الذمة المالية للسيسي.. عربي21 تفتح الملف المسكوت عنه في مصر
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
لم تكن كلمة "هبرة" التي قالها رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، مجرد كلمة عابرة، أو سقطة تنضم إلى مجموع سقطاته، لكنها كلمة كاشفة تفضح الذمة المالية للسيسي التي أصبحت في عهده مستندا سريا يحظر الإفصاح عنه بالمخالفة للمادة 145 من الدستور.
وعادة ما تستخدم كلمة "هبرة" أو "الهبر" في اللهجة المصرية العامية للتعبير عن نهب الأموال أو الاستيلاء على ما يمتلكه الآخرون دون رقيب أو حسيب، لذا أثار ذكرها على لسان السيسي تساؤلات واسعة عن حقيقة الطريقة التي تتم بها إدارة الدولة، وصرف أموالها، واتخاذ قرارات دون مراجعة الميزانيات أو دراسة الموقف، وهو ما دفع "عربي21" إلى فتح ملف الذمة المالية للسيسي المسكوت عنه.
في حديثه، الأربعاء الماضي، باحتفالية لذوي الهمم، أثار السيسي جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي بإطلاقه جملة "لازم ناخد هبرة" خلال مطالبته رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، بتخصيص 10 مليارات جنيه لدعم صندوق "قادرون باختلاف"، في قرار اتخذه على الهواء مباشرة.
المثير أن "هبرة السيسي" كانت في سياق نشوة ما بعد صفقة بيع "رأس الحكمة" للإمارات مقابل 35 مليار دولار، وهو ما ظهر جليا على لغة جسده وارتفاع معنوياته خلال حديثه -بحسب مختصين-.
ويخشى مراقبون، أن يبدّد السيسي أموال الصفقة الجديدة، التي أثارت غضب المصريين، كما بدد سابقا مليارات الدولارات من الدعم الخليجي السخي غير المسبوق والمستمر منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013.
"بلا ذمة مالية"
وأجرى السيسي 3 انتخابات رئاسية منذ الانقلاب العسكري، دون أن يقدم أي معلومة عن للبحث عن ذمته المالية ونشرها للجمهور، بالمخالفة للمواد (145) و(109) و(166) من الدستور المصري التي تلزم رئيس الجمهورية بتقديم إقرار ذمة مالية عند توليه المنصب، وعند تركه، وفي نهاية كل عام، ونشرها بالجريدة الرسمية.
ورغم مزاعم الحملة الانتخابية للسيسي، في كانون الثاني/ يناير 2018، بأن إقرار الذمة المالية للرئيس منشور بالجريدة الرسمية، ومثبت به تبرع السيسي بنصف ثروته لصندوق "تحيا مصر"، إلا أن تحقيقا استقصائيا نشره موقع "مدى مصر" أثبت عدم وجود أية إقرارات ذمة مالية للسيسي في انتخابات 2014 و 2018. فيما نقل الموقع على لسان المدير التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات المستشار، علاء فؤاد، أن إقرار الذمة المالية الخاصة بالسيسي مستند سري يحظر الإفصاح عنه.
ولم تتوصل "عربي21" كذلك إلى أية إقرارات ذمة مالية للسيسي بالجريدة الرسمية قبل انتخابات كانون الأول/ ديسمبر 2023.
وطوال فترة حكم السيسي، يعاني المصريون من الفقر والبطالة وتفاقم معدلات التضخم، وتراجع دخول المصريين مع تآكل قيمة الجنيه المصري، وتغول فوائد الديون وأقساطها على الموازنة العامة، في ظل الإنفاق العشوائي للسيسي، على مشروعات لم تحقق أية جدوى اقتصادية، وذلك بحسب خبراء وتصريحات السيسي نفسه.
"على شاكلة هبرة"
واعتاد السيسي خلال كلماته بالمؤتمرات والندوات واللقاءات على مفاجئة الجماهير بكلمات "على شاكلة هبرة" مثل "صبح على مصر بجنيه" والتبرع بـ"الفكة" لصندوق تحيا مصر، وقوله "الفلوس، الفلوس، الفلوس، أهم حاجة في الدنيا، لو معاك فلوس هتعرف تأكل وتشرب وتبني"، "ادوني 20 تريليون دولار في السنة وأنا أخلي مصر دي عروسة"، وهو ما اعتبرها متابعون سقطات كاشفة عن نهمه وحبه لجمع الأموال ووضعها في صناديق خاصة لا تخضع للرقابة ويشرف عليها بشخصه.
"عزبة السيسي"
خلال عقد من الزمان حكمه لمصر فعليا، ظل السؤال حاضرا عن كيفية إدارة الأمور "المالية" في مصر، وذلك في ظل غياب تام للتقارير الرسمية المعلنة عن أوجه صرف كل ما حصل عليه السيسي من أموال، ما دفع البعض لوصف مصر بـ"دكان"، أو "عزبة" السيسي، أو "جمهورية الخوف".
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2022، اعترف السيسي، بسيطرته وانفراده بقرار صرف الأموال، قائلا: "لا تعرفوا أنا في الفلوس عامل إزاي، ومحدش هيصرف جنيه من الصناديق إلا لما يقول لي".
ووضعت تقارير "منظمة الشفافية الدولية" مصر بموقع متأخر بمؤشر مدركات الفساد طوال سنوات حكم السيسي، فيما تتذبذب درجتها حول 35 من 100 درجة، لأكثر من 10 سنوات.
"مغارة الصناديق"
وإلى جانب 55 هيئة اقتصادية في مصر لا تخضع موازناتها للموازنة العامة المصرية، توجد في مصر الصناديق الخاصة التي من سلطة الوزراء والمحافظين إنشائها، بجانب الصناديق السيادية التي دشنها السيسي، ويشرف بنفسه عليها وعلى حجم أموال غير معلنة، في أي موازنة أو تقرير رسمي.
ومنذ تولي السيسي الحكم عام 2014، تم إنشاء العديد من الصناديق الخاصة تحت إشرافه المباشر، وفرض السرية على حساباتها بإصدار قرارات وقوانين تلغي الرقابة المالية عليها وتعفي عوائدها من الضرائب مثل صندوق "تحيا مصر"، وصندوق "مصر السيادي"، الذي نقل إليه ملكية 13 وزارة وجهة حكومية بوسط العاصمة القاهرة وأصول تاريخية واستثمارية أخرى، وكذلك "صندوق قناة السويس، وصندوق دعم الأسرة المصرية.
وإلى جانب الصندوق السيادي وما يتفرع عنه من نحو 6667 صندوقا خاصا تعمل بمبالغ كبيرة لم يكن لها حصر مالي حتى وقت قريب، ولكن تقديرات وزارة المالية تشير إلى أنها تصل إلى تريليونات الجنيهات، بحسب تأكيد مسؤول مصري لوكالة "أنباء العالم العربي".
وفي أيار/ مايو الماضي، وفي مقال له بصحيفة "الأهرام" الحكومية، أكد الكاتب الاقتصادي، عبد الفتاح الجبالي، أن عدد الصناديق والحسابات الخاصة بلغ 6451 في حزيران/ يونيو 2021، فيما قدر أموال تلك الصناديق بـ81.2 مليار جنيه، وفق تقديرات أيلول/ سبتمبر 2022.
أين تذهب أموال الصناديق؟
اعتبر مراقبون أن حرص السيسي على إنشاء هذا العدد الكبير من الصناديق يأتي ضمن الحديقة الخلفية لاقتصاد السيسي الموازي لاقتصاد الدولة المصرية، وبهدف تكريس عمليات بيع الأصول العامة والمقرات والشركات والأراضي الحيوية ذات الأهمية الاستراتيجية والأمنية.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وبمؤتمر "حكاية وطن" اعترف السيسي، أن "الرقابة على تلك الصناديق ومنها (تحيا مصر)، و(هيئة قناة السويس) تحت إشراف مباشر لرئيس الجمهورية".
وأكد أن "صندوق تحيا مصر يقوم بدور كبير جدا، ولا يتم الحديث عنه كثيرا"، في إشارة إلى تحكّمه منفردا على أموال الصندوق وما يدخله من أموال والمنصرف منها.
وقال: "يجب أن يعلم الناس لماذا نحن حريصون على أن يكون لدينا صناديق تجمع الأموال، مثل صندوق تحيا مصر، وصندوق هيئة قناة السويس، واستثمار تلك الأموال والاستفادة من عوائدها، حيث إن موازنة الحكومة لها حدود".
"وضع هلامي"
وحول الذمة المالية للسيسي، وحجم ما يديره من أموال، وقيمة ما حققته قرارته من مكاسب أو خسائر طالت الاقتصاد المصري وموازناته طوال 10 سنوات، وما عاد منها على أكثر من 106 ملايين مصري، أم جرى خصمه من حقوقهم ومدخراتهم، قال الخبير الاقتصادي المصري، ممدوح الولي، إن "الوضع القائم في مصر منذ 10 سنوات هو وضع هلامي، ومن المفترض أن أية جهة بها إيرادات ومصروفات أن تخضع لقانون الموازنة العامة للدولة التي بها 8 بنود محددة للمصروفات، و5 بنود معروفة للإيرادات".
وأضاف الولي في حديثه لـ"عربي21": "لدينا جهات سيادية عديدة لها موازنات تكتب من سطر واحد فقط، دون توضيح الإيرادات أو المصروفات، وبينها الجيش، والبرلمان، ورئاسة الجمهورية، وغيرها".
وأوضح الخبير الاقتصادي المصري أن "الأمر لم يظل حتى على هذه الوتيرة بنشر موازنة تلك الجهات من سطر واحد بل تعداه إلى منع نشر أي شيء عن بعض الموازنات، واستثناء بعض تلك الجهات من نشر حتى ذلك السطر الواحد".
وتساءل: "كيف نطرح السؤال عن الذمة المالية لرئاسة الجمهورية في ظل ما سبق ذكره؟"، مبينا أنه "لا قواعد لدينا، ولا التزام بنص دستوري حول الذمة المالية للمسؤولين الحكوميين والوزراء وحتى رأس السلطة".
ولفت إلى أن "الطريقة التي تدار بها مصر، يراها الجميع عبر تصريحات بعض المسؤولين"، ملمحا إلى "حديث رئيس هيئة قناة السويس السابق الفريق مهاب مميش، عن فكرة طرح حفر تفريعة قناة السويس، وأنه أخبر السيسي بها ليلا ورد عليه في الصباح بأمر التنفيذ، دون دراسات جدوى أو رسوم هندسية أو مراجعة الحكومة ووزارة المالية وبنود الموازنة العامة".
وقال: "ماذا تنتظر أن يحدث لدولة تدار بهذه الطريقة؟"، مضيفا أن "الأوضاع غير طبيعية ولا معيار لأي شيء، ولا يستطيع برلمان أو جهة رقابية أن تسأل عن الذمة المالية، لأنه من الأساس لم يسأل عن أمور أخرى مثل القروض والاتفاقيات والصفقات وغيرها".
"منظومة فساد متكاملة"
وحول سقطات السيسي المتكررة، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد الشافي، إن "حديث رأس النظام وسقطاته الكاشفة عن كيفية إدارة الأمور، ليست السقطة الأولى؛ ولكن هناك عشرات السقطات".
ولفت عبد الشافي في حديثه لـ"عربي21" إلى بعضها ضاربا المثل بـ"الإسناد بالأمر المباشر في المشروعات، وفي العشوائية في الحديث عن الصناديق الخاصة التي يتم إنشائها، وأيضا الحديث عن بناء القصور الرئاسية عندما أثير هذا الملف عام 2019".
وأضاف: "وبالتالي فإن الحديث عن أي تفاصيل ذمة مالية للسيسي، أعتقد أن هذا غير قائم، كما أعتقد أن الحديث عن ربط الذمة المالية بوجود نصوص دستورية تنص على ذلك فمن وجهة نظري هي عبارات لا قيمة لها ولا محل لها من الإعراب".
وأوضح أن "هذا الدستور هم الذين وضعوه والذين انتهكوه عشرات المرات؛ سواء فيما يتعلق بالحقوق والحريات، وفيما يتعلق بنص الدستور نفسه، وفيما يتعلق بالتنازل عن الأرض، كما حدث بالنسبة لجزيرتي (تيران وصنافير) عام 2016، أو ما يتعلق بإتمام الاتفاقيات الدولية".
وأكد عبد الشافي، أنه "بالتالي فالحديث عن أن هناك نصوص دستورية تفرض على المرشحين أو القائمين بأعمال سلطة سيادية تقديم إقرار ذمة مالية فهذا نوع من العبثية في ظل نظام لا يحترم القانون ولا يحترم الدستور".
وقال إن "السقطات التي تفضح الذمة المالية لرأس النظام كثيرة، وكما أشرت مثل الحديث عن الإسناد المباشر، والصفقات التي لا تنتهي، والمليارات التي تدفقت إلى مصر، منها عندما تحدث في المؤتمر الاقتصادي عام 2015، عن أن الأشقاء بالخليج وفروا أكثر من 450 مليار دولار".
ويرى الأكاديمي المصري، أن "الحديث عن الصفقات التي لم يتم الإعلان عن نصوص الاتفاقيات الخاصة بها، وآخرها ولن تكون الأخيرة صفقة (رأس الحكمة)، على سبيل المثال".
ويعتقد بالتالي أن "الإجابة على السؤال: كيف تدار الأمور المالية في مصر؟، تتمثل في القول إنها تدار بلا تخطيط، تدار بلا اتفاقيات ملزمة، تدار بلا شفافية، تدار بلا وضوح في الرؤية والمعلومات، وفي غياب كامل للقانون".
وأكد أنه "ولذلك عندما نتحدث عن عشرات الصناديق التي تم تدشينها وتم إدارتها خلال المرحلة الماضية، فأعتقد أن الهدف الرئيس منها هو تفريغ ميزانية الدولة الرسمية بشكل كامل من مئات المليارات، لا أقول العشرات التي تتدفق على الدولة من القروض، والمنح، والمساعدات، وعمليات البيع والشراء، سواء في تجارة الآثار، أو الذهب، أو في تجارة الأراضي، أو منح الجنسيات".
وختم بالقول: "كل هذه الأمور تكشف عن خلل كامل، بل منظومة فساد متكاملة الأركان".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية المصري مصر البورصة المصرية الأسواق المصرية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قناة السویس ذمة مالیة الحدیث عن ما یتعلق تحیا مصر فی مصر
إقرأ أيضاً:
المرتضى: الاصلاح رفض حلولا تقدم بها وسطاء لتقريب وجهات النظر
وهناك متابعة مستمرة لعملنا من قبل قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ورئيس المجلس السياسي الأعلى الرئيس مهدي المشاط وقيادة وزارة الدفاع نظراً لأهمية هذا الملف وبُعده الإنساني والاجتماعي.
وأكد المرتضى أن المفاوضات جارية بشكل مستمر من خلال التواصل واللقاءات المباشرة مع مكتب المبعوث الأممي، إلا أنه لم يحصل أي تقدم في المفاوضات منذ جولة الأخيرة للمفاوضات في مسقط في يوليو الماضي، نظراً للتعنت من قبل طرف العدوان ومرتزقته في تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوقع عليها برعاية الامم المتحدة ورفضهم لكل المقترحات والحلول التي تُقدم سواءً من قبل الامم المتحدة او من قبل الوسطاء المحليين الذين نقوم بإرسالهم بين الحين والآخر الى مأرب.
وفيما يلي نص الحوار:
• لم تكل القيادة الثورية والسياسية عن السعي لتخفيف معاناة الشعب خاصة في ملف الاسرى حيث سعت خلال السنوات الماضية لإنجاح عمليات تبادل الاسرى رغم التعنت من قبل الطرف الآخر؟ ومن خلال عملكم على هذا الملف الإنساني، الى اين وصلت المفاوضات وما التقدم الذي تم احرازه في هذا الملف؟
اولاً نشكر موقع الثورة نت وصحيفة الثورة على اتاحة الفرصة للحديث عن ملف الأسرى هذا الملف الإنساني الهام والذي يهم الآلاف من الأسر اليمنية، طبعا هذا الملف يحظى باهتمام كبير جداً من قبل القيادة الثورة والقيادة السياسية وهناك متابعة مستمرة لعملنا من قبل قائد الثورة يحفظه الله ورئيس المجلس السياسي الأعلى الرئيس مهدي المشاط وقيادة وزارة الدفاع نظراً لأهمية هذا الملف وبعده الإنساني والاجتماعي.
المفاوضات في هذا الملف جارية بشكل مستمر من خلال التواصل واللقاءات المباشرة مع مكتب المبعوث الأممي إلا أنه لم يحصل اي تقدم في المفاوضات منذ جولة مسقط الاخير في شهر يوليو من العام الحالي وذلك نظراً للتعنت الحاصل من قبل طرف العدوان ومرتزقته في تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوقع عليها برعاية الامم المتحدة ورفضهم لكل المقترحات والحلول التي تقدم سواءً من قبل الامم المتحدة او من قبل الوسطاء المحليين الذي نقوم بإرسالهم بين الحين والاخر إلى مأرب ولكن نحن لم نيأس فلا زلنا على تواصل مستمر بالأمم المتحدة ومع الطرف الآخر عبر الوسطاء في محاولة منا لإحراز أي تقدم من شأنه التخفيف من معاناة الاسرى واهاليهم من الطرفين.
• كيف تتعاملون مع هذا الملف، لأهميته وحساسيته، وهو ملف إنساني بالدرجة الأولى؟
كما قلت بأن هذا الملف ملف انساني ونحن نتعامل معه من هذا المنطلق سواء ما يتعلق بالتعامل مع الاسرى الموجودين معنا من الطرف الآخر او ما يتعلق بالمفاوضات على هذا الملف، نحن نعمل بكل ما نستطيع على ان يبقى هذا الملف ملفا انسانيا بعيدا عن الحسابات السياسية والامنية والعسكرية ونحن منذ بداية العدوان نتعامل مع هذا الملف على هذا الأساس ولهذا أبرمنا المئات من صفقات التبادل تحرر فيها بعون الله آلاف الاسرى من الطرفين وكان ذلك اثناء التصعيد العسكري من قبل قوى العدوان ومرتزقته.
معوقات تنفيذ الاتفاقات
• ما أبرز معوقات تنفيذ الاتفاق بناء على قاعدة «الكل مقابل الكل» الذي أقرته مفاوضات ستوكهولم حتى اليوم بعد كل هذه السنوات؟
طبعا إتفاق الكل مقابل الكل هو المبدأ الذي نؤمن به والذي نسعى اليه منذ اول مفاوضات من قبل الامم المتحدة وهو الحل الانسب والافضل لهذا الملف الانساني وهو ايضا ما تم الاتفاق عليه في مفاوضات السويد نهاية العام 2018 إلا أنه اثناء تنفيذ الاتفاق اصطدم بالكثير من العوائق التي حالت دون تنفيذه ومن ابرز هذه العوائق ان الطرف الآخر عبارة عن مجموعة من الاطراف والاجنحة المتفاوتة والمختلفة لم نستطع الوصول معهم الى صيغة للاتفاق حول آليات التنفيذ كون كل طرف من هذه الاطراف لديه رؤية ومطالب تختلف عن رؤية ومطالب الاطراف الاخرى، كما انه لا يوجد لديهم قيادة واحدة تمثل جميع الاطراف في طاولة المفاوضات والفريق الذي نتفاوض معه هو لا يمثل جميع الاجنحة الموجودة في الميدان مما أعاق تنفيذ اتفاق الكل مقابل الكل بشكل كبير جداً، لكن بالنسبة لنا نحن طرف واحد ولدينا كامل الصلاحية في تنفيذ اتفاق الكل مقابل الكل وليس لدينا اي معوقات او اشكاليات تمنعنا من ذلك، أضف الى ذلك أن الاطراف الاخرى تتعمد وبشكل مستمر اخفاء المئات من اسرانا ورفض الكشف والافصاح عن مصيرهم.
• كيف يمكن تجاوز إشكالية التعامل مع ملف الأسرى كورقة ضغط سياسية والتعامل معها من جانب إنساني؟
كما أوضحت سابقا ان هذا الملف ملف انساني ونحن منذ البداية نتعامل معه على هذا الاساس لكن للأسف بالنسبة للطرف الآخر يتعامل معه تعاملاً سياسياً بحتاً، ويستخدمه كورقة ابتزاز سياسي بعيدا عن الجانب الانساني سواء فيما يتعلق بتعاملهم مع الأسرى داخل سجونهم وما يمارسونه من اشكال التعذيب ضد أسرانا، او فيما يتعلق بتعاملهم مع المفاوضات التي يتعمدون فيها افشال عشرات الاتفاقيات المحلية والدولية لأسباب سياسية بحتة، وبلا مراعاة للحالة الانسانية التي يعيشها الاسرى وأهاليهم من كلا الطرفين، ونحن نعتبر هذا التصرف لا أخلاقي ولا انساني ولا قيمي ولا ديني لان ملف الاسرى يجب ان يتجرد فيه كل طرف عن كل الحسابات السياسية والعسكرية والامنية وان يراعى فيه البعد الانساني بشكل كامل.
التفاوض مع عدة أطراف
• ما تأثير تعدد السلطات في طرف حكومة المرتزقة في هذا الصدد؟
بكل تأكيد ان تعدد الاطراف هي الاشكالية الاكبر التي نواجهها اثناء المفاوضات ونضطر في كل جولة الى التفاوض مع عدة أطراف يختلفون على كل شيء حتى في من يرأس فريقهم، فهم الى الآن لم يتفقوا على شخص او على رئيس لفريق التفاوض الذي يمثلهم، وإن حصل اتفاق نواجه اشكالية في التنفيذ على الواقع، لان كل طرف منهم لديه وجهة نظر مختلفة عن الآخر ولديه مطالب تختلف عن مطالب الطرف الآخر.
• ثمة إصرار من قبل المرتزقة على بقاء ملف الاسرى مفتوحاً واستمرار استخدامه كورقة ضغط ومساومة سياسية، على الرغم من أنها مسألة إنسانية بحتة؟ برأيك لماذا هذا التعنت من قبل الطرف الآخر؟
في الواقع أن حكومة المرتزقة لا تمتلك القرار الذي تستطيع من خلاله تنفيذ كل الاتفاقيات وانهاء هذا الملف الانساني، إذ ان الجانب السعودي يتحكم في كل القرارات في هذا الملف وما الجمود الحاصل في ملف الاسرى منذ الجولة الأخيرة في مسقط إلا بسبب الرفض السعودي لتنفيذ الاتفاقيات التي تمت بيننا وبين اطراف المرتزقة برعاية الامم المتحدة، لان هذه الاتفاقيات لم تشمل أسرى سعوديين، ولهذا صدرت الأوامر السعودية للمرتزقة بمنع تنفيذ اي من هذه الاتفاقيات بالإضافة الى منعهم المسبق من تنفيذ اي صفقات تبادل تمت بوساطات محلية وفي هذا الصدد قاموا بإيقاف وإلغاء عشرات الصفقات التي تم التوافق عليها بوساطات محلية.
مستعدون لتنفيذ كل الاتفاقيات
• في المقابل هناك من قد يقول أنكم كذلك تستغلُّون هذا الملف سياسياً.. ما رَدُّكم على ذلك؟
نحن نعتبر أن استخدام هذا الملف للابتزاز السياسي جريمة بحق الأسرى وبحق الإنسانية ولا يمكن أن نستخدم هذا الملف للابتزاز السياسي، لأننا نعتبر أن اسرانا امانة في اعناقنا واي استغلال سياسي لهذا الملف هو يعتبر خيانة للأسرى وأهاليهم وخيانة لدماء الشهداء.
ولهذا نحن نعلن عبر صحيفتكم أننا جاهزون ومستعدون لتنفيذ كل الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها برعاية الامم المتحدة دون قيد او شرط، كما نعلن جاهزيتنا واستعدادنا الدخول في صفقة شاملة تشمل جميع الأسرى من كل الاطراف وبلا استثناء، كما ندعو المشايخ والشخصيات الاجتماعية ممن لديهم القدرة في العمل كوسطاء محليين، إلى التحرك في هذا الملف ونحن سوف نكون لهم عوننا وسندا لأننا حريصون جدا على انهاء هذا الملف الانساني وإنهاء معاناة الاسرى بأي طريقة.
ومما يدلل على أننا لا نستغل هذا الملف الانساني سياسياً هي المبادرات الأحادية المتتالية التي نقوم من خلالها بأطلاق المئات من أسرى الطرف الآخر بدون أي مقابل، وهي تعتبر رسائل سلام إيجابية كان المفترض أن يستقبلها الطرف الآخر برد مماثل، لأن ذلك من شأنه تعزيز الثقة وتقريب وجهات النظر، لكن للأسف مع كل مبادرة نقوم بتنفيذها يقابلها الطرف الآخر بموقف سلبي ينبئ عن توجه سيء من قبلهم تجاه هذا الملف.
ذرائع للتنصل عن تنفيذ الاتفاق
• في آخر جولة تفاوض في مسقط كنتم على وشك إتمامِ صفقة تبادل للأسرى. لماذا لم تنجح هذه الجولة؟ وما هي أبرز نقاط الاتفاق والاختلاف؟
في الحقيقة كان الطرف الآخر قبل الجولة يتحجج بأنه لا يستطع تنفيذ ما تم التوافق عليه مسبقاً كون الاتفاق لم يشمل محمد قحطان، ولهذا كنا حريصين على اسقاط اي عذر لهم، فوافقنا على ان يكون محمد قحطان ضمن هذه الصفقة لكن للأسف تفاجأنا أن موضوع محمد قحطان ليس إلا شماعة وذريعة يستخدمونها للتنصل عن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه والالتزام به، وظهرت مطالب اخرى لم تكن ضمن الاتفاق، من ابرزها مطالبة السعودية بضم جميع الاسرى السعوديين بما فيهم الطيارين الى هذه الصفقة، ورغم ذلك لم يكن لدينا أي مانع من ضمهم شريطة ان يضم الاتفاق الاسرى الفلسطينيين من حركة حماس المعتقلين في السعودية منذ سنوات، لكن الطرف السعودي رفض ذلك.
كما كان من ضمن الاسباب ما تم ابلاغنا به من قبل الجانب السعودي ان هناك ضغوطات أمريكية عليهم لوقف اي تقدم في اي ملف من الملفات المتعلقة بالعدوان على اليمن. بالإضافة الى الاختلاف الكبير الذي وقع بين اطراف المرتزقة والذي أدى الى توجيه الاتهامات بالخيانة الى فريقهم المفاوض من قبل قيادات حزب الاصلاح حتى بمن فيهم رئيس حزب الاصلاح محمد اليدومي والذي قام بنشر بيان تخوين على حسابه بمنصة أكس.
مسألة صعبة
• كيف تستطيعون التفاوض مع أكثر من ممثل في نفس الوقت.. أليس من الصعب التوافقُ مع كُـل الأطراف على طاولة واحدة؟
حقيقة هذا الموضوع يعد مسألة صعبة ونحن نعاني من هذا معاناة كبيرة جدا، ولكن لأننا حريصون على أسرانا وتحريرهم وانهاء معاناتهم، نضطر الى التفاوض معهم بهذا الشكل، والطريقة التي نتفاوض بها هي التفاوض مع كل طرف على حدة حتى في الجولة الواحدة التي برعاية الأمم المتحدة، كون التفاوض معهم مجتمعين يؤدي الى خلافات وانقسامات داخلية بينهم تؤدي في كثير من الاحيان الى افشال جولات التفاوض.
دور أممي جيد
• ماذا عن موقف الأمم المتحدة في المفاوضات الأخيرة وهل مارست الضغط على الطرف الآخر لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه؟
الأمم المتحدة تقوم بدور جيد في تقريب وجهات النظر وصياغة الاتفاقيات كونها وسيط إلا انها لا تملك اي وسائل للضغط على اي طرف يتعنت ويرفض ويعرقل تنفيذ الاتفاقيات ولهذا نحن لا نعول عليها كثيرا في هذا المجال.
• كيف تقيمون دور المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في اليمن تجاه ملف الأسرى؟
للأسف الشديد جميع المنظمات التابعة للأمم المتحدة العاملة في اليمن لم تقم بأي دور يذكر في ملف الاسرى لا من ناحية تخفيف معاناة الاسرى وفضح الاطراف التي تقوم بارتكاب الجرائم والانتهاكات اللا إنسانية تجاه الاسرى رغم اننا ومنذ بداية العدوان نرفع لهم بملفات متكاملة عن كل الجرائم التي مارسها مرتزقة العدوان بحق الاسرى سواءً كانت اعدامات وتصفيات ميدانية او ما يرتكبونه من انتهاكات وتعذيب داخل سجوهم.
دور إيجابي للصليب الأحمر
• ماذا عن دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في هذا الموضوع؟
بالنسبة للصليب الاحمر يقوم بدور إيجابي وجيد منذ بداية العدوان وحتى الآن، حيث تقوم اللجنة وبشكل مستمر بزيارة الاسرى داخل السجون لدينا، وتحاول اجراء الزيارات للأسرى في سجون الطرف الآخر، وهناك من يسمح لهم بزيارة السجون والاطلاع على احوال الاسرى وتطمين أهاليهم، لكن هناك من يمنع ويرفض إجراء مثل هذه الزيارات كماهو الحال في مأرب، إذ أن حزب الاصلاح ومن عشر سنوات لم يسمح للجنة الدولية للصليب الاحمر بزيارة أي سجن من السجون التي يديرها في مأرب، كما ان للجنة الدولية للصليب الأحمر دوراً كبيراً في ملف المفاوضات فهي شريك اساسي مع الأمم المتحدة في كل جولة من جولات المفاوضات وهي من تقوم بتقديم الدعم اللوجستي لتنفيذ أي اتفاق على صفقة تبادل، وقد قامت بدور جيد في دعم وتنفيذ الصفقتين اللتين تمتا عبر الامم المتحدة في الاعوام الماضية، وهي مشكورة على ذلك.
تحرير أكثر من 6500 أسير
• ماذا عن عدد الأسرى الذين تم الافراج عنه خلال صفقات التبادل؟
منذ بداية العدوان حرصنا على العمل بكل الطرق والوسائل لتحرير أسرانا من سجون العدو سواءً عبر الامم المتحدة او عبر المفاوضات والتفاهمات المحلية وبعون الله وتوفيقه تم الى الآن تحرير أكثر من 6500 أسير من اسرانا منهم 1350 أسيراً في صفقتي تبادل عبر الامم المتحدة والبقية تم تحريرهم في صفقات عبر التفاهمات والاتفاقيات المحلية.
حلحلة الإشكاليات
• هل تتوقع انعقاد جولة مفاوضات قادمة خلال الفترة القادمة؟
نحن على تواصل مستمر مع الامم المتحدة منذ انتهاء جولة المفاوضات الاخيرة في مسقط في محاولة لحلحلة كل الاشكاليات والعوائق التي تحول دون تنفيذ ما تم التوافق عليه، وهناك جهود جيدة تبذل من قبل الأمم المتحدة ومقترحات يتم طرحها بين الحين والآخر لتقريب وجهات النظر، ومع انها وللأسف الشديد تصطدم بتعنت الطرف الآخر، إلا اننا لم نيأس ولا زلنا نحاول وبكل الطرق ان نصل الى اتفاق لحلحلة كل هذه الإشكاليات، وفي حال استطعنا تجاوز الاشكاليات والعوائق التي يختلقها طرف العدوان ومرتزقته، فإن الامم المتحدة ستدعو إلى عقد جولة مفاوضات جديدة يتم التوافق فيها على آلية تنفيذ للاتفاقيات السابقة، ونحن حريصون على ان تكون اي جولة مقبلة حاسمة في هذا الموضوع بإذن الله.
رفض وتعنت حزب الاصلاح
• ماذا عن الوساطات المحلية ألا يمكن ان يكون لها دورا ايجابيا في هذا الوقت خاصة أنه كان لها دور في السنوات الماضية؟
بكل تأكيد أن الوساطات المحلية لها دور ايجابي وكبير في هذا الجانب وقد اسهمت في ما مضى بإنجاح كثير من الصفقات، ونحن حريصون جداً على تفعيل دورها، لكن كما ذكرت سابقا أن هناك منعاً من الجانب السعودي لتنفيذ اي صفقات يتم الاتفاق عليها محلياً، وقبل ثلاثة اسابيع قمنا بإرسال ثلاثة من الوسطاء المحليين ممن لهم دور فاعل وبارز في هذا الجانب الى مأرب في محاولة منا لتقريب وجهات النظر وحل الاشكاليات فيما بيننا مع حزب الاصلاح لكن للأسف الشديد لم يتم التجاوب معهم مطلقاً ورفضت قيادة الاصلاح كل المقترحات والحلول التي تقدم بها الوسطاء لحل الخلافات وعاد هؤلاء الوسطاء خاليي الوفاض. ونحن نتأسف ان يتم تعطيل دور الوسطاء المحللين والتفاهمات المحلية بهذا الشكل لأنها كانت تعتبر متنفساً يتم من خلالها تحرير مئات الاسرى من الطرفين.
• هل لكم من كلمة أخيرة؟
نؤكد وكما أسلفنا بأن هذا الملف ملف انساني ويجب على جميع الاطراف التعامل معه من هذا المنطلق، وندعو قوى العدوان ومرتزقتهم الى الكف عن استخدام هذا الملف للابتزاز السياسي والكف عن اختلاق الذرائع التي تعرقل تنفيذ ما تم التوافق عليه، وندعو الامم المتحدة الى الضغط على الطرف الآخر للوفاء بالتزاماتهم وتنفيذ جميع الاتفاقيات التي تمت برعايتها، ونحن من جانبنا نؤكد استعدادنا وجهوزيتنا لتنفيذ كل الاتفاقيات دون قيد أو شرط، كما نؤكد لأهالي أسرانا بأننا سنبذل قصارى جهدنا لتحرير من تبقى منهم دون كلل او ملل ولن نألو جهدا في العمل على ذلك، والله على ما نقول شهيد.
الثورة