التاريخ العُماني إلى أين؟
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
حمد الناصري
أعتقدُ جازمًا أننا نَمُرّ بمرحلة حاسمة من التاريخ وحيث تُعاد كتابة التاريخ في بعض الدُول وفقًا للمصالح وليس للحقائق التاريخية وهذا أمرٌ خطير وعواقبه المُستقبلية أخطر مِمّا يَظن البعض.
ورغم أنّ تاريخ سَلطنتنا المَجيدة شَمس لا تَحجبها كل غرابيل الدنيا، وأنّ الحقيقة لا تُبَدّلها الأكاذيب لكنّنا يَجب ألّا نتجاهل أو نتهاون مع مُحاولات تحريف أو تزوير التاريخ ليس فقط لتأثيراتها الحالية ثقافيًا وحضاريًا ولكن لعواقبها المُستقبلية جُغرافيًا وسِياديًا أيضًا.
إنَّ عملية إعادة كتابة التاريخ بالاسْتعانة ببعض مُرتزقة المُؤرخين ليست بالأمْر الهيّن حتى ولو بدت حاليًا بلا أهميّة ولكنها ستكون مُؤثرة مُسْتقبلًا خُصوصًا فيما يخصّ حقوق السّيادة على المياه الإقليمية والأجواء بل وحتى الأراضي الحدودية.
إنّ دُولًا تشكّلت حديثًا مثل الكيان الإسْرائيلي مثلًا أصْبَحت تُطالب بأراض تابعة لدول ليس لديها حُدود أصْلًا مع فلسطين، فكيف إذا كان هناك حدود مُشتركة؛ وذلك مِمّا يُثِير مَخاوف كبيرة ليس فقط مِن ضَياع تُراثنا وتاريخنا؛ بل حتى سِيادتنا على أراضينا ومِياهنا لا سمح الله، ولنا في التاريخ القديم والجديد شواهد كثيرة على نِزاعات تاريخية وصلتْ حَدّ الاقتتال بين دُول نشأتْ مِثْل جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ودُول يوغوسلافيا السابقة ومَدى تأثير الوثائق والمُستندات التاريخية على ترسيم الحدود البرية والبحرية بلْ حتى على استغلال الثروات الدفينة كالنفط والغاز وغيرهما عند الحدود المشتركة.
ولا ريب أنّ تاريخ عُمَاننا الغالية مَشهود في أكثر مِن بُقعة تاريخية؛ بلْ إنّ دولًا حديثة العَهد غَطّت بعض المساحات الجغرافية وتشكّلت كجزء مِن عُمان التاريخية وامْتدت في مِساحات مِن الجزيرة العربية وصُولا إلى غرب آسيا وأقصى الشرق الأفريقي.
وغَطّت امْتدادات الإمبراطورية العُمانية مِساحات واسعة جدًا، وعُرفت بكونها دولة عربية عظيمة وسِلميّة امتدّت من الشرق الذهبي الأفريقي حتى سواحل باكستان وجُزء من فارس (مَكران حاليًا) وكان للأساطيل العُمانية اليَد الطُولى على بحر العرب والخليج العربي ومِساحات شاسِعَة من البحر المفتوح والذي تشترك في مياههِ الإمبراطورية العُمانية وعُرف لاحقًا بالمحيط الهندي .
تلك كانت الحُقبة الذهبية ومرحلة تاريخية شهدت توسّعًا عُمانيًا هائلًا شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا بَدءًا مِن مِياه الخليج "الجزيرة العربية" وصُولا إلى أقصى مِياه السواحل الافريقية وغرب آسيا، وساهمت الإمبراطورية العُمانية الخالدة في ازدهار البُلدان التي دخلتها وانعشت الحياة الاقتصادية فيها، ونَشطت حركة الملاحة البحرية بغير انقطاع في بِحارنا العربية والمِياه البحرية العميقة وبحر الهند والسواحل الشرقية الأفريقية في ظل سَيطرةٍ بحريّة للأسطول العُماني الجبّار آنذاك.
وفي موسوعة عُمان في التراث العربي، نقرأ ما كتبه. د. هلال الحجري في الجزء الأول "إنها لمفخرةٌ عظيمة لعُمان أنْ يأتي ذِكْرها على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث، وإنه لشرفٌ لها أنْ يتردد ذِكْرها في أفواه صحابته الكرام، وإنهُ لتخليدٌ لإسْمها أنْ يَلْهَج به فطاحل الشُعراء منذ الجاهلية إلى العصر الحديث، وإنه لكنزٌ عظيم ما خلّفَه عُلماءُ اللغة والأدب والتاريخ والجُغرافيا والطب، وهُم يتحدثون عن لُغة أهل عُمان وشُعرائها وخُطبائها ومُلوكها وأسواقها ونضالها في مُواجهة الطامعين والغُزاة واستقلالها واتساعها الجغرافي وجبالها ومُدنها وبِحارها وجواهرها ونخيلها ونباتاتها الطُبّية".
لقد أنْجَبت عُمان للأمة الإسلامية والعربية فطاحل الرجال في العلوم والأدب والفلسفة والقيادة والفقه مِمّا لا يُمكن حصرهم في كتب ناهيك عن مقالة بسيطة.
خُلاصة القول.. أذكر أنني كتبتُ في عام 2022 مقالًا، تحدثتُ فيه، أنّ عُمان العظيمة يحقّ لها أنْ تحتفظ بحدود مياهٍ بحرية عميقة، تحمل اسْمها. وأنا هنا إذْ أكرّر الدعوة لأهمية الموضوع وحساسيته، الآن ومُسْتقبلًا فعُمان تستحق مِنّا كل الاهتمام والتضحية والجُهد وأرى أنْ تُشَكّل هيئة عُمانية وبالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بالأمم المُتحدة كاليونيسكو وغيرها ودُول المُحيط العُماني والإقليمية ذات الصّلة لتثبيت وتوثيق الحدود البرية والبحرية وإعادة المُسَمّيات بالشواهد التاريخية وحتى الشُخوص بما لا يَقبل الشكّ أو الدّحض مُستقبلًا حفاظًا على أرض ومِياه وتُراث عُمان إلى الأبد وهو اسْتحقاق عُماني ليس لدولة أو مُنظمة فَضْل به على وطننا العزيز.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
جيمس ويب يرصد ضوءا “مستحيلا” من فجر التاريخ
إنجلترا – في مفاجأة علمية غير متوقعة، رصد تلسكوب جيمس ويب الفضائي إشعاعا ساطعا للهيدروجين من مجرة تعود إلى فجر الكون، ما يدفع الفلكيين لإعادة النظر في فهمنا لتطور الكون المبكر.
وظهرت المجرة JADES-GS-z13-1 بعد الانفجار العظيم بـ330 مليون سنة فقط، وتمكن تلسكوب جيمس ويب الفضائي من رصد انبعاث قوي لخط لايمان-ألفا (LAE) من الهيدروجين، وهذا الإشعاع لا يمكن رؤيته إلا بعد أن ينقشع الضباب الكثيف للهيدروجين المحيط به بالكامل. وكانت هذه النتيجة غير متوقعة تماما من قبل نظريات التكوين المبكر للمجرات وقد فاجأت علماء الفلك.
وأوضح البروفيسور روبرتو مايولينو من جامعة كامبريدج: “الكون المبكر كان مغمورا بضباب كثيف من الهيدروجين المحايد. وهذا الاكتشاف غير متوقع ويتعارض مع نظرياتنا حول تكون المجرات الأولى”.
ويشير الاكتشاف إلى أن عملية إعادة التأين (reionization) قد تكون بدأت مبكرا عما اعتقد سابقا، ما يطرح أسئلة جديدة حول كيفية هروب الضوء من المجرات المبكرة، وقد يعيد تعريف فهمنا للنجوم الأولى في الكون.
ويشير العلماء إلى أن الانبعاث قد يكون ناتجا عن الجيل الأول من النجوم فائقة الكتلة، أو قد يكون بسبب ثقب أسود فائق الكتلة في مركز المجرة. وقد يشير أيضا إلى وجود فقاعة كبيرة من الهيدروجين المتأين حول المجرة.
واستخدم الفريق كاميرا NIRCam ومقياس الطيف NIRSpec على متن تلسكوب جيمس ويب الفضائي.
وأظهرت صور NIRCam أن الانزياح الأحمر للمجرة (زيادة طول الموجة الكهرومغناطيسية القادمة إلينا نتيجة سرعة ابتعاد المجرة عنا) بلغ 13.0، ما يؤكد قدمها الشديد
وقال الدكتور جوريس ويتستوك من جامعة كامبريدج: “هذا الاكتشاف يغير قواعد اللعبة. إنه مثل العثور على منارة ساطعة في وسط ضباب كثيف كان من المفترض أن يحجبها تماما”.
وهذا الاكتشاف التاريخي يفتح فصلا جديدا في دراسة الكون المبكر، ويؤكد قدرات تلسكوب جيمس ويب الفضائي غير المسبوقة في كشف أسرار نشأة الكون.
نشرت الدراسة بمجلة Nature.
المصدر: scitechdaily