صدى البلد:
2025-04-26@14:09:24 GMT

إبراهيم تركي يكتب: أزمة القيم في واقعنا المعاصر

تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT

قبل الولوج في دراسة هذه المسألة ، فإنه لابد من التأكيد على القول بأن علماء النفس يقررون أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الشخصية الإنسانية في جملتها وبين القيم التي يتبناها الفرد وخاصة على المستوى السلوكي ، باعتبار أننا إذا عرفنا قيم الشخص فإننا نعرف شخصيته جيداً.


وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى القيم الخُلقية ومكانتها ، فإن الحاجة إليها في تطوير الشخصية وتنمية النفس وترقيها مهم للغاية ، ذلك لأنها تقدم سبيلاً للاستقرار الداخلي والتعايش مع المجتمع على الوجه الصحيح.


وحتى لا يطول بنا الحديث حول أهمية القيم في الارتقاء بالشخصية الإنسانية ، فإنه يمكن الإشارة على نحو موجز أيضاً إلى أنه إذا كان هناك خلاف حول ما إذا كانت القيم على وجه العموم والقيم الأخلاقية على وجه الخصوص فطرية أم مكتسبة ، فإننا لا نود أن نخوض في بحث إمكانية ترجيح أحد الرأيين ، بل إننا سنكتفي مؤقتاً بالتوفيق بينهما باعتبار أن هناك بعض القيم قد تكون فطرية إلا أن البيئة هي التي تشوش عليها أو تطمسها ، كما أن بعض القيم لابد أن تكون نتاجاً للحياة الاجتماعية ومايترتب على ذلك من اعتبارها مكتسبة.

وعلى أية حال ، فإننا سنسلم مؤقتاً بالقول بإمكانية اكتساب القيم مهما كان مصدرها ، ومايترتب على هذا التسليم من بحث القضية المطروحة.

وقبل الخوض في هذه المسألة ، فإنه ينبغي علينا أن نقدم إشارة موجزة إلى بعض المساﺌـل التمهيدية المتعلقة بذلك ، ونبدأ هذا الحديث بإشارة موجزة إلى أهم الأسباب التي تدعوا إلى الاهتمام بدراسة موضوع غرس القيم وتعديلها.
*                  *                *
والذي دعانا إلى دراسة هذه المسألة على هذا النحو أنه من الملاحظ أن مجتمعنا العربي والإسلامي يمر بفترة حرجة من حياته تتسم باهتزار القيم واضطراب المعايير الاجتماعية والأخلاقية وكثرة حالات الخروج عن تعاليم الدين الحنيف. فإذا نظرنا نظرة سريعة إلى الحياة الاجتماعية والنفسية التي يحياها شبابنا ، فإنه يتأكد لنا مدى مايعانونه من اغتراب نفسي وخلل قيمي مخيف.

وفي هذا العصر الذي يتسم بالتطور التقني والثورة المعرفية ، فإننا نلاحظ أن الأمور تسير في طريق إبعاد الفرد والمجتمع عن قيمه الدينية والخُلقية الصحيحة أكثر فأكثر، ابتداءً من الانبهار بالتطور التقني والتجاوب معه من غير وجود رصيد قيمي وسلوكي يضبط الحياة ، مروراً بالميل المتنامي لدى كثير من الأفراد نحو اللامبالاة بما يقترفه بعض الأفراد والجماعات في المجتمع من سلوكيات تتنافى وقيم هذا المجتمع ، إضافة إلى ظهور بعض التيارات والدعوات التي تنادي صراحة أو ضمناً بالخروج عن هذه القيم ، مع تسلل القدوة السيئة التي لا تتفق مع قيمنا إلى معظم البيوت من خلال أجهزة الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة بحيث أصبحت هذه القدوة مع مرور الوقت شيئاً مألوفاً. هذا مع انشغال الناس في هذه الأيام أكثر فأكثر بهموم لقمة العيش التي أصبح تحصيلها يستنزف معظم وقت وجهد رب الأسرة .
*                  *                *
فإذا كان من الثابت أن القيم هى التى توجه العملية التربوية برمتها، فالعلاقة إذن بين القيم والتربية علاقة تبادلية ، فمن غير تربية يصعب غرس القيم وتنميتها ، ومن غير القيم تصبح التربية عقيمة غير ذات فائدة . والتربية التى نقصدها هنا تشمل التربية في البيت وفي المدرسة وفي المؤسسات الأخرى ، وتشمل التربية النظامية وغير النظامية . وتبدأ عملية زرع القيم وتنميتها لدى الفرد منذ أيام حياته الأولى وهو طفل بواسطة الأسرة ، ولا تنتهي إلا بانتهاء حياته على وجه البسيطة.
وإذا كنا قد تحدثنا في غير هذا الموضع عن أهمية القيم في حياة الفرد والمجتمع بصورة عامة ، فإن أهمية هذه القيم وضرورة العناية بها تزداد في عالم اليوم المتغير المتقلب الذى بدأ يتنكر للقيم ويحارب الفضيلة ، وتتضح هذه الأهمية للأسباب التالية :


1-اتسام المجتمعات عامة ومنها الشعوب العربية والإسلامية حالياً باهتزاز القيم واضطراب المعايير الاجتماعية والأخلاقية وكثرة حالات الخروج على تعاليم الدين والقانون ، مما أصبح يثير الخوف من تهديد أمن البلاد واستقرارها الاجتماعي ، الأمر الذى يدعو إلى ضرورة بناء شخصية الإنسان على أساس الدين والأخلاق.


2-الواقع الراهن الذي يتميز بالتطور التقني والانفجار المعرفي ، وكل منهما يلاحق الآخر بصورة مذهلة مما يؤدي إلى الانبهار به والتجاوب معه والتعامل مع متطلباته. ولهذا التطور والتنامي سلوكيات تضبط حركة المجتمع ، ويخشى مع مرور الوقت وقوعنا في التبعية المعرفية والثقافية مما يهدد شعورنا بالانتماء إلى أوطاننا.


3-الميل المتنامي لدى أفراد المجتمع إلى عدم المبالاة بالحماقات التى يقترفها بعض أفراده وجماعاته ، إضافة إلى ظهور التيارات المتطرفة أو المعاكسة للتدين الذي يجمع بين العقل والإيمان في إطار الوسطية.


4-ورود بعض السلوكيات التى لا تتفق وقيمنا الفاضلة من خلال أجهزة الإعلام والثقافة ووسائل الاتصال باسم الفن ، وباسم الاطلاع على واقع العالم المتقدم، وباسم اللحاق بركب الحضارة . وكثير جداً من إنتاج هذه الأجهزة وأعمالها يدخل بيوتنا ويقتحمها ويفسد إلحاحه وتكراره علينا قيمنا الدينية والأخلاقية ، إذ يصبح بمرور الوقت مألوفا ومعتاداً. الأمر الذي يؤدي إلى ترسيخ أثاره فى نفوس الكبار.


5-انشغال الناس حالياً بهموم العيش والرزق ، حيث لم يعد مستوى دخل الأفراد كافياً لمواجهة احتياجات المعيشة ، وقد ساعدت السلوكيات المعاصرة على شيوع الرغبة في رفع مستوى الدخل ، ولم تعد الأسرة ، لعدة أسباب ، قادرة على القيام بالأعباء المتزايدة يوماً بعد يوم ، مما أدى إلى ضعف القدرة على رعاية الأولاد إما عن قصور أو عن تقصير.


6-ضعف دور المدرسة والمؤسسات التعليمية عامة فى غرس القيم لدى التلاميذ ، حيث أصبح اهتمام المعلمين منصباً على تلقين المعارف وعلى الانتهاء من المقررات فى أقصر وقت ، بالإضافة إلى اهتمامهم المبالغ فيه بتوجيه الطلاب نحو الدروس الخصوصية.
 كل هذة الأمور مجتمعة وغيرها تؤكد ضرورة إعادة النظر فى غرس وتعديل القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية وضرورة تضافر كل الجهود للعناية بها لمواجهة هذه التحديات التي يتعرض لها أبنائنا.
 *                  *                *
وإذا كان من الملاحظ أن أهم الأسباب التي أدت إلى اختلال النسق القيمي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية إنما تتمثل في حدوث ذلك التغير الاجتماعي والثقافي الناتج عن الثورة المعلوماتية التي حدثت في الآونة الأخيرة ، فإنه يمكن القول على نحو إجمالي بأنه مع تسليمنا بحتمية حدوث التغيرات الاجتماعية البطيئة أو التدريجية وما يصاحبها من تغيرات في مختلف مناحي الثقافة ومنها التغيرات فى القيم ، فإننا نود أن نؤكد على القول بأن هناك عاملاً حاسماً في إحداث التغير الاجتماعي والثقافي والقيمي قد ظهر في الآونة الأخيرة ولوحظت تأثيراته المبالغ فيها في هذا الصدد ، وهي التي تتمثل أساساً في الثورة المعلوماتية المعاصرة التي تتمثل في شيوع الفضائيات الدولية وشبكة المعلومات الدولية . ويمكننا أن نوجز هذا الأثر السلبي على النحو التالي:


1-خطورة ماتبثه القنوات الفضائية من الدول المرسلة التي تمتلك وتدير مثل هذه القنوات إلى البلدان التي تستقبلها ، مما يجعلها في وضع المتأثر بسبب وجود فوارق اجتماعية وثقافية كبيرة بينهم.


2-إقصاء الثقافات المحلية ، حيث تعمد وكالات الأنباء العالمية التي تسيطر عليها الدول الكبرى وتخضع لثقافات البلاد الموجودة بها إلى ترسيخ هذا الإقصاء ،  فإنه من الملاحظ أن الدول المنتجة للمادة الإعلامية تنزع إلى إهمال الثقافات الأخرى ولا تعرض منها إلا ماهو طريف وعجيب. و يتجلى أثر ذلك على الملتقي الذى يرى أن الثقافات المنمقة المعروضة أولى من ثقافته التي تفرض عليه بهذه الصورة فيترك ثقافته وقيمه المتوارثة ويتبنى قيم تلك الدول المهيمنة مع أنها غريبة عنه ، وما يؤدي إليه ذلك من شعوره بالتشتت القيمي وضعف الانتماء وما إلى ذلك من المشاعر السلبية نحو ثقافته.


3-تجزئة الثقافة المحلية ، لأن الأخبار والمادة الإعلامية المتعلقة بالثقافات المحلية تأتي مبسطة ومجزأة بل وأحياناً مشوهة ومجافية للواقع . الأمر الذي يؤدي إلى شعور الفرد بتفاهة مافي مجتمعه من أخبار، ومايؤدي إليه ذلك من توجهه إلى الثقافات الأخرى ذات الأخبار المتكاملة والمعلومات العميقة ، ويصاحب ذلك من الضعف الحاد في التنشئة الاجتماعية لدى أبنائنا الطلاب وخاصة في المراحل التعليمية قبل الجامعة.


4-تعدد القنوات الفضائية الذي يتضمن خطورة ملحوظة على الثقافات الوطنية وذوبانها أو طمس بعض معالمها في ظل هذا الزخم الإعلامي الموجه لصالح ثقافة البلدان المهيمنة مع مايتبعه من تصدير لمثل عليا ونماذج وسلوكيات وتوجهات وقيم وأسلوب حياة وافدة ومفروضة بشكل فوقي يمس بعض أساليب الحياة الاجتماعية.


5-التأثير المباشر على التنشئة الإجتماعية . فالأمر الملحوظ أن تأثير القنوات الفضائية أو الاتصال الجماهيري في عمليات التنشئة الاجتماعية قد بدا بارزاً حيث دخلت هذه التقنيات الحديثة كل بيت وخاطبت كل فرد صغيراً كان أم كبيراً واقتحمت كل الميادين ، فتغيرت القيم وتبدل السلوك الجمعي.


6-يوجد تأثير على الجوانب الأخلاقية التي تتمثل أبرز مشكلاتها في الترويج للإباحية والاختلاط والقيم والمبادئ المخالفة للأديان ، ثم التأثير الثقافي الذي تمثل أبرز مشكلاته في تدفق المعلومات غير المنتقاه والترويج للأفكار الغربية وتعزيز التبعية للفكر الغربي . بالإضافة إلى التأثير على الجوانب العقائدية الذي يبدو في تعزيز النزعة المادية على حساب الجانب الروحي والإيمان وإظهار شعائر أهل الكفر ورموز معتقداتهم الباطلة وتشويه صورة الأديان والمتدينين.
 

وبعد ذلك ، فإنه لابد من التأكيد على القول بأن استعراض هذه الأمور لا يعني القنوط واليأس من الإصلاح أو أنها دعوة إلى تثبيط العزائم والهمم ، والخنوع إلى هذا التيار الجارف من "اللاقيمية" التي تسود العالم عامة بما فيه المجتمعين العربي والإسلامي ، بل إن ذلك يؤكد أن على المخلصين في هذا المجتمع ، وهم كثيرون بحمد الله ، أن يأخذوا الأمر بعين الجد ، وأن يعدوا لهذا الأمر عدته ، وأن يكونوا على قدر المسئولية فيسعوا جاهدين إلى مقاومة هذا الشر المستشري ، وتحصين النشئ بالقيم والأخلاق والعقيدة الدينية الصحيحة وترسخيها لديهم حتى يواجهوا هذا التيار الجارف بثبات.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الجماعات الدول المنتجة الشخصية الإنسانية ثورة المعلومات ذلک من

إقرأ أيضاً:

مختصون: وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين.. وتنظيمها ضرورة لحفظ القيم

العُمانية: تُعد وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للأفراد وأصبح لهذه البرامج الكثير من التأثير الإيجابي والسلبي الذي ينعكس على الأفراد والمجتمعات، حيث تُشكل منصات قوية للتعبير عن الرأي والتواصل ونشر المعرفة، كما تسهم في تقريب المسافات بين الناس وتعزيز فرص التعلم والتسويق والتأثير، إلا أنها في المقابل قد تتحول إلى أدوات لنشر الإشاعات وإثارة الفتن والتأثير السلبي على الصحة النفسية خاصة بين فئة الشباب وتربية الأبناء.

وأكد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ خلال كلمته السامية أثناء لقائه بشيوخ ولايات محافظتي الداخلية والوسطى بحصن الشموخ العامر على أن " تربية الأبناء لا تتم عبر شبكات التواصل بل هي جزء من أصل المجتمع العُماني عندما يتشرّب أبناؤنا بعاداتنا وتقاليدنا والتمسك بالأسرة والمجتمع هي تكون سبيل نجاح المجتمع، والتقنيات الحديثة وجدت لخدمة البشرية لكننا مع الأسف نستغلها بطريقة سلبية جدًا، وقد أثرت على النشء، ليس في بلدنا وحسب ولكن في جميع أنحاء العالم".

وتُبرز أهمية الوعي والمسؤولية الرقمية كمطلب أساسي للكل، فالمنصات التي تتيح التواصل وحرية التعبير تحتاج في المقابل إلى إدراك عميق بعواقب الاستخدام السلبي لهذه المنصات، حيث يعد الاستخدام المسؤول لتلك الوسائل هو ما يصنع الفرق، مما يحتم علينا جميعاً أفراداً ومؤسسات أن نكون أكثر وعياً بحجم هذا التأثير.

وقال محمد بن ناصر الوهيبي مدير دائرة الحوكمة بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات: تعد وسائل التواصل الاجتماعي في وقتنا الحالي أداة فاعلة تسهم في تشكيل الوعي وتعزيز التواصل المجتمعي، ولذلك تبرز أهمية تنظيم وتوجيه استخدامها من خلال سن التشريعات ووضع السياسات والمعايير التنظيمية ونشر التوعية بشأن استخدامها، مما يضمن بيئة آمنة تعزز التنمية وتحافظ على القيم المجتمعية، وللوزارة دور بارز في تعزيز الاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي سواء من قبل الوحدات الحكومية أو الأفراد، وبسبب تزايد عدد الوحدات الحكومية التي تتواصل مع المستفيدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أصدرت الوزارة دليل الإرشادات الأمنية لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي (2024)، وذلك لغرض تحديث التدابير والإرشادات الأمنية لحسابات التواصل الاجتماعي الرسمية لوحدات الجهاز الإداري للدولة والتطبيقات المتعلقة بها لتتوافق مع المتطلبات والتحديات الأمنية، حيث يضع الدليل أحكاما تنظم آلية إدارة الحسابات ومحتواها ويحدد ضوابط الخصوصية والأمان، بدءا من الأجهزة المستخدمة للوصول والتفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي وخصائص كلمة المرور ومعايير التفاعل مع المستفيدين من هذه الحسابات وغيرها من الأحكام.

وأوضح أنه نظراً لأهمية تعزيز حماية خصوصية الأفراد وبياناتهم الشخصية، تم إصدار قانون حماية البيانات الشخصية بموجب المرسوم السلطاني رقم 6/2022، وأصدرت الوزارة لائحته التنفيذية بموجب القرار الوزاري رقم 34/2024، ويشكّل قانون حماية البيانات الشخصية إحدى الركائز التشريعية الأساسية لضمان بيئة رقمية تحترم الحقوق وتحد من الانتهاكات.

وكان لصدور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بموجب المرسوم السلطاني رقم 12/2011 دور رئيس في الحد منها لتحقيق الردع المطلوب فيما يتعلق بالجرائم المعلوماتية والتي من بينها تلك المرتكبة بوسائل التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال جرم القانون وفق المادة (11)، استخدم وسائل تقنية المعلومات في ارتكاب جريمة تزوير معلوماتي، وذلك بتغيير الحقيقة في البيانات أو المعلومات الإلكترونية وهذه الفعل كثيرا ما يتم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، كما جرم القانون انتهاك حرمة الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد وذلك بالتقاط صور أو نشر أخبار أو تسجيلات صوتية أو مرئية تتصل بها ولو كانت صحيحة، أو في التعدي على الغير بالسب أو القذف، أو الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في المقامرة، أو في إنتاج أو نشر أو توزيع أو شراء أو حيازة كل ما من شأنه المساس أو الإخلال بالآداب العامة أو في الترويج لبرامج أو أفكار أو أنشطة من شأنها ذلك.

وأشار إلى أن الوزارة أصدرت الدليل الاسترشادي لحماية الأطفال على الأنترنت، حيث أورد الدليل جملة من المبادئ التوجيهية لواضعي السياسات منها مراجعة الإطار القانوني ووضع الأطر والسياسات التنظيمية لضمان حماية الأطفال على الأنترنت، بالإضافة إلى المبادئ التوجيهية لأولياء الأمور والمربين ومقدمي الرعاية والتي منها: تعزيز التقنيات والأجهزة التي يستخدمها أفراد الأسرة بما فيهم الأطفال وتحديد الخدمات والتطبيقات التي تعمل عبر الأنترنت في جميع هذه الأجهزة، وضرورة تعليم الأطفال أساسيات أمن الأنترنت وتشمل استخدام الأنظمة والتطبيقات وضمان تحديثها مع غرس طلب الدعم والمساندة من أولياء الأمور عند تعرضهم لمخاطر عبر الأنترنت وغيرها من المبادئ..

وقال الدكتور خلفان بن سالم البوسعيدي أخصائي علاقات أسرية أول: إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت جزءا لا يتجزأ من واقع الحياة العصرية التي نعيشها الآن والتواصل مع العالم من حولنا وعليه أصبحت جزءا أصيلا من الواقع المعاش لا نستطيع الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال، إلا أنه ومع إقرارنا بهذا الأمر فهذا لا يعني عدم وجود تحديات وعقبات جراء استعمالنا اليومي لها، فمخاطرها تتعدد من زاوية نفسية واجتماعية وأمنية وقيمية واقتصادية وغيرها.

وأضاف: ومن الزاوية النفسية، فالإدمان عليها يؤثر على الصحة النفسية من خلال تقلب المزاج وانخفاض الحماس والعزلة والانطواء والشعور بالقلق والخوف والإحباط والترقب المستمر لكل حدث فيها، فهذا كله يؤثر تأثيرا سلبيا على الصحة النفسية بشكل عام، أما من منظور اجتماعي فإنها تساهم في تدهور العلاقات وقلة التفاعل وغياب التواصل بين أفراد البيت الواحد وبين الجيران والأرحام وحتى في نطاق العمل المؤسسي والمحيط الخارجي، أما تأثيرها من الناحية الأمنية، فهناك من يتعمد قصد الإضرار بسمعة المجتمع من خلال بث الشائعات ونشر الأخبار الملفقة والمكذوبة والمفبركة، وهذا ما يؤثر على النسيج الاجتماعي وعلى الترابط والانسجام والتماسك بشكل عام، ومن الناحية القيمية، فتأثيرها على الهُوية وضربها للقيم والعادات والتقاليد، فهناك أفكار تتسلل إلينا لا تمت لقيمنا ولا عاداتنا وتقاليدنا بشيء بالإضافة إلى تأثيرها على الجانب الاقتصادي، فكثرة الإدمان عليها يضعف الإنتاجية ويقلل من أثر التفكير الإبداعي وهي مدعاة للكسل والخمول والجلوس في نفس الدائرة.

وأشار إلى أن أهم الاستراتيجيات للاستخدام الأمثل لهذه المواقع، فالبداية تنطلق من خلال تحديد الهدف الأسمى والرئيس للاستخدام وتحديد أوقات مناسبة ومحددة والعمل على نشر التوعية للاستخدام الأمثل وكذلك سن القوانين وحجب كل ما هو ضار عبر المؤسسات المعنية وهذه البرامج تتطور بشكل سريع وملحوظ خصوصا مع غزو الذكاء الاصطناعي والذي أصبح الأقرب لاهتمامات الفرد.

من جانبه قال سعيد بن محمد الكلباني باحث في الذكاء الاصطناعي: وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت واقعًا لا مفر منه، فهي اليوم جزء أساسي من الحياة اليومية للأفراد والمجتمعات، وتؤثر بشكل كبير في تشكيل الرأي العام والسلوكيات والعادات الاجتماعية والثقافية وتساهم بشكل إيجابي في نشر المعرفة، وتبادل الخبرات، وتعزيز التواصل الإنساني لكنها في المقابل، تحمل جوانب سلبية مثل انتشار المحتوى السطحي، وتزايد تأثير مشاهير وسائل التواصل بشكل قد لا يعكس القيم المجتمعية الإيجابية، كما أن الشركات المطورة للأدوات والتطبيقات تسعى للانتشار وإبقاء المستخدمين أطول وقت ممكن ضمن تطبيقاتها وذلك من خلال الخوارزميات القائمة على الذكاء الاصطناعي التي تتحكم في ما يظهر المستخدم وتوجه الأفراد لمسارات من الممكن أن يكونوا غير منتبهين لها ومع هذا التوجيه تظهر تأثيرات عدة منها مرتبطة بالدين والمواطنة والعادات والتقاليد.

وتطرق الكلباني إلى أبرز التحديات التي تواجه وسائل التواصل الاجتماعي وتتمثل في انتشار المعلومات الزائفة، والمحتوى غير الهادف، والتأثير السلبي على الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب الناجم عن المقارنات الاجتماعية، كما تشجع هذه المنصات أحيانًا على تقليد غير إيجابي بحثًا عن الشهرة السريعة أو الربح المالي السهل، مما يؤدي إلى فقدان الهُوية الفردية والاجتماعية الأصيلة، فمع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي أصبح الكثير من المحتوى المنشور منشئا أو معدلا بهذه التقنية ولا يخفى على أحد أن الذكاء الاصطناعي ليس مؤطرًا لمجتمعنا العُماني المحافظ، لذلك تكون مخرجاته في كثير منها بعيدة عن واقع مجتمعنا، فمثلاً يستخدمه الكثير من الأفراد لإنشاء الصور والفيديوهات والمحتوى ومخرجات هذه التقنية ليست دائماً دقيقة وتحمل الطابع العُماني أو الوطني من حيث اللباس والفكر والثقافة وغيرها.

وأوضح أن الاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي يتحقق بعدد من العناصر، ومنها: القوانين والأطر الضابطة للاستخدام والمنشور وتكون هذه القوانين ضابطة للأفراد وما يمكن نشره والعكس بالإضافة إلى الشركات المطورة للتطبيقات من خلال إجبارها على الشفافية فيما يختص بالبيانات وخصوصية المستخدمين والتوجهات الخفية التي يمكن أن توجه لها الخوارزميات، كما أن الوعي والثقافة والانتقاء للمحتوى جميعها تلعب دورا بارزا في نجاح أو فشل الاستخدام لوسائل التواصل الاجتماعي، ومن الضروري الحرص على استخدام منصات التواصل بهدف بناء المعرفة وتعزيز القيم الإيجابية والاحترام المتبادل بإطار لا يتجاوز ثوابت المجتمع ورموزه.

وأضاف: أن المستقبل لوسائل التواصل الاجتماعي سوف يشهد تطورا كبيرا بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما سيفتح آفاقا جديدة للإبداع والتواصل، لكن التحدي سيبقى في كيفية إدارة المحتوى بشكل مسؤول وأخلاقي، وتعزيز الوعي الرقمي بين الأجيال القادمة، لتكون وسائل التواصل الاجتماعي أكثر فائدة وأقل ضررًا.

وقال المهندس محمد بن سعيد الربيعي مهندس برمجيات وأمن سيبراني: إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت إحدى أبرز الأدوات المؤثرة في المجتمعات الحديثة، فقد غيّرت جذريًا من طريقة تواصل الأفراد وتبادل المعلومات، وساهمت في بناء مجتمعات رقمية تتجاوز الحدود الجغرافية من خلال تقريب التواصل بين الأفراد وسهّلت تكوين العلاقات، لكنها في المقابل أثّرت على نمط العلاقات الواقعية وأدت إلى ما يسمى بالعزلة الرقمية، كما أصبحت منصات مهمة لتبادل الثقافات ونشر الوعي والمعرفة، لكنها أيضًا ساهمت أحيانًا في نشر المعلومات المضللة، ووفرت فرصًا كبيرة للتسويق الرقمي وريادة الأعمال، خصوصًا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، كما شكّلت مصدرًا بديلًا للأخبار وساحة للنقاش العام والتأثير على الرأي العام.

وأضاف: أنه رغم الإيجابيات، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تخلو من التحديات والمخاطر، أبرزها نشر الأخبار الكاذبة والشائعات، مما يؤثر على الوعي المجتمعي ويقود إلى اتخاذ قرارات خاطئة والابتزاز الإلكتروني والتنمر الرقمي، خاصة بين فئة الشباب وانتهاك الخصوصية وسرقة البيانات الشخصية والإدمان الرقمي، مما يؤدي إلى ضعف الإنتاجية وتشتت الانتباه والاستغلال التجاري غير الأخلاقي، مثل التسويق المضلل أو التضليل عبر المؤثرين.

وأشار إلى أن الاستخدام الأمثل والاستراتيجيات الناجحة وللتحقيق أقصى استفادة من وسائل التواصل الاجتماعي، يجب اتباع استراتيجيات واضحة وواعية تتمثل في تحديد الأهداف سواء على المستوى الشخصي أو المؤسسي، حيث يجب أن يكون هناك هدف واضح لاستخدام المنصة واختيار المنصة المناسبة لأن كل منصة تخدم جمهورًا مختلفًا، ويجب اختيار المنصة الأنسب للرسالة أو المحتوى وإنتاج محتوى قيّم يتمثل في المحتوى الهادف الصادق والمفيد ويخلق تفاعلًا أفضل ويعزز الثقة وضبط الخصوصية من خلال مراجعة إعدادات الخصوصية بشكل دوري للحفاظ على المعلومات الشخصية والتحقق من المعلومات وعدم المساهمة في نشر الأخبار قبل التحقق من مصدرها والتفاعل الإيجابي من خلال تعزيز ثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر.

مقالات مشابهة

  • مختصون: وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين.. وتنظيمها ضرورة لحفظ القيم
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: المصباح يثير جدلًا !
  • د. أشرف ناجح إبراهيم عبدالملاك يكتب: أمور مهمة فى حبرية المنتقل البابا فرانسيس
  • د. إبراهيم نجم يكتب: في وداع البابا فرانسيس خادم الإنسانية
  • سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • نهيان بن مبارك: القيم الإنسانية عناصر محورية في توجيه الذكاء الاصطناعي
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: محاكمة حميدتي بين قانونين
  • محافظ حفر الباطن يستقبل مدير بنك التنمية الاجتماعية بالمحافظة
  • سامح قاسم يكتب | رنا التونسي.. شاعرة الحافة التي تنزف جمالًا