ردّ حزب الله على زيارة هوكشتاين... أوقفوا حرب غزة وبعدين منحكي
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
قيل الكثير عن زيارة الست ساعات التي قام بها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لبيروت حتى قبل أن تنتهي، والتي التقى في خلالها، إضافة إلى الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري وقائد الجيش العماد جوزاف عون، الوزير السابق وليد جنبلاط ووفدًا من "المعارضة" النيابية، فيما غاب عن "أجندة لقاءاته السريعة وزير الخارجية عبدالله بوحبيب لأسباب يُقال إنها تعبير عن استياء أميركي من مواقفه الأخيرة، التي يبدو أنها غير متطابقة، في نظر الديبلوماسية الأميركية، مع وجهة نظر الحكومة، التي يعبّر عنها رئيسها في شكل واضح وغير ملتبس.
فما قيل إعلاميًا عقب هذه الزيارة الخاطفة، وقبل أن تنكشف حقيقة ما سمعه الذين التقوا الموفد الأميركي، فيه الكثير من الاستنتاجات غير المدّعمة بمعلومات مستقاة من مصدرها. وما سيُقال في الأيام الآتية كمادة إعلامية دسمة سيكون كثيرًا، مع أن ما كشفه عقب لقائه في "عين التينة" لا يحتاج إلى الكثير من الشرح والتبسيط. فالكلام الأميركي مفهوم لغةً ومعنىً ومضمونًا، خصوصًا أن الذين يعرفون هوكشتاين عن قرب يقولون عنه إنه لا يعرف "اللف والدوران"، وهو يقول الأمور كما هي من دون لجوئه إلى مفردات اللغة الديبلوماسية، حتى ولو كان على يقين من أن أي كلام سيصدر عنه لن يرضي الجميع، لا في الداخل اللبناني ولا خارجه، وهو يعبّر بالتالي عن موقف بلاده مما يجري في الجنوب اللبناني، بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" على طول الحدود الجنوبية - الشمالية لكل من لبنان وإسرائيل.
فالمرء المتتبع لمسار سياسة واشنطن في المنطقة لا يحتاج إلى براهين كثيرة ليعرف ماذا حمل معه الموفد الرئاسي الأميركي من اقتراحات وأفكار ومشاريع حلول تبقى برسم الحكومة والمجلس النيابي الممثلين بالرئيسين ميقاتي وبري، وذلك في انتظار ما يمكن أن يحمله معه من أجوبة على أسئلة كثيرة طُرحت عليه في اللقاءين الرسميين، والتي تتعلق حصرًا بقابلية إسرائيل على تطبيق القرار 1701، قبل أن تطالب واشنطن والمجتمع الدولي "حزب الله" بالالتزام به، وهو الذي يعلن أنه يقوم بحماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية.
فإذا عاد هوكشتاين إلى بيروت آتيًا من تل أبيب فهذا يعني أن هناك إمكانية للبحث في المرحلة التي ستلي "هدنة رمضان" في حال تم التوصّل إلى اتفاق مبدئي بين حركة "حماس" وممثلين عن الحكومة الإسرائيلية، مع أن مقربين من محور "الممانعة" في لبنان يستبعدون التوصّل إلى هكذا اتفاق ما دامت إسرائيل تمعن في اعتداءاتها، سواء في القطاع أو مؤخرًا في الضفة الغربية، أوفي جنوب لبنان، خصوصًا بعد فشل محاولة التسلل، التي قامت به فرقة "غولاني". ويُقال إن القيادة الإسرائيلية كانت تختبر مدى القدرة القتالية والمواجهة على الأرض في حال قررت غزو لبنان برًّا.
اذًا، يمكن القول إن زيارة هوكشتاين انتهت ولم تنتهِ في الوقت ذاته. وإذا أراد المراقبون اختصار الساعات الست البيروتية وفق التوقيت الأميركي فيمكن القول إن الزيارة انتهت بتثبيت ما يُعرف بـ "قواعد الاشتباك" ومن دون مفاجآت غير محسوبة، ومطالبته بان تكون الهدنة المفترضة مقدمة لوقف نار مستدام على الحدود، وهو مطلب لبناني قبل أن يكون اميركيًا. وهو قدّم افكارًا متقدمة لكيفية استعادة الهدوء، وطالب في لقاءاته بأن تحصل خطوات عملية لكي تسري الهدنة في غزة على الحدود الجنوبية، مشددا على دور الجيش في تطبيق الـ 1701.
ما فُهم حتى الآن مما حمله هوكشتاين هو أنه بات مقتنعًا بتجزئة الحل الى ثلاث مراحل، تبدأ من تثبيت وقف إطلاق النار على الجبهة الجنوبية فور إعلان وقف إطلاق النار في غزة، ومن ثم وقف عمليات "حزب الله" من الجنوب في اتجاه المواقع الاسرائيلية المتقدمة كمقدمة للضغط على إسرائيل لمنع اعتداءاتها ضد لبنان، قبل التفكير في الانتقال إلى مرحلة متقدمة لتطبيق القرار ١٧٠١.
أمّا تصريح هوكشتاين عقب لقائه الرئيس بري لنحو ساعة ونصف الساعة عن ان الهدنة في غزة ليس بالضرورة أن تمتد تلقائياً إلى لبنان، فاعتُبر كلامًا تهويليًا ليس إلاّ، لأن ما قاله يتناقض مع مهمته الأساسية، وهي التأكد من دخول وقف النار حيز التنفيذ على الجبهة الجنوبية، تزامنًا مع التهدئة في غزة.
قد يكون الشقّ الأول من مهمة هوكشتاين أسهل بكثير من الشق الثاني، وهو الذي يبدو أنه أعدّ العدة الكاملة لتوظيف سريع وتلقائي للهدنة التي تتواصل الجهود بقوة لإعلانها في غزة، بحيث ينطلق تواً على وقعها مسار التهدئة ووقف المواجهات الميدانية بين إسرائيل و"حزب الله" واستتباع ذلك بإعادة نشر الجيش و"اليونيفيل" وفق القرار 1701 في جنوب الليطاني، على ان تنطلق آلية مفاوضات يتولاها الجانب الأميركي للتوصل الى تذليل نقاط الخلاف بين لبنان وإسرائيل على النقاط المتبقية من الخط الأزرق، بعد أن يقنع الطرفين بالحل الديبلوماسي الكامل الذي فُهم منه بأن التسوية الحدودية هي شرط لديمومة الاستقرار على جانبي الحدود. وهنا مكمن الصعوبة في المهمة الشاقة، التي تنتظر "مهندس" الترسيم البحري.
ولم يكد هوكشتاين يصعد إلى الطائرة حتى أتاه ردّ "حزب الله"، الذي لم ينتظر طويلًا. وخلاصة ذا الردّ أن لا كلام الآن قبل هدنة غزة، وبعد الهدنة منحكي». وأرفق "الحزب" ردّه بتسجيل بالصوت والصورة يعلن فيه نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم: أنه "من أراد أن يكون وسيطًا معنا فعليه أن يتوسط أولًا لوقف العدوان على غزة" المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
المتغيّرات السورية تُطوّق لبنان: حزب الله نحو الانكفاء؟
كتب ابراهيم حيدر في" النهار":التطوّرات التي تحدث في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، تلقي بظلالها على لبنان وكيفية تعاملها مع التوغلات الإسرائيلية وإسقاط اتفاق فك الاشتباك عام 1974. الواضح أن التداعيات الأولى هي على "حزب الله" الذي خسر خط الإمداد الأساسي لسلاحه، في الوقت الذي يحاول فيه التقليل من المتغيّرات التي حدثت في بنيته ووضعه العام جراء الحرب الإسرائيلية واتفاق وقف النار منذ 27 تشرين الثاني الماضي.
والواقع أن المرحلة الجديدة التي تعصف بالمنطقة ترتبط في شكل رئيسي بلبنان وسوريا المتشابهين لناحية التركيب الاجتماعي والتعدد الطائفي، حيث تواجه الادارة السورية الجديدة تحديات كبيرة في مرحلتها الانتقالية، فيما يواجه لبنان تحدي إعادة بناء الدولة وتشكيل السلطات وانجاز الاستحقاقات والخروج من الانقسامات، وأيضاً إعادة الاعمار، ثم تطبيق القرار 1701 ونشر الجيش اللبناني على الحدود لتحقيق الاستقرار.
ما يعني سوريا يعني لبنان أيضاً، فهو دخل بعد سقوط الأسد والحرب الإسرائيلية مرحلة جديدة ستحدد صيغته وتركيبته، والأمر يتعلق في جانب منه بـ"حزب الله" المعني مباشرة بالسلاح وببنود القرار الدولي، إذ مر 19 يوماً على إعلان اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل، ولا تزال الأمور تراوح في تنفيذ بنوده ضمن فترة الستين يوماً، في الوقت الذي بدأ الجيش اللبناني بالانتشار جنوباً وسط شكوك بالتزام إسرائيل تطبيق آلية القرار 1701، بالنظر إلى خروقاتها اليومية والتي تفسر على نحو واضح بأنها تريد انشاء منطقة منزوعة السلاح وتحت سيطرتها الجوية الأمنية متسلحة بضمانات أميركية غير معلنة لتكون لها اليد الطولى من جنوب لبنان إلى سوريا.
خسر "حزب الله" بسقوط الأسد باعتراف أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، لكنه يتجاوز بل يكابر أمام ما حل ببنيته ومتغيّرات المنطقة، ولا يقرأ المرحلة الجديدة التي سحبته من منطقة جنوب الليطاني، فإذا كان يعلن أن المقاومة مستمرة، فالسؤال هو عن وظيفتها إذا كان قاسم يعتبر أن "الاتفاق لا علاقة له بالداخل اللبناني ولا بعلاقة المقاومة بالدولة". سيبحث الحزب عن طرق لاستمرار دوره، بعد انهيار النفوذ الإيراني، لكنه دخل في مرحلة الانكفاء وفق خبير سياسي لبناني، فهو انتهى بالصيغة التي كانت قائمة مع السيد حسن نصرالله واصطفاف محور الممانعة، ولذا لا تبدو خياراته كثيرة إذا لم يعد النظر بالانتساب الى الحاضنة اللبنانية، وهذا الأمر ينسحب على المكونات الأخرى التي يجب عليها مد اليد لإعادة بناء الدولة وانهاء الانقسامات في البلاد، وليس تصفية الحسابات على المقلبين. وهذا الأمر لا يستقيم الا بإعادة "حزب الله" النظر بوظيفته والاعتراف بما حل ببنيته وبالبلاد جراء الحرب، خصوصاً وأنه سيحاول الاستمرار بالطريقة ذاتها سابقاً وسيعمل وفق مصدر سياسي مطلع على الحفاظ على ما تبقى له من مكتسبات داخلية. لكن إذا كان الانتصار الذي تحدث عنه قاسم بمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها بالقضاء على "حزب الله" إلا أنها دمرت البلد وغيرت معالم المنطقة الحدودية وفرضت معادلة أمنية تطبق على لبنان كله.