لم تكن كلمة "هبرة" التي قالها رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، مجرد كلمة عابرة، أو سقطة تنضم إلى مجموع سقطاته، لكنها كلمة كاشفة تفضح الذمة المالية للسيسي التي أصبحت في عهده مستندا سريا يحظر الإفصاح عنه بالمخالفة للمادة 145 من الدستور.

وعادة ما تستخدم كلمة "هبرة" أو "الهبر" في اللهجة المصرية العامية للتعبير عن نهب الأموال أو الاستيلاء على ما يمتلكه الآخرون دون رقيب أو حسيب، لذا أثار ذكرها على لسان السيسي تساؤلات واسعة عن حقيقة الطريقة التي تتم بها إدارة الدولة، وصرف أموالها، واتخاذ قرارات دون مراجعة الميزانيات أو دراسة الموقف، وهو ما دفع "عربي21" إلى فتح ملف الذمة المالية للسيسي المسكوت عنه.



في حديثه، الأربعاء الماضي، باحتفالية لذوي الهمم، أثار السيسي جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي بإطلاقه جملة "لازم ناخد هبرة" خلال مطالبته رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، بتخصيص 10 مليارات جنيه لدعم صندوق "قادرون باختلاف"، في قرار اتخذه على الهواء مباشرة.

المثير أن "هبرة السيسي" كانت في سياق نشوة ما بعد صفقة بيع "رأس الحكمة" للإمارات مقابل 35 مليار دولار، وهو ما ظهر جليا على لغة جسده وارتفاع معنوياته خلال حديثه -بحسب مختصين-.

ويخشى مراقبون، أن يبدّد السيسي أموال الصفقة الجديدة، التي أثارت غضب المصريين، كما بدد سابقا مليارات الدولارات من الدعم الخليجي السخي غير المسبوق والمستمر منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013.

"بلا ذمة مالية"
وأجرى السيسي 3 انتخابات رئاسية منذ الانقلاب العسكري، دون أن يقدم أي معلومة عن للبحث عن ذمته المالية ونشرها للجمهور، بالمخالفة للمواد (145) و(109) و(166) من الدستور المصري التي تلزم رئيس الجمهورية بتقديم إقرار ذمة مالية عند توليه المنصب، وعند تركه، وفي نهاية كل عام، ونشرها بالجريدة الرسمية.

ورغم مزاعم الحملة الانتخابية للسيسي، في كانون الثاني/ يناير 2018، بأن إقرار الذمة المالية للرئيس منشور بالجريدة الرسمية، ومثبت به تبرع السيسي بنصف ثروته لصندوق "تحيا مصر"، إلا أن تحقيقا استقصائيا نشره موقع "مدى مصر" أثبت عدم وجود أية إقرارات ذمة مالية للسيسي في انتخابات 2014 و 2018. فيما نقل الموقع على لسان المدير التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات المستشار، علاء فؤاد، أن إقرار الذمة المالية الخاصة بالسيسي مستند سري يحظر الإفصاح عنه.

ولم تتوصل "عربي21" كذلك إلى أية إقرارات ذمة مالية للسيسي بالجريدة الرسمية قبل انتخابات كانون الأول/ ديسمبر 2023.


وطوال فترة حكم السيسي، يعاني المصريون من الفقر والبطالة وتفاقم معدلات التضخم، وتراجع دخول المصريين مع تآكل قيمة الجنيه المصري، وتغول فوائد الديون وأقساطها على الموازنة العامة، في ظل الإنفاق العشوائي للسيسي، على مشروعات لم تحقق أية جدوى اقتصادية، وذلك بحسب خبراء وتصريحات السيسي نفسه.

"على شاكلة هبرة"
واعتاد السيسي خلال كلماته بالمؤتمرات والندوات واللقاءات على مفاجئة الجماهير بكلمات "على شاكلة هبرة" مثل "صبح على مصر بجنيه" والتبرع بـ"الفكة" لصندوق تحيا مصر، وقوله "الفلوس، الفلوس، الفلوس، أهم حاجة في الدنيا، لو معاك فلوس هتعرف تأكل وتشرب وتبني"، "ادوني 20 تريليون دولار في السنة وأنا أخلي مصر دي عروسة"، وهو ما اعتبرها متابعون سقطات كاشفة عن نهمه وحبه لجمع الأموال ووضعها في صناديق خاصة لا تخضع للرقابة ويشرف عليها بشخصه.



"عزبة السيسي"
خلال عقد من الزمان حكمه لمصر فعليا، ظل السؤال حاضرا عن كيفية إدارة الأمور "المالية" في مصر، وذلك في ظل غياب تام للتقارير الرسمية المعلنة عن أوجه صرف كل ما حصل عليه السيسي من أموال، ما دفع البعض لوصف مصر بـ"دكان"، أو "عزبة" السيسي، أو "جمهورية الخوف".

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2022، اعترف السيسي، بسيطرته وانفراده بقرار صرف الأموال، قائلا: "لا تعرفوا أنا في الفلوس عامل إزاي، ومحدش هيصرف جنيه من الصناديق إلا لما يقول لي".

ووضعت تقارير "منظمة الشفافية الدولية" مصر بموقع متأخر بمؤشر مدركات الفساد طوال سنوات حكم السيسي، فيما تتذبذب درجتها حول 35 من 100 درجة، لأكثر من 10 سنوات.


"مغارة الصناديق"
وإلى جانب 55 هيئة اقتصادية في مصر لا تخضع موازناتها للموازنة العامة المصرية، توجد في مصر الصناديق الخاصة التي من سلطة الوزراء والمحافظين إنشائها، بجانب الصناديق السيادية التي دشنها السيسي، ويشرف بنفسه عليها وعلى حجم أموال غير معلنة، في أي موازنة أو تقرير رسمي.

ومنذ تولي السيسي الحكم عام 2014، تم إنشاء العديد من الصناديق الخاصة تحت إشرافه المباشر، وفرض السرية على حساباتها بإصدار قرارات وقوانين تلغي الرقابة المالية عليها وتعفي عوائدها من الضرائب مثل صندوق "تحيا مصر"، وصندوق "مصر السيادي"، الذي نقل إليه ملكية 13 وزارة وجهة حكومية بوسط العاصمة القاهرة وأصول تاريخية واستثمارية أخرى، وكذلك "صندوق قناة السويس، وصندوق دعم الأسرة المصرية.

وإلى جانب الصندوق السيادي وما يتفرع عنه من نحو 6667 صندوقا خاصا تعمل بمبالغ كبيرة لم يكن لها حصر مالي حتى وقت قريب، ولكن تقديرات وزارة المالية تشير إلى أنها تصل إلى تريليونات الجنيهات، بحسب تأكيد مسؤول مصري لوكالة "أنباء العالم العربي".

وفي أيار/ مايو الماضي، وفي مقال له بصحيفة "الأهرام" الحكومية، أكد الكاتب الاقتصادي، عبد الفتاح الجبالي، أن عدد الصناديق والحسابات الخاصة بلغ 6451 في حزيران/ يونيو 2021، فيما قدر أموال تلك الصناديق بـ81.2 مليار جنيه، وفق تقديرات أيلول/ سبتمبر 2022.

أين تذهب أموال الصناديق؟
اعتبر مراقبون أن حرص السيسي على إنشاء هذا العدد الكبير من الصناديق يأتي ضمن الحديقة الخلفية لاقتصاد السيسي الموازي لاقتصاد الدولة المصرية، وبهدف تكريس عمليات بيع الأصول العامة والمقرات والشركات والأراضي الحيوية ذات الأهمية الاستراتيجية والأمنية.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وبمؤتمر "حكاية وطن" اعترف السيسي، أن "الرقابة على تلك الصناديق ومنها (تحيا مصر)، و(هيئة قناة السويس) تحت إشراف مباشر لرئيس الجمهورية".

وأكد أن "صندوق تحيا مصر يقوم بدور كبير جدا، ولا يتم الحديث عنه كثيرا"، في إشارة إلى تحكّمه منفردا على أموال الصندوق وما يدخله من أموال والمنصرف منها.

وقال: "يجب أن يعلم الناس لماذا نحن حريصون على أن يكون لدينا صناديق تجمع الأموال، مثل صندوق تحيا مصر، وصندوق هيئة قناة السويس، واستثمار تلك الأموال والاستفادة من عوائدها، حيث إن موازنة الحكومة لها حدود".

"وضع هلامي"
وحول الذمة المالية للسيسي، وحجم ما يديره من أموال، وقيمة ما حققته قرارته من مكاسب أو خسائر طالت الاقتصاد المصري وموازناته طوال 10 سنوات، وما عاد منها على أكثر من 106 ملايين مصري، أم جرى خصمه من حقوقهم ومدخراتهم، قال الخبير الاقتصادي المصري، ممدوح الولي، إن "الوضع القائم في مصر منذ 10 سنوات هو وضع هلامي، ومن المفترض أن أية جهة بها إيرادات ومصروفات أن تخضع لقانون الموازنة العامة للدولة التي بها 8 بنود محددة للمصروفات، و5 بنود معروفة للإيرادات".


وأضاف الولي في حديثه لـ"عربي21": "لدينا جهات سيادية عديدة لها موازنات تكتب من سطر واحد فقط، دون توضيح الإيرادات أو المصروفات، وبينها الجيش، والبرلمان، ورئاسة الجمهورية، وغيرها".

وأوضح الخبير الاقتصادي المصري أن "الأمر لم يظل حتى على هذه الوتيرة بنشر موازنة تلك الجهات من سطر واحد بل تعداه إلى منع نشر أي شيء عن بعض الموازنات، واستثناء بعض تلك الجهات من نشر حتى ذلك السطر الواحد".

وتساءل: "كيف نطرح السؤال عن الذمة المالية لرئاسة الجمهورية في ظل ما سبق ذكره؟"، مبينا أنه "لا قواعد لدينا، ولا التزام بنص دستوري حول الذمة المالية للمسؤولين الحكوميين والوزراء وحتى رأس السلطة".

ولفت إلى أن "الطريقة التي تدار بها مصر، يراها الجميع عبر تصريحات بعض المسؤولين"، ملمحا إلى "حديث رئيس هيئة قناة السويس السابق الفريق مهاب مميش، عن فكرة طرح حفر تفريعة قناة السويس، وأنه أخبر السيسي بها ليلا ورد عليه في الصباح بأمر التنفيذ، دون دراسات جدوى أو رسوم هندسية أو مراجعة الحكومة ووزارة المالية وبنود الموازنة العامة".

وقال: "ماذا تنتظر أن يحدث لدولة تدار بهذه الطريقة؟"، مضيفا أن "الأوضاع غير طبيعية ولا معيار لأي شيء، ولا يستطيع برلمان أو جهة رقابية أن تسأل عن الذمة المالية، لأنه من الأساس لم يسأل عن أمور أخرى مثل القروض والاتفاقيات والصفقات وغيرها".

"منظومة فساد متكاملة"
وحول سقطات السيسي المتكررة، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد الشافي، إن "حديث رأس النظام وسقطاته الكاشفة عن كيفية إدارة الأمور، ليست السقطة الأولى؛ ولكن هناك عشرات السقطات".

ولفت عبد الشافي في حديثه لـ"عربي21" إلى بعضها ضاربا المثل بـ"الإسناد بالأمر المباشر في المشروعات، وفي العشوائية في الحديث عن الصناديق الخاصة التي يتم إنشائها، وأيضا الحديث عن بناء القصور الرئاسية عندما أثير هذا الملف عام 2019".

وأضاف: "وبالتالي فإن الحديث عن أي تفاصيل ذمة مالية للسيسي، أعتقد أن هذا غير قائم، كما أعتقد أن الحديث عن ربط الذمة المالية بوجود نصوص دستورية تنص على ذلك فمن وجهة نظري هي عبارات لا قيمة لها ولا محل لها من الإعراب".


وأوضح أن "هذا الدستور هم الذين وضعوه والذين انتهكوه عشرات المرات؛ سواء فيما يتعلق بالحقوق والحريات، وفيما يتعلق بنص الدستور نفسه، وفيما يتعلق بالتنازل عن الأرض، كما حدث بالنسبة لجزيرتي (تيران وصنافير) عام 2016، أو ما يتعلق بإتمام الاتفاقيات الدولية".

وأكد عبد الشافي، أنه "بالتالي فالحديث عن أن هناك نصوص دستورية تفرض على المرشحين أو القائمين بأعمال سلطة سيادية تقديم إقرار ذمة مالية فهذا نوع من العبثية في ظل نظام لا يحترم القانون ولا يحترم الدستور".

وقال إن "السقطات التي تفضح الذمة المالية لرأس النظام كثيرة، وكما أشرت مثل الحديث عن الإسناد المباشر، والصفقات التي لا تنتهي، والمليارات التي تدفقت إلى مصر، منها عندما تحدث في المؤتمر الاقتصادي عام 2015، عن أن الأشقاء بالخليج وفروا أكثر من 450 مليار دولار".

ويرى الأكاديمي المصري، أن "الحديث عن الصفقات التي لم يتم الإعلان عن نصوص الاتفاقيات الخاصة بها، وآخرها ولن تكون الأخيرة صفقة (رأس الحكمة)، على سبيل المثال".

ويعتقد بالتالي أن "الإجابة على السؤال: كيف تدار الأمور المالية في مصر؟، تتمثل في القول إنها تدار بلا تخطيط، تدار بلا اتفاقيات ملزمة، تدار بلا شفافية، تدار بلا وضوح في الرؤية والمعلومات، وفي غياب كامل للقانون".


وأكد أنه "ولذلك عندما نتحدث عن عشرات الصناديق التي تم تدشينها وتم إدارتها خلال المرحلة الماضية، فأعتقد أن الهدف الرئيس منها هو تفريغ ميزانية الدولة الرسمية بشكل كامل من مئات المليارات، لا أقول العشرات التي تتدفق على الدولة من القروض، والمنح، والمساعدات، وعمليات البيع والشراء، سواء في تجارة الآثار، أو الذهب، أو في تجارة الأراضي، أو منح الجنسيات".

وختم بالقول: "كل هذه الأمور تكشف عن خلل كامل، بل منظومة فساد متكاملة الأركان".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية المصري مصر البورصة المصرية الأسواق المصرية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قناة السویس ذمة مالیة الحدیث عن ما یتعلق تحیا مصر فی مصر

إقرأ أيضاً:

سلاح المقاومة.. كيف تتعامل الأطراف مع الملف الشائك عسكريا وسياسيا؟

بدأت الأسئلة تطرح نفسها مؤخرًا حول ملف «نزع سلاح» المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، خاصة بعد أن أصبح هذا الموضوع ذريعة جديدة من الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو لعرقلة اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.

المفارقة أن «سلاح المقاومة» أصبح في الواقع «وهميًا»، في ظل الضربات المكثفة التي يوجهها جيش الاحتلال الإسرائيلي على مدار الساعة، كما تنتشر القوات الإسرائيلية في معظم مناطق غزة بشكل شبه كامل، دون أن تتوقف هذه الهجمات أمام أي مقاومة حقيقية.

رغم ادعاءات الاحتلال حول قوة «سلاح المقاومة»، إلا أن الحقيقة هي أن هذه المقاومة لا تمتلك أسلحة ثقيلة أو متوسطة، فهي تفتقر إلى القاذفات الصاروخية المتنقلة، والدبابات، والطائرات المقاتلة، و السيارات المدرعة.

كما أن المقاومة لا تملك مدافع طويلة أو متوسطة أو حتى قصيرة المدى، وكل ما تمتلكه فعلاً هي أسلحة خفيفة، مثل الرشاشات وبعض القاذفات المحمولة على الكتف المعروفة باسم «آر بي جي»، وهي أسلحة منخفضة الكفاءة مقارنة بما يمتلكه جيش الاحتلال.

واستطاعت حماس والفصائل الأخرى الحصول على عدد محدود من هذه القاذفات في السنوات الماضية، حيث أُجريت بعض عمليات تطوير طفيف عليها. ومع مرور الوقت، من المؤكد أن معظم هذه الأسلحة قد تم استهلاكها أو أنها في طريقها إلى النفاد.

وقد تم تهريب هذه القاذفات من ليبيا عبر الفوضى الأمنية التي أعقبت أحداث 25 يناير 2011، حيث كان لإيران وجماعة الإخوان دور كبير في الخطوات اللوجيستية التي تمت، ليس لمواجهة إسرائيل فقط، بل لزعزعة الاستقرار في مصر والجوار.

الرشقات الصاروخية:

ومن واقع عدد الضربات الصاروخية التي نفذتها المقاومة خلال الأشهر الأولى للحرب، فقد تضاءلت تمامًا في الفترة الأخيرة، بما يشير إلى تراجع القوة التسليحية للمقاومة، خاصة أننا لم نعد نرى «الرشقات الصاروخية» التي كانت تتم بشكل شبه يومي.

وبصرف النظر عن مدى فعاليتها، فلم يتم رصد حالة إصابة واحدة من جراء هذه الصواريخ المحدودة الفاعلية والمحدودة المدى أيضًا، فلم يكن لها تأثير مباشر سواء في التدمير أو القتل سوى «التخويف» فقط، في ظل مجتمع إسرائيلي ليس معروفًا عنه الشجاعة.

لكن الدعاية الصهيونية استغلت هذه «الرشقات» الصاروخية التي كانت تطلقها المقاومة على المناطق السكنية داخل الأراضي المحتلة، وكانت تروج في الإعلام الغربي بأن أسلحة الإرهاب تستهدف المدنيين «الآمنين» في محاولة لشيطنة المقاومة أمام المجتمع الدولي.

وبالتالي، فإن المردود الفعلي والحقيقي لهذه «الرشقات» الصاروخية كان يمثل عبئًا وليس سلاحًا حقيقيًا، تم استغلاله من قبل إسرائيل لتشويه سمعة المقاومة الفلسطينية رغم حق الشعب الفلسطيني في المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي، لكن بمنهجية واصطفاف داخلي.

وأمام هذا الواقع، رأى مراقبون وطنيون أنه من مصلحة المقاومة أن تضع الاحتلال الإسرائيلي في حرج أمام المجتمع الدولي، وتعلن عن إلقاء السلاح، مع طلب ضمان أمنها وسلامتها من أي اعتداء إسرائيلي.

ويشير هذا الرأي إلى أن هذه الخطوة قد تسبب للكيان المحتل ارتباكًا في تكتيكاته، وتحرجه أمام العالم وأمام الداخل الإسرائيلي. خاصة أن الجناح المتطرف في حكومة نتنياهو يروج دائمًا بأنه يحارب إرهابيي حماس ليقضي على سلاحهم.

طبيعة السلاح:

ويرى مراقبون أن سلاح المقاومة لا يوجد له حصر دقيق، ولا يعرف أحد مكانه. ومعظم السلاح بحوزتها هو سلاح صغير الحجم، يسهل إخفاؤه، وأقرب إلى السلاح الشرطي وبعض المتفجرات المحلية الصنع.

ويعتقد البعض أن المقاومة يمكنها استغلال الموقف الحالي لصالحها، بتسليم بعض هذه القطع أمام جهات دولية محايدة. لكن المقابل الآن هو وقف الحرب، وهو ما يحتاجه القطاع في ظل الدعم الأمريكي غير المحدود.

فالواقعية السياسية والاستراتيجية تشير إلى أنه لا يمكن لسلاح خفيف، حتى وإن كان تعداده بالعشرات أو الآلاف، مواجهة جيش مدجج بأحدث الأسلحة (مقاتلات F-16 وF-15 و(F-35 بالإضافة إلى منظومات متطورة.

ورغم انقسام الرأي داخل معسكر المقاومة ما بين مؤيد ورافض لمبدأ تسليم السلاح حاليًا، إلا أن الصوت الأعلى داخل المقاومة يتغلب على اتجاه تسليم السلاح. ويرى أن التمسك به هو الذي يعصمها من تغول جيش الاحتلال ويحمي سكان القطاع.

وقال قياديون في حركة حماس: إن سلاح المقاومة يمثل حياة الشعب الفلسطيني، ولا يمكن التفريط فيه تحت أي ظرف، مؤكدين أن الحركة لن تفاوض على سلاحها أو على من يحمل هذا السلاح في أي مرحلة.

وأوضح محمود مرداوي، القيادي في حركة حماس، أن مطالب نزع سلاح المقاومة هو طرح إسرائيلي خالص، ولم يصدر عن الجانب المصري. وأوضح أن مجرد الدخول في نقاش حول هذا البند يعد مرفوضًا تمامًا.

تعثر المفاوضات:

وبينما تتعثر مفاوضات التهدئة، فإن حكومة نتنياهو تتمسك بنزع سلاح المقاومة، في مواجهة المطالب اليومية لعائلات المحتجزين التي تطالب بوقف الحرب وإبرام اتفاق وقف إطلاق نار، حرصًا على أرواح ذويهم المحتجزين لدى فصائل المقاومة والعمل على تحريرهم.

ويطالب كل من وزير المالية بتسئيل سموتريتش ووزير الأمن الداخلي بن جفير بانتهاز الفرصة المواتية والتأييد الأمريكي غير المسبوق، وإعادة احتلال قطاع غزة احتلالًا كاملاً، خاصة أن قطاع غزة يعد معقلًا لحركة حماس التي تسببت في كارثة 7 أكتوبر.

يأتي هذا رغم الانتقادات الداخلية المتصاعدة لاستمرار الحرب التي أصبحت بلا معنى بعد أكثر من عام ونصف العام. تزايدت الأصوات الرافضة لها، بما في ذلك مئات الأكاديميين وجنود الاحتياط والطيارين الرافضين.

اعتبر الرافضون الحرب خطرًا على المحتجزين، فضلاً عن كونها تحقق أهدافًا سياسية لنتنياهو ولا تحقق مصلحة الكيان المحتل. علقت حركة حماس على مطالب نزع سلاحها، وأكدت أنها ستقدم ردًا رسميًا بعد التشاور مع الفصائل في غزة.

أوضحت الحركة أنها لن تقبل باتفاقات جزئية لاستمرار المساعدات والغذاء ثم عودة الحرب. وأكدت أن هذا الأمر أصبح من الماضي، وأن سلاح المقاومة لا يمكن التفريط فيه.

ورغم الضغوط الإسرائيلية والمطالب الدولية، تظل حركة حماس والفصائل الفلسطينية متمسكة بسلاحها، معتبرة إياه حقًا شرعيًا لحماية الشعب الفلسطيني، في وقت يتزايد فيه التأييد للمقاومة ورفض الحلول الجزئية التي تكرر ويلات الحرب.

اقرأ أيضاًباحثة: التعليم فى فلسطين نوع من أنواع المقاومة ضد الاحتلال

مصطفى بكري: الدفاع عن الأرض حق مشروع.. فلماذا تطالبون بنزع سلاح المقاومة؟

بكري: أثق أن المقاومة ستتخذ قرارات تحمي شعب فلسطين.. والمراهنون على انقسام الصف واهمون

مقالات مشابهة

  • ضبط قضية غسل أموال بقيمة ربع مليار جنيه
  • موجة جدل بعد وصف جريدة بريطانية للسيسي بأنه الرئيس المؤقت (شاهد)
  • سلاح المقاومة.. كيف تتعامل الأطراف مع الملف الشائك عسكريا وسياسيا؟
  • قفزة في الخدمات المالية واللوجستية تفتح أبواب الاستثمار الصيني في مصر
  • خالد الغندور: كل ما يقال عن أموال زيزو لدى الزمالك غير حقيقي
  • من حلم الزيارة إلى كابوس الحصار.. عربي21 ترصد استغاثات العالقين في غزة (شاهد)
  • الداخلية تضبط قضية غسل أموال بقيمة 50 مليون جنيه
  • إحالة المتهمات في اختلاس أموال مدرسة بأكتوير للجنايات..خاص
  • السيسي يوجه الحكومة بخلق مناخ استثماري أكثر تنافسية وتبسيط الإجراءات وتخفيف الأعباء المالية
  • الكسب غير المشروع يوشك على الانتهاء من فحص إقرارات الذمة مالية لموظفى الدولة