المالكي: آلة الإبادة الإسرائيلية تتجهز للانقضاض على رفح التي تؤوي 1.65 مليون
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
أكد وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تسيير الأعمال رياض المالكي، إن لغة البيانات والشجب والإدانة التي دأبنا على إستخدامها في جامعة الدول العربية على مدار عقود من عمر القضية الفلسطينية أصبحت لغة صماء لا يفهمها العالم ولا تحسب إسرائيل لها أي حساب، مشيرا إن إجتماع اليوم يأتي ودولة الإحتلال مستمرة بإرتكاب أبشع جريمة إبادة جماعية في العصر الحديث، بل تذهب إسرائيل في وحشيتها إلى ما هو أبعد من جريمة الإبادة الجماعية كما عرفها القانون الدولي، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948.
كما أكد المالكي في كلمته أمام مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب في دورته العادية 161 والتي عقدت بمقر الأمانة العامة اليوم، برئاسة موريتانيا وحضور الأمين العام للجامعة العربية وعدد من وزراء الخارجية العرب، من منبر جامعة الدول العربية أن الأطفال والنساء وكبار السن يقتلون اليوم جوعاً، حرفياً وواقعياً يُقتلون جوعاً، علاوة على قتلهم وتدمير بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم ومستشفياتهم بـ 70 ألف طن من المتفجرات.
وأضاف، نحن نجتمع اليوم في الدورة 161 لمجلس الجامعة العربية، وعلى مسافة قريبة من مقر اجتماعنا هذا، تستمر إسرائيل، قوة الاحتلال والفصل العنصري لليوم الـ 152على التوالي جرائم الحرب الإبادية الممنهجة، فإسرائيل عدو الإنسانية، التي قتلت على مدار أكثر من خمسة شهور متواصلة أكثر 30 ألف شهيد وأصابت أكثر من 72 ألف جريح، وهجرت قسرياً داخل قطاع غزة مليوني فلسطيني، أي 87% من مواطني قطاع غزة، ودمرت 360 ألف بيت في غزة أي نحو 65% من الوحدات السكنية في القطاع، وقد فعلت ذلك بوعي وتخطيط كاملين، فإسرائيل تستمر بإخضاع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة للتجويع على مدار 152 يوماً، وقد أفادت تقارير وشهادات من منظمات دولية بأن جميع سكان قطاع غزة (100% من سكان قطاع غزة) يعانون من إنعدام الأمن الغذائي الحاد والشديد، ولكن نصف مليون منهم يعيشون في مرحلة المجاعة، أي معرضين للموت جوعاً.
وأوضح المالكي في كلمته، إن جريمة التطهير العرقي التي تنتهجها إسرائيل على مدار أكثر من 76 عاماً، ضد الإنسان الفلسطيني، قاصدة قتله وتدميره نفسياً، ومحو آثاره وتراثه وطمس هويته وثقافته، حيث خططت إسرائيل، قوة الإحتلال والفصل العنصري والإبادة الجماعية، لاقتلاع الإنسان الفلسطيني من أرضه وسرقة الجغرافيا والتاريخ والرواية والسردية التي ربطت الإنسان الفلسطيني بأرضه على مدار آلاف السنين.
كما أكد الوزير المالكي، إن إسرائيل التي تعمدت تدمير المنظمومة الصحية عبر تدمير 32 مستشفى و53 مركزاً صحياً في قطاع غزة أخرجتها جميعاً عن الخدمة، وقصدت تدمير الاقتصاد الوطني الفلسطيني عبر تدمير معظم المصانع والمراكز الإقتصادية، وأرادت أيضاً تدمير ثقافة وتراث الشعب الفلسطيني عبر التدمير الكلي أو الجزئي لـ 404 مدرسة وجامعة، و486 مسجداً و200 موقع أثري، و3 كنائس بما فيها 12 متحفاً يحتوي على آثار الحضارة العربية في فلسطين.
وبين، إنه مع كل هذه الجرائم الإسرائيلية، يقف العالم بين عاجز عن وقف الإبادة الجماعية، أو صامت عنها أو داعم لها وحتى بعد 40 يوماً من أمر محكمة العدل الدولية بوقف قتل المدنيين الفلسطينيين أو إيذائهم جسدياً أو عقلياً ومنع الولادات وتأمين تدفق المساعدات الإغاثية، كتدابير مؤقتة، مازالت إسرائيل، قوة الإبادة الجماعية تمعن في القتل والتدمير والإيذاء ومنع الولادات.
وتسائل المالكي، أي نوع من التقارير الذي قدمته إسرائيل حول التزامها بالتدابير المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل، وأي تضليل تضمنه ذلك التقرير، وكل العالم قد تابع مباشرة حيث إرتكبت إسرائيل من بعد أمر المحكمة وحتى يومنا هذا أكثر من 584 مجزرة راح ضحيتها أكثر من 4600 شهيد وأكثر من 10800 جريح، مشيرا إن حرب غزة دخلت شهرها السادس ولا أفق لاحتمالية وقفها رغم كل محاولات التوصل إلى وقف إطلاق النار ومن الواضح أن إسرائيل لا تريد وقف الحرب ومستمرة في حرب الإبادة الجماعية أمام عجز دولي ومخجل وفشل إدخال المساعدات الضرورية لشعبنا المحاصر والمحروم بالشمال الذي يستحق أن يوصف بأن ما يعانيه يتجاوز وصف الكارثي .
وقال الوزير المالكي، إن إسرائيل ما زالت تضرب أمر المحكمة ومعها 8 عقود من بناء المنظومة الدولية والقانون الدولي، بعرض الحائط، ومازالت مستمرة في إرتكاب جريمة الابادة الجماعية بكل صورها، فهي تستمر بمنع الولادات وتعريض أكثر من 60 ألف إمرأة حامل في غزة لخطر الموت أثناء الولادة في ظروف غير صحية وغير آدمية، مشددا إن إسرائيل تستمر بذبح الأطفال والنساء على الهواء مباشرة حتى بلغت مذبحة الأطفال والنساء أكثر من 13400 طفل فلسطيني، ومعهم نحو 9000 إمرأة، ما يعني أن أكثر من 73% من ضحايا الإبادة الجماعية هم الأطفال والنساء، في محاولاتٍ ممنهجة للقضاء على أجيال الشعب الفلسطيني القادمة، بجريمة منظمة ممنهجة تمنع الولادات وتقتل المواليد، وذلك ضمن جريمة التطهير العرقي الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، والمستمرة على مدى 76 عام.
كما أضاف، إنه بدلا من أن يقوم مجلس الأمن بتولي مهمته في حفظ الأمن والسلم الدوليين، ويصدر قراراً ملزماً بوقف العدوان الإسرائيلي وإطلاق النار يتم تعطيل دور المجلس، وتقوم الولايات المتحدة الأمريكية، بتعطيل دور مجلس الأمن، من خلال الفيتو الظالم الذي إستخدمته الولايات المتحدة 3 مرات خلال فترة وجيزة، الأمر الذي منح إسرائيل الحماية وأعطها الفرصة الكاملة لترتكب جريمة الإبادة الجماعية لمدة 5 شهور متواصلة، في بث حي ومباشر عبر وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، معربا عن تقديره للعضو العربي في مجلس الأمن الجزائر في متابعة تطورات القضية الفلسطينية في مجلس الأمن بما في ذلك المساعي الدؤؤبة لاستصدار قرار بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والتوصل الى وقف إطلاق النار وكذلك الحصول على حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة كما لابد لنا من تقديم الشكر للإمارات على دورها البناء خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي.
وأكد، إن آلة الإبادة الجماعية تتجهز للانقضاض على رفح الفلسطينية التي تؤوي 1.65 مليون فلسطيني في مساحة تبلغ 20% فقط من إجمالي مساحة قطاع غزة، بقصد تنفيذ المخططات والنوايا الإسرائيلية بتهجيرهم قسرياً إلى خارج الأرض الفلسطينية، بعد أن تم دفعهم منهجياً للنزوح نحو أقصى جنوب قطاع غزة على مقربة من الحدود الفلسطينية المصرية ب 70 ألف طن من القنابل والذخائر المقدمة لإسرائيل من الدول الداعمة للإبادة الجماعية بشكل مباشر أو غير مباشر.
وقال المالكي، إنه لو حدث ذلك فإنه لن يشكل تهديداً للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة فحسب، بل سيمثل ضرراً بالغاً للأمن القومي العربي بمجمله، وسيدخل المنطقة في مراحل جديدة من الصراع وسيقضي على أي فرصة للسلام والأمن والاستقرار في المنطقة، وتتصاعد الجرائم الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك التدمير المنهجي لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين وبنيتها التحتية بقصد إعادة تهجير وطمس قضيتهم، وكذلك الإقتحامات اليومية لعشرات المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وإرهاب المستوطنين الإسرائيليين وقتل مئات المدنيين الفلسطينيين وهدم منازلهم وحرق مزارعهم واعتقالهم وتعذيبهم وإخفائهم قسرياً، كما تقوم إسرائيل بحصار المسجد الأقصى المبارك، وتقويض حرية العبادة ومنع المصلين من الدخول إليه على مدار 5 شهور متواصلة، ويترافق مع ذلك تصعيد حملات التهويد والاستيطان وهدم المنازل والتهجير القسري في مدينة القدس المحتلة.
وسلط الوزير المالكي في كلمته الضوء على قضية هامة مرتبطة بحرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل ضد كل مكونات القضية الفلسطينية، وهي حملة التحريض الممنهجة التي تمارسها إسرائيل ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، هذه الوكالة الأممية التي تعمل بموجب تفويض أممي متجدد يتضمن التزامات واضحة تجاه اللاجئين الفلسطينيين في جميع الدول المضيفة لهم، مشيرا إن هذه الحملة الممنهجة ليست جديدة، فلطالما سعت إسرائيل إلى تجفيف موارد الأونروا وإنهاء دورها وتفويضها، بغية القضاء على ما تمثله من قضية نحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني، بالإضافة إلى أن إسرائيل وضعت الأونروا ومدارسها ومقراتها وموظفيها وكوادرها، كأهداف عسكرية لحربها العدوانية، فقد قامت بكيل الاتهامات الجزافية بالإرهاب لكوادرها دون تدقيق أو تحقيق، وأدى ذلك مع كل أسف إلى إتخاذ بعض الدول المساهمة في الأونروا لإتخاذ إجراءات لوقف تمويلها، ومن هنا نطالب الدول التي اتخذت تلك الإجراءات بإعادة النظر فيها والتراجع عنها، ومحاسبة إسرائيل أولاً على الجرائم التي ارتكبتها بحق الأونروا ومؤسساتها وكوادرها في غزة، وثم التدقيق بالاتهامات الإسرائيلية وأهدافها وجذورها،مشيرا إن ما تقوم به إسرائيل من تدمير ممنهج لمخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وبشكل يومي إنما يهدف إلى إستكمال مخطط إنهاء وجود اللاجى الفلسطيني ومعه قضيته وحقه في العودة.
وقال، إن دولة فلسطين وشعبها الصامد المرابط على أرضه، تؤكد للقاصي والداني رفضها القاطع للمخططات الإسرائيلية وغير الإسرائيلية لما يُسمى باليوم التالي للعدوان الإسرائيلي، مؤكدا على أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين، وأن دولة فلسطين يجب أن تُمكن من تولي مسؤوليات الحكم في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وهي أرض دولة فلسطين الموحدة وطنياً وسياسياً وجغرافياً، ونحن جاهزون كجزء أصيل من المجتمع الدولي للقيام بالتزاماتنا نحو إحياء السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، في إطار رؤية سلام شاملة تقوم على إنهاء الإحتلال الاسرائيلي وتجسيد استقلال دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس وفق المرجعيات الدولية المعتمدة.
كما أكد المالكي، لا بد من تغيير تلك لغة البيانات والشجب إلى إجراءات إقتصادية وقانونية وسياسية ودبلوماسية، تعطي جامعتنا الفعالية اللازمة ليفهم العالم رسالتنا ومصالحنا كم يجب، وقد قدمت لجنة المندوبين الدائمين برئاسة دولة الكويت الشقيقة تقريراً تم تعميمه على الدول الأعضاء بتاريخ 30 يناير الماضي حيث إشتمل على بنك من الإجراءات التي يمكن للدول العربية القيام بها لوقف جريمة الإبادة الجماعية وردع مرتكبيها وداعميهم، وحماية مصالحنا العربية وأمننا القومي، وإننا ندعوكم لتبني تلك الإجراءات بقوة الإرادة العربية التي ننتظر جميعا ً التسلح بها، موجها الشكر للجنة الوزارية العربية الإسلامية والتي ترأستها السعودية والتي قامت بجهود متواصلة ودؤؤبة لنقل معاناة شعبنا الفلسطيني في غزة وفي الدفع بتطوير مواقف تلك الدول لصالح عدالة القضية الفلسطينية وحقوقها غير القابلة للتصرف.
وعبر المالكي عن ادانته للاعتداءات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة على الشقيقتين سوريا ولبنان خاصة جنوب لبنان والتي تسبب باستشهاد مدنيين من نساء وأطفال ومسنين وصحفيين إضافة إلى إستهداف مراكز الجيش اللبناني وصلت إلى عمق الأراضي اللبنانية شاملة الأراضي الزراعية بواسطة الفسفور الأبيض المحرم دوليا في ظل تكرار التهديدات الإسرائيلية بإعادة لبنان إلى العصر الحجري .
وأكد المالكي في ختام كلمته، إنه برغم هذا المشهد الفظيع من الجريمة والألم والدم والتدمير والتهجير، فإن الشعب العربي الفلسطيني العظيم، صاحب الأرض والرواية والتراث والثقافة المتجذرة في أرض فلسطين لآلاف السنين، لن يُهزم أمام أعداء الإنسانية الواهمين المعتدين بوحشيتهم وعنصريتهم، والمدعومين بنفاق الدول التائبة من ذنب الاستعمار ومعاييرها المزدوجة، وستلد النساء الفلسطينيات مجدداً، أجيالاً من الأبطال على إيقاع الرواية الفلسطينية، يعيدون إعمار بلادهم ويجسدون عليها استقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس، ويمارسون فيها حريتهم وثقافتهم وإنسانيتهم، رغم أنف العدو.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أبو الغيط رياض المالكى خارجية فلسطين الوفد
إقرأ أيضاً:
الثقل النوعي لغزة في النضال الفلسطيني.. دور المقاومة وتحديات المستقبل
الكتاب: الثقل النوعي للحركة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة، (الدور الوطني والفعل المقاوم وآفاق المستقبل).الكاتب: د. رائد نجم، د. هاني طالب، أماني الفليت.
الناشر: مركز فينيق للدراسات والبحوث الحقلية، قطاع غزة، 2025م.
عدد الصفحات: 331 صفحة.
حظى قطاع غزة بمكانة متميزة في الجغرافيا والتاريخ الفلسطيني للصراع العربي ـ الإسرائيلي، فالقطاع يمثل ركنا أساسيا من أركان الحركة الوطنية الفلسطينية، كونه بؤرة ساخنة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. ويعد قطاع غزة وفقاً لإدوارد سعيد من المفاتيح الأساسية للمستقبل الفلسطيني إلى جانب القدس، فهو بالبوابة الجنوبية لفلسطين، كتلة ملتهبة في مخيمات لاجئيه الثمانية المكتظة بالسكان المعدمين والأشد فقراً في العالم؛ إلا أنهم ما زالوا يشكلون دينامو المقاومة، والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهي المكان الأشد كرهاً عند قادة دولة إسرائيل، فإسحاق رابين رئيس الوزراء سابق، تمنى "لو يبتلعها البحر".
عن مقاومتها قال عثمان الطباع: "من أخضعها أخضع سواها، ومن ملكها هان عليه تملك غيرها"، فقد احتلت المقاومة في القطاع مكانة بارزة بين بقية ساحات المواجهة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي، ومنه انطلقت بواكير النضال الفلسطيني الممتدة حتى اليوم في شعلة واحدة لا تنطفئ طالما بقي المحتل جاثما على أرضه.
حظى قطاع غزة بمكانة متميزة في الجغرافيا والتاريخ الفلسطيني للصراع العربي ـ الإسرائيلي، فالقطاع يمثل ركنا أساسيا من أركان الحركة الوطنية الفلسطينية، كونه بؤرة ساخنة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. ويعد قطاع غزة وفقاً لإدوارد سعيد من المفاتيح الأساسية للمستقبل الفلسطيني إلى جانب القدس، فهو البوابة الجنوبية لفلسطين، كتلة ملتهبة في مخيمات لاجئيه الثمانية المكتظة بالسكان المعدمين، إلا أنهم ما زالوا يشكلون دينامو المقاومة، والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي.هذه الدراسة أوضحت الثقل النوعي لقطاع غزة في تاريخ القضية الفلسطينية، وأرّخت لمحاور مهمة في النضال الفلسطيني، ووضع مرتكزات أساسية تقوم عليها الحالة الفلسطينية في القطاع، لتوضح محددات العمل النضالي ومستقبل قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر، وكيف أثرت الحرب على الحالة الديمغرافية في قطاع غزة من تراجع نسبة سكان قطاع غزة بحوالي 6% جراء عمليات القتل والإبادة الجماعية الإسرائيلية، ومحاولات السيطرة عليه وتملك مقدراته الاقتصادية، فالحروب العسكرية الاسرائيلية على غزة ليست مجرد مواجهات عسكرية بل هي أدوات سياسية وجيواستراتيجية تهدف إلى تعزيز التفوق الإسرائيلي، وتقليص المقاومة الفلسطينية، وتحقيق الردع الإستراتيجي، وإضعاف مكانة غزة كمركز للنضال الوطني الفلسطيني.
تأسيس القطاع وبروز المقاومة:
تواجد يهود فلسطين في قطاع غزة في حارة اليهود بحي الزيتون، وبدت ميولهم تظهر للحركة الصهيونية مع ثورة البراق 1929م، فنظر لهم أهل غزة نظرة ازدراء، لتغادر ستين عائلة يهودية القطاع بحراسة جنود الانتداب البريطاني، مع وقوع النكبة الفلسطينية لجأ إلى القطاع أكثر من 200 ألف فلسطيني من مدن وقرى جنوب فلسطين، في حين كان يضم حوالي 80 ألف فلسطيني، فالقطاع بالأصل كان يعرف بلواء غزة، الذي يضم قضائي قطاع غزة وبئر السبع، الذي تم احتلاله عام 1948م، مع جزء كبير من قضاء قطاع غزة، ومع توقيع اتفاق الهدنة حددت مساحة القطاع بحوالي 361كم2، ما يعادل 1.33% من مساحة فلسطين، الذي بقي تحت حكم الإدارة العسكرية المصرية. (ص11).
أنشأت مصر حكومة عموم فلسطين في غزة سبتمبر عام 1948م "استجابة للانتقادات الدولية التي طالبت بتمثيل فلسطيني واضح، خاصة بعد الهجرة الجماعية للاجئين الفلسطينيين عقب النكبة عام 1948، وإعطاء شرعية سياسية للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وتعزيز الوحدة الفلسطينية، وتجنب الاتهامات الدولية لأنها تسعى إلى ضم قطاع غزة إلى أراضيها، إلى جانب الحد من طموحات ملك الأردن عبد الله الأول في ضم الأراضي الفلسطينية إلى مملكته".. مع ذلك تم نقل تلك الحكومة إلى القاهرة مما حد من مكانتها وفاعليتها فلسطينياً، ومع ذلك حافظت مصر على الهوية الفلسطينية حين أصدرت وثائق سفر للفلسطينيين دون السعي إلى ضم القطاع أو تمثيل الشعب الفلسطيني، ولم تمنح الجنسية للفلسطينيين(ص16).
كانت النكبة تجربة مدمرة للفلسطينيين إذ دفعت مئات الالاف إلى اللجوء، وأثرت على النسيج الاجتماعي الفلسطيني، ووجد اللاجئون أنفسهم خاضعين لثلاثة أنظمة سياسية مختلفة، إسرائيل، مصر(لاجئو غزة)، والأردن (لاجئو الضفة الغربية والقدس الشرقية)، اليوم وصل عدد اللاجئين إلى أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون لاجئ فلسطيني وذريتهم المسجلين لدى الأونروا في أوضاع صعبة، منهم حوالي 1.41 مليون لاجئ في قطاع غزة مسجل لدى الأونروا، يعانون من الكثافة السكانية العالية في المخيمات وظروف اقتصادية غاية في الصعوبة.
منذ اللحظات الأولى للنكبة الفلسطينية شكل قطاع غزة بمخيماته بؤرة ساخنة في النضال الفلسطيني، وانطلاقة شعبية لمقاومة الاحتلال ورفض قرارات الاحتلال بالتهجير، مما حفز الكثير منهم بالتسلل والعودة إلى قراهم التي هجروا منها لاسترداد أملاكهم مما أدى لنشوء ظاهرة العائدين التي وصفها الاحتلال بالفدائيين المشاغبين، ومع قيام الثورة المصرية 1956م اتخذت ظاهرة التسلل بعداً أكثر تنظيماً، واستخدمت لغرض الاستطلاع وجمع المعلومات عن العدو الإسرائيلي، ولكن عمليات التسلل أخذت في التراجع مع سعي عبد الناصر إلى تحييد السياسات العدوانية للقادة الإٍسرائيليين، وتجنب أي صدام معه في الفترة التي كانت مصر غير مستعدة بعد لمواجهة شاملة مع الاحتلال.
غزة حاضنة المقاومة:
تحول قطاع غزة لمشارك فاعل في المقاومة الفلسطينية، خاصة مع المشاركة النوعية في حرب عام 1956م، 1967م، على الرغم من تشتت الفلسطينيين وإهمالهم تمكنوا مرارا من تحريك الوضع الراكد في المنطقة، كما شكل زخم وطني وقومي، وتعبئة شعبية وعسكرية لثواره، بعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965م، أخذ ذلك بعداً وطنياً، حين قاتل الفلسطيني من داخل أرضه ليصبح أكثر المناطق المحتلة توهجاً واشتعالا بالنضال، حيث حازت غزة على صخب عالمي طغى في كثير من الأحيان على الاهتمام بالمناطق الأخرى، وتفرد القطاع عن سائر المناطق بوضع نضالي متميز، فكان أبناء القطاع من جيش التحرير الفلسطيني والتنظيمات الأخرى في حالة استعداد وتجهيز للسلاح للدفاع عن القطاع أمام الهجمات الإسرائيلية؛ إذ برز الكفاح المسلح في أوجه فأعطى للقطاع وجه المقاوم الرافض للاحتلال، ولكن القرار ببدء العمليات العسكرية ليس بالقرار السهل في الوضع الجيوسياسي للقطاع الذي أعطى ذلك زخماً خاصا في نوعية العلميات العسكرية التي انطلقت من القطاع حتى بعد احتلاله عام 1967م.
اتبعت إسرائيل مع القطاع سلسلة من الإجراءات القمعية بهدف كسر المقاومة، ومعنويات سكان غزة وتركيعهم، بما في ذلك هدم المنازل، وفرض الضرائب، والحصار لمدن وقرى قطاع غزة، ومصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات، وحظر التجول، وإغلاق المؤسسات التعليمية، كما لجئت لسياسة التهجير القسري، فهجرت نحو خمسة آلاف مواطن من غزة دفعة واحدة، تبعها ترحيل ألفي شخص في اطار تفكيك المقاومة وبعثرتها، وقطع رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول المياه عن القطاع لإجبار السكان على مغادرته عام 1967م، وتفريغ المخيمات تحت اطار توسيع شوارع وانشاء مشاريع اسكانية مثل مشروع الشيخ رضوان ومشروع بيت لاهيا(ص49).
بدلاً من تحقيق السلام أو التسوية السلمية بين فلسطين وإسرائيل، أسست اتفاقيات أوسلو نظاماً جديداً من القمع الإسرائيلي للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، حيث لم يقبل القادة الإسرائيليون بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة. استغلت إسرائيل المفاوضات لتعزيز سيطرتها على الأراضي المحتلة، عبر مضاعفة الاستيطان، وفرض قيود على حركة الفلسطينيين، وتسريع عمليات هدم المنازل.تطرقت الدراسة أيضا لتأثير قطاع غزة على معادلة النظام السياسي الفلسطيني بعد أوسلو، حتى الوقت الراهن، وركزت على التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتأثير الانقسام الداخلي الفلسطيني على القضية الوطنية، حيث أصبح قطاع غزة مركزاً إداريا مهماً، ويتناول أبزر التحديات التي واجهت السلطة الفلسطينية النشأة في القطاع من استمرار التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، والانقسامات الداخلية المتنامية بين الفصائل، خاصة بين حركتي فتح وحماس.
كما ركزت على تطور المقاومة الفلسطينية في غزة تحت حكم حماس، بما في ذلك تطور البنية العسكرية للقطاع، وإنتاج الصواريخ والقذائف محلية الصنع، وظهور المقاومة عبر الأنفاق، التي مكنتها من مواجهة إسرائيل في أربعة حروب متتالية.
أوسلو سلام متعثر:
بدلاً من تحقيق السلام أو التسوية السلمية بين فلسطين وإسرائيل أسست اتفاقيات أوسلو نظاماً جديداً من القمع الإسرائيلي للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، حيث لم يقبل القادة الإسرائيليون بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة أو دولة واحدة متساوية الحقوق، واستغلت إسرائيل المفاوضات لتعزيز سيطرتها على الأراضي المحتلة، حتى بعد أن سلمت السلطة الفلسطينية المسؤولية عن السكان الفلسطينيين فقط، تحكمت هي بالسيطرة على المعابر البرية والبحرية دون تقديم أي خدمات للسكان كما يجب على القوة المحتلة " سارعت إسرائيل وفقا لمنظمة العفو الدولية بالاستيلاء على الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية، وأدت إقامة المستوطنات إلى عدم وجود تواصل إقليمي بين المجتمعات الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وفرضت إسرائيل قيوداً مشددة على حركة الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وخارجها، وسرعت من تدمير المنازل والمجتمعات الفلسطينية بحجة عدم حصولها على الموافقات الإسرائيلية وهي موافقات تكاد تكون مستحيلة للفلسطينيين" (ص87).
عانى أغلب الفلسطينيين من تعميق إسرائيل سيطرتها على حياتهم وأراضيهم، فقسمت الضفة بموجب الاتفاق إلى ثلاث مناطق، وتقلصت ولاية السلطة الفلسطينية في المنطقة(ب، ج)، التي احتفظت إسرائيل فيها بسيطرة كاملة، بينما تمتع السلطة بحرية قضائية في المنطقة(أ)، وسمحت الاتفاقات لإسرائيل حماية المستوطنين، الذين يعيشون بشكل غير قانوني في الأراضي المحتلة مما أدى لتضاعف عددهم من 20000 إلى 40000خلال الفترة ما بين 1993 ـ 2000م، ليصل لنحو 50000 في الضفة الغربية ونحو 20000في القدس الشرقية في أكثر من 200 مستوطنة رسمية وبؤرة استيطانية غير رسمية عام 2023م، كما تزايد في الأوانة الأخيرة عدد الحواجز العسكرية ووصل لنحو 500 حاجز مادي ونقطة تفتش لتزداد الضغوط والمضايقات على الفلسطينيين .
تحدث المؤلفون عن سياسة إسرائيلية اتبعتها إسرائيل لترويض الفلسطينيين في القطاع ت، التي تماشت مع الحروب الإسرائيلية " برزت سياسة الرأس فوق الماء، وهي سياسة إسرائيلية تتحكم في المفاصل الرئيسية للحياة اليومية لسكان القطاع، وتهدف إلى اغراق قطاع غزة وانفجاره في وجه الاحتلال لكنها تمنع في الوقت نفسه تحقيق الرخاء والانتعاش الاقتصادي الذي يعود بالنفع على فصائل المقاومة"، ومضمونة هذه الاستراتيجية تتحكم إسرائيل بالقطاع الاقتصادي والمالي للفلسطينيين في غزة عبر تنفيذ إجراءات وسياسة ممنهجة تغرق الجسد الفلسطيني في الماء، وتبقي الرأس في قبضة الاحتلال الحديدية الذي يهدد بإغراق الجسم حال أراد الفلسطيني الخروج من عباءة الاحتلال.
أما سياسة الاحتواء فتبنتها إسرائيل لاستمرار حكم حماس في القطاع عبر استراتيجية احتواء الحركة وتعظيم الاستفادة من الانقسام الفلسطيني، على الصعيدين السياسي الإعلامي، وتقوم هذه الاستراتيجية على ترسيخ الأوضاع الناشئة في القطع ضمن سياسة العصا والجزرة عبر فتح المعابر وزيادة عدد الشاحنات كي تصل إلى أكثر من 500 شاحنة يومية، وزيادة مساحة الصيد، وتخفيف القيود على حركة البضائع والأفراد من وإلى القطاع، عبر سياسات مثل الراس فوق الماء، لإدامة الوضع الاقتصادي الهش في القطاع ومنع أي انتعاش اقتصادي حقيقي(ص134).
لكن حماس عانت جراء الجمع بين المقاومة والحكم، الذي تطلب منها إلتزام شعبي بتلبية المتطلبات الحياتية في القطاع عبر تشكيل حكومة، ومن ثم إدارة خاصة بها لمواكبة تطورات العمل الحكومي التي كثيرا ما اختلفت مع متطلبات مقاومة الاحتلال المسلحة التي تتبناها الحركة، في الوقت الذي استطاعت فيه عقد هدنة مع دولة الاحتلال بعد حرب عام 2008-2009م، الذي ظهر امام البعض أن حركة حماس تخلت عن المقاومة في سبيل السلطة، وهو ما قادت إليه الضغوط الدولية و العربية.
غزة في الحسابات الإقليمية:
تمثل غزة هذه البقعة الصغيرة، أكثر من مجردة نقطة صراع فلسطيني إسرائيلي، فهي محور للتوازنات الإقليمية والجيو سياسية، فموقعها على البحر المتوسط وأهميتها كمركز للمقاومة يجعلان منها عنصراً حيوياً في الاستراتيجيات الإقليمية والدولية، وتمثل غزة جزءاً محورياً في حسابات الأمن القومي لكل من مصر وإسرائيل، حيث ترتبط بشكل وثيق بأمن واستقرار المنطقة.
كونها" تعتبر غزة بوابة استراتيجية لأمن مصر القومي، فرغم أنها لا تتمتع بأهمية عسكرية، كونها منطقة جغرافية صغيرة الحجم وساحلية سهلية، إلا أنها تتميز بأهمية جيو استراتيجية لا يمكن اغفالها، فمن خلال غزة قد يتقدم الغزاة نحو مصر من ناحية الشرق، ومن خلالها أيضا يبسط حكام مصر نفوذهم على بلاد الشام عند الضرورة، رسخت هذه معطيات الجغرافيا مع حقائق التاريخ الطويل منذ أيام الفراعنة، الرومان، العرب، التتار، والصليبيين والاستعمار الحديث والإسرائيليين ارتباط أمن مصر واستقلالها الوطني بما يجري وراء حدودها الشمالية الشرقية، لذلك يجب أن ينظر إلى مصر وفلسطين، وخصوصا غزة، كأنهما تشكلان كتلة استراتيجية واحدة؛ لذلك أصبح من أبجديات استراتيجيات الأمن القومي أن فلسطين، وخاصة قطاع غزة تشكل مكوناً رئيسياً في قلب مفهوم الأمن القومي المصري، بينما تسعى إسرائيل للسيطرة عليه لأغراض أمنية وسياسية، حيث ترى أنها تمثل تهديداً أمنياً مباشراً لها بسبب موقعها، ووجود حركات المقاومة المسلحة فيها، وتعتبر السيطرة عليها وسيلة لضمان استقرارها الأمني، ومنع تهريب الأسلحة(ص192).
تشكل الحرب الدائرة على قطاع غزة تحول مفصلية ستعيد رسم معالم علاقات حماس مع النظام السياسي الفلسطيني، وإسرائيل، والدول الإقليمية، والمجتمع الدولي، فقد أدت الحرب إلى تغيير إسرائيل لاستراتيجيات تعاملها عسكرياً مع قطاع غزة، فتاريخياً اتبعت إسرائيل استراتيجية جز العشب القائمة على استخدام القوة العسكرية بشكل دوري لإضعاف قدرات الفصائل المسلحة في غزة، دون السماح بتصعيد يصل إلى انهيار كامل للنظام في القطاع، إذ اتبعت إسرائيل تلك الاستراتيجية لإدراكها أنه لا يمكنها اسقاط حماس دون المخاطرة باحتمالية بزوغ منظمة أكثر تطرفاً لحكم غزة، فضلاً عن عدم رغبة إسرائيل في عودة مسؤولية الحكم في غزة في مرحلة ما بعد الصراع إلى السلطة الوطنية الفلسطينية (ص213).
قرارات الحرب والسلام ومشاريع فصل غزة بعد السابع من أكتوبر:
تشكل الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة أداة لتحقيق أهداف استراتيجية خفية تهدف لإعادة تشكيل موازين القوى، وتكريس الانقسام الفلسطيني، ومع كل مواجهة تسعى إسرائيل إلى تقويض المشروع الوطني الفلسطيني، وإضعاف قدرة الفلسطينيين على تحقيق استقلالهم، بينما تحاول الفصائل الفلسطينية تعزيز مكانتها في المشهد السياسي عبر المقاومة " من الثابت أن الدول والكيانات السياسية لا تكشف في ظل الحروب والصراعات الدولية عن كامل أهدافها واستراتيجياتها، فهناك أهداف معلنة، وأخرى خفية، والحروب الإسرائيلية على القطاع لا تخرج عن هذا السياق، فالخفي من أهداف هذه الحروب قد يكون أكثر خطورة على القضية الوطنية من الأهداف المعلنة منها، وضجيج الصواريخ، ودماء الشهداء، وحالة الدمار، والابادة الجماعية قد تكون غطاء لتمرير مخططات كبيرة عجزت السياسة والمواجهات الصغيرة عن تمريرها، فالحرب سياسة؛ ولكن بوسائل عنيفة أو أداة لفتح مغاليق سياسية"(ص206).
السابع من أكتوبر والسياسات الإسرائيلية:
تشكل الحرب الدائرة على قطاع غزة نقطة تحول مفصلية، ستعيد رسم معالم علاقات حماس مع النظام السياسي الفلسطيني، وإسرائيل، والدول الإقليمية، والمجتمع الدولي، ولكن هذه المرحلة تأتي في سياق من التعقيد المتزايد، حيث تخوض حماس معركة ليست فقط عسكرية، بل أيضا وجودية وسياسية تعكس تنازعاً بين دورها كمقاومة مسلحة، وسعيها لتثبيت شرعيتها كسلطة حاكمة، وتشكل هذه الحرب اختباراً لمقدرة حماس على تحقيق توازن بين الصمود العسكري، وضمان العودة لمشهد الحكم الفلسطيني في ظل تحديات سياسية، وأمنية، واقتصادية، وإنسانية متفاقمة.
لكن هذه الحرب أدت إلى تغيير إسرائيل لاستراتيجيات تعاملها عسكرياً مع قطاع غزة، فتاريخياً اتبعت إسرائيل استراتيجية(جز العشب) القائمة على استخدام القوة العسكرية بشكل دوري لإضعاف قدرات الفصائل المسلحة في غزة، دون السماح بتصعيد يصل إلى انهيار كامل للنظام في القطاع " اتبعت إسرائيل تلك الاستراتيجية لإدراكها أنه لا يمكنها اسقاط حماس دون المخاطرة باحتمالية بزوغ منظمة أكثر تطرفا لحكم غزة، فضلا عن عدم رغبة إسرائيل في عودة مسؤولية الحكم في غزة في مرحلة ما بعد الصراع على السلطة الوطنية الفلسطينية "
مستقبل قطاع غزة:
حرك العدوان الإسرائيلي على غزة بعد عملية السابع من أكتوبر مياها راكدة من جديدة بشأن الدعوات إلى التوحيد القوى والفصائل الفلسطينية، عبر التوافق على برنامج وطني موحد يفضي انسجام أدوات العمل الوطني، تحت إشراف وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بعد انضمام باقي الفصائل إليها، خاصة بعد حديث أثارته الولايات المتحدة الأمريكية في محاولة لثني إسرائيل عن رفضها لمسألة عودة السلطة الوطنية إلى غزة في سياق اليوم التالي للحرب.
" لقد أضحت جهود ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي بعد السابع من أكتوبر ضرورة وطنية، وحتى عربية، سواء فيما يتعلق بإعادة بناء المرجعيات الفلسطينية لضمان أن تكون فصائل المقاومة في غزة جزءاً من الشرعية الفلسطينية، أو توحيد الرؤية الفلسطينية لإدارة الصراع، وذلك من خلال ربط وقف إطلاق النار بخطة سياسية واضحة متفق عليها من كافة الفرقاء الفلسطينيين على قاعدة مواجهة مشروع حكومة مجرم الحرب بنيامين الهادف إلى استكمال النكبة الفلسطينية، مسنوداً في ذلك بغطاء ودعم دولي غير معلن".
تمثل غزة أكثر من مجرد نقطة صراع فلسطيني إسرائيلي، فهي محور للتوازنات الإقليمية والجيوسياسية. وكونها تعتبر بوابة استراتيجية لأمن مصر القومي، فإن استقرارها أو اضطرابها يؤثر مباشرة على الوضع الأمني المصري. بالمقابل، تسعى إسرائيل للسيطرة عليها باعتبارها مركزاً للمقاومة، وترى أن ذلك ضروري لضمان استقرارها الأمني ومنع تهريب الأسلحة.لقد تعرضت حركة حماس بعد السابع من أكتوبر لضربات عسكرية قوية من عمليات اغتيال وقتل واعتقال، طالت عدداً كبيراً من قادتها وكوادرها السياسية والميدانية، ومقاوميها، ومنتسبيها، كما ركز الاحتلال الإسرائيلي عبر جرائمه على قتل مفاصل وقيادات لجنة العمل الحكومي في غزة، وتدمير المؤسسات الحكومية، الخدمية، التعليمية، الصحية، المنشآت الحيوية، البنية التحتية، بهدف انهاء حكم الحركة، وسيطرتها على قطاع غزة.
وفي ختام الدراسة طًرحت سيناريوهات الدور المستقبلي لقطاع غزة في النظام السياسي الفلسطيني الذي تضمن:
ـ سيناريو الوحدة التي تسعى إلى توحيد النظام السياسي الفلسطيني عبر دمج قطاع غزة والضفة الغربية تحت مظلة السلطة الفلسطينية، أو تشكيل حكومة تكنوقراط توافقية تعيد بناء المؤسسات الوطنية، بعد اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتسعى هذه السيناريوهات إلى تحقيق التوازن بين مصالح الفصائل الفلسطينية المختلفة، وضمان دعم دولي لإعادة اعمار غزة، وفتح أفاق لحل الدولتين.
ـ سيناريوهات الانفصال التي تطرح بقاء غزة ككيان مستقل سواء تحت حكم حركة حماس أو عبر إدارة مدنية مختلطة، بعد احتلال القطاع أو جزء منه، عبر قبول شخصيات فلسطينية تولي هذه الإدارة، بينما يتولى ضابط في جيش الاحتلال توجيه هذه الحكومة، بما يشبه روابط القرى في ثمانينيات القرن الماضي، الذي حاولت إسرائيل تطبيقه في الضفة الغربية أو نموذج جيش لحد الذي نشأ في الجنوب اللبناني، مما يعمق الانقسام الفلسطيني.
ـ الإدارة العربية أو الدولية: يتناول هذا المسار حسب الدراسة، إدارة قطاع غزة من قبل قوى خارجية أو دولية كخيار للتعامل مع الأوضاع في غزة بعد الحرب، سواء بقوة دولية تحت إشراف قوة عربية بتنسيق أمريكي أو قوة عربية دولية، وتختلف الرؤى حول العلاقة مع السلطة الفلسطينية، إذ يرفض الجانب الإسرائيلي أي دور لها، بينما تتبنى خطط أخرى تصوراً يتمثل في دور محدود للسلطة الفلسطينية بعد إصلاحها أو تأجيل تمكينها لإدارة القطاع إلى مرحلة انتقالية تمتد من ثلاث إلى خمس سنوات.