موسكو- شكل لجوء سلطات إقليم ترانسنيستريا لطلب المساعدة من روسيا، بسبب ما وصفته بـ"الضغوط المتزايدة" التي تتعرض لها من مولدوفا، مادة دسمة للتحليلات ولمحاولات قراءة شكل التحرك الروسي المتوقع، لا سيما في ظروف الأزمة المعقدة مع الغرب والحرب في أوكرانيا.

وتتمحور أهم التساؤلات عما إذا كان الصراع الطويل الأمد قد بدأ يتفكك، وأن هذا الاتجاه لا رجعة فيه، وهل يصبح نهر الدنيستر جبهة جديدة في المواجهة الروسية الأوكرانية أو شرارة تصعيد جديدة في العلاقات بين الغرب وروسيا؟

العودة إلى الواجهة

يأتي ذلك بعد فترة طويلة بدت فيها مشكلة ترانسنيستريا وكأنها قضية سياسية هامشية، وصراع كلاسيكي مجمّد وفق معادلة "لا سلام ولا حرب".

ولكن بمجرد دخول روسيا وأوكرانيا، وهما الضامنان لعملية السلام في الإقليم الانفصالي، في مواجهة مفتوحة، زادت فرص تسعير الصراع في الإقليم بشكل حاد.

ورغم أن هذه المناشدة لم تقتصر على طلب المساعدة من روسيا، بل شملت كذلك كلا من الأمين العام للأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ورابطة الدول المستقلة وجهات أخرى، فإن أبرز المواقف كان بيان الخارجية الروسية الذي خرج بعد ساعات قليلة من نداء الإقليم، وتشديده على أن روسيا تنظر دائما بعناية في الطلبات الواردة منه.

وعلى مدى سنوات طويلة من الصراع المجمّد في الإقليم، اعتادت السلطات هناك على سياسات حذرة ومتوازنة، لكن النداء الأخير وضعه البعض في سياق توجهات أكثر جذرية يمكن أن تتبع فيه ترانسنيستريا خيار التحول إلى منطقة جديدة في روسيا، في تكرار لسيناريو القرم وجمهورية الدونباس.

وسعت ترانسنيستريا، التي يشكل الروس والأوكرانيون 60% من سكانها، إلى الانفصال عن مولدوفا حتى قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، خوفا من أن تنضم مولدوفا إلى رومانيا في أعقاب تصاعد النزعات القومية فيها.

وبعد محاولة فاشلة من جانب السلطات المولدوفية في عام 1992 لحل المشكلة بالقوة، أصبحت ترانسنيستريا منطقة لا تخضع فعليا لسيطرة كيشيناو عاصمة مولدوفا.

جزيرة العالم الروسي

تعتبر جميع حالات الصراع في فضاء ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي فريدة من نوعها، ومن الصعب الجمع بينها تحت قاسم مشترك معين، وحتى ضمن السيناريوهات الأكثر إثارة للقلق لتطور الأزمة في إقليم ترانسنيستريا، فإنه من الصعب رسم أوجه تشابه معينة مع القرم أو الدونباس على سبيل المثال.

واعتبر محلل الشؤون الإستراتيجية رولاند بيجاموف، في حديث للجزيرة نت، أن تكرار سيناريو الدونباس غير وارد "لأنه إذا قررت روسيا التدخل عسكريا لرفع الحصار عن الإقليم، فمن شأن ذلك أن يفقدها مؤيديها في مولدوفا، ويضع القوى المتعاطفة معها في موقف حرج، بالنظر إلى أنها تطالب بأن تبقى مولدوفا في وضع محايد في التجاذب الروسي-الغربي".

ويضيف "فضلا عن ذلك، فإن خيار الاستقلال ليس أولوية لدى الإقليم نفسه، حيث إن المهم بالنسبة لهم هو حفاظ مولدوفا على الحياد ورفض الاندماج مع رومانيا، والهدف الأساسي هو رفع الحصار".

ويفسر بيجاموف أسباب طلب المساعدة بـ"زيادة الضغوط الاقتصادية التي يتعرض لها الإقليم من قبل كيشيناو، والهواجس من القيام باستفزازات ضده من جانب مولدوفا بتحريض من الناتو، في سعي لخلق بؤرة توتر جديدة بالنسبة لروسيا".

ويتابع أن للإقليم شراكات طويلة الأمد مع روسيا، ويمكن تسميته بـ"جزيرة العالم الروسي"، نظرا للبيئة المعادية المحيطة به المتمثلة بمولدوفا والسلطات الأوكرانية. وبحسب قوله فإن "قرار سلطات ترانسنيستريا التوجه إلى روسيا طلبا للمساعدة يشير إلى أن الوضع يزداد سوءا بالفعل، ويتخذ أشكالا تهديدية".

لكنه لا يستبعد أن يكن لدى مولدوفا نفسها هواجسها الخاصة، لأنها لا تريد توتير الأجواء نحو أشكال غير مدروسة، فأي شرارة تخرج عن السيطرة يمكن أن تؤدي لعواقب غير حميدة للسلطات المولدوفية، وقد تنقل الأزمة إلى داخلها.

ويعتبر بيجاموف أن المخرج للأزمة يكمن في حفاظ مولدوفا على وضعها الحيادي وعدم دخولها في حلف الناتو، ليبقى السؤال فيما إذا كانت مولدوفا ستنضم للاتحاد الأوروبي كدولة مستقلة أم كجزء منضو ضمن الجغرافيا الرومانية.

محاذير التورط

ويرى الخبير في الشؤون الأوروبية أندريه كامكين أن وضع الإقليم يختلف عن بقية البؤر الساخنة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي؛ "فبالمقارنة مع ناغورني قره باغ على سبيل المثال، أخذت أذربيجان زمام المبادرة لاستعادة الإقليم، رغم أنه كان بإمكانها الاستعانة بتركيا، فإنها دخلت اللعبة (الحرب) وحدها ونجحت، لكن في حالة ترانسنيستريا، فليست كيشيناو هي التي تقف في طليعة المعارضين ضد الانفصالية، بل كييف، التي ترى أن توريط الإقليم في نزاع مع مولدوفا يمثل إحدى أدوات احتواء موسكو".

كما يتساءل الخبير عن شكل الدعم الذي يطلبه الإقليم من روسيا، مرجحا أن قيادة ترانسنيستريا تركت تنفيذ هذه التدابير للجانب الروسي، "لأنها هي نفسها لا تفهم ما يمكن القيام به" حسب تعبيره.

ويقدر كامكين أنه "لم يتم الاتفاق مع السلطات الروسية على هذه المطالب، وإلا لكان من الممكن تحديد الإجراءات قبل الخروج بالنداء". ويقول "ربما كانت موسكو على علم بإعداد مثل هذا البيان، ولكن نظرا لأنها بعيدة ومشغولة في أوكرانيا، لم تعره أهمية كافية".

ويعيد التوتر الحاصل إلى الأذهان أزمة مماثلة جرت عام 2006، عندما حاولت مولدوفا وقف صادرات وواردات ترانسنيستريا، قبل أن تتولى روسيا مؤقتا ضمان الالتزامات الاجتماعية لميزانية الإقليم المتمرد، مما يرجح فرضية اتخاذ قرار بتقليل الأضرار على السكان من خلال الدعم المالي المباشر، وليس من خلال عملية عسكرية من جانب روسيا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

هل للبكاء فوائد؟!.. طبيبة تشرح

روسيا – تشير الدكتورة يكاتيرينا ديميانوفسكايا إلى أن البكاء هو رد فعل نفسي فسيولوجي للإنسان، يتميز بزيادة إفراز مادة معينة من العين – الدموع.
ووفقا لها، يميل الإنسان مع تقدم العمر إلى تقليل التعبير عن مشاعره بهذه الطريقة، على الرغم من أنها قد تكون مفيدة.

وتشير الطبيبة إلى أن هناك ثلاثة أنواع رئيسية من الدموع. الدموع القاعدية موجودة دائما – ترطب العينين وتحميهما من الجفاف وتأثير الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض. الدموع الانعكاسية، تنهمر استجابة للتهيج الجسدي، مثل دخول الغبار إلى العين. الدموع العاطفية، تنهمر نتيجة لمشاعر الفرح، الحزن، الغضب. تتميز هذه الدموع بقدرتها على مساعدة الجسم على التعامل مع الإجهاد وتقليل الشعور بالألم. كما يمكن تمييز الدموع المرضية عندما يتضرر العصب الصخري الكبير – فرع من العصب الوجهي الذي يربط الغدة الدمعية بالدماغ.

ووفقا لها، يحتوي السائل الدمعي على أملاح مختلفة، والليزوزيم (إنزيم ذو تأثير مضاد للبكتيريا)، ومواد دهنية، والعديد من العناصر الأخرى. وتحتوي الدموع العاطفية على المزيد من البروتينات، وخاصة الهرمونات، لذلك قد يكون مذاقها أكثر تحديدا من دموع الانعكاس، وحتى مرا.

وتقول: “تساعد الدموع على التخلص من السموم الزائدة والهرمونات والمواد الكيميائية الأخرى التي تتراكم في الجسم أثناء التوتر، كما أن البكاء النشط بصوت عال يساعد على التعبير عن المشاعر والتخلص منها. لذلك عندما يبكي الشخص ينخفض مستوى الأدرينالين لديه، ولهذا السبب يصبح الأشخاص الذين اعتادوا على كبت دموعهم أكثر عرضة للانزعاج والغضب”.

وبالإضافة إلى ذلك، يجعل البكاء التنفس أعمق، ما يقلل مستوى هرمون الكورتيزول- هرمون التوتر. وبعض الأشخاص يبكون بسهولة مقارنة بغيرهم ويعتمد هذا على حالة الجهاز العصبي.

ووفقا لها، لا تزال منتشرة على نطاق واسع في المجتمع عددا من الصور النمطية حول السلوك النموذجي للذكور والإناث، ما يؤدي إلى تربية الأولاد منذ الطفولة بطريقة تعلمهم كبت الدموع العاطفية. ولكن مع تقدمهم في السن، يفقدون القدرة على تخفيف التوتر عن طريق البكاء. أما الإناث فيسمح لهن بالتعبير عن مشاعرهن من خلال الدموع. ويتعزز هذا الإذن الاجتماعي أيضا بعوامل بيولوجية بحتة- فمستوى هرمون البرولاكتين- هرمون يساعد على تقليل التوتر العاطفي ويعزز تكوين الدموع، في المتوسط ​​أعلى لدى النساء مما لدى الرجال، كما يتضاعف مستواه أثناء الحمل كثيرا.

وتقول: “ولكن إذا ظهرت الدموع على خلفية عاطفية ناعمة، وكانت مصحوبة بضعف في عضلات الوجه على نفس الجانب، أو كانت مرتبطة بحركات المضغ، فيجب مراجعة طبيب أعصاب لتشخيص حالة العصب الوجهي”.

المصدر: صحيفة “إزفيستيا”

مقالات مشابهة

  • عكس ترامب..حلفاء أوكرانيا يخططون لعقوبات جديدة على روسيا
  • تشمل 160 ألف شاب..روسيا تطلق حملة جديدة للتجنيد العسكري
  • موسكو تتعهد بالرد..مولدوفا تطرد 3 دبلوماسيين من سفارة روسيا
  • أسباب عدم انتظام دقات القلب
  • ماكرون يدعو حماس لإلقاء السلاح واستعادة الهدوء في غزة
  • ميزة جديدة.. يوتيوب يختبر إيقاف الإشعارات للقنوات التي لا تشاهدها
  • إقليم كوردستان يعلن يوم غد الأحد أول ايام عيد الفطر
  • هل للبكاء فوائد؟!.. طبيبة تشرح
  • روسيا تعلن السيطرة على قرية جديدة في أوكرانيا
  • ماذا قال ترامب عن المسيرات الإيرانية التي تستخدمها روسيا لضرب أوكرانيا؟