مناقشة كتاب "الحب في زمن اللايك " للدكتورة "هبة عبد العزيز"
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
عقدت الثلاثاء 5 من مارس الجاري ندوة لمناقشة كتاب "الحب في زمن اللايك" أحدث إصدارات الدكتورة "هبة عبد العزيز" نائب رئيس تحرير الأهرام بتنظيم اللجنة الثقافية والفنية بنقابة الصحفيين، بقاعة "طه حسين" داخل النقابة، بحضور مجموعة من الباحثين والصحفيين والفنانين، وقد أدار الندوة الكاتبة الروائية "إيمان عنان" بمشاركة الكاتبة الصحفية "آنس الوجود رضوان" رئيس تحرير برنامج "وصال" والفنان الكبير والمبدع "محمود عامر".
في محاولة للتطرق إلى آثار العالم الافتراضي ومخاطره للعمل على الحد منها، خاضت الدكتورة "هبة عبد العزيز" تجربة هذا الكتاب المميزة، الذي ناقشت خلاله تحول حياة البشر وأولوياتهم القصوى إلى فضاء افتراضي، وسيطرة التكنولوجيا على البشر بيد أنها أداة لهم، والذي فسرته الكاتبة بوقوع المشاعر الإنسانية فريسة بين خيوط الشبكة العنكبوتية، ما أدى إلى تحجر القلوب وتبلد المشاعر.
وقد تناول الحضور مختلف محاور اهتمام الكتاب، وتطور استخدامات البشر للانترنت وتعلق المشاعر الإنسانية وتأثرها بالواقع الافتراضي أكثر من العالم الحقيقي، وآثار ذلك على الإنسانية بعد انتصار الآلة عليها، الأمر الذي كان يرفضه العلماء فيما سبق ويصفونه بالخيال العلمي، ووصول المجتمع المصري لحالة تشبه الفقاعات، بالإضافة إلى آثار الإنترنت في ارتفاع نسب الطلاق كأحد آثاره السلبية الخطرة.
تحول العلاقات الإنسانية لحالة سيئة:
أشادت الكاتبة الصحفية "آنس الوجود رضوان" بمدى تميز عنوان الكتاب – الحب في زمن اللايك – في كونه يشير إلى تحول المشاعر الإنسانية إلى التفاعلات عبر الإنترنت، كما هو الحال على تطبيق "فيسبوك" على سبيل المثال ( أعجبني – أحببته – أدعمه – أضحكني – أحزنني – أغضبني )، كما أكدت تميز وانفراد هذه الدراسة في تساؤلاتها حول الحب في عصرنا الحالي وهل مات الحب به، ماذا لو كان "أفلاطون" بيننا اليوم؟ وماذا لو كان قيس وليلى بيننا اليوم؟ في محاولة للبحث عن الإبداع في عصر التكنولوجيا ومدى تأثير انتشار الأخيرة على المبدعين.
كما أشارت "آنس الوجود" إلى تحول علاقات البشر من اللقاء وجهاً لوجه وتبادل المشاعر بشكل مباشر وأكثر مصداقية إلى العلاقات الافتراضية، المقابلات عبر الانترنت، مع تقلص فرص اللقاء وجهاً لوجه المعتادة، الأمر الذي ساهم في سرعة حدوثه فيروس كورونا بآثاره على المجتمعات بشكل خاص، مؤكدة مدى أهمية هذا الكتاب وتقسيمه للعديد من المواضيع بصورة ممتازة، والعديد من الحوادث المرتبطة بآثار "السوشيال ميديا".
في هذا الإطار أكدت الدكتورة "هبة عبد العزيز" أن المشاعر اليوم قد باتت فريسة لخيوط الشبكة العنكبوتية وانتصرت الآلة على الإنسانية، ببلوغ الإنسانية للرشد الرقمي، ما أدى لتراجع قوة الحب، بمعناه الأعم المتضمن لمشاعر الإنسان في علاقاته البشرية بصفة عامة، ليس فقط علاقة الحب بين رجل وامرأة، إنما الحب يشمل أيضًا بين الإخوة والأصدقاء والجيران وغيرها من صور العلاقات الإنسانية.
وانطلاقًا مما سبق في ظل التطورات التكنولوجية المعاصرة ومخاطرها، يجب العمل على بناء ونشر التوعية الثقافية للجميع، للتمكن من استيعاب هذه السلبيات، في ظل ما صورته الكاتبة المبدعة الدكتورة "هبة عبد العزيز" بالفقاعة التي يعيش بها الإنسان في عزلة اجتماعية بالواقع، ومجتمع افتراضي.
وأشارت الكاتبة الصحفية "آنس الوجود رضوان" إلى ارتفاع نسب الطلاق في ظل ما أطلقت عليه الدكتورة "هبة عبد العزيز" (عصر اللايك)، نتيجة جفاف المشاعر، وفي ظل هذه التطورات ارتفعت نسب الطلاق بما يعادل 2 مليون و 800 ألف حالة طلاق، في سن من 25 عام إلى 30 عام، وهذا المؤشر له مخاطر كبيرة، مؤكدة على الحاجة لإجراء العديد من الدراسات النفسية في هذه الشئون على حالة المجتمع المصري، وأن هناك حاجة شديدة وملحة لمراجعة أنفسنا في أخلاقنا وقيمنا وكيفية استعادة ما تأثر منها واندثر.
إنتشار ظواهر اجتماعية سلبية بالمجتمع:
أشاد الفنان الكبير "محمود عامر" بأعمال الدكتورة "هبة عبد العزيز" وعلى رأسها الصالون "بنت العزيز"، مشيرًا إلى مدى إعجابه بالكتاب ووصفه للحب في زمن اللايك، موضحًا موقفه من السوشيال ميديا وآثارها السلبية على المجتمع والتفاعل الإنساني، كون التكنولوجيا باتت سلاحًا ذو حدين، ومشيرًا لذكريات الزمن الجميل بعنوان ماسبيرو زمان، والحنين إلى روح المجتمع المصري قبل السوشيال ميديا، وآثارها في حالة الأسرة، وحتى في حالة الحب بين الرجل والمرأة، بعدما بات الحب مقتصرًا على رسالة أو "قلب أحمر"، والتواصل مبتذل في تعليق أو إعجاب على السوشيال ميديا، وقد باتت الأسرة اليوم كل فرد منها في غرفته ويتواصلون عبر الإنترنت لاسيما عبر تطبيق "واتساب".
وأكدت الكاتبة الروائية "إيمان عنان" على مخاطر السوشيال ميديا على المجتمع، والأسرة المصرية، كما كان هناك العديد من النتائج السلبية التي نتج عنها ضرر القيم الأساسية لمجتمعتنا، وانتشار ظواهر سيئة مثل التحرش الإلكتروني، لكونه أخطر من التحرش التقليدي، لما يوفره لمرتكبيه من القدرة على التخفي خلف الشاشة التي يقوم من خلالها بارتكاب جريمته، مما أدى إلى استغلال العديد من المراهقين والرجال أيضًا للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في هذه الأهداف الغير أخلاقية.
كما كان لذلك آثاره أيضًا في ارتفاع نسب الطلاق، للعديد من الأسباب المتعلقة بالتطور التكنولوجي، وتطور وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى ظاهرة التفكك الأسري وانتشار فكرة الفقاعات داخل المنزل الواحد بين افراد العائلة، وعدم التفاعل بصورة طبيعية، والانشغال بالتفاعل الافتراضي عبر مواقع التواصل، وسيطرة الرقمنة على الإنسان بدلًا من استفادة المجتمع من التحول الرقمي.
سوء استخدام التطورات التكنولوجية لدينا:
تعتبر الدكتورة "هبة عبد العزيز" أن هذه السلبيات التي نتجت عن الرقمنة في الدول العربية بشكل خاص أكثر منه لدى الغرب، تأتي نتيجة لإساءة استخدامنا – الشعوب العربية – لهذه التطورات، فقد أعطينا بأنفسنا الفرصة للغير بذلك أن يؤثر بنا سلبًا، وصارت هذه النعمة والفرصة التي يمكن تطوير الإبداع من خلالها، فرصة أيضًا للتأثير سلبًا على العقول المبدعة وتقليص الإبداع وروح الابتكار.
فهناك جانب إيجابي بالتأكيد وليس مجرد سلبيات فقط، وإن كنا ضد التكنولوجيا وانتشار الرقمنة لم نكن لنصل إلى الوضع الذي نحن عليه اليوم من تطور أبدًا، لكن على الرغم من ذلك فإنه لا يجب أبدًا ترك عقولنا ومشاعرنا فريسة سهلة الصيد، من أجل تجنب الآثار السلبية وانتشار ظواهر سيئة مثل التحرش الإلكتروني، كما أكدت "بنت العزيز" أن الاستخدام السئ وسائل التواصل الإجتماعي بات من مظاهره اختراق خصوصية الإنسان، خاصًة وأن الفرد أصبح يقوم بكشف الكثير من تفاصيل حياته اليومية واهتماماته وغيرها من خصوصياته التي يتم اختراقها بصورة سيئة وقد تضر به، وبالتالي شبهت حالة الهوس بالسوشيال ميديا بـ "الإدمان".
وفي الختام، أشارت الدكتورة "هبة عبد العزيز" إلى ما وصل الوضع اليوم إليه، من أنه حتى في حال الوفاة يتم نعي ومواساة أهل المتوفي عبر الإنترنت، وقد يصل الأمر للاكتفاء بذلك، أو من جهة أخرى أن يعطي الآخر اهتمام أكبر إذا لم يتم مواساته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويشغلنا "البوست" الذي يعقب ذلك "نحن نشكر من واسانا" إلخ..
مشيرة إلى أن الغرب حين ابتكر هذه الوسائل المتطورة كان الهدف منها تطوير العلم والعمل، وسبل التواصل عن بعد في حال الحاجة لذلك، وليس من أجل أن يكون ذلك هو ما تقوم عليه الحياة اليومية للإنسان، بهذه الصورة التي فرضت علينا سلبيات التطورات أكثر من إيجابياتها، وأكدت على الحاجة إلى تأسيس الإدراك لدى أطفالنا أجيال المستقبل لمواكبة التطورات مع الحفاظ على روح الابتكار والإبداع والفطرة الآدمية والمشاعر الإنسانية.
ففي حال الاستخدام الصحي والصحيح لوسائل التواصل الاجتماعي والتطورات التكنولوجية يمكن تحقيق الاستفادة القصوى منها، واستعادة روح الابتكار والتواصل الحقيقي في آن واحد، الروح التي قد نرى بعض منها في شهر رمضان المبارك، الذي اختصه الله عز وجل ومن بركته نرى خلاله حالة من التواصل والروح الطيبة بين الأسرة والعائلات والجيران، الأخلاقيات المعتادة للقيم المصرية والعربية.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
البقاء في السلطة ليس الهدف الوحيد لنتنياهو.. قراءة في كتاب
الكتاب: بنيامين نتنياهو: عقيدة "اللاحل"المؤلف: أنطوان شلحت
الناشر: الأهلية للنشر والتوزيع/ مدار
يسلط الباحث في الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت في هذه الدراسة الضوء على فكرة محورية في فهم مواقف وقرارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مفادها أن البقاء في السلطة بالنسبة لنتنياهو قد يكون بالفعل هدفا أساسيا، لكنه ليس هدفه الوحيد على الإطلاق. لذلك يشرح شلحت انعكاسات سياسات الحكومات التي رأسها نتنياهو على عملية التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، من خلال تتبع ممارساتها السياسية والميدانية، خاصة تلك المتعلقة بالاستيطان، بعد أن طرح نتنياهو رؤيته للسلام القائمة على ركنين أساسيين هما شرعية الدولة اليهودية وأمنها.
يفعل شلحت ذلك بتقديم قراءة لفكر نتنياهو السياسي كما ظهر في كتابه" مكان تحت الشمس"، والأهم خطاباته مثل خطابي بارإيلان1و2 وخطابه أمام مؤتمر معهد دراسات الأمن القومي، في جامعة تل أبيب 2014، الذي تحدث فيه عن "خيارات إسرائيل بعد وصول الحل الدائم إلى طريق مسدود".
عقيدة جديدة
في ذروة الحرب الإسرائيلية على غزة في العام 2014، التي استمرت 50 يوما، رفع نتنياهو شعار "حماس هي داعش وداعش هي حماس"، مستغلا الظروف الإقليمية التي شهدت صعودا ملحوظا لتنظيم "الدولة الإسلامية"، والانخراط الأمريكي القوي في محاربته، لإقناع الرأي العام بأن ثمة واقعا أمنيا جديدا يواجه إسرائيل، ولتسويغ زيادة الإنفاق على القدرات الهجومية للجيش.
وفي ندوة عقدها "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب في حزيران 2014 عرض نتنياهو عقيدة سياسية ـ أمنية ستسمح لإسرائيل، برأيه، من العبور "بسلام الاضطرابات الحالية، وتسونامي الإسلام المتشدد".
عقيدة نتنياهو السياسية والأمنية لا تطرح على الإطلاق إمكان معاودة المفاوضات مع الفلسطينيين، ولا تطرح خطة إسرائيلية مستقلة للتسوية. وفي جانب منها ترى أنه أذا كان الكثيرون يعتقدون من زمن طويل أن السلام الإسرائيلي-الفلسطيني قد يساهم في دفع المصالحة الأوسع مع العالم العربي، فإن الأمر حاليا يسير في الاتجاه المعاكس، إذ أن المصالحة العربية- الإسرائيلية هي ما يمكنه أن يدفع السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني.يقول شلحت إنه بحسب محللين فإن الجزء الأكبر من "عقيدة نتنياهو" هذه كانت مخصصة لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، حيث سيهدد الإسلام المتشدد السلام في المنطقة لعقد من الزمن أو أكثر. ويرى هؤلاء المحللون أن هذه العقيدة أعادت إلى الأذهان "إستراتيجية دول الطوق الثاني" التي وضعها ديفيد بن غوريون، التي تقوم على التحالف مع دول في الشرق الأوسط لها مصالح مشتركة مع الدولة اليهودية، بهدف إضعاف الدول المجاورة لها، مثل التحالف مع شاه إيران، والتحالف مع تركيا، ومساعدة الأكراد، وغير ذلك.
وقد أشار نتنياهو في خطابه هذا إلى تحديات أمنية تقف في صلب هذه العقيدة، منها تحصين الحدود عن طريق بناء سياج أمني في الشرق مع الحدود الأردنية، والسيطرة الأمنية على المنطقة الواقعة بين الأردن والتجمعات السكانية الإسرائيلية، وهوما يعني أن الدولة الفلسطينية لن تكون منزوعة السلاح فقط، بل أيضا ستكون إسرائيل قادرة على القيام بعمليات إحباط وردع عسكري داخل أراضي هذه الدولة. والتعاون الإقليمي المحدود بين إسرائيل وبعض الدول العربية المعتدلة لكبح الإسلاميين الجهاديين، ثم منع إيران من التحول إلى دولة عتبة نووية.
يضيف شلحت أنه بعد هذا الخطاب، ومع قرب انتهاء الحرب على غزة، تحدث نتنياهو عما أسماه "أفق سياسي جديد"، لكن هذا الأفق لم يكن مرتبطا "بتاتا" بتسوية سياسية مع الفلسطينيين، إلا إذا كانت تلبي رؤية إسرائيل الأمنية. حتى أنه كان يرى مبادرة السلام العربية التي طرحت في العام 2002 مبادرة غير صالحة لتحقيق تسوية إقليمية. وبحسب بعض التحليلات الإسرائيلية فإن المفاوضات مع الفلسطينيين لم تعد تشكل مدخلا لأي اتفاق، ذلك أن نتنياهو لم يفكر على الإطلاق بالقبول بدولة فلسطينية على حدود العام 1967، أو إخلاء مئات آلاف المستوطنين، بل إن هدفه البقاء في المناطق المحتلة إلى الأبد.
الفلسطينيون عديمو الأهمية
في العام 2009 كان نتنياهو قد ألقى خطابه الأول في جامعة بار إيلان، وفيه أعلن برنامجه لتسوية النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وبدا واضحا، بحسب شلحت، أن هذا الخطاب موجه بشكل أساسي للرد على المطالبات الأمريكية لإسرائيل بالقبول بمقاربة حل الدولتين، وتجميد أعمال البناء في المستوطنات. وقد تجاهل نتنياهو في الخطاب أي إشارة إلى الطرف الفلسطيني، أو التفاهمات الإسرائيلية ـ الفلسطينية السابقة، حتى لا يستنتج من ذلك موافقته عليها أو التسليم بها. الخطاب لاقى استحسانا كبيرا في أوساط اليمين الإسرائيلي، وبدد خشيتهم من قبول نتنياهو بحل الدولتين، فالشروط المسبقة التي وضعها نتنياهو لقيام دولة فلسطينية ومنها تجريدها من السلاح، واعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل، أي حق الشعب اليهودي في إقامة دولة قومية، والتخلي عن حق العودة، واستمرار بقاء القدس موحدة عاصمة لإسرائيل، كل ذلك يحول الدولة الفلسطينية إلى فكرة هزيلة، بل أنها يعرقل قيامها.
وغني عن القول أن الرفض العربي والفلسطيني لهذه الشروط من شأنه أن ينقل الكرة، من وجهة نظر الولايات المتحدة والعالم الغربي، إلى الملعب الفلسطيني. أما في خطابه الثاني في الجامعة نفسها بعد 4 سنوات، فقد عاد نتنياهو ليصف الفلسطينيين بالنازيين، وبأنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق معهم إلا عندما يعترفون بإسرائيل "دولة يهودية"، وبالترتيبات الأمنية بعيدة المدى. وفي مقدمة هذه الترتيبات الأمنية "بسط السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن، رغم أن كثيرين من رجالات المؤسسة العسكرية أكدوا عدم وجود حاجة جوهرية إلى هذه المنطقة وأنه يمكن حماية حدود إسرائيل بدونها".
يقول شلحت إن هناك جهدا كبيرا خصصته إسرائيل لإضفاء شرعية دولية على الرواية التاريخية الصهيونية بشأن وقائع الصراع في فلسطين. ويتجلى ذلك بصورة كبيرة في المطالبات المستمرة بالاعتراف بيهودية الدولة. فإسرائيل تتطلع إلى أن يتحول الاعتراف بيهوديتها إلى اعتراف بالصهيونية وممارساتها الكولونيالية، وبالتالي يتحول الاعتراف العربي من اعتراف بحكم الأمر الواقع إلى اعتراف مبدئي بشرعيتها التاريخية. وعبارة "هذه الأرض هي وطن الشعب اليهودي" لا تغيب عن خطابات نتنياهو، بل أنه يرفعها "إلى مصاف الحقيقة التاريخية الواحدة والوحيدة".
وفي هذا السياق يشير شلحت إلى ما كتبه أستاذ العلوم السياسية زئيف شتيرنهيل، من أن الهدف الحقيقي وراء المطالبة الإسرائيلية للفلسطينيين للاعتراف بالدولة اليهودية، "هو أن يستبطن الفلسطينيون أنهم هزموا تاريخيا، وأن يعترفوا بالملكية الحصرية لليهود على البلد(فلسطين) بأسره... الفلسطينيون ملزمون بأن يسلموا بدونيتهم. وهذا المفهوم مغروس عميقا في الوعي الإسرائيلي، وهو مشترك لليمين والوسط بكل أطيافهما".
إن المشروع الاستيطاني في مناطق الضفة الغربية تحول اليوم إلى مشروع ضخم يبدو التراجع عنه مستحيلا، وهو أمر يقوض إمكانية إقامة دولة فلسطينية. وبحسب أحد منظري اليمين الإسرائيلي، الذي راهن على أن المسألة الفلسطينية ستصبح أقل بروزا في الساحة الدولية مع مرور الزمن، فإن أفضل مقاربة بالنسبة لإسرائيل، بعد فشل مسار المفاوضات هو "عدم فعل شيء" والاكتفاء بإدارة الصراع.أما الأستاذ الجامعي الأمريكي ـ اليهودي بيتر بينارت فيرى أن تجاهل نتنياهو للفلسطينيين في خطاباته "بمثابة فرضية أساس توجّه فكره السياسي منذ أن دخل المعترك الحزبي الإسرائيلي.. وهي فرضية فحواها أن الفلسطينيين عديمو الأهمية، وأنهم في التحصيل الأخير مجرد غطاء للقوى المهمة فعلا.. استعمله العالم العربي في حربه الرامية إلى القضاء على إسرائيل".
إدارة الصراع
يضيف شلحت أن عقيدة نتنياهو السياسية والأمنية لا تطرح على الإطلاق إمكان معاودة المفاوضات مع الفلسطينيين، ولا تطرح خطة إسرائيلية مستقلة للتسوية. وفي جانب منها ترى أنه أذا كان الكثيرون يعتقدون من زمن طويل أن السلام الإسرائيلي-الفلسطيني قد يساهم في دفع المصالحة الأوسع مع العالم العربي، فإن الأمر حاليا يسير في الاتجاه المعاكس، إذ أن المصالحة العربية- الإسرائيلية هي ما يمكنه أن يدفع السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
عدا ذلك فإن المشروع الاستيطاني في مناطق الضفة الغربية تحول اليوم إلى مشروع ضخم يبدو التراجع عنه مستحيلا، وهو أمر يقوض إمكانية إقامة دولة فلسطينية. وبحسب أحد منظري اليمين الإسرائيلي، الذي راهن على أن المسألة الفلسطينية ستصبح أقل بروزا في الساحة الدولية مع مرور الزمن، فإن أفضل مقاربة بالنسبة لإسرائيل، بعد فشل مسار المفاوضات هو "عدم فعل شيء" والاكتفاء بإدارة الصراع.
ويشير شلحت في الكتاب إلى مجموعة من تحليلات مؤرخين وباحثين إسرائيليين وغربيين، يرون أن سعي نتنياهو للبقاء في السلطة وتحقيق طموحاته الشخصية، جعله يتمسك بسياسة "عدم الفعل" بديلا من سياسة الفعل، ولا سيما فيما يتعلق بمستقبل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. لكن شلحت يرى إذا كان هذا الأمر ينطبق على سياسة إسرائيل الخارجية، فإنه لا ينطبق أبدا على صعيد السياسة الداخلية.
ويلفت الانتباه هنا إلى ما قاله الباحث سيفي ريخليفسكي حول العبارة الرائجة عن أن "بنيامين نتنياهو لا يفعل شيئا" إذ يجد أنها من أكثر العبارات تضليلا. ويرى ريخليفسكي أن "نتنياهو يفعل الكثير، بل فعل الأكثر منذ رئيس الحكومة الإسرائيلي الأول ديفيد بن غوريون، على صعيد تغيير إسرائيل، من حيث تركيب البنية السياسية والإعلامية والقانونية، بما يخدم مشروعه الأيديولوجي اليميني المتشدد.. لقد غير الوعي الإسرائيلي العام بحيث أصبحت الرواية التاريخية هي الشيء الوحيد المهم" وعلى أساس ذلك يقوم نتنياهو بتهويد إسرائيل تماما.