لجريدة عمان:
2024-10-05@17:30:16 GMT

لأجل ماذا؟

تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT

عامًا بعد عام، ويومًا بعد يوم؛ تتسع الدنيا أمام المرء وتضيق، فتارة يكون صافي الرؤية هادئ البال، وأخرى مشمئزا من الحياة ماجًّا إياها لما يمر به وعليه فيها. ولكن الحياة هي الحياة، فهي لا تتغير ولا تغير قوانينها وسننها لأي مخلوق كان، ولكن الإنسان وحده من يستطيع أن يغيّر نظرته للحياة وطريقة عيشه، بما يعتقده ويتبناه من عقائد ومبادئ في سبيل عبور بحرها بأقل الخسائر والأضرار الممكنة.

تتراقص أمام المرء الأفكار الكبيرة وهو يفكر في شيء شاسع وغير محدود كالحياة، وكل امرئ ينظر إليها من المنظار الذي انغمس فيه ووجدت روحه وذاته طمأنينتها واستقرارها فيه. فالتاجر يراها من منظور اقتصادي بحت، فيتعامل مع الناس على اعتبار أنهم فرص لنموه الاقتصادي التجاري، ووفقًا للمبادئ التي يتبناها سيكون تعامله معهم بما فيه من شدة ولين، وأمانة وتطفيف. والسياسي يراهم فرصة لاجتذابهم إلى حزبه، وتقوية نفسه بهم للحصول على كرسي برلماني أو دور قيادي؛ وهكذا دواليك. ولأن المرء الذي يتخذ سبيله (اقتصادي، سياسي، ثقافي..إلخ)، يتأثر بمن حوله بالضرورة؛ فإنه سيصل لا محالة للمفترقات التي تحدد جدوله في نهر الحياة الكبير. فليس جميع التجار أمناء، وليس كل السياسيين كذبة، وليس كل المثقفين أصحاب رسالة ومبدأ. لذلك سيصل المرء لمفترق الطريق التي تلزمه باختيار سبيله هو، لا سبيل غيره ؛ ولكن الإنسان بطبعه يتأثر ويؤثر بمن حوله، فما العمل إذن؟.

إن سؤال المرء نفسه ومحاسبته لذاته مبدأ ديني وإنساني عظيم في آن، فأن تتذكر إلى أين أنت ذاهب، وأين هو طريقك، ولأجل من، ولأجل ماذا تعيش؟ كلها أسئلة تحدد محطاتك في الطريق للوصول إلى وجهتك النهائية. والمحطة النهائية لا يلزم أن تكون شيئا يراه الجميع ويشهدون عليه ويصفقون له؛ بل قد تكون التخلص من عادة سيئة أو اكتساب عادة حسنة، تجعلك مطمئنا في حياتك مدركا لما تريد وترجو أن تكون أقل ثقلا من قيود المحيطين وما ينتظرونه منك. إن الصوابية -أي فعل الصواب في كل حين- تجعل المرء يقترب من الخير الإنساني أكثر فأكثر، ولكنه لن يقوى على الاستمرار في طريق الصوابية دون معاونة رفاق له يتبنون الطريق والمسلك ذاته؛ فالصوابية في الحياة تعني أن تتخلى عن أمور يقدسها الكثيرون، والتخلي عن المعتقدات المطاطية «الحق في الرد، الحق في العقاب، الحق في الكراهية» واستعمالاتها التي تشبه «بطاقة السماح بفعل ما تريد» لا بفعل «ما هو صواب» تجعل من الصوابية مبدأ عظيما. فأن تكون مسؤولا عن مؤسسة ما أو أن تكون مهمة ما موكلة إليك، وتتعلق هذه المهمة بالاختيار أو الشراء من الأفضل؛ فحينها يتجلى مفهوم الصوابية واقعا، فهل ستختار الأفضل؟ أم ستختار ما تحب وما تميل إليه؟ وهل ستشتري الأفضل جودة وسعرا؟ أم ستشتري من التاجر الذي تحب بغض النظر عن أسعاره وجودة ما يقدمه؟.

الإنسان يتأثر بطبعه بمن حوله، وبقدر ما فيه من قدرة على الصدق مع نفسه ومع الآخرين؛ تكون اختياراته ومنطلقاته في الحياة. فأن تدرك أن تشق طريقًا خاطئًا وتعترف بذلك وتغير مسارك، لهو من أصعب الأمور على الإطلاق. ولنضرب الثقافة مثالا على ذلك. درج كثير من الأدباء على اعتبار كتب بعينها هي مدار الثقافة ومنتهاها، وبما أن المحيط الثقافي مغلق في دائرة معينة كغيره؛ نجد أن من يختار قراءة كتب مختلفة عن تلك التي اختارتها جماعة المثقفين، نجده منبوذا يلحقه اللمز أينما ذهب وارتحل، فيقال إن فلانا شب عن الطوق. ولكن المثقف الحقيقي لو وقف مع نفسه وقفة صادقة، وتساءل «لأجل ماذا؟»، «لأجل من؟» أختار ما أختار وأفعل ما أفعل، لتخلص من رسن التقليد ولأصبح حرًا أمام نفسه أولًا وأمام الآخرين. إن الصوابية تعني أن نفعل الصواب حتى وإن لم نقتنع به أو لم يشعرنا بالراحة، أن تقول عن عدوك إنه محسن في الشأن الفلاني، وعن صديقك إنه مخطئ في الموقف الفلاني، ومتى كان الصواب مقياسًا لتعاملنا مع أنفسنا والآخرين؛ كنا أصدق وأقل ندما ونحن ننظر إلى الكيفية التي تعاملنا بها وإلى الحياة التي عشنا..

علاء الدين الدغيشي كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أن تکون

إقرأ أيضاً:

"أوروبيون لأجل القدس": الاحتلال يستغل الحرب لتغيير الواقع بالأقصى

القدس المحتلة - صفا حذرت مؤسسة أوروبيون لأجل القدس، من تصاعد محاولات "إسرائيل" تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، من خلال إقامة مصعد كهربائي لتسهيل اقتحامات المستوطنين والتوسع في إقامة الصلوات العلنية والجماعية وإقامة الطقوس الدينية في المسجد. وأوضحت المؤسسة في تقرير أصدرته، يوم الجمعة، أن قوات الاحتلال ارتكبت خلال أيلول/سبتمبر الماضي، (688) انتهاكًا موزعًا على (16) نمطًا من انتهاكات حقوق الإنسان، وغالبية هذه الانتهاكات مركبة. وأشارت إلى أنه جاء في مقدمة هذه الانتهاكات، الاقتحامات والمداهمات بنسبة 52.5 %، يليها الاعتقالات بنسبة 14.4 %. ورصد التقرير (38) حادث إطلاق نار واعتداء مباشر من قوات الاحتلال في أحياء القدس المحتلة. أسفر ذلك عن استشهاد ثلاثة مواطنين أحدهم طفل، فيما أصيب 5 آخرون بجروح والعشرات بحالات اختناق، فضلًا عن تعرض ما لا يقل عن 18 مواطنًا للضرب والتنكيل. وذكر أن قوات الاحتلال نفذت (361) عملية اقتحام لبلدات وأحياء القدس، اعتقلت خلالها 99 مواطنًا، منهم 4 نساء منهم صحفية، وطفلان، وصحفيان، واستدعت 8 آخرين وفرضت الحبس المنزلي على 4 مواطنين. ووثق التقرير 33 عمليات هدم وتدمير طالت 10 منزلًا منها 8 أجبر مالكوها على هدمها ذاتيًا، ما أدى إلى تشريد 46 مواطنًا، وتدمير 23 منشأة إلى جانب عشرات الإخطارات وقرارات الهدم ضد منازل ومنشآت أخرى. وأشار إلى استيلاء المستوطنين على شقة سكنية في بلدة الطور وإصدار محكمة الاحتلال قرارا بإخلاء منزل عائلة سالم غي لمصلحة المستوطنين في حي بطن الهوى ببلدة سلوان. وخلال أيلول، أصدرت سلطات الاحتلال 6 قرارات وإجراءات في إطار تكريس تهويد الاستيطان والتهويد في القدس. وتمثلت تلك القرارات في إنشاء جدار استيطاني قرب شارع يافا، وتنفيذ حفريات في منطقة القصور الأموية جنوب المصلى القبلي، ووضع أساسات لبناء مصعد كهربائي لتسهيل اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، وافتتاح نصب تذكاري، وإنهاء تحريك حاجز الولجة العسكري. وعلى صعيد اقتحامات المسجد الأقصى، وثق التقرير اقتحام 4697 مستوطنًا للمسجد خلال أيلول. وأوضح أن سلطات الاحتلال 7 قرارات بالإبعاد بحق مقدسيين، عن المسجد الأقصى أو مدينة القدس. وذكر أن المستوطنين نفذوا (13) اعتداءً على مواطنين وممتلكاتهم في القدس، وأعمال تحريض. وأشار التقرير إلى أن قوات الاحتلال تواصل استغلال حربها على قطاع غزة، في تصعيد انتهاكاتها في المدينة والنيل من المقدسيين والمقدسات، واستمرت في محاولات التهويد وفرض أمر واقع جديد في القدس والأقصى. وحذرت المؤسسة من خطورة ما يجري بالقدس من انتهاكات، وإطلاق يد المستوطنين في تنفيذ الاعتداءات ضد المواطنين، ومحاولة فرض وقائع جديدة في المسجد الأقصى، مع زيادة معاناة المقدسيين، بالتوازي مع استمرار سياسات التهويد والاقتحامات المتكررة للمسجد ومحاولة فرض التقسيم زمانيًا ومكانيًا. 

مقالات مشابهة

  • عدد الجرحى تجاوز الـ 10 آلاف.. ماذا عن المستشفيات التي خرجت عن الخدمة؟
  • عاجل.. لجنة الحكام تقرر إيقاف حكم واقعة جوميز لأجل غير مسمى
  • أكثر من يُحزن المرء أن استضافات قناة الجزيرة لأمثال طبيق ومجوك وعمران ونحوهم (..)
  • ماذا نعرف عن “المسيّرة العراقية” الحديثة التي ضربت إسرائيل وأوقعت عشرات من جنودها بين قتيل وجريح؟
  • طفل صيني يتعرض لإعاقة مدى الحياة بسبب معلمه.. ماذا طلب منه؟
  • المرءُ مع مَنْ أحَبَّ
  • "أوروبيون لأجل القدس": الاحتلال يستغل الحرب لتغيير الواقع بالأقصى
  • ماذا يمكن أن يحدث للجسم عندما تكون التمارين الرياضية شديدة للغاية؟
  • المعهد الديمقراطي: ندوب الحرب التي دامت عقد من الزمان لا تزال تلازم كل جوانب الحياة في اليمن
  • ماذا قال مصطفى محمود عن الحياة بعد الموت؟.. أسرار من العلم والإيمان