قاض: محكمة العدل الدولية متورطة في إبادة غزة الجماعية
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
تتساءل شعوب العالم عن الأسباب التى دعت محكمة العدل الدولية فى جرائم الإبادة الجماعية، أن توقف العمليات العسكرية لبعض الشعوب كأوكرانيا، وتمنعها عن شعوب أخرى كقطاع غزة بفلسطين مما دعا المفكر والمؤرخ القضائى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة إلى إعداد دراسة متميزة بعنوان (انهيار المنظومة الأممية واختلال ميزان العدل الدولى ضد الشعوب المسلمة - قراءة فى أحكام العدل الدولية النظيرة) .
ودرس الفقيه المصرى الحالات المماثلة للأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية للشعوب المسلمة التى تعرضت لحرب الإبادة ومنها مسلمى البوسنة والهرسك ومسلمى الروهينجا ومقارنتها بغيرها وتوصل إلى نتائج مذهلة تستحق الوقوف عندها فى فكر هذه المحكمة، وفى أزمة القانون الدولى وعجزه وازدواج المعايير لدى الغرب ومنظومة العدالة ذاتها .
ونعرض للجزء الثالث من دراسة الفقيه المصرى يكشف فيها العدل الدولية على حقيقتها فى ثلاث نقاط 1- العدل الدولية تركت إبادة المسلمين بغزة وقبلها البوسنة دون وقف العمليات العسكرية وأوقفتها لأوكرانيا ! المحكمة تمايز بين الشعوب تحيزاً وتحاملاً 2- أن محكمة العدل الدولية تكتفى فى الإبادة الجماعية لغزة بالتدابير المؤقتة مثل مسلمى البوسنة والهرسك تماماً copy and paste دون إبداع 3- أن قمة الظلم البشرى من العدل الدولية أن تبرئ صربيا من تهمة الإبادة البوسنية المسلمة مع اعترافها بوجود إبادة!ونخشى ذات الشئ لإسرائيل ! ويوجه سؤلاً للمحكمة هل لديكم فى أوراق القضية طائفة من الجن اقترفت الإبادة ضد شعبين كل جريرتهما عقيدة الإسلام !! حيث وجه القاضى المصرى نقداً موضوعياً عنيفاً لقضاء المحكمة الدولية لخرقها التماثل فى المراكز القانونية اللصيقة بالإبادة الجماعية بين الشعوب المسلمة وغيرها من الشعوب.
أولاً : العدل الدولية تركت إبادة المسلمين بغزة وقبلها البوسنة دون وقف العمليات العسكرية ,وأوقفتها لأوكرانيا ! المحكمة تمايز بين الشعوب تحيزاً وتحاملاً يقول الدكتور محمد خفاجى في قضية أوكرانيا ضد روسيا أمرت محكمة العدل الدولية ،بعد نحو ثلاثة أسابيع من غزو 24 فبراير 2022، بأن "تعلق روسيا عملياتها العسكرية في أوكرانيا على الفور" ، وأي قوات عسكرية أو غير نظامية تدعمها ستفعل الشيء ذاته وعلى الرغم من اختلاف هذه القضية عن قضية غزة اختلافاً جذرياً فأوكرانيا ليست محتلة وإنما أرادت أن تخرج من عباءة الأمة السوفييتية لتنضم إلى عدوتها الأمة الأوروبية من خلال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بما يضر بمصالح الأمة السوفيتية أما قطاع غزة فهى أرض فلسطين العربية المحتلة من إسرائيل الغاصبة, فضلاً عن اختلاف الأمر حيث لم يكن يدور حول ما إذا كانت روسيا ترتكب جريمة إبادة جماعية أم لا ، بل كان يدور حول ما إذا كانت العملية العسكرية الروسية بمثابة رد قانوني على ادعاءات روسيا بأن أوكرانيا كانت ترتكب جريمة إبادة جماعية , فالقضيتين مختلفتين تماماً ووضع غزة أسوأ بكثير من أوكرانيا ومع ذلك لم توقف المحكمة الدولية الحرب فيها .
ويضيف محكمة العدل الدولية لم توقف الإبادة الجماعية ضد مسلمى البوسنة والهرسك ضد صربيا والجبل الأسود , ففي مارس 1993، أقامت جمهورية البوسنة والهرسك دعوى قضائية ضد جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية بنزاع يتعلق بالانتهاكات المنسوبة للأخيرة بالمخالفة لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية وأثبتت أحكام محكمة العدل الدولية فيما يتعليق بوقف العمليات العسكرية من عدمه , بتحيزها لدول الغرب وتحاملها ضد دول الشرق خاصة المسلمين , ففى قضية أوكرانيا ضد روسيا ،فقد أمرت محكمة العدل الدولية بعد نحو ثلاثة أسابيع من غزو 24 فبراير 2022، بأن "تعلق روسيا على الفورعملياتها العسكرية في أوكرانيا، وتتأكد من أن أي قوات عسكرية أو غير نظامية تدعمها ستفعل الشيء نفسه.
" ويؤكد الخلاصة التى أعلنها على الرأي العام العالمى أن محكمة العدل الدولية فى قضية البوسنة والهرسك ضد يوغوسلافيا لم تأمر بوقف الأنشطة العسكرية كإجراء مؤقت مثلها فى ذلك مثل قطاع غزة , على حين أوقفت العمليات العسكرية فى أوكرانيا واتجاه المحكمة الدولية فى حالتى غزة والبوسنة والهرسك فى عدم وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية بهما ليست مصادفة بل تعبير دفين من المحكمة الدولية على اضطهادها ضد المسلمين هنا وهناك على الرغم من أن الإبادة الجماعية ظلت مستمرة – مع اختلاف الزمن - ضد المسلمين فى البلدين , وكانت الضرورة تقتضى توافقها مع الاعتبارات الإنسانية.
ثانياً : محكمة العدل الدولية تكتفى فى الإبادة الجماعية لغزة بالتدابير المؤقتة مثل مسلمى البوسنة والهرسك تماماً copy and paste دون إبداع يذكر الدكتور محمد خفاجى لو نظرنا إلى الإبادة الجماعية التى تعرض مسلموا البوسنة والهرسك لها من جانب قوات يوغوسلافيا "صربيا والجبل الأسود" , فسوف نجد أنه في 20 مارس 1993، أقامت جمهورية البوسنة والهرسك دعوى قضائية ضد جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية- صربيا والجبل الأسود- فيما يتعلق بنزاع يتعلق بالانتهاكات لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ضد مسلمى البوسنة والهرسك , إلا أن محكمة العدل الدولية لم تصدر قراراً بوقف العمليات العسكرية فى إبادة شعب البوسنة والهرسك المسلم مثلما فعلت مع شعب فلسطين بقطاع غزة المسلم واكتفت مثلها تماماً كغزة بنص متكرر دون حذف أو إضافة أو إبداع بما يتناسب مع قدر الحماية بتطور أسلحة الدمار , بقرارها الصادر في 8 أبريل 1993باتخاذ بعض التدابير المؤقتة بهدف حماية الحقوق بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية , ورفضت المحكمة اعتماد المزيد من الأوامر القضائية البعيدة المدى التي طلبتها البوسنة رغم ابادة شعبها المسلم. وتمثلت التدابير المؤقتة التى تتخذها أعلى محكمة بالعالم سنداً لأحكامها وتكررها مع المسلمين فقط copy and paste دون إبداع فيما يلى : (ينبغي لحكومة جمهورية يوغوسلا.
(ينبغي لحكومة جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية (صربيا والجبل الأسود) أن تتخذ فورا، عملا بتعهداتها في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها , جميع التدابير التي في حدود سلطتها لمنع ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية جريمة الإبادة الجماعية؛ وينبغي لحكومة جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية (صربيا والجبل الأسود) أن تكفل على وجه الخصوص أن أي وحدات مسلحة عسكرية أو شبه عسكرية أو غير نظامية قد توجهها أو تدعمها وكذلك أي منظمات وأشخاص قد يخضعون لسيطرتها، الاتجاه أو التأثير، لا ترتكب أي أعمال إبادة جماعية، أو التآمر لارتكاب إبادة جماعية، أو التحريض المباشر والعلني على ارتكاب إبادة جماعية، أو التواطؤ في الإبادة الجماعية، سواء كانت موجهة ضد السكان المسلمين في البوسنة والهرسك أو ضد أي قومية أو عرقية أخرى. أو مجموعة عرقية أو دينية؛ وألا تتخذ أي إجراء، وينبغي لهما ضمان عدم اتخاذ أي إجراء قد يؤدي إلى تفاقم أو إطالة أمد النزاع القائم حول منع أو معاقبة جريمة الإبادة الجماعية، أو جعل حلها أكثر صعوبة ويؤكد وهكذا يبين لشعوب العالم مدى تحامل محكمة العدل الدولية ضد المسلمين فى البوسنة والهرسك فى حرب الإبادة الجماعية التى تعرضوا لها دون حماية منها بوقف العمليات العسكرية لوقف نزيف الإبادة مثلما فعلت تماماً مع فلسطين بقطاع غزة المسلمة .
ثالثاً : قمة الظلم البشرى أن تبرئ العدل الدولية صربيا من تهمة الإبادة البوسنية المسلمة مع اعترافها بوجود إبادة! ونخشى ذات الشئ لإسرائيل! ويتساءل هل اقترفت طائفة من الجن الإبادة ضد شعبين كل جريرتهما عقيدة الإسلام !! ويذكر الدكتور محمد خفاجى لم تكتف محكمة العدل الدولية برفض وقف العلميات العسكرية للإبادة الجماعية لمسلمى البوسنة والهرسك اكتفاءً باتخاذ التدابير المؤقتة المحفوظة لديها بتكرارها مع الشعوب المسلمة , بل وصل الظلم البشرى من أعلى محكمة بالعالم أن تبرئ صربيا من تهمة الإبادة ففى 26 فبراير 2007 أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها فى الموضوع ببراءة صربيا من تهمة الإبادة الجماعية في البوسنة والهرسك أثناء حرب البلقان التي استمرت ما بين عام 1992 إلى 1995، إلا أن المحكمة قالت إن صربيا مذنبة لأنها فشلت في منع الإبادة الجماعية في سربرينتشا التي راح ضحيتها نحو 100.000 مائة ألف شخص قد قتلوا من مسلمي البوسنة خلال هذه الحرب التي اشتعلت بعد تفكك الدولة اليوغوسلافية. فضلاً عن الطرد الجماعي والتهجير القسرى للمدنيين البوسنيين الآخرين من 30.000 من قبل وحدات جيش جمهورية صرب البوسنة تحت قيادة الجنرال راتكو ملاديتش بالتطهير العرقي والاغتصاب الجماعي وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة وإبادة شعبه مسلم ويذكر الدكتور خفاجى الرأى عندى أن الظلم البشرى وصل مداه من دار العدالة الدولية بأن أصدرت محكمة العدل الدولية حكماً مشوهاً ناقص التكوين , فقد رفضت المحكمة طلب البوسنة بدفع صربيا تعويضات بمليارات الدولارات لأسوأ مذبحة ارتكبت في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية .
وقالت المحكمة حجة واهية لا ترقى أن تصدر من محكمة مبتدأة فى دولة موغلة فى التخلف بقولها " بأن المذابح التي تعرض لها مسلمو البوسنة في مدينة سربرينتشا، التي تقع في شرق البوسنة، تمثل إبادة جماعية إلا أنها لا تستطيع التأكيد على مسئولية صربيا عنها." فكيف تنتهى المحكمة الدولية – بجلال قدرها .
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: البوسنة والهرسك الإبادة الجماعية أشر العمليات العسكرية المحكمة الدولية جریمة الإبادة الجماعیة وقف العملیات العسکریة محکمة العدل الدولیة التدابیر المؤقتة المحکمة الدولیة الدکتور محمد إبادة جماعیة عسکریة أو
إقرأ أيضاً:
كيف أبادوا أمة اقرأ في غزة؟
عادة ما يؤدي الطلاب الفلسطينيون في قطاع غزة امتحاناتهم في شهر يونيو/حزيران بعد اجتهادهم طيلة عام كامل، ليستكملوا بناء أحلامهم في حياة أفضل لأنفسهم وأسرهم ومجتمعهم. وكان من المفترض أن يجلس 88 ألف طالب وطالبة في غزة هذا العام لأداء الامتحانات كي يحتفلوا بعد ذلك بتخرُّجهم، لكن حرب الإبادة الجماعية التي شنها جيش الاحتلال على القطاع منذ أكثر من سنة حالت دون دخولهم الامتحانات والانخراط في العملية التعليمية المنظّمة.
بعيدا عن التدمير المُروِّع الذي تعرضت له جامعات غزة ومكتباتها، فإن الكثير من هؤلاء الطلاب أنفسهم قد سقطوا شهداء وجرحى، وفقدوا عائلاتهم، وتبدَّدت أحلامهم. هُنا نلقي الضوء بالتفصيل على عملية الإبادة التعليمية المُمَنهَجة التي تتبعها دولة الاحتلال في حربها الأخيرة على القطاع.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إبراهيم المقادمة مفكر المقاومةlist 2 of 2كيف كشف طوفان الأقصى "كذبة الصهيونية" الكبرى؟end of list الدراسة قبل الحربعانى القطاع التعليمي في فلسطين قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 من أزمات كبيرة، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية (تحديدا في المنطقة "ج" التي تُشكِّل 61% من الضفة المحتلة)، فقد شهدت الضفة نقصا حادا في المدارس والبنية التحتية التعليمية، وتعرَّض بعضها لخطر الهدم بسبب الاحتلال.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أزمة القيود اليومية المفروضة على رحلة الكثير من الطلاب والمُعلمين الفلسطينيين إلى مدارسهم وجامعاتهم، وعبورهم من نقاط تفتيش الاحتلال الإسرائيلي، التي تؤخرهم وتحتجزهم أحيانا، فضلا عن تحرشات المستوطنين.
إعلانوفي حالة قطاع غزة، عانت المؤسسات التعليمية بوضوح من الحصار وتدمير مرافقها في كل حرب مع الاحتلال منذ عام 2009 إلى يومنا هذا، فضلا عن أزمات الكهرباء والإنترنت المتكررة، التي أثَّرت سلبا على مسيرة الطلاب التعليمية.
ورغم كل تلك التحديات سابقة الذكر، لعب أساتذة الجامعات ومعلمو المدارس والطلاب الفلسطينيون دورا بارزا في بناء المجتمع الفلسطيني وتثقيفه وتنميته ودعم حياته الوطنية، وربما كان ذلك من أسباب الاستهداف الممنهج للمؤسسات التعليمية الفلسطينية من قِبَل جيش الاحتلال في الحرب الأخيرة.
وتؤرخ "أورديب" في بحث لها، وهي منظمة فرنسية من الأكاديميين تعمل على إرساء احترام القانون الدولي في فلسطين، لوضع التعليم في غزة قبل حرب 2023، وكيف حاول جيش الاحتلال دائما خنق البيئة التعليمية في القطاع، وتؤكد أن القطاع شهد اهتماما محليا متصاعدا بالتعليم رغم الظروف القاسية فيه.
فبعد أن كان هناك سبع مؤسسات للتعليم العالي فقط في قطاع غزة عام 1994، وبحسب الإحصاء السنوي الذي نشرته وزارة التعليم العالي عام 2022، بات هناك 18 مؤسسة في القطاع من بين 53 مؤسسة مُسجلة ومُعترف بها في فلسطين للتعليم العالي.
لكن مع ذلك، ووفقا للبحث، فمنذ عام 2008، استهدفت إسرائيل مؤسسات التعليم العالي في القطاع، وفعلت ذلك عبر مسارين، الأول هو القرارات السياسية، والثاني هو التدمير المباشر.
فمن ناحية التدمير المباشر، دمَّرت القوات الجوية لدولة الاحتلال ستة مبانٍ جامعية أثناء حرب 2008-2009، وفي حرب 2014 تكبَّد القطاع التعليمي خسائر تُقدَّر بين 10-33 مليون دولار، إذ عانت ثلاث جامعات من تخريب وتدمير كبير، هي جامعة الأزهر التي دُمِّرت لها ثلاثة مبانٍ، والجامعة الإسلامية التي تعرَّض مبنيان فيها لأضرار كبيرة، وكلية العلوم التطبيقية التي طال التدمير فصولها الدراسية ومكتبتها ومختبرها العلمي ومركز الحاسب الآلي بها.
أما الكارثة الأكبر فكانت في الحرب الأخيرة، حيث استُشهِد 407 من الطلاب الفلسطينيين في غزة، و9 من أعضاء هيئة التدريس من الأكاديميين والموظفين، وأُصيب 1128 طالبا.
من جهة أخرى، كان الحصار وسيلة إسرائيلية فعَّالة لإعاقة مسار تطوير التعليم في القطاع، حيث تسبَّب الحصار في الحيلولة دون حصول "الغزاويين" على معدات وأدوات تعليمية حديثة، فضلا عن أزمة إمدادات الكهرباء المحدودة والقيود على المعاملات المالية.
إعلانوبالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن الطلاب والأكاديميون في غزة من السفر وتبادل الخبرات التعليمية، بل انقطع التواصل حتى بين المؤسسات التعليمية في غزة ونظيراتها في الضفة بسبب صعوبة التنقُّل.
وفرضت دولة الاحتلال قيودا على توظيف الأكاديميين الأجانب في جامعات غزة، وفرضت سقفا على عددهم وقيَّدت مدة عملهم بخمس سنوات فقط، كما رفضت دولة الاحتلال منذ عام 2000 معظم طلبات سفر طلاب القطاع من أجل مواصلة تعليمهم في الخارج، وطبَّقت حظرا على استيراد المواد الأساسية الضرورية للتعليم، مثل معدات المختبرات والكتب.
وبحلول السنوات الأخيرة قبل الحرب، لم تتمكن إلا نسبة صغيرة من سكان القطاع، تتراوح بين 20% إلى 40%، من دفع رسوم التعليم، وهي رسوم تعتمد عليها المؤسسات التعليمية لاستكمال مَهامِها. وبحلول عام 2019، أصبح متوسط ديون الجامعات في القطاع 30 مليون دولار، ومن ثم اضطرت إلى استبدال رواتب الأكاديميين بمكافآت غير مستقرة.
ولم يتمكن 30 ألف خريج من الحصول على شهاداتهم عام 2023 لأسباب مادية، ومن ثمَّ اضطرت المؤسسات التعليمية إلى إلغاء العديد من الدرجات والأقسام بسبب المشكلات المادية التي أنتجها الحصار.
كان ذلك هو الوضع قبل السابع من أكتوبر 2023، حيث دأبت إسرائيل من خلال السلاح والسياسة على تحطيم القطاع التعليمي في قطاع غزة، لكن الأمر بعد عملية "طوفان الأقصى" تحوَّل إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، إذ لم يعُد الأمر متوقِّفا على محاولات تدمير المنظومة التعليمية في القطاع، وإنما أصبحت المسألة الآن هي الإبادة التعليمية بالكامل، وهي حلقة أصيلة من مسلسل حرب الإبادة الكلية الذي تنتهجه إسرائيل منذ عام 2023، ومحاولة تدمير أي فرصة لبناء المستقبل على تلك الأرض التي أبَت الانصياع للاحتلال.
الاحتلال وسياسة الإبادة التعليمية
في أثناء حرب الإبادة التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، دُمِّرَت كل جامعات القطاع، وأُصيب 92.9% من المدارس بأضرار واضحة، في حين يحتاج 84.6% من المدارس إلى إعادة بناء كامل حتى تستأنف مهمتها.
إعلانوقد استُهدفت أكثر من 50% من منشآت الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، ومن ضمنها العديد من المدارس، وفقا لما قاله فيليب لازاريني المفوض العام للوكالة، إذ إن ثلث المدارس التي دُمِّرت في القطاع تحت إدارة الأونروا.
بحلول يوم 30 يوليو/تموز الماضي، فقد 625 ألف طالب -هم جميع الطلاب المسجلين في غزة- عاما دراسيا كاملا من حياتهم، كما غاب 39 ألف طالب عن امتحان التوجيهي لأول مرة منذ عقود، مما يعني أن دفعة كاملة كان من المفترض أن تنتقل إلى التعليم العالي لن تتمكن من فعل ذلك هذا العام.
ويُرجِّح المراقبون أن العديد من هؤلاء الشباب لن يعودوا إلى المدرسة مرة أخرى بعد كل الدمار الذي حلَّ بالقطاع، على الأقل في المستقبل القريب. أما الطلاب الذين استُشهدوا فأعلنت وزارة التربية والتعليم العالي في 30 يوليو/تموز الماضي أن عددهم 9211 طالبا، و397 من كوادر هيئة التدريس، علاوة على إصابة 14237 طالبا و2246 معلما.
وبحسب المؤسسة الأميركية الإخبارية غير الربحية "تروث أوت" في تقرير حديث لها، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي تعمدت هدم المدارس تحديدا، إذ قصفتها أكثر من أي مبانٍ أخرى.
وقد ذكرت المؤسسة بحسب أرقام الأمم المتحدة أن 63% من مباني قطاع غزة أُصيبت منذ بداية الحرب، لكنها تقول إن هذه نسبة مذهلة، وإن كانت تتضاءل إذا ما قورنت بكمِّ الدمار الذي لحق بالمدارس دون غيرها (تعرَّض أكثر من 90% من مدارس غزة للدمار).
ولم تتوقف الإبادة التعليمية عند هدم المدارس على هذا النحو الاستثنائي، أو عند استهداف الجامعة الإسلامية بغزة بعنف مفرط، أو تفجير مباني جامعة الإسراء وتحويل أنقاضها إلى قاعدة عسكرية، أو إشعال النار في مكتبة جامعة الأقصى ورفع مشاهد الحرق على الإنترنت بواسطة جنود الاحتلال، بل يبدو أن دولة الاحتلال تستهدف الأكاديميين المتميزين الذين يُمكنهم تنوير وتطوير الأجيال القادمة، وكأنها حرب إبادة ضد المستقبل الفلسطيني بحد ذاته.
إعلانفقد استهدف الاحتلال الإسرائيلي الأكاديمي الدكتور رفعت العرعير، أستاذ الأدب الإنجليزي والشعر في جامعة غزة، وصاحب الشهرة الواسعة التي اكتسبها بفضل شعره وقدرته الفائقة على توصيل المعلومات للطلاب، الذين تمتَّعوا بدروسه وأسلوبه على نحو استثنائي، كما أنه اشتهر بتعليم الطلاب معاني الحرية الأكاديمية، إذ كان يشجعهم على الكتابة بلا خوف، وكان مكتبه مفتوحا لهم دائما.
بحسب تصريحات محمد العرعير، ابن عم الدكتور رفعت، التي أدلى بها لموقع "972"، فإن الاحتلال استهدف رفعت مُتعمِّدا نظرا لإجادته اللغة الإنجليزية تماما ونشاطه السياسي، فهو من أقدر الناس على تعليم الطلاب وترسيخ حقوق الفلسطينيين في أذهانهم، ومن أفضل مَن شرح القضية الفلسطينية للعالم.
وقد تعرَّض رفعت لتهديدات إسرائيلية مباشرة عبر الإنترنت والهاتف تُحذِّره من استمراره في النشر والكتابة عمَّا تتعرض له غزة.
ووفقا لمحمد العرعير، تعرض أستاذ الأدب الإنجليزي للتهديد عبر مكالمة تليفونية عرَّف فيها المتحدث نفسه بأنه ضابط في الجيش الإسرائيلي، وقال لرفعت إن جيش الاحتلال يعرف مكان وجوده بالضبط، وإنه لو استمر في الكتابة فسيُغتال، مما دفع رفعت لوضع أطفاله وزوجته في مدرسة الأونروا في حي التفاح شمالي شرق غزة.
تكرَّر الأمر نفسه مع الفيزيائي الدكتور سفيان عبد الرحمن تايه، الذي شغل سابقا منصب رئيس الجامعة الإسلامية في غزة، واستُشهِد في غارة جوية على جباليا في ديسمبر/كانون الأول الماضي مع زوجته ووالديه وخمسة أطفال، وهو الذي اشتهر بشدة حبه لعمله وعلمه، واختير ضمن أهم 2% من الباحثين على مستوى العالم في مجال الفيزياء النظرية والرياضات التطبيقية.
وقد فازت أبحاثه في المُوجِّهات الضوئية وأجهزة الاستشعار البيولوجية بالعديد من الجوائز والأوسمة، مثل جائزة البنك الإسلامي الفلسطيني للبحث العلمي، وجائزة عبد الحميد شومان للعلماء العرب الشباب، وجائزة الجامعة الإسلامية للبحث العلمي، كما حصل على كرسي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونِسكو" لعلوم الفلك والفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء يوم 28 مارس/آذار 2023.
إعلانوقد استُهدِف الدكتور سفيان في ديسمبر/كانون الأول 2023، وكان يتوقع بالفعل قُرب استشهاده بحسب شهادة شقيقه، وخاصة بعد ما جرى من استهداف علماء كثيرين قبله، وأبرزهم عميد كلية الطب بالجامعة الإسلامية عمر فروانة.
وبالمثل استُشهِدَت الدكتورة ختام الوصيفي، رئيسة قسم الفيزياء في الجامعة الإسلامية ونائبة عميد كلية العلوم فيها، والحائزة على الكثير من الأوسمة الرفيعة، فقد ارتقت مع زوجها الأستاذ في الجامعة نفسها ومع أطفالهما. وكانت ختام تُلقَّب بـ"شيخة الفيزيائيين"، ونشرت العشرات من المقالات العلمية في مجالات الكهرومغناطيسية والإلكترونيات البصرية.
إننا لا نتحدث هنا فقط عن إبادة المباني التعليمية في القطاع، وإنما عن إبادة العقول الفلسطينية المتميزة القادرة على العبور بالأجيال الجديدة إلى التنمية، ففي تحقيق لموقع "972" حول الإبادة التعليمية في غزة، صرح العديد من أعضاء هيئة التدريس الناجين حتى اللحظة من الاغتيالات في غزة أن هناك استهدافا متعمدا في القتل من قِبَل جيش الاحتلال للمثقفين البارزين في القطاع، بل ورفض العديد من المثقفين في غزة إجراء مقابلات في هذا التحقيق خوفا من أن يُعرِّضهم ذلك للاغتيال.
لقد بدأ يشيع مفهوم الإبادة التعليمية لوصف ما يحدث في غزة، ومن قِبَل بعض المنظمات الدولية ذاتها. ففي أبريل/نيسان 2024 على سبيل المثال، وصف خبراء الأمم المتحدة ما يحدث في غزة بأنه "إبادة مدرسية"، أي الاستهداف المتعمد للبنية التحتية للنظام التعليمي والمكتبات ومواقع التراث الفلسطيني، والمحو الممنهج للتعليم بوصفه عملية اجتماعية عن طريق اعتقال وقتل المعلمين والطلاب.
كما أدان نحو مئة أكاديمي أوروبي في مارس/آذار 2024 حرب الإبادة على فلسطين وما تشمله من تدمير منهجي للبنية التعليمية في القطاع، وقد حملت عريضة الأكاديميين الأوروبيين التي أطلقها المرصد الأورو-متوسطي لحقوق الإنسان عنوان "إبادة التعليم في غزة.. إسرائيل تمارس محوا منهجيا للنظام التعليمي برمته"، كما وقَّع 180 أكاديميا بريطانيا أيضا على وثيقة مشابهة تدين الإبادة التعليمية في غزة.
إعلانوقد تتبعت دراسة نشرها مركز الجزيرة للدراسات في 15 يوليو/تموز 2024 تحت عنوان "الحرب على غزة وهندسة الإبادة الإعلامية للجماعة الصحفية الفلسطينية" عملية الإبادة للصحافة والبنية الإعلامية في غزة التي يرتكبها جيش الاحتلال، وقدَّمت الدراسة عناصر يمكن من خلالها فهم عملية الإبادة ضد مهنة مُعيَّنة، التي تشمل قتل أعضائها واستهداف أفراد أسرهم وأقاربهم وتصفيتهم جسديا، وإلحاق الأذى الجسدي أو المعنوي الخطير بهم، والإحجام عن تقديم العون لهم في حالة الخطر، وإخضاعهم عمدا لظروف معيشية يُراد بها التدمير المادي، فضلا عن التدمير المُمنهَج للبنية التحتية لمواقع عملهم.
ويقول الدكتور علي أبو سعدة، مدير عام التعليم العالي بوزارة التربية والتعليم في غزة، الذي استشهد هو الآخر مؤخرا، إن استهداف المؤسسات التعليمية "جزء من الجهود الرامية إلى تجريد الفلسطينيين من مكوناتهم الأساسية للحياة: الفكر والثقافة والتعليم، ورغم أن هياكل الجامعات قد يُعاد بناؤها بعد الحرب، فإن إسرائيل تريد إرسال رسالة مفادها أن الفلسطينيين سيواجهون مستقبلا هنا حيث لا مكان للتعليم ولا مدرسين للتدريس، وهو الواقع الذي يساعد في تسريع الهجرة، وهو ما يسعى إليه المحتل".
ورغم أن الإبادة التعليمية معترف بها إلى حدٍّ بعيد، فإنها لا تجد الصدى الكافي إعلاميا، إذ يبدو العالم مكتفيا بالإدانات المتقطعة، وكأنه لا يتخذ الأمر على محمل الجد.
والمقصود هنا أنه لو جرت حرب إبادة في أوروبا استهدفت فيها عمدا إحدى الدول البنية التعليمية لدولة أخرى، لربما وُصِف هذا الأمر بأنه تطور خطير وإرهابي، لأنه لا يستهدف المدنيين فحسب، وإنما يستهدف تدمير الثقافة والعقل الجمعي، وأي سبل للتقدم والتنمية مستقبلا في أراضي الجماعة المستهدفة بالإبادة.
وما يظهر لنا هو إدانات متفرِّقة من أكاديميين حول العالم ومنظمات دولية لا تتناسب مع حجم الحدث الاستثنائي الذي نشهده في غزة منذ أكثر من عام، وهو تدمير أكثر من 90% من مدارس قطاع غزة واستهداف المثقفين فيه بالقتل، وكذلك استهداف الصحافيين والمُعلِّمين، في لحظة عُنف مكثف واستثنائي لعلنا لم نرها بهذا الشكل منذ الحرب العالمية الثانية.
إعلان