لجريدة عمان:
2025-04-18@19:03:00 GMT

لأجل ماذا؟

تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT

عامًا بعد عام، ويومًا بعد يوم؛ تتسع الدنيا أمام المرء وتضيق، فتارة يكون صافي الرؤية هادئ البال، وأخرى مشمئزا من الحياة ماجًّا إياها لما يمر به وعليه فيها. ولكن الحياة هي الحياة، فهي لا تتغير ولا تغير قوانينها وسننها لأي مخلوق كان، ولكن الإنسان وحده من يستطيع أن يغيّر نظرته للحياة وطريقة عيشه، بما يعتقده ويتبناه من عقائد ومبادئ في سبيل عبور بحرها بأقل الخسائر والأضرار الممكنة.

تتراقص أمام المرء الأفكار الكبيرة وهو يفكر في شيء شاسع وغير محدود كالحياة، وكل امرئ ينظر إليها من المنظار الذي انغمس فيه ووجدت روحه وذاته طمأنينتها واستقرارها فيه. فالتاجر يراها من منظور اقتصادي بحت، فيتعامل مع الناس على اعتبار أنهم فرص لنموه الاقتصادي التجاري، ووفقًا للمبادئ التي يتبناها سيكون تعامله معهم بما فيه من شدة ولين، وأمانة وتطفيف. والسياسي يراهم فرصة لاجتذابهم إلى حزبه، وتقوية نفسه بهم للحصول على كرسي برلماني أو دور قيادي؛ وهكذا دواليك. ولأن المرء الذي يتخذ سبيله (اقتصادي، سياسي، ثقافي..إلخ)، يتأثر بمن حوله بالضرورة؛ فإنه سيصل لا محالة للمفترقات التي تحدد جدوله في نهر الحياة الكبير. فليس جميع التجار أمناء، وليس كل السياسيين كذبة، وليس كل المثقفين أصحاب رسالة ومبدأ. لذلك سيصل المرء لمفترق الطريق التي تلزمه باختيار سبيله هو، لا سبيل غيره ؛ ولكن الإنسان بطبعه يتأثر ويؤثر بمن حوله، فما العمل إذن؟.

إن سؤال المرء نفسه ومحاسبته لذاته مبدأ ديني وإنساني عظيم في آن، فأن تتذكر إلى أين أنت ذاهب، وأين هو طريقك، ولأجل من، ولأجل ماذا تعيش؟ كلها أسئلة تحدد محطاتك في الطريق للوصول إلى وجهتك النهائية. والمحطة النهائية لا يلزم أن تكون شيئا يراه الجميع ويشهدون عليه ويصفقون له؛ بل قد تكون التخلص من عادة سيئة أو اكتساب عادة حسنة، تجعلك مطمئنا في حياتك مدركا لما تريد وترجو أن تكون أقل ثقلا من قيود المحيطين وما ينتظرونه منك. إن الصوابية -أي فعل الصواب في كل حين- تجعل المرء يقترب من الخير الإنساني أكثر فأكثر، ولكنه لن يقوى على الاستمرار في طريق الصوابية دون معاونة رفاق له يتبنون الطريق والمسلك ذاته؛ فالصوابية في الحياة تعني أن تتخلى عن أمور يقدسها الكثيرون، والتخلي عن المعتقدات المطاطية «الحق في الرد، الحق في العقاب، الحق في الكراهية» واستعمالاتها التي تشبه «بطاقة السماح بفعل ما تريد» لا بفعل «ما هو صواب» تجعل من الصوابية مبدأ عظيما. فأن تكون مسؤولا عن مؤسسة ما أو أن تكون مهمة ما موكلة إليك، وتتعلق هذه المهمة بالاختيار أو الشراء من الأفضل؛ فحينها يتجلى مفهوم الصوابية واقعا، فهل ستختار الأفضل؟ أم ستختار ما تحب وما تميل إليه؟ وهل ستشتري الأفضل جودة وسعرا؟ أم ستشتري من التاجر الذي تحب بغض النظر عن أسعاره وجودة ما يقدمه؟.

الإنسان يتأثر بطبعه بمن حوله، وبقدر ما فيه من قدرة على الصدق مع نفسه ومع الآخرين؛ تكون اختياراته ومنطلقاته في الحياة. فأن تدرك أن تشق طريقًا خاطئًا وتعترف بذلك وتغير مسارك، لهو من أصعب الأمور على الإطلاق. ولنضرب الثقافة مثالا على ذلك. درج كثير من الأدباء على اعتبار كتب بعينها هي مدار الثقافة ومنتهاها، وبما أن المحيط الثقافي مغلق في دائرة معينة كغيره؛ نجد أن من يختار قراءة كتب مختلفة عن تلك التي اختارتها جماعة المثقفين، نجده منبوذا يلحقه اللمز أينما ذهب وارتحل، فيقال إن فلانا شب عن الطوق. ولكن المثقف الحقيقي لو وقف مع نفسه وقفة صادقة، وتساءل «لأجل ماذا؟»، «لأجل من؟» أختار ما أختار وأفعل ما أفعل، لتخلص من رسن التقليد ولأصبح حرًا أمام نفسه أولًا وأمام الآخرين. إن الصوابية تعني أن نفعل الصواب حتى وإن لم نقتنع به أو لم يشعرنا بالراحة، أن تقول عن عدوك إنه محسن في الشأن الفلاني، وعن صديقك إنه مخطئ في الموقف الفلاني، ومتى كان الصواب مقياسًا لتعاملنا مع أنفسنا والآخرين؛ كنا أصدق وأقل ندما ونحن ننظر إلى الكيفية التي تعاملنا بها وإلى الحياة التي عشنا..

علاء الدين الدغيشي كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أن تکون

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية السوداني: ما يحدث ليس حربا أهلية ولكن محاولة انقلاب

قال علي يوسف وزير الخارجية السوداني، إن ما يحدث في لبنان هو حرب أهلية ولكن ما يحدث في السودان محاولة إنقلاب قامت بها ميليشيا الدعم السريع.

القاهرة الإخبارية: الوضع الإنسانى في المدن الآمنة بالسودان ما زال كارثيًامجموعة السبع تندد بهجمات ميليشيات الدعم السريع ضد المدنيين في السودان

وأضاف خلال مداخلته الهاتفية ببرنامج يحدث في مصر ، المذاع على قناة إم بي سي مصر، أن ميليشيا الدعم السريع كانت قوة شبه عسكرية، تعمل في إطار الدولة السودانية، ولكنها قامت بانقلاب على النظام، ولذلك ما يحدث الآن في السودان ليس حرب أهلية.

ولفت إلى أن الحركة القادمة لدي الجيش السوداني تستهدف تحرير مدينة دارفور، وبعد ذلك سنكون قد أنهينا على وجود ميليشيا الدعم السريع، مشددا على أنه لا يوجد كهرباء أو ماء صالح للشرب في الخرطوم والأمور غير مناسبة لعودة السودانيين الكاملة.

 ووجه التقدير والشكر للرئيس السيسي والشعب المصري لدعمهم للشعب السوداني، قائلا: نقدم الشكر لهم، لوقوفهم معنا منذ اللحظات الأولى في الحرب.

مقالات مشابهة

  • ليبيا التي نريد.. لن تكون
  • الرهن العقاري الأميركي يقفز لأعلى مستوى في شهرين
  • في ذكرى قانا | ماذا تعرف عن المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في لبنان؟ (تفاعلي)
  • الجيش هزم مؤامرة ابتلاع السودان منذ اللحظات الأولى ولكن طرد الجنجويد من العاصمة (..)
  • غزة أنموذجا.. ماذا يعني طبيا فقدان الإنسان أدنى مقومات الحياة؟
  • رئيس الوزراء: “مش عيب الأطباء تسافر للخارج ولكن الأزمة في نقص الخريجين”
  • وزير الخارجية السوداني: ما يحدث ليس حربا أهلية ولكن محاولة انقلاب
  • نجل فضل شاكر يفجّر مفاجأة: والدي بريء.. ولكن!
  • الإفتاء: من حق الزوجة الخروج للعمل إذا رفض زوجها.. ولكن بشروط
  • قاطف البنجر الذي انسحب من الجنائية الدولية لأجل نتنياهو