على نحوٍ اعتبر مراقبون أنه “يتقاطع مع النزعة القومية التي عُرفت بها ولاية الجزيرة بوسط السودان”، تصاعدت مؤخرا دعوات بصورة مكثفة إلى “ضرورة تكوين قوة عسكرية شعبية، تعمل على طرد قوات الدعم السريع، ثم تخطط لحكم الولاية ذاتيا”.

وبسطت قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، في 18 ديسمبر الماضي، بعد انسحاب الجيش من المدينة التي تقع على مسافة 180 كلم جنوب الخرطوم، قبل أن تتمدد في معظم مدن وقرى الولاية.

وأصدر قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، قرارا بتكليف القائد الميداني بالدعم السريع، أبو عاقلة كيكل، الذي ينتمي إلى ولاية الجزيرة، حاكما على الولاية، بعد أن كانت تدار بحكومة داعمة للجيش السوداني.

وكون الجيش السوداني، في 19 ديسمبر الماضي، لجنة للتحقيق في ملابسات وأسباب انسحاب قواته من مدينة ود مدني، لكنه لم يعلن نتائج التحقيق حتى الآن.
انتهاكات وتعديات

أفرز دخول قوات الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة، موجة من الانتهاكات طالت عددا من المدن والقرى، وأجبرت النازحين الذين وفدوا إلى الولاية من الخرطوم، للنزوح مجددا إلى ولايات أخرى، بحسب لجنة محامي الطوارئ السودانية.

وعلقت وكالات الأمم المتحدة والمجموعات الإنسانية الرئيسية، عملها في مدينة ود مدني الاستراتيجية، التي كانت ملاذاً لمئات الآلاف من النازحين، إذ نزح إليها نصف مليون شخص وفق أرقام الأمم المتحدة.

ويرى عضو غرفة الطوارئ في مدينة الحصاحيصا، منذر عثمان، أن “معظم مواطني ولاية الجزيرة يشعرون أن الجيش السوداني تركهم يواجهون مصيرا قاسيا، ولم يعمل على طرد مليشيا الدعم السريع التي ارتكبت عمليات نهب وسلب وقتل في عدد من مناطق الولاية”.

وقال عثمان في اتصال هاتفي مع موقع الحرة، عبر خدمة “ستار لينك” من مدينة المناقل، إن “معظم قرى ولاية الجزيرة تعرضت للنهب والانتهاكات بواسطة الدعم السريع، مما أضطر غالبية المواطنين إلى النزوح إلى مدينة المناقل”.

ويسيطر الجيش على مدينة المناقل الواقعة جنوب غرب مدينة ومدني. وتحولت المدينة إلى وجهة جديدة لآلاف النازحين من جحيم الحرب، بحسب لجنة محامي الطوارئ.

وتابع عثمان “أنا مثل غيري، وصلت إلى المناقل هربا من انتهاكات مليشيا الدعم السريع. وحينما نذهب إلى قيادة الجيش في المدينة ونطلب منهم التحرك لمواجهة المليشيا، يقولون إنه لم تصلهم توجيهات من قادتهم بالقتال”.

وأضاف “ربما لذلك تصاعدت الدعوات بضرورة تكوين قوة شعبية لمواجهة مليشيا الدعم السريع وطردها من الولاية”.

وبحسب مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فر ما لا يقل عن 250 ألف شخص مؤخرا من ولاية الجزيرة وعاصمتها.

وأعلن المرصد المركزي لحقوق الإنسان، في السودان، أن “قوات الدعم السريع اجتاحت 53 قرية في ولاية الجزيرة، مما أدى لمقتل 46 من المدنيين، وإصابة أكثر من 90 آخرين، ونهب مئات الممتلكات والسيارات، تزامنا مع استمرار انقطاع الاتصالات عن الولاية لنحو شهر”.
حملات إعلامية

ونشر ناشطون في منصات التواصل الشبكي، دعوات “لتكوين قوات درع الجزيرة”، وحثوا أبناء الولاية العاملين في خارج السودان “للمساعدة في توفير الدعم المالي، للعمل على طرد مليشيا الدعم السريع من الولاية”.

وبرأي محمد الزين، وهو أحد مواطني المناقل، فإن “عمليات تكوين درع الجزيرة بدأت فعليا، مشيرا إلى أنه “جرى تشكيل كتيبة باسم الزبير بن العوام، برعاية زعيم قبيلة الكواهلة، لمواجهة مليشيا الدعم السريع، ولتحديد مصير الولاية في المستقبل، سواء بالحكم الذاتي أو حتى الانفصال”.

وقال الزين لموقع الحرة، إن “هناك حالة من الغبن وسط مواطني الجزيرة، بعد أن تصاعدت انتهاكات المليشيا، تجاه المواطنين العزل الذين لا يملكون أي سلاح ولا يعرفون التعامل معه أصلا”.

وأضاف “وجدت الحملة تفاعلا كبيرا على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة لدى المغتربين بالخارج، كما تفاعل معها الشبان في الداخل، مما سهل الشروع فعليا في تدريب الراغبين في التطوع لقتال المليشيا”.

وروج أعضاء في متلقى نهضة مشروع الجزيرة، وناشطون في منبر أبناء الجزيرة، وكيانات أخرى، دعوات على صفحات رسمية بمنصات التواصل الاجتماعي “لأهمية تكوين قوات درع الجزيرة”.

وحاول موقع “الحرة” الحصول على تعليق من الناطق الرسمي باسم الجيش، العميد نبيل عبد الله، ولكن لم يصلنا أي رد حتى نشر هذا التقرير.

في المقابل، استغرب الخبير الاستراتيجي، عمر جمال، صدور الدعوات المنادية بتكوين قوات شعبية منفصلة عن الجيش، وأشار إلى أن “ذلك سيضع الولاية أمام مخاطر كبيرة في المستقبل”، على حد تعبيره.

وقال جمال، وهو ضابط سابق بالجيش السوداني، لموقع الحرة، إن “قائد الجيش فتح الباب رسميا أمام الشباب الراغبين في التطوع بالقتال إلى جانب الجيش، وهذا يعني أنه لا حاجة إلى تكوين قوة منفصلة، وعلى الراغبين في التصدي للمليشيا أن ينخرطوا في المسعكرات التي خصصها الجيش لهذا الغرض”.

وأضاف “الدعوات لتكوين مثل هذه القوات الشعبية المقاتلة ستقود لبروز أصوات تنادي بالحكم الذاتي أو الانفصال، ولو في المستقبل، وهذا ليس من مصلحة الولاية المشهود لها بأنها جامعة لكل المكونات القبلية في السودان”.

وأشار الخبير الاستراتيجي، إلى أن “الجيش لم يترك مواطني الجزيرة نهبا لتعديات مليشيا الدعم السريع، ويقوم بعمليات قصف جوي مركزة على مواقع تمركزها في الولاية، مما أدى لتدمير عدد من عرباتها القتالية، ومقتل أعداد ضخمة من منسوبيها”.

وأضاف: “الجيش يحاصر المليشيا في ولاية الجزيرة من جهات مدينة سنار “جنوب” ومن اتجاه المناقل “جنوب غرب”، ويعمل بتخطيط دقيق لتنفيذ عملية برية شاملة لطرد المليشيا من ولاية الجزيرة”.

وكانت السفارة الأميركية حذّرت في ديسمبر الماضي، من أن “التقدم المستمر لقوات الدعم السريع يهدد بوقوع خسائر هائلة بين المدنيين وتعطيل كبير لجهود المساعدة الإنسانية”.

وأشارت إلى أن تقدم قوات حميدتي “تسبب بالفعل في عمليات نزوح واسعة النطاق للمدنيين من ولاية الجزيرة، وأدى لإغلاق الأسواق في ود مدني التي يعتمد عليها كثيرون”.

من جانبه، نفى عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع، إبراهيم صديق، “تورط قواتها في الانتهاكات الممنهجة على المدنيين”، واتهم في الوقت ذاته “عناصر نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير بالضلوع في تلك الانتهاكات”.

وقال صديق لموقع الحرة، إن “هناك بعض التجاوزات التي حدثت من متفلتين داخل صفوف الدعم السريع، وتم التعامل معها وحسمها بعد توجيهات القائد حميدتي، وما يحدث في الجزيرة من صنائع عناصر نظام البشير البائد”.

ولفت إلى أن “قوات الدعم السريع تلقت بلاغا من المواطنين بمنطقة كترة، الواقعة جنوب مدينة أبو قوتة بولاية الجزيرة، تفيد بوجود مجرمين يمارسون النهب والسلب، وأرسلت قوة اشتبكت مع المجرمين”.

وأضاف “أدت الاشتباكات التي جرت يوم الثلاثاء، إلى مقتل 20 من المجرمين، بينما فقدت قواتنا قائد القوة واثنين من عناصر الدعم السريع، وهذا أكبر دليل على أن قواتنا ليس لها أي علاقة بما يجري في الجزيرة من انتهاكات”.

ونددت هيئة شؤون الأنصار، المرجعية الدينية لحزب الأمة القومي، في بيان الاثنين، “باجتياح قوات الدعم السريع لعدد من قرى ولاية الجزيرة”، وأشارت إلى “أن هجمات الدعم السريع تسببت في مقتل عدد كبير من المدنيين”.

ووصفت الهيئة “العدوان على الرجال والنساء والأطفال والممتلكات في قرى ولاية الجزيرة بالبشع”.

وبدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عز الدين المنصور، أن “ولاية الجزيرة تعرضت لأسوأ موجة انتهاكات بواسطة عناصر قوات الدعم السريع الذين لا يفرقون بين رجل إو امرأة أو طفل”.

وقال المنصور لموقع الحرة، إن “حجم الانتهاكات لا يوصف، وعدد القتلى من المدنيين يفوق المئة، بينما يكتفي الجيش بالقصف الجوي على قوات الدعم السريع، دون تنفيذ أي عملية برية، على الرغم من مرور شهرين على دخول الدعم السريع إلى الولاية”.

وأشار إلى أن “أي اتجاه لتشكيل قوة شعبية خارج إطار الجيش، سيجعل السلاح ينتشر بكثافة في أيدي المواطنين، وستصعب السيطرة عليه، مما يهدد الاستقرار مستقبلا في الولاية”.

ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن “أفضل خيار لإنهاء الحالة التي تتعرض لها ولاية الجزيرة وكل السودان، يكمن في تعجيل التفاوض لإنهاء الحرب”، وقلل “من الأصوات الداعية إلى الحكم الذاتي بالجزيرة”.

وأضاف أن “طبيعة ولاية الجزيرة لا تسمح بالانفصال أو حتى الحكم الذاتي، لكونها ولاية وسطية، ولا تطل على أي منفذ بحري، كما أنها لا تجاور أي دولة خارجية”.

ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا.

وفي السابع من فبراير، أطلقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، نداء لتقديم دعم دولي بقيمة 4.1 مليار دولار للمدنيين المحاصرين في السودان، وسط مؤشرات على أن البعض ربما يموتون جوعا، بعد ما يقرب من عام من الحرب.

وقالت وكالات الأمم المتحدة إن نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يحتاجون إلى الدعم والحماية، وإن الأموال المطلوبة ستخصص لمساعدة ملايين المدنيين في السودان وغيرهم ممن فروا إلى الخارج.

الحرة

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: ملیشیا الدعم السریع قوات الدعم السریع الأمم المتحدة ولایة الجزیرة لموقع الحرة فی السودان ود مدنی إلى أن

إقرأ أيضاً:

40 قتيلاً بهجوم لقوات الدعم السريع في وسط السودان

قوات الدعم السريع شنت هجوما مصحوبا بحالات نهب اعتباراً من مساء الثلاثاء واستأنفت الهجوم صباح الأربعاء..

التغيير: وكالات

قُتِل أربعون شخصاً “بالرصاص” في السودان في هجوم شنه عناصر من قوات الدعم السريع على قرية في ولاية الجزيرة بوسط البلاد التي تشهد حرباً مدمرة مستمرة منذ عام ونصف، وفق ما ما أفاد طبيب اليوم الأربعاء.

وقال أحد الشهود في قرية ود عشيب في اتصال هاتفي مع وكالة “فرانس برس” إنَّ قوات الدعم السريع التي تخوض حرباً مع الجيش السوداني منذ عام ونصف، شنت هجوما اعتباراً من مساء الثلاثاء و”استأنفت الهجوم صباح” الأربعاء، موضحاً أن المهاجمين يرتكبون “عمليات نهب”.

وقال طبيب في مستشفى ود رواح إلى شمال القرية لوكالة “فرانس برس” طالباً عدم كشف هويته خوفاً على سلامته بعد تعرض الفرق الطبية لعدة هجمات إنَّ “الأشخاص الأربعين أصيبوا إصابة مباشرة بالرصاص”.

واندلعت المعارك في السودان منتصف أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وهو أيضاً رئيس مجلس السيادة والحاكم الفعلي للبلاد، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب “حميدتي”.

في الوقت الحالي، تسيطر قوات الدعم السريع على معظم مناطق ولاية الجزيرة، باستثناء مدينة المناقل والمناطق المجاورة لها، التي تمتد حتى حدود ولاية سنار جنوبًا وغربًا حتى ولاية النيل الأبيض.

منذ انشقاق أبوعاقلة كيكل عن قوات الدعم السريع في 20 أكتوبر الماضي، وإعلانه الانضمام إلى الجيش السوداني، شهدت الولاية تصعيدًا ملحوظًا في الهجمات الانتقامية التي تنفذها قوات الدعم السريع، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الأمنية والإنسانية.

وتسببت الحرب المستعرة في السودان منذ أبريل 2023 في مقتل آلاف الأشخاص وتشريد أكثر من 11 مليون سوداني، مما جعلها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

الوسومانهاكات قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة حرب الجيش والدعم السريع ولاية الجزيرة

مقالات مشابهة

  • «مؤتمر الجزيرة»: الدعم السريع تطلق «9» محتجزين مقابل فديات مالية وتبقي على العشرات 
  • الدعم السريع توسع هجماتها في ولاية الجزيرة.. ومستشفيات الخرطوم تكتظ بالجثث
  • من انتقام الدفتردار (1822) إلى حملة “الدعم السريع”: تاريخ مستعاد
  • الجيش السوداني يعلن تقدمه والدعم السريع يهاجم عطبرة بالمسيّرات
  • 40 قتيلا بهجوم لقوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة بوسط السودان  
  • السودان..عشرات القتلى بهجوم لقوات الدعم السريع في الجزيرة
  • ما قامت به مليشيا الدعم السريع بشرق الجزيرة مؤخراً يفوق حد الخيال
  • السودان.. قوات الدعم السريع تهاجم قرية وتقتل 40 مدنياً
  • 40 قتيلاً بهجوم لقوات الدعم السريع في وسط السودان
  • مؤتمر الجزيرة يحذر من مجزرة وشيكة تهدد “التكينة”