منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بدأنا نشهد في العالم العربي والإسلامي بروز العديد من المشاريع العربية والإسلامية للنهضة والإصلاح، سواء في المجال السياسي أو الديني، وكانت هذه المشاريع تنطلق ردا على المؤشرات حول الأزمات التي كانت بدأت تواجهها السلطة العثمانية وبدء سقوط بعض المناطق العربية والإسلامية تحت سيطرة الاستعمار (البريطاني والفرنسي والبرتغالي والإيطالي)، فيما كانت أوروبا ولاحقا أمريكا تشهد تطورات علمية واقتصادية وفكرية واجتماعية كبيرة، كما سقطت تجربة محمد علي باشا الإصلاحية في مصر في منتصف القرن التاسع عشر.



هذه التحديات دفعت المفكرين والعلماء المسلمين للبحث في أسباب الهزيمة وكيفية النهضة ولماذا يتقدم الغرب علينا، وبرزت أفكار ومشاريع الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني حول الإصلاح والدعوة للجامعة الإسلامية، كما كتب شكيب أرسلان كتابه الشهير: "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟"، وبرزت في كل أنحاء العالم الإسلامي مشاريع متعددة لمقاومة الاستعمار وكيفية النهوض.

وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ومن ثم نهاية الخلافة العثمانية على يد أتاتورك في العام 1923، بدأ البحث عن البدائل لمواجهة هذا التحدي، وبرزت الحركات الإسلامية ومنها حركة الإخوان المسلمين ومن ثم التيارات السلفية وصولا لحزب التحرير وحزب الدعوة الإسلامية وغيرها من الأحزاب والحركات الإسلامية.

بعد معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة وتداعيات هذه المعركة الكبرى؛ عادت الأسئلة مجددا عن الحلول المطروحة والمشاريع العربية والإسلامية التي يمكن أن تقارب الأزمات الجديدة، وكيفية تحويل هذا التحدي الكبير إلى فرصة جديدة لاستعادة الوحدة وتقديم رؤية جديدة فكرية إسلامية أو عربية
كما قدّم الكثير من العلماء من الهند وباكستان إلى إيران والعراق وسوريا وفلسطين ولبنان ومصر وليبيا وتونس والمغرب والخليج؛ مشاريع نهضوية فكرية وفي مواجهة المشروع الصهيوني والاستعماري نشأت أيضا الأحزاب القومية واليسارية، ومنها حزب البعث والحزب القومي السوري الاجتماعي وحركة القوميين العرب، وكلها تحاول الإجابة عن أسئلة التقسيم والهزيمة والانهيار وكيفية تحرير فلسطين.

ولاحقا ظهرت التجربة الناصرية، فيما كانت الحركات الإسلامية تنتشر في بقاع الأرض وتواجه التحديات المختلفة، وبدأ يبرز علماء جدد يبحثون عن الحلول؛ ومنهم أبو الأعلى المودودي وسيد قطب والشهيد محمد باقر الصدر والإمام الخميني ونواب صفوي والإمام كاشاني والدكتور فتحي يكن، وعلماء ومفكرون آخرون، والكل يبحث عن الحلول الإسلامية للأزمات المختلفة، وبرزت تجربة مؤسسة التقريب بين المذاهب الإسلامية في مصر والتي لعبت دورا مهما في مواجهة الخلافات المذهبية الفقهية والفكرية.

ولاحقا، بدأ الفكر القومي العربي يتطور، وبعد هزيمة العام 1967 انتشر نقد الفكر الديني ومراجعة العقل العربي، وبدأت تبرز مؤسسات فكرية عربية تبحث في المشروع القومي العربي وأسباب الهزيمة؛ ومنها مركز الأهرام للدراسات في مصر ومركز دراسات الوحدة العربي ومعهد الإنماء العربي في بيروت.

ولاحقا وبعد الثورة الإسلامية في إيران، بدأت العودة مجددا إلى الفكر الإسلامي، ونشأت العديد من مراكز الدراسات الإسلامية والمعاهد الإسلامية للبحث في تأصيل العلوم الإسلامية؛ وكان أبرزها المعهد العالمي للفكر الإسلامي الذي نشأ في أمريكا، وغيره من المؤسسات الإسلامية التي عملت لتطوير المشروع الإسلامي كي يواكب المتغيرات.

وعاد مشروع الوحدة الإسلامية للبروز مجددا عبر مؤسسات جديدة بدأتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن ثم تجربة تجمع العلماء المسلمين في لبنان، وصولا لتجربة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ومشاريع المرجع السيد محمد حسين فضل الله والإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين والعلامة الشيخ فيصل المولوي. ومن ثم شهدنا تجربة المقاومة الإسلامية في لبنان والتقارب القومي- الإسلامي والدعوات للحوار التركي- الإيراني- العربي، والعودة إلى فقه المقاصد وغير ذلك من الدعوات التجديدية في الفكر العربي والإسلامي، وصولا إلى تجربة الرفاه وحزب العدالة والتنمية في تركيا وتجربة مهاتير محمد في ماليزيا، ولاحقا الربيع العربي ووصول الحركات الإسلامية إلى الحكم وما نتج عن ذلك من صراعات وأزمات لا زلنا ندفع ثمنها إلى اليوم.

وإزاء كل حدث كبير يشهده العالم العربي والإسلامي كنا نشهد محاولات للمواجهة والتفكير والتجديد، والبحث عن الحلول للأزمات المختلفة.

واليوم وبعد معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة وتداعيات هذه المعركة الكبرى؛ عادت الأسئلة مجددا عن الحلول المطروحة والمشاريع العربية والإسلامية التي يمكن أن تقارب الأزمات الجديدة، وكيفية تحويل هذا التحدي الكبير إلى فرصة جديدة لاستعادة الوحدة وتقديم رؤية جديدة فكرية إسلامية أو عربية.

وعلى ضوء الكثير من النقاشات والحوارات التي تجري حول المشروع العربي أو الإسلامي الحضاري البديل، يدعو بعض الباحثين إلى تعميق التفكير بما يجري على ضوء التطورات الجارية للوصول إلى مشروع فكري جديد، وضرورة الإجابة على أسئلة أساسية في ما يخص الفكر الإسلامي المعاصر، ومنها: كيف نبني المفهوم الإسلامي بشكل علمي؟ وكيف نتأكد من كونه بديلا؟ وكيف نقابله مع الواقع والتجربة؟

على ضوء الكثير من النقاشات والحوارات التي تجري حول المشروع العربي أو الإسلامي الحضاري البديل، يدعو بعض الباحثين إلى تعميق التفكير بما يجري على ضوء التطورات الجارية للوصول إلى مشروع فكري جديد، وضرورة الإجابة على أسئلة أساسية في ما يخص الفكر الإسلامي المعاصر، ومنها: كيف نبني المفهوم الإسلامي بشكل علمي؟ وكيف نتأكد من كونه بديلا؟ وكيف نقابله مع الواقع والتجربة؟
واعتبر هؤلاء الباحثون أن هناك جملة ملاحظات يجب أخذها بعين الاعتبار، ومنها:

1- إن مسألة تجربة الطروحات الإسلامية في الاقتصاد لا زالت ضعيفة، ويجب إجراء المزيد الطروحات والتجارب في هذا المجال.

2- يجب التعمق في موضوع المفهوم، وهذه مسألة أساسية وجوهرية في الفكر الإسلامي.

3- يجب البحث عن طروحات عالمية للفكر الإسلامي، ومحاورة الرأسمالية.

4- البحث عن طروحات قابلة للتطبيق.

5- يجب أن يكون الطرح منهجيا، لأن المنهجية هي المسألة الأساسية، كما في الغرب.

6- إعادة فهم الغرب والعالم على ضوء المتغيرات الحصلة اليوم في العالم وتقديم رؤية جديدة قادرة على مخاطبة كل شعوب العالم، وخصوصا الذين تبنوا القضية الفلسطينية ودافعوا عنها.

7- الاستفادة من الثورة التكنولوجية الحاصلة اليوم والمساهمة الحقيقة في هذه الثورة بدل أن نكون مستهلكين لها.

8- بناء القوة واعتبار خيار المقاومة هو الأساس في أية مواجهة مستقبلية.

9- إعادة تصحيح العلاقات العربية والإسلامية، والوصول إلى أفضل علاقات بين الشعوب العربية والإسلامية ومع أحرار العالم.

هذه بعض الأفكار والطروحات اليوم لإعادة تقديم المشروع العربي والإسلامي البديل، مع التأكيد على ضرورة وجود مؤسسة وحدوية أو جهة قادرة على رعاية هذا المشروع بعيدا عن الخلافات المذهبية أو السياسية أو الفكرية.

فهل من يتصدى لهذه المهمة الكبرى اليوم؟

twitter.com/kassirkassem

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المشاريع الإصلاحية التحديات المسلمين أفكار الإصلاح تحديات المسلمين مشاريع أفكار مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العربیة والإسلامیة العربی والإسلامی الفکر الإسلامی الإسلامیة فی عن الحلول على ضوء ومن ثم

إقرأ أيضاً:

جامعتا “محمد بن زايد للعلوم الإنسانية” و”نهضة العلماء” بإندونيسيا تنظمان ملتقى علميا

نظمت جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، الملتقى العلمي لتطوير البرامج بالتعاون مع جامعة “نهضة العلماء” الإندونيسية، وذلك في إطار الحرص المشترك على تعزيز التعاون العلمي والثقافي بين دولة الإمارات وجمهورية إندونيسيا.

ويأتي تنظيم الملتقى في خطوة نحو تدشين كلية محمد بن زايد لدراسات المستقبل في مدينة يوجياكرتا الإندونيسية “MBZ CFS”، والتي تعد ثمرة شراكة إستراتيجية راسخة بين حكومتي البلدين، وقد تم اختيار مدينة يوجياكرتا، التي تتمتع بمكانة علمية مرموقة، كموقعٍ مثالي لمقر الكلية.

وأسفر الملتقى ، الذي استمر يومين، عن نتائج مثمرة تمثلت في تعزيز التنسيق بين اللجان العلمية المشتركة في تبادل الخبرات ونقل المعرفة، ومناقشة الخطط المستقبلية المتعلقة بتشغيل الكلية بين الهيئات الأكاديمية والإدارية.

ويُخطط أن تُصبح كلية محمد بن زايد للدراسات المستقبلية منصة أكاديمية رائدة، تجمع بين القيم الإسلامية الأصيلة والدراسات المستقبلية المتقدمة، مع انطلاق أول دفعة أكاديمية لها في عام 2026.

وعلى هامش الملتقى، تم عقد عدة اجتماعات وورش عمل بين اللجان الدولية المشتركة، ركزت على نقل وتبادل الخبرات العلمية، واستعراض التطورات المتعلقة بالمشروع، بما في ذلك تطوير المناهج الأكاديمية، وتحليل متطلبات الأنظمة الرقمية، وآليات تطبيق أعلى معايير الجودة الأكاديمية.

كما تم مناقشة مشروعات البحث العلمي التي من شأنها تعزيز ريادة الكلية في مجال دراسات المستقبل، وتحويلها إلى مركز عالمي للابتكار.

وتهدف كلية محمد بن زايد للدراسات المستقبلية إلى تزويد الطلاب بالمعرفة العملية والمهارات المتقدمة التي تؤهلهم للتعامل مع التحديات العالمية المعاصرة.

وتشمل برامجها الأكاديمية مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الرقمي، والابتكار المستدام، والفقه الإسلامي والاجتهاد المعاصر، مما يسهم في إعداد جيل من القادة والمفكرين القادرين على إيجاد حلول مبتكرة.

وفي مرحلتها الأولى، ستطرح الكلية ستة برامج ماجستير متخصصة، تهدف إلى تزويد الطلاب بالقدرات اللازمة لمواجهة متطلبات المستقبل، وذلك من خلال طرح برامج دراسات عليا علمية في مجالات الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، وإدارة الأعمال الرقمية، وهندسة وتكنولوجيا الغذاء، والابتكار العالمي ودراسات المستقبل، والبنية التحتية الحيوية المستدامة، وبرامج العلوم الإنسانية والاجتماعية كالاجتهاد الشرعي، بالإضافة إلى الفقه الإسلامي المعاصر والاقتصاد الإسلامي.

وأكد سعادة الدكتور خليفة الظاهري، مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، أن “الملتقى العلمي لتطوير البرامج” يمثل خطوة محورية نحو الابتكار الأكاديمي وفي مجال ربط البرامج بالصناعة وسوق العمل ومتطلبات المجتمع ، مشيدا بالتعاون البنّاء بين اللجان الدولية المشتركة، الذي يمهد الطريق نحو تحقيق هذا المشروع الأكاديمي الطموح.

وأشار إلى أن الشراكة الإستراتيجية بين حكومتي الإمارات وإندونيسيا وجامعة “نهضة العلماء”، تشكل نموذجًا يحتذى به في التعاون الدولي المثمر، موضحا أن هدف هذه الشراكة هو تقديم تعليم مبتكر يسهم في دعم التنمية المستدامة، ويُعد كوادر مؤهلة قادرة على مواجهة تحديات المستقبل.

وأوضح سعادته أن كلية محمد بن زايد للدراسات المستقبلية ستسهم في تعزيز مكانة دولة الإمارات وجمهورية إندونيسيا كمرتكزات ريادية في مجال الابتكار والتفوق الأكاديمي، معتبرا أن الكلية ستصبح منصة عالمية لتبادل الأفكار والحلول الإبداعية التي تساهم في مواجهة التحديات الكبرى التي يواجها العالم اليوم، مما يعزز مكانتها كمشروع أكاديمي عالمي رائد.وام


مقالات مشابهة

  • جامعتا “محمد بن زايد للعلوم الإنسانية” و”نهضة العلماء” بإندونيسيا تنظمان ملتقى علميا
  • الاثنين.. انطلاق الدورة الثانية لملتقى مراكز الفكر العربي بالجامعة العربية
  • كتاب “تشريح إعلامي”.. آراء عن صناعة المحتوى وإستراتيجيات وتحديات الإعلام
  • جوميا تطلق تجارب مخصصة بالشراكة مع MoEngage
  • غانا: مسار الديمقراطية وتحديات المستقبل
  • الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية يشارك في مؤتمر "الأمن الفكري العربي"
  • مسلسل موعد مع الماضي يتصدر نسب المشاهدة فى الدول العربية
  • معرض جدة للكتاب يناقش فرص وتحديات سينما الخيال العلمي في العالم العربي
  • بلاغ للديوان الملكي: الملك محمد السادس يستقبل رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية
  • المشروع الصهيوني وتحديات الأمة العربية.. رؤية السيد الحوثي للخلاص