة والقيادة والفقه مِمّا لا يُمكن حصرهم في كتب ناهيك عن مقالة بسيطة.

خُلاصة القول.. أذكر أنني كتبتُ في عام 2022 مقالًا، تحدثتُ فيه، أنّ عُمان العظيمة يحقّ لها أنْ تحتفظ بحدود مياهٍ بحرية عميقة، تحمل اسْمها. وأنا هنا إذْ أكرّر الدعوة لأهمية الموضوع وحساسيته، الآن ومُسْتقبلًا فعُمان تستحق مِنّا كل الاهتمام والتضحية والجُهد وأرى أنْ تُشَكّل هيئة عُمانية وبالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بالأمم المُتحدة كاليونيسكو وغيرها ودُول المُحيط العُماني والإقليمية ذات الصّلة لتثبيت وتوثيق الحدود البرية والبحرية وإعادة المُسَمّيات بالشواهد التاريخية وحتى الشُخوص بما لا يَقبل الشكّ أو الدّحض مُستقبلًا حفاظًا على أرض ومِياه وتُراث عُمان إلى الأبد وهو اسْتحقاق عُماني ليس لدولة أو مُنظمة فَضْل به على وطننا العزيز.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المشهد الفلسطيني .. قسوة التاريخ ومنطق البطش

لا يبدو أن القيادة الإسرائيلية الراهنة في عجلة من أمرها حول حرب الإبادة والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين فهي مستمرة بكل صلف وعنجهية وماضية في السقوط بها إلى أحقر مستوياتها انحدارا وفظاعة في التاريخ المعاصر منذ مذابح التطهير العرقي في حرب البوسنة والهرسك ما بين 1992 - 1995 وكذلك حرب الإبادة في رواندا بين قبائل « الهوتو » و « التوتسي » عام 1994 وما فعلته القوات الأمريكية من فظائع في حق الشعب العراقي إبان غزو العراق عام 2003.

ويرتقي يوميا مئات الشهداء الفلسطينيين معظمهم من الأطفال والنساء ويصبح استشهادهم مجرد خبر ثانوي في وسائل الإعلام العالمية، بل إن بعض وسائل الإعلام العربية والخليجية، للأسف، تتناوله بخجل في أواخر الأخبار وقد يأتي أو لا يأتي بعد خبر عن « سخونة الآيفون الجديد » و «انفصال إحدى المشهورات» أو آخر صيحات الموضة في مجموعة المصمم «إيلي صعب الصيفية » ! .

في واقع الأمر، فإن ذلك أمر غير مستغرب، في ظل منطق البطش والقوة الإسرائيلية الذي توفر له واشنطن الغطاء السياسي والعسكري واللوجستي فيما تتولى حكومة الكيان استكمال الفظائع على الأرض وتهيئة المسرح الإقليمي والدولي لتذويب القضية تحت ضربات القصف والاغتيالات والتجويع، وكل تلك السلسلة من الفظائع الدموية التي أصبحت ثقافة وهوية الكيان الإسرائيلي في تعاملها مع الفلسطيني والعربي والإيراني وتحويل الفلسطينيين إلى «دياسبورا» العصر، مشرذمين في المنافي ومخيمات اللاجئين وتفاصيل مشوهة في جداريات المشروع الصهيوني وبعض حلفائهم «العرب» والانتقال إلى الأجزاء اللاحقة لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من خلال التوسع وقضم أجزاء من سوريا ولبنان، فيما يرى بعض المراقبين أن الهدف هو دول مركزية أخرى في العالم العربي حيث لا يراد لهذه الأمة أن تقوم لها قائمة.

وبحسب صحيفة الجارديان بتاريخ 7 من يوليو 2025، فقد دخل على ذات الدائرة المشؤومة مركز الأبحاث التابع لتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ( Tony Blair Institute for Global Change (TBI) ) للمشاركة في مشروع لوضع وتطوير خطط لما بعد الحرب في غزة، تتضمن إنشاء «ريفييرا ترامب» ومنطقة صناعية تحمل اسم إيلون ماسك بالشراكة مع رجال أعمال إسرائيليين، في سياق رؤية دونالد ترامب التي كانت تهدف إلى السيطرة على الأراضي الفلسطينية وتحويلها إلى منتجع سياحي وفق الصحيفة.

في مقابل ذلك، هنالك انقسام فلسطيني كارثي بلغ من السقوط والتردي أن يطالب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية حركة حماس بإلقاء السلاح تمهيدا لتصفية من تبقى منهم حيا لاحقا من جانب آلة القتل الإسرائيلية، وهو أمر مؤسف حيث لم يخرج الفلسطينيون على ما يبدو من ذهنية «الفصيل» والتحول إلى ذهنية المقاومة الشاملة الموحدة إيديولوجيا وفكريا وعسكريا وتبعثرت راياتهم وذهبت ريحهم بين توجهات ومآرب الممولين والرعاة وشذاذ الآفاق والحسابات الإقليمية والدولية بخلاف العديد من حركات المقاومة والتحرر الأجنبية التاريخية.

يبدو الوضع في غاية الكارثية الآن في هذه اللحظة العربية المجنونة حيث تتآمر أطراف عربية لتدمير عرب مثلهم ومسلمين مثلهم ويكملون مسيرة الدم والخراب الإسرائيلية في الجغرافيا العربية في مشهد تجاوز معظم سوريالية الحالة العربية، التي لربما لم تنكشف بهذا المستوى الدموي والعبثي منذ استقلالها عن هيمنة الدول الاستعمارية من بعد الحرب العالمية الثانية.

ومن المفارقات اللافتة في هذا السياق رغم أنه ليس بجديد تاريخيا، أن نجد ردات فعل و«انتفاضات» أخلاقية على المستوى العالمي لاسيما في أوروبا التي بدأت تشهد حراكا سياسيا ضد البربرية الإسرائيلية تحت وطأة الضغط الشعبي والرأي العام الأوروبي (بدأت تنتشر شعارات مثل الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي) وصدور تصريحات ومواقف ضد الحكومة الإسرائيلية لم تعهد سابقا في أوروبا الغربية وحتى في عمق الداخل الأمريكي، ويبدو أن الوعي الأوربي والعالمي بدأ يخرج من حالة التضليل الممنهج واختطاف الرأي العام العالمي فيما يخص فلسطين والسردية الفلسطينية.

ومع ذلك فإن التاريخ ورغم كل هذه الصورة القاتمة والمعطيات المحبطة وحالة الخذلان والانكسار التي تسود العالم العربي، إلا أن التاريخ يعلمنا دروسه بوسائل شتى، فرغم الاحتلال العسكري للضفة وغزة، وفرض واقع الفصل العنصري (الأبارتهايد) من خلال الجدران العازلة والمستوطنات والقوانين التمييزية وسياسة العقاب الجماعي، بما في ذلك الحصار الذي حوّل القطاع إلى أكبر سجن مفتوح في العالم وارتكاب المجازر الجماعية والتهجير القسري الممنهج، والتدمير الشامل للبنية التحتية، وخلق كارثة إنسانية غير مسبوقة ورغم القوة العسكرية الوحشية والتأييد الأمريكي / الغربي الرسمي، فإن إسرائيل تواجه اليوم مآزق وجودية متعددة بما في ذلك تحولها إلى دولة منبوذة عالميا وتزايد عزلتها الدولية إذ بدأت قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي، ومنظمات حقوقية بما فيها محكمة جرائم الحرب في وصف سلوكها بأنه إبادة جماعية وجرائم حرب.

وفي السياق ذاته، يلاحظ وجود حالة تآكل داخلي سياسي ومجتمعي وهناك انقسامات داخلية عميقة، وتطرف حكومي غير مسبوق، وتراجع في ثقة مواطنيها بمؤسساتها وقيادتها. في مقابل ذلك، يلاحظ صعود جيل فلسطيني جديد لا يعرف الخوف وليس لديه ما يخسره ولا يقبل بمساومات الاستسلام، بل يطالب بالكرامة والعدالة وحق العودة.

وبالتالي فإن إسرائيل، بصفتها قوة احتلال استيطاني تعتمد على العنف الممنهج والوحشية والإقصاء القومي والدعم الأمريكي، ليست محصنة من المصير الذي واجه أنظمة أخرى ولعل الشرق الأوسط (بربيعه وثوراته وعواصفه) يحفل بمثل هذه العبر والدروس، فالاستبداد والقمع والتطهير العرقي والفصل العنصري لا يمكن أن يكون مشروعًا مستدامًا لأمة ما، ولا يمكن لأمن دولة واستقرارها ومستقبلها يُبنى على أنقاض شعب بأكمله، أن يُكتب له البقاء والديمومة ولعل الصواريخ الباليستية الإيرانية التي ضربت تل أبيب مجرد تذكير بسيط بتعقيد الشرق الأوسط وتقلباته الخطيرة وعبره المريرة.

يحيى العوفي كاتب ومترجم عماني

مقالات مشابهة

  • شاب عُماني يسطع في واحدة من أرقى كليات إدارة الأعمال في العالم
  • مدرب المنتخب: تحسين الأداء الفني والتقني وتأهيل المواهب العُمانية
  • إسقاط الشأن الإقليمي على الحالة الأردنية: خلطٌ مضر وتحديات خطاب الهوية التاريخية
  • «رئيس النواب» يثمن العلاقات التاريخية المصرية الصينية
  • عقب نهاية مسيرته التاريخية مع الريال.. لوكا مودريتش ينضم إلى ميلان
  • موقف حاسم من النصر بشأن مستقبل ساديو ماني
  • المشهد الفلسطيني .. قسوة التاريخ ومنطق البطش
  • الحرب على التاريخ أيضا في غزة
  • 55 مليون ريال عُماني.. حجم الاستثمار في الصّناعات الطبية بمدينة ريسوت الصناعية
  • رئيس مجلس الدولة يستقبل وفدًا قضائيًّا عُمانيًا للاطلاع على جهود التحول الرقمي