سودانايل:
2024-07-10@03:16:05 GMT

الدور الاجتماعي للشعر الشعبي

تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT

mohammedhamad11960@gmail.com

بقلم: د. محمد حمد مفرح
٣/٢
من ناحية أخرى نجد أن هنالك أنماطا عديدة للشعر الشعبي بكردفان ارتبطت بضروب الفن الشعبي الكردفاني مثل الجراري والعنقالي والحسيس و الدوبيت وتويا و الطمبور و لبادة و الحنبيلي و كذا المردوم والنقارة والكمبلا والكرنق والدرملي وخلافها.

و قد لعبت الأنماط الشعرية المرتبطة بهذه الفنون، و تلك التي يتم نظمها كأشعار قائمة بذاتها، لعبت دورا رائدا في صياغة الوجدان السوداني بعامة والكردفاني على وجه الخصوص، وذلك بحسبانها تمثل لونيات شعرية عبقرية حاضنة لتراث شريحة قومية مقدرة من شرائح الوطن.

لذا فقد ظلت هذه الأنماط الشعرية راسخة في وجدان الناس، متغلغلة في أرواحهم ومحفورة في الذاكرة الشعبية للمجتمع السوداني، بل وظل صداها داويا على مر الزمن. و ليس أدل على ذلك من الرواج والذيوع اللذين تحظى بهما الأغاني الكردفانية المتسوجة من هذه الأشعار، فضلا عن الخلود الذي يميزها وذلك لبساطتها وعمقها وبلاغتها فضلا عن جرسها الموسيقي الاسر.
ومن الأمثلة الحية على ذلك تلك الانماط الشعرية التي تمثل لحمة و سدى اغاني الفنانين الكردفانيبن امثال الفنان الدكتور عبد القادر سالم، عبد الرحمن عبد الله، صديق عباس، ابراهيم موسى ابا، الفنانة ام بلينا السنوسي، على سبيل المثال لا الحصر. و قد كان لهؤلاء الفنانين اسهامات جد كبيرة في التعريف بالشعر الشعبي و الحياة الاجتماعية و الثقافية بكردفان، من خلال أغنياتهم التي وظف بعضها هذا الضرب من الشعر.
كما لعبت الفنانة الشابة المرحومة شادن حسين دورا رائدا في التعريف بالشعر الشعبي الكردفاني عبر اغنياتها التي مثلت مشروعا فنيا و ثقافيا لفت انتباه العديد من الموسيقيين و جذب إليه الكثيرين.
و هناك أغنية حمرية للشاعرة بلدوسة ابراهيم تشدو بها المغنية نانسي عجاج، راجت و ولجت قلوب الناس في كل أرجاء السودان، نظرا لبساطة كلماتها و عمقها في آن فضلا عن بلاغتها. و تقول هذه الأغنية في جزئية منها:
حلاوة القرطاس الفي الخشيم تنماص
كان ما كلام الناس بسكن معاك خماس
ويمكن للمرء أن يلحظ البلاغة المتناهية في البيت الأول من القصيدة، و يقف على الشاعرية المتقدة لشاعرتها.
و من الأهمية بمكان الإشارة الى ان صدى الشعر الغنائي الكردفاني المشار أليه لم ينحصر في المحيط القومي فحسب بل تعداه إلى العالمية. و ليس أدل على ذلك من الرواية التي رواها لي الفنان الدكتور عبد القادر سالم والتي تقول أن الكثير من أغاني التراث الكردفاني تم تسجيلها ب" موسوعة التراث الإنساني الأمريكية". ويعكس هذا الأمر بالطبع ، قيمة الشعر الغنائي الكردفاني من جهة تعييره عن قيم و مضامين انسانية عامة فضلا عن موسيقى داخلية ذات صبغة عالمية.
ومن النماذج الشعرية للشعر الشعبي أيضا قصيدة تمثل كوميديا سوداء مسرحها دار حمر، تقول:
نتمنى لي سلمان جاموس خلاء بطران
قاعد له في بكان
في الكوك مع الجوغان
لي ستة يوم جوعان
هابق على الإنسان
وكت يطق البانج
الريط يقد كيمان
* الكوك.و الجوغان انوع من الأشجار.
و بالرغم من أن هذا الشاعر الهجاء استخدم عبارة"نتنة"، بعيدة عن اللياقة ، الا انها تعد، بمنطق الأدب و" مدرسة الفن للفن" مقبولة، طالما أنها تعبر عن المعنى المراد .
و يواصل الشاعر قصيدته، ممعنا في الأمنيات المعذبة والقاتلة والتي صور فيها الشاعر الشخصية المشار إليها "سلمان" بأنه مات بعد أن أشبعه تعذيبا، من خلال ماتمنى له، قائلا:
ملك السعال جاء قعد
عيونه حمره مقد
و حسه باقي رعد
بيقنقباية أم قد
يلفى العتيق بالطق
*القنقباية: العصا.
ويستمر في القصيده إلى أن يقول ، واصفا حال سلمانه بعد موته "خلال المأتم":
الشيه جاتنا طبق
بصلها مشقق
تعال شوف ليك كرامة كلب
و يقول أحد شعراء دار حامد واصفا حاله و حال بعض جماعته جراء تورطهم.في جريمة:
الدنيا ام قدود ما لا غراره
سوت لينا عصر السوج على الكاره
بعد باكر ميعاد مكتبنا في بارا
التسبت عليه يا بشاتن حاله
امن غرموا و أمن دللوا حماره
و هذا يعني انه كان و جماعته على موعد مع محاكمة بمدينة بارا و ان من تثبت عليه التهمة سيواجه اما الغرامة او عرض حماره للدلالة.
و تقول الشاعرة حبيبة بت حمدان في قصيدتها التي كان يتغني بها الفنان عبد الرحمن عبد الله رحمه الله:
كباشي كان برضى
وصلني ود بنده
خليني الناخد سنده
الى اخر القصيدة.
اما الشاعر ود ام بده فيتألق شعرا في احدى قصائده فيقول:
توب.يا قلب و بشكيك يا جرح لي مين
و ما في عدالة ديل ناس كلهم ظالمين
و انا حب زي حبي ما واجهتو في العاشقين
شتلت المنقه و اخدوا ثمارها ناس تانيين
و يقول الشاعر محمد.ابراهبم:
آمس لا قيتها و ردت دونكي حمد النيل
جنتتي انا و جنوا معاي كتير
لدرجة اخونا العقلو ديمه كبير
سلبت عقلو و اصبح زول غنا و تفكير
بنسأل فوقا كيف القصة يا مولانا
قال لي شالت القلب خلت الا بكانه
كما قال أحد شعراء الدوبيت، مؤكدا على ولوج الشعر الشعبي عالم السياسة و تعبيره عن القضايا السياسية القومية و هموم.الناس، قال:
حاكومة الازهري اسماعين
قلبها النميري الساعة ثلاثة و الناس كلهم نايمين أعتقل الشيوعية الكلهم خاينين ناشر في جرايده صفيحة المويه بمليم

و بعد ... هذه نماذج جد قليلة من الشعر الشعبي الكردفاني و الذي يعد، بحق وحقيقة ، بحرا لا ساحل له، ولونا شعريا متعدد الأغراض، ظل يلعب دورا كبيرا في الحياة الاجتماعية بكردفان، و لا يقل شأنا عن الشعر الفصيح في التعبير عن عكس المعاني و الدلالات علاوة على الترويح عن النفس من عناء الحياة.
//////////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشعر الشعبی فضلا عن

إقرأ أيضاً:

الهبوت بين الوظيفة الاجتماعية والصناعة الثقافية

تمثّل الأحداث والوقائع في المجتمع مادة خصبة للباحث في الدراسات الثقافية، من خلال رصد بعض التحولات الاجتماعية وتطورها من الحالة العابرة إلى الظاهرة التي تصبح عُرفا اجتماعيا لا يمكن التنازل عنه إلا باتباع ظاهرة أخرى تحل محل الأولى أو تتطور عنها، فخلال الأيام الماضية أقيمت مسابقة لشاعر الهبوت بتنظيم من مجلس ظفار الثقافي للتراث والإبداع (قيد الإشهار)، وقد حظيت المسابقة بمتابعة جماهيرية على نطاق واسع في محافظة ظفار، وامتد صيتها إلى محافظة المهرة في الجمهورية اليمنية الشقيقة نظرا لمشاركة متسابقين يمنيين في الفعالية. وقبل البحث في مفهوم صناعة الثقافة، لا بد من التعريف بفن الهبوت، وهو فن حماسي ينتشر في محافظة ظفار وفي بعض المناطق اليمنية، و(الهبوت) لفظة من الدارجة الظفارية مشتقة من كلمة (هِبُوت) في اللغة الشحرية وتعني القصيدة، وهب الرجل بمعنى أنشد أو نظم القصيد. يُؤدى فن الهبوت باللغة العربية إذ ينظم الشاعر قصيدته المكونة من أربعة أبيات ثم يلقنها للمرددين الذي ينتظمون في صفوف متتابعة أثناء دخولهم لميدان الاحتفال، ثم يتحلقون في صف نصف دائري في مقابلة الفريق الآخر الذي يرحب بقدوم الشاعر والمرددين معه.

يمثل فن الهبوت إعلان القبيلة لمشاركتها في المناسبات الاجتماعية كالأعراس وحفلات شفاء المرضى وعودة المسافرين، وفي السابق تقام لمناسبات الختان. تتضمن قصائد الهبوت الاعتزاز بالقبيلة ومنافسة القبائل الأخرى بذكر المناقب التي تميزها عن غيرها واجترار الأحداث التاريخية في المنطقة، بمعنى أن فن الهبوت فن قبلي بامتياز، ومناسبة لظهور شعراء ارتبط ظهورهم وشهرتهم بهذا الفن. أسهم فن الهبوت في الماضي في عقد المصالحات القبلية وتكوين الأحلاف وإشاعة التفاهم بين المكونات القبلية في المحافظة، وربما تضاف هذه القيمة إلى سجل الهبوت.

وقبل العودة إلى المسابقة المذكورة، أريد أن أستبق القارئ لأبيّن أنني لست بصدد تقييم المسابقة بقدر ما هي محاولة لدراسة الحالة وكيفية تطوير المفردات الثقافية وتحويلها إلى صناعة ثقافية، فقد جرت التحضيرات للمسابقة منذ شهر مايو الماضي، ووضعت اللجنة المنظمة شروط المسابقة، واختارت المحكمين من الشعراء في التصفيات الأولية، قبل أن تمنح الجمهور حق التصويت للمتسابقين عبر الرسائل النصية، إذ وفرت شركات الاتصالات العاملة في سلطنة عمان فرصة لمشتركيها في التصويت. هنا بالتحديد خرج التقييم من إطاره الفني في اكتشاف المواهب الشابة والاهتمام بفن الهبوت، إلى ساحات التواصل الاجتماعي، حيث ذهبت كل قبيلة تدعو إلى التصويت لأبنائها المشاركين في المسابقة، فتم التحشيد وإثارة الرأي العام عبر شراء الأصوات وتحميل المصوتين أعباء مالية استجابة لنداء (الفزعة) لمساندة أبناء قبائلهم.

كان بالإمكان إقامة المسابقة دون ضجيج أو ردود أفعال غير مرغوبة كما حدث لاحقا، لو أن لجنة التحكيم اتّبعت آلية ممنهجة ومُحكّمة بعيدا عن التصويت الجماهيري الذي يقلل عادة من موهبة الشاعر وإبداعه، نقول لو لم يشترك الجمهور في التصويت لما حدث الضجيج وردود الأفعال التي لا أجد داعيا لسردها هنا.

إذن ما العلاقة بين مسابقة فن الهبوت وبين صناعة الثقافة؟ تحضر الإجابة في كتاب «النظرية الثقافية والثقافة الشعبية» للكاتب البريطاني جون ستوري (74 عاما) بترجمة صالح أبو أصبع وفاروق منصور، وصدرت الترجمة العربية للكتاب سنة 2014 عن هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، حيث يخبرنا ستوري بأن مصطلح صناعة الثقافة قد وُلِد في مدرسة فرانكفورت سنة 1944 على يدي ثيودور أدورنو (1903-1969) وماكس هوركهايمر (1895-1973) «للتعبير عن منتجات الثقافة الجماهيرية وعملياتها»، وبما أنها كذلك فإنها «لا تشجع الجماهير على التفكير فيما وراء حدود الحاضر»، بل إن صناعة الثقافة تحاول تسطيح الأدب والفن والذوق عبر التقليل من قيمة الثقافة الرفيعة لأنها تشكّل بُعدا آخر للواقع، وتسعى إلى تحقيق القيمة المالية على حساب الثقافة الأصلية وتحرمها من وظيفتها النقدية، إذ يطغى تسليع الثقافة والمتاجرة بها، كما يقول مؤلف كتاب النظرية الثقافية، وهذا ما يمكن إسقاطه على المسابقات التي تعتمد على العناصر الثقافية في صناعة محتواها ثم يتم تسويق المنتج بواسطة شركات الاتصالات التي يمثل لها التصويت والمنافسة سواء على مستوى المكونات الاجتماعية القبلية، أو عن طريق التنافس بين الدول، كما شاهدنا ذلك في الكثير من المسابقات التي تربح أكثر من الجوائز التي تمنحها للفائز.

إن مسابقة شاعر الهبوت تُعلمنا أن الثقافة منجم لكل صناعة محتوى، ويمكن الاعتماد عليها في ابتكار أساليب حديثة بغية الاهتمام بالعناصر الثقافية ونقلها إلى الأجيال القادمة.

مقالات مشابهة

  • افتتاحية مجلة الجيش: أهل لوديعة الشهداء
  • 9 نصائح للعناية بالشعر.. تعرفي عليها
  • بعد الأزمات.. أحمد عبدالمعطي حجازي يطالب بإعادة سامح محجوب لإدارة بيت الشعر
  • يمنع التساقط ويملأ الفراغات.. فوائد عصير البصل للشعر
  • صاحبة تريند «فوق كده واصحى معايا» تكشف أسباب تقديمها فيديوهات باللغة الفرنسية
  • نصوص الشعر الشعبي
  • الهبوت بين الوظيفة الاجتماعية والصناعة الثقافية
  • أمير الصعاليك
  • خلافات عاصفة بين مجلس أمناء بيت الشعر.. ومديره يستقيل -(التفاصيل الكاملة)
  • أغنية "الناس الحلوة"| ديانا حداد تخطت حاجز الـ 500 ألف مشاهدة