سودانايل:
2024-07-05@05:58:51 GMT

حرب من هذه؟ وما هو هدفها؟ (6)

تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT

د. الباقر العفيف
د. الباقر العفيف مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة

خراب سوبا
الحلقة السادسة
إهداء: إلى ياسر عرمان وخالد عمر بمناسبة حرب الفجار الأخيرة:
قال تعالى في محكم تنزيله (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ” الأعراف (١٩٣) وأحد معاني هذه الآية الكريمة أن من بين خلق الله أناسٌ كالأصنام لا يسمعون، بحيث يستوي عندهم حديثكم لهم أو صمتكم عنهم.

هؤلاء أناس أصدروا أحكامهم فيكما مسبقا. جفت الأقلام وطويت الصحف. hopeless case. هذا من جانب. أما من الجانب الآخر فمن الواضح أنه مع أي حركة أو سكنة منكما، ستنبحكما كلاب الحوأب. وكلاب الحوأب تأتي في كل لون وشكل، منها الكوز القح ومنها المتكوزن، ومنها الكاتب المكري الذي يقعى، بما أنه كلب، في انتظار أن يقذف له بقطعة عظم، ومنها صاحب الضغينة القديمة الـ “لا بتموت ولا بتفوت”، وفيها الما بريدك لوجه الله و”بحمر ليك في الضلمة”، وفيها “الما مفهوم شايت وين”، وفيها الحاسدك عديل بخشم البيت، وعلى شنو؟ ما معروف. ومن حكمة الله أن كلاب الحوأب لا ترى إلا بعين واحدة ولا تنظر إلا في اتجاه واحد مع إن الله شرط لها في رأسها ثقبين اثنين.
فلا تلتفتا إلى الغثاء. ولا تلقيا له بالا. واصدعا بالحق في وجه الجميع، فكلما لامستما “محل بتوجع” كلما علا النباح. واعلما أن هناك ملايين الآذان التي تسمع وملايين الأفئدة التي تعي.
مقدمة
أدان كل من ياسر عرمان وخالد عمر الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الجزيرة مؤخرا، واجتياحها لعشرات القرى وارتكابها لسرقات وجرائم بشعة، وطالبا قيادتها بالعمل الجاد لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها. وكتب ياسر خطابا مفتوحا لقائد الدعم السريع بهذا الشأن، ناصحا له على أخذ الأمر بكلتا يديه، وذلك بكبح قواته، أو السيطرة عليها إن كانت تعمل بمعزل عنه، ومحذرا له بأن التهاون في هذا الأمر له مخاطر كثيرة، لعل أعلاها هو دفع مواطني الجزيرة دفعا لحمل السلاح، لحماية أنفسهم، بعد أن فر جيش الكيزان أمام قواته، وتركهم مكشوفي الظهر. ولو حدث هذا، أي لو لم يتحرك بالسرعة والجدية اللازمين، ومن ثم اضطر أهل الجزيرة لحمل السلاح، فسوف يكون وقع في الفخ الذي نصبه الكيزان، بإعانتهم على سعيهم الحثيث لتحويل الحرب لحرب قبلية جهوية يقتل فيها الناس، وتستباح أموالهم وأعراضهم بناء على هويتهم وملامحهم، مثل ما حدث للشبان اليُفَّع الأبرياء من قرية ود الحداد الذين قتلهم جيش الكيزان في مدينة الأبيض، وقطع رؤوسهم ومثل بجثثهم بناء على ملامحهم التي تشبه ملامح عرب دارفور. تلكم الجريمة الداعشية النكراء التي قابلها دعاة الحرب من كيزان ومثقفين نافعين بصمت يشبه صمت القبور.
وما إن نُشِر هذا الخطاب سرعان ما تلقفه الكيزان وحلفاؤهم من أهل اليسار الطفولي وبعض أصحاب الضغائن الذاتية بالهجوم وشنوا عليه حربا تافهة كحرب الفجار. فلماذا يا ترى؟ دعونا نستعرض بعض أطراف هذا الحلف الفاجر بدءا بالكيزان الأقحاح الذين سنخصص لهم هذه الحلقة والبقية تتبع.
الكوز عادل الباز
كتب الكوز عادل الباز مسبحا الله الذي أنطق ياسرا وخالدا بالحق، فأدانا جرائم الجنجويد في الجزيرة. ولكنه سرعان ما استدار على عقبيه، وأنكر عليهما “نطق الحق” هذا الذي حمد الله عليه. وبالطبع هذا ليس بمستغرب من كائن متحور. فهل يرضى كوزٌ مثله عن علمانِيَّيْن مثلهما حتى وإن قالا حقا؟ فالكوز الذي “لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب” اعتبر إدانتهما، كما تقول الفرنجة، too little too late أي أنه “شيءٌ قليل جدا جاء متأخرا كثيرا”. فاسمعوه يقول:
“بعد استباحة أكثر من خمس وخمسين قرية من قرى الجزيرة الوادعة وقتل المئات، وبعد اغتصاب نسائها، ونهب كل شيء يتحرك فيها.. وهؤلاء القادة في أزمنة الغفلة الكبرى ظلوا يشاهدون على الهواء مباشرة ما يجري في ديارهم وذويهم، ويلوذون بالصمت، لم تواتيهم، الجرأة ليخرجوا للعلن مطالبين حلفاءهم في قيادة الجنجويد أن تتوقف عن مواصلة حفلة الجنون التي يخوضونها في أنحاء الجزيرة… ولكنهم بعد أن هتكت عروض أهلهم مباشرة، خرجوا يترجون قائد الجنجويد أن يتوقف عن جرائمه”. (انتهى)
وهذا مقتبس جمع فأوعى كل خصائص الكيزان القذرة، لم يترك منها شاردة ولا واردة إلا احتواها. وأقل ما يمكن أن يوصف به هو أنه نَصٌ متهافت، مليء بالكذب والتدليس والتضليل. أما الكذب والتدليس، فيثبته أن هؤلاء القادة لم يلوذوا بالصمت كما زعم، بل أدانوا الحرب، ومن تسبب فيها، وما نتج عنها، من انهيار النظام والقانون، ومن انتهاكات ارتكبها طرفاها. وطرفاها هما أنتم وصنيعتكم يا كيزان. فأنتما كنتما توأما سياميا، جمعتما أقذر ما في صفاتكما، وهي لصوصية الكيزان المافيوية الدموية القائمة على الجريمة المنظمة مع لصوصية الجنجويد البدوية الدموية القائمة على المغنم وتدمير العمران. وحينما كنتما توأما سياميا، كنتما توجهان سلاحكما ضد الثورة والثوار، وتنهبان الشعب سويا، وتمتصان رحيق الحياة منه. وبعد أن سرقتما موارده، شرعتما في بيع الشعب نفسه كسلعة، فصدرتما السودانيين كمرتزقة في الخليج. ولذلك عندما اختلفتما، وأجريتما عملية جراحية فصلتكما إلى نصفين متشاكسين، خضتما حربكما القذرة في ملعب الشعب، فوق رأسه وعلى جسده وبيوته وممتلكاته، وبنيته التحتية. حربكما من قذارتها وتخلفها ليس فيها صفارات إنذار، ولا ملاجئ من القصف، ولا ملاذات آمنة للمدنيين، ولا إسعافات، ولا مستشفيات، ولا دفن كريم للموتى، ولا صليب أحمر، ولا منظمات إغاثة. حربكم من شدة قذارتها يعلن فيها قادة جيشكم الكيزاني على رؤوس الأشهاد أنهم يستهدفون الحواضن الاجتماعية “للمتمردين”. ويذبح جنودكم المدنيين الأبرياء ويقطعون رؤوسهم على الطريقة الداعشية. ويستهدفون من يقدم الطعام والعلاج للعالقين الذين لا حول لهم ولا قوة. ويهددون السياسيين المدنيين ولجان المقاومة بالموت والدمار، بعد أن حققتم انتصارا حاسما على الجنجويد “بتحريركم” لمسيد ود البنا. حربكما من شدة قذارتها جعلت الجنجويد يجوسون في البلاد نهبا ودمارا يبحثون عن المغنم في القرى الفقيرة النائية التي لا تملك قوت يومها.
هل تظن نفسك غير مسؤول عما يجري في الجزيرة؟ إن الذي يقرأ نصك يظن أن ياسر وخالد مسؤولان عما يفعله الجنجويد في الجزيرة. فهما لم يصنعا الجنجويد وإنما صنعتموه أنتم. وهما لم يشعلا الحرب وإنما أشعلتموها أنتم. وهما لم ينسحبا من الفرقة الأولى في مدني وإنما انسحبتم أنتم. أنتم أسميتموهم “القحاطة” ونجحت آلتكم الإعلامية (الغوبلزية) في ترويج تلك العبارة لدرجة أن تبناها بعض الثوار والجذريين. الآن جاء دوركم وقد أطلق عليكم الشعب العبقري اسم “الفحاطة”، ونقطة بتفرق زي ما قالت الشاعرة وئام. وسيلتصق بكم هذا اللقب التصاقا سياميا آخرا، إلى أن تلاقوا الله عز وجل فيفصل بينكم وبين هذا الشعب، الذي آذيتموه أبلغ الأذى، بالحق. لقد فحطتم يا عادل وأطلقتم ساقيكم للريح يخرج من مؤخراتكم هواء ساخن مثل الهواء النفاث الذي يخرج من مؤخرة الصاروخ. ومع هذا تملك الجرأة لتتهم الآخرين بضعف الإدانة؟ ألا تستحي يا هذا؟ من هو الذي يستحق الإدانة؟ هل هو جيشكم المسؤول عن حماية الناس، والذي ظل يستولي على ٨٢٪ من ميزانيتهم بدعوى حماية الأرض والعرض، والذي حين “جات حوبته”، لم يطلق طلقة واحدة في الهواء. بل هرب وعرَّد “وكبرها بالباب الوراء”؟ هل يدين أهل الجزيرة جيشكم هذا الجبان الرعديد الذي ضرب المثل في الخور والعجز، وانعدام الرجولة، والمروءة، والشرف؟ أم يدينون ياسر وخالد؛ لأنهما لم يدينا الجنجويد بما يكفي، أو كما تحب أنت وبقية الكيزان؟ لقد كشفتم ظهر أهل الجزيرة يا عادل، وعرضتموهم لما هم فيه من محنة، وحين يأتي يوم الحساب ستعرفون من هو الذي سوف يجلله العار إلى يوم القيامة.
ولكن عادل يريد أن يستفز ياسر وخالد، ومن ورائهما المنادين جميعهم بوقف الحرب لكي ما يحملون السلاح، ويخوضوا لهم حربهم. اسمعوه يقول: “فحين كان أهلكم يغتصبون وينهبون، عوضا عن أن تحملوا السلاح للدفاع عنهم تحالفتم مع قتلتهم ومغتصبيهم”. انظروا لهذه الجملة المليئة بالتضليل ومحاولة التذاكي والاستفزاز والتحريض. فمن هو الحليف الحقيقي للقتلة والمغتصبين؟ هل هو الذي فتح لهم الأبواب، وتبخر في الهواء، وترك لهم الديار خلاء، أم الذين يحاولون الوصول إلى اتفاق يوقف القتل والاغتصاب إلى تسببتم فيه؟ مالكم كيف تحكمون؟ كان يمكن أن نحترمه إذا كتب هذا النص بصورة أمينة كالآتي: “لقد ألقينا أسلحتنا وفحطنا أمام الجنجويد كالحمر المستنفرة، فرت من قسورة، وتركنا أهلكم مكشوفي الظهر يغتصبون وينهبون. ونحن بذلك لم نظلمكم أنتم وأهلكم وحدكم، وإنما ظلمنا أنفسنا كذلك، ولذلك فسوف يكون شعارنا قوله تعالى ” فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم”. أما أنتم فتعالوا واحملوا السلاح للدفاع عن أهلكم”. نعم كنا سنحترمه لو كان احترم عقولنا، ولكن كنا أيضا سنسأله لماذا يدعو خالد، وياسر لحمل السلاح، ولا يأتي هو أيضا، مع أنه “سيد الجلد والرأس”، ومشعل الحرب وصاحبها بالأصالة، ليحمل السلاح ويحارب حربه. ولماذا استمر يؤجج نيرانها من مأمنه، مستظلا بدوحته الوارفة مستمتعا بفنادقها وليموزيناتها وكراسي قنواتها الوثيرة، بينما أسرته وأسر إخوانه الكيزان تترفه في ماليزيا وتركيا، حيث هربوا أموال الشعب الغلبان، واشتروا القصور، وأدخلوا أطفالهم أحسن المدارس، بينما هناك ١٩ مليون طالب سوداني خارج التعليم. فهل يهتم عادل بمصير هؤلاء؟ هل يتصور، ولو للحظة في الخيال أن يكون هذا مصير أطفاله؟ لقد حكمتم البلاد منفردين لثلاثين عاما وبدل أن تحولوها لبلاد مثل ماليزيا وتركيا حولتموها لحطام وذهبتم تطلبون العيش في تلك البلاد التي بناها أبناؤها بعقولهم وسواعدهم. وليتكم اكتفيتم بذلك وغربتم عن وجهنا، ولكن توليتم تسعون في الأرض تفسدون فيها وتهلكون الحرث والنسل؛ لأنكم تحبون الفساد.
أما ياسر وخالد وغيرهما من أبناء هذا الشعب الخيرين فقد فعلوا ما بوسعهم لتفادي وقوع الحرب، وعندما أشعلتموها ظلوا يفعلون ما في وسعهم لإيقافها. فهم يعلمون أن الحرب هي أم الشرور جميعها، وأنها تلد القتل والنهب والاغتصاب، وتلد النزوح والتشرد والجوع وتفكك الأسر وضياع القيم، وهم يريدون أن يوفروا كل ذلك على هذا الشعب الطيب الكريم الذي ابتلاه الله بكم. ولكن عادل لا يريد للحرب أن تقف، بل في الحقيقة يريدها أن تستمر ولو لعشرات السنين. إنه ورهطه الأشرار يريدون أن يحولوا أركان البلاد الأربعة لمسرح كبير لحفلات القتل والدمار والنهب والاغتصاب عسى أن يخرجوا من بحر الدماء، في نهاية المطاف، بإمارة طالبانية. ضعف الطالب والمطلوب.
#اللهم لا ترفع للكيزان راية، ولا تحقق لهم غاية واجعلهم للعالمين عبرة وآية.
نواصل
د. الباقر العفيف  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی الجزیرة بعد أن

إقرأ أيضاً:

بعد أن دمرتها الحرب الأهلية.. الحياة تعود لمحمية غورونغوسا بموزمبيق

غورونغوسا، موزمبيق – إيش مافيديكا

في محمية غورونغوسا الوطنية بوسط موزمبيق، تحمل الطبيبة البيطرية ميرسيا أنجيلا صغير آكل النمل الحرشفي بين ذراعيها. ربما يدرك أن الأمر آمن، فيمد يده ويسحب شعرها بلطف.

وقالت "لقد أنقذت وحدتنا الخاصة من الحراس الذين يحققون مع الأشخاص الذين يحاولون بيع هذا الحيوان من أحد المتاجرين، ونحن الآن في رحلة لإعادة تأهيله، وإطلاقه مرة أخرى في البرية".

يعد آكل النمل الحرشفي أو البنغولين الذي يغطي جسمه القشري الحراشف المتراكمة فوق بعضها بعضا، من الأنواع الأساسية مما يعني أنه يلعب دورًا حاسمًا في تشكيل موائله وتغيير النظم البيئية. ولكنه أيضًا من أكثر الثدييات التي يتم الاتجار بها في العالم حيث يتم اصطيادها غالبًا للحصول على لحومها وجلودها وحتى حراشفها، والتي تعتقد بعض الدول الآسيوية أن لها خصائص طبية.

ووفقًا للصندوق العالمي للحياة البرية، فإن جلد هذا الحيوان مطلوب أيضًا في الولايات المتحدة والمكسيك لمعالجته في منتجات مثل الأحذية والأحزمة والحقائب.

تم إدراج 4 أنواع أفريقية من حيوان آكل النمل (البنغولين) على أنها معرضة للخطر في القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض التي يحتفظ بها الاتحاد الدولي لحفظ الحياة الطبيعية.

دورية للشرطة في شوارع قرية غورونغوسا بوسط موزمبيق (رويترز)

قبل حوالي 20 عامًا، من المحتمل أن هذا الحيوان -الذي أطلقت عليه أنجيلا وفريقها اسم لاريسا- لم يكن لينجو أو يتم إنقاذه على الإطلاق، حيث تم تدمير الحياة البرية والبنية التحتية في غورونغوسا في خضم حرب أهلية اندلعت في البلاد بعد الاستقلال قادتها حركة المقاومة الوطنية الموزمبيقية المتمردة (رينامو) ضد القوات الحكومية.

وقال مراقب محمية غورونغوسا الوطنية، بيدرو مواغورا الذي يمثل وزارة البيئة، للجزيرة "كان القتال في جميع أنحاء البلاد، لكن غورونغوسا (في مقاطعة سوفالا، وسط موزمبيق) كانت مركز الحرب حيث أنشأت حركة رينامو مقرها الرئيسي هنا في كاسا بانانا، بالقرب من حدود المتنزه.

وأضاف "أراد المتمردون الحصول على لحوم الطرائد من الحديقة للحصول على الطعام، وقاموا بقتل الأفيال من أجل الحصول على العاج الذي استبدلوا به أسلحة من جنوب أفريقيا".

وفي الأيام الأولى للحرب التي دارت رحاها بين عامي 1977 و1992، دعمت جنوب أفريقيا وروديسيا (زيمبابوي حاليا)، اللتان كانتا تحت حكم البيض آنذاك، المتمردين في موزمبيق، مستغلين الخلافات الداخلية لزعزعة استقرار جارتهم التي كانت تؤوي جماعات تقاتل ضد حكوماتهم العنصرية.

وقد خلّفت الحرب الأهلية نحو مليون قتيل، وشردت عدة ملايين آخرين، ودمرت اقتصاد البلاد، حسبما تقول المصادر التاريخية.

وفي غورونغوسا، عانت الثدييات الكبيرة في المتنزه أيضًا خلال الصراع حيث ذبحت مئات الحيوانات من أجل الغذاء والتجارة. وأطلق الجنود الجياع النار على آلاف أخرى من الحمير الوحشية، والحيوانات البرية، والجاموس، وغيرها من ذوات الحوافر.

كما قتلوا الأسود وغيرها من الحيوانات المفترسة الكبيرة. وكذلك أسهم الصيد الجائر على نطاق واسع في القضاء على الحياة البرية. وقال مواغورا إن الأفخاخ العشوائية التي نصبت للصيد من أجل الطعام تسببت في مقتل الكثير من الحيوانات البرية.

"الأساسيات" في المكان

وبعد اتفاق السلام عام 1992 الذي أنهى الحرب، وعلى الرغم من اعتراف الحكومة بقيمة المحمية، فإن الأموال اللازمة لإعادة تأهيله لم تكن متوفرة، ففي عام 1994، بدأ بنك التنمية الأفريقي جهدًا مدته 5 سنوات لإعادة بناء البنية التحتية لغورونغوسا واستعادة الحياة البرية فيها بمساعدة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة.

المتبرع الأميركي غريغ كار الذي شارك في مشروع ترميم الحديقة (بإذن من حديقة غورونغوسا الوطنية)

وفي عام 1998، أطلق غريغ كار، وهو رجل أعمال أميركي مؤسسته أفريكا أونلاين وبعد عام أسس مركز كار لسياسة حقوق الإنسان في جامعة هارفارد. وفي عام 2004، التقى الرئيس الموزمبيقي آنذاك يواكيم تشيسانو، وهو مدافع قوي عن الحفاظ على البيئة، أسفر عن شراكة أفضت إلى تغيير مصير حديقة غورونغوسا الوطنية، ومهد الطريق لإعادة تأهيلها وعودة الحياة البرية إليها.

وقال كار، البالغ من العمر الآن 65 عاما، للجزيرة في محمية غورونغوسا الوطنية "قضيت عامين في دراسة موزمبيق، وأسأل نفسي: كيف يمكنني أن أكون مفيدا؟". وباعتباره شخصًا كان دائمًا إيجابيًّا بشأن قدرة الطبيعة على إصلاح نفسها بأقل قدر من التدخل البشري، فقد استقر على تمويل ترميم المتنزه.

وأضاف "كانت أساسيات هذا النظام البيئي موجودة، مما يعني أن الأنهار كانت تتدفق، والتربة جيدة والعشب ينمو. فإذا أوقفت أي اضطراب في منطقة طبيعية، فلديك فرصة جيدة جدًّا أن الطبيعة تستطيع استعادة نفسها".

وبجانب حماية النباتات والحيوانات وإدارة الحديقة الوطنية واستعادة الحياة البرية كانت من ضمن أهداف كار أيضا خلق فرص عمل ومساعدة المجتمعات التي تعيش بجوار الحديقة وتتقاسم معها النظام البيئي.

ويعترف كار بجهود التعافي بعد الحرب، لكنه يقول إنها تعطلت لأن المشاركين فيها "لم يكن لديهم الكثير من المال". وعبر مذكرة تفاهم مع الحكومة خصص رجل الأعمال الأميركي 36 مليون دولار للمشروع في عام 2004.

إعادة الحياة البرية لغورونغوسا

وبعد حوالي 20 عامًا، نجح المشروع في مهمته المتمثلة في إعادة إحياء المحمية وإعادة تأهيل بنيتها التحتية وإحياء السياحة وتحسين حياة المجتمعات في ما يسمى بالمنطقة العازلة حول الحديقة.

أحصى مسح أجري عام 1994، وهو الأول منذ الحرب الأهلية، 100 فيل، و300 ظباء القصب، و100 ظباء مائي، وحفنة فقط من الحمير الوحشية والظباء الصغيرة.

ويُظهر المسح الجوي لعام 2022 انتعاشًا كبيرًا في أعداد معظم الأنواع. وفي الوقت نفسه، تم إعادة إدخال بعض الحيوانات، منها الجاموس والحيوانات البرية وأفراس النهر والكلاب البرية إلى الحديقة من جنوب أفريقيا ومناطق الحياة البرية الأخرى في موزمبيق.

ومع ذلك، يعمل كار على جلب المزيد من الحيوانات. وقال "أود الحصول على المزيد من الحمير الوحشية، والمزيد من الفهود. لدينا البعض، ولكن ليس لدينا ما يكفي".

حارس الحديقة مواغورا، الذي وصفه كار بأنه "مركز العاطفة والروح هنا للتنوع البيولوجي الذي يفهم المناظر الطبيعية والحياة البرية"، متحمس للزيادة في أعداد الكلاب البرية.

وأضاف "من بين جميع الحيوانات آكلة اللحوم، أنا معجب جدًّا بالكلاب البرية. وأعدنا 25 إلى 30 منها؛ لدينا الآن أكثر من 200". ومع ذلك، هناك حيوان واحد قد يبدو غائبا عن غورونغوسا وهو الزرافة، أطول حيوان ثديي على وجه الأرض ليس من بين الحيوانات الموجودة في الحديقة ولم يكن كذلك من قبل.

ووفقا لفاسكو غالانت، مدير الاتصالات في غورونغوسا، فمن غير المرجح أن يتغير هذا. وقال "نحن نعيد إدخال الحيوانات إلى الحديقة". ووافق مواغورا على ذلك قائلاً "إن السكان المحليين ليس لديهم حتى اسم للزرافة".

الحارس بيدرو مواغورا، حلقة وصل بين المتنزه والمجتمعات المحلية [بإذن من متنزه غورونغوسا الوطني]

وسط هذا النجاح، ظهرت مشاكل أخرى مثل الصراع المتزايد بين الإنسان والحياة البرية في المناطق المتاخمة للمتنزه. أحيانًا تعبر الحيوانات، وخاصة الأفيال، حدود المتنزه غير المسيجة إلى القرى المحيطة لمداهمة المحاصيل، أو تدمير مخازن الحبوب أو مهاجمة الناس.

تشمل إستراتيجيات التخفيف من المشكلة تعليق قطع من الصفائح المعدنية على السياج. وقالت لاريسا سوزا، المديرة المساعدة للاتصالات في الحديقة للجزيرة "الأفيال لا تحب انعكاس الشمس أو القمر على الصفائح. كما يتم استخدام خلايا النحل التي تعلق على حبال عند معابر الأفيال المعروفة".

وأضافت "عند ملامسة السياج، يهز الفيل الخلية، مما يتسبب في خروج النحل. تخاف الأفيال من النحل لدرجة أن مجرد سماع أزيز الحشرات الصغيرة يمكن أن يؤدي إلى تدافع. ويشكل عسل الأسوار جزءا من مشروع إنتاج العسل الذي حصد 9 أطنان عام 2023".

والرادع الثالث هو حبل منقوع بالفلفل الحار والشطة، فهو أيضا طارد فعال. قالت سوزا "الأفيال لا تحب هذه الروائح". ومع ذلك، تقول إن السياج يغطي مساحة 50 كيلومترًا فقط، من الحديقة التي تبلغ مساحتها 4 آلاف كيلومتر مربع. ولكن إذا اخترقت الأفيال الحدود ودخلت القرى أثناء بحثها عن الطعام، فقد قام المشروع ببناء مخازن حبوب معززة لأسر بعض القرى.

مشاركة المجتمعات المحلية

وقال كار إن مشروع الترميم يستثمر في تحسين سبل عيش أولئك الذين يتقاسمون حدود تلك الحديقة، وقال إنهم ينفقون ربما ثلثي أو ثلاثة أرباع ميزانيتهم خارج الحديقة، خاصة التعليم. وأضاف "نحن نعمل في 100 مدرسة مع وزارة التربية والتعليم، للمساعدة في تدريب المعلمين لتحسين جودة التعليم".

كما قام المشروع ولا يزال ببناء المدارس القادرة على الصمود أمام تغير المناخ والفيضانات، خاصة أن أجزاء من الحديقة معرضة للفيضانات بسبب الأعاصير المنتظمة التي تضرب موزمبيق، مثل إعصار إيداي عام 2019. قال كار"إذا كانت هناك مشكلة، فيمكنهم الذهاب إلى المدرسة، حيث تتوفر المياه النظيفة والدواء والغذاء".

أطفال روضة في غورونغوسا (الجزيرة)

يقوم المشروع بتمويل دور الحضانة ونوادي الفتيات، حيث يشجع الفتيات على البقاء في المدرسة ومتابعة الدراسة الأكاديمية حيث تقول الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إن 50% فقط من الفتيات يواصلن تعليمهن بعد الصف الخامس بينما 1% فقط يصلن إلى المستوى الجامعي.

تعد الحديقة أيضًا موطنًا لمختبر إدوارد أو ويلسون للتنوع البيولوجي، والذي يهدف إلى حماية التنوع البيولوجي وتوفير فرص البحث والتدريب للطلاب وقادة الحفاظ على البيئة، ويضم المختبر 8 فنيين موزمبيقيين، 5 منهم شابات.

كما أنها تستضيف متدربين وعلماء موزمبيقيين من جميع أنحاء العالم وتدير برنامج ماجستير لمدة عامين للطلاب الموزمبيقيين. بالإضافة إلى ذلك، أقنع المشروع المجتمعات المحيطة بأنه شريك في تطورهم.

ألبرتو زكريا، 68 عامًا، يرأس لجنة إدارة الموارد في أحد المجتمعات المحلية. وأشاد بالمشروع لتوفير التعليم وإصلاح مرافق الرعاية الصحية المتنقلة والمساعدة في دعم الأنشطة الزراعية المحلية من خلال توفير الدعم الفني والمدخلات.

وتستفيد المجتمعات أيضًا من 20% من عائدات السياحة عبر المشروع. وقال زكريا للجزيرة "لقد استخدمنا جزءًا من الدفعة الأخيرة لحفر بئر لمجتمع يعاني من مشاكل المياه".

تعمل المجتمعات أيضًا بمثابة عيون وآذان للسلطات فيما يتعلق بالصيد الجائر للحياة البرية. وقال زكريا إن البحث عن الطعام في البداية كان مشكلة للسكان المحليين ولكن الآن بعد قيام المشروع أصبحت لهم بدائل لإطعام أنفسهم، ولذلك أصبحوا على خط المواجهة لمنع الصيد الجائر.

وأضاف "نحصل على معظم المعلومات المتعلقة بالأنشطة غير القانونية في المتنزه من الناس لأنهم يعتبرون متنزه غورونغوسا الوطني ملكًا لهم". وقال إن الحارس مواغورا، الذي بصفته مواطنًا محليًا يتحدث اللغة ويفهم الثقافة يمثل حلقة وصل مهمة بين مؤسسة كار والمجتمعات المحلية.

السياحة والتوظيف

على الرغم من موافقة السكان المحليين على فكرة الحفاظ على البيئة التي يمثلها المتنزه، فإن استمرار القبض على حيوانات آكل النمل والاتجار بها يظهر أن الجميع لا يشاركون هذه الرؤية. للمساعدة، توظف حديقة غورونغوسا حراسًا مسلحين لحماية نباتاتها وحيواناتها.

وبينما ترحب الإدارة بالجنسين، فإن 11 فقط من بين 247 حارسًا يقومون بدوريات في الحديقة هم من النساء. وإميليا جاسينتو أوغوستو، 27 عاما، هي واحدة منهم. لقد عملت حارسة لمدة 8 سنوات، وقالت للجزيرة إن عددًا قليلاً من النساء اللاتي سجلن نجحن في اجتياز التدريب الذي يستمر 59 يومًا. وأضافت "يجب أن تكوني قوية، ليس فقط جسديا ولكن عقليا أيضًا".

ومن بين العديد من المبادرات المدرة للدخل التي قام بها مشروع ترميم غورونغوسا، يعد مشروع زراعة القهوة في الظل من بين أكثر المشاريع نجاحًا. وعلى جبل غورونغوسا الذي يبلغ ارتفاعه 6112 قدمًا، كان القطع والحرق يهدد الغابات المطيرة، لذا بدأ مشروع لإعادة التشجير باستخدام الأشجار المحلية.

في البداية، لم تنجح الفكرة نظرًا لحاجة السكان المحليين إلى فهم الفوائد، لذا وضع مواغورا خطة لتحفيز المزارعين على زراعة القهوة جنبًا إلى جنب مع الأشجار. كان المفهوم هو أن مشروع ترميم غورونغوسا سيشتري محصول القهوة العربية من المزارعين ويعالجها.

المدخل الرئيسي لحديقة غورونغوسا الوطنية (الجزيرة)

وقال جولياس ساباو، المشرف على المشروع "كان الاستيعاب بطيئا. لقد بدأنا مع 12 مزارعًا فقط في عام 2014؛ ويوجد الآن 893 مزارعًا يزرعون البن والأشجار على سفوح الجبل. ومع مرور السنوات، تمكنت الأشجار الجديدة من التغلب على ترقق سفوح الجبل الذي سببه الإنسان".

ويقوم مصنع في قرية مجاورة بمعالجة المحصول وتحويله إلى قهوة عالية الجودة للتصدير، مما يوفر فرص عمل للسكان المحليين. وفي عام 2023، قام المشروع بتصدير 9 أطنان من القهوة إلى جنوب أفريقيا والمملكة المتحدة. كما أن هناك تشجيعا ودعما لزراعة الكاجو والفلفل الحار.

وهي محاصيل نقدية عالية القيمة يمكن للمزارعين كسب بعض المال منها، وفي الوقت نفسه، تنتعش السياحة في المنطقة حيث تعد الغابات المطيرة في الجبل، وهي الوجهة المفضلة لمشاهدة الطيور، مثل طيور الأوريول ذات الرأس الأخضر، الذي لا يمكن العثور عليه إلا في هذا المكان.

في حديقة غورونغوسا الوطنية، يمكن للسياح الاختيار من بين 3 معسكرات – من الأكواخ والخيام الأساسية إلى نزل فاخر على ضفاف النهر. وأدرجت شركة كوني ناست ترافيلر فندق موزيمو لودج الراقي واحدا من أفضل الأماكن للذهاب إليه في أفريقيا في عام 2024.

وقد حقق حلم كار في توفير الوظائف نجاحًا أيضًا حيث يعمل في مشروع المتنزه الآن أكثر من 1800 شخص -99% منهم من الموزمبيقيين- وهو أكبر مشغل للعمالة في مقاطعة سوفالا. ويعيش البعض في المقر الرئيسي للمتنزه في شيتنغو، بينما يتم نقل آخرين من المناطق المجاورة بالحافلات يوميا.

وينتهي الاتفاق الحالي بين مؤسسة كار والحكومة الموزمبيقية، والذي تعهد فيه كار بمبلغ 36 مليون دولار، في عام 2043، ولكن في عام 2022، قال لبرنامج 60 دقيقة على شبكة "سي بي إس" الإخبارية إنه أنفق بالفعل أكثر من 100 مليون دولار. وهو يرفض المخاوف بشأن استدامة شراكة القطاعين العام والخاص وهو واثق من أن العمل الذي بدأه سوف يستمر بعده وبعد الاتفاقية.

وأشار كار إلى الدعم الكبير من الشركاء، بما في ذلك الحكومات والجهات المانحة والمنظمات الإنسانية، وقال للجزيرة إنه يسهم بمبلغ 6 ملايين دولار من ميزانية 2024 البالغة 40 مليون دولار. ويقدر أنه على مدار الـ40 عاما التي التزم بها مع غورونغوسا، سينفق 200 مليون دولار.

وبهذا، يبدو أن استدامة المشروع مضمونة على الأقل حتى عام 2040. وهذه أخبار جيدة سواء بالنسبة إلى 200 ألف شخص يعيشون في محيط المتنزه أو بالنسبة للحيوانات مثل لاريسا آكل النمل، التي سيتم إطلاقها في البرية بمجرد أن تكون مستعدة للدفاع عن نفسها.

مقالات مشابهة

  • علي أبو ياسين: ما يسيل الآن في غزة ليس دما بل أرواح هامت تبحث عن محبيها
  • وقف الحرب والقرار الإنتحاري
  • بعد أن دمرتها الحرب الأهلية.. الحياة تعود لمحمية غورونغوسا بموزمبيق
  • سيحاصرك الموت غدا!!
  • مع اقتراب شهر محرم.. الصدر يحذر من حرف الشعائر الحسينية عن هدفها الأساس
  • القراي: جاتكم الشجاعة من وين تبقو جنجويد اكتر من الجنجويد ذاتهم؟
  • من يجبر نتنياهو على وقف الحرب؟
  • هل ينجح الانقلاب على البرهان هذه المرة؟
  • مقدمات نشرات الاخبار المسائية
  • انتخابات رواندا.. مسار ديمقراطي محلي في وجه التشكيك الغربي