قوبل تكريم الجيش السوداني لـ” الانصرافي” وهو شخصية مجهولة تدعم الجيش في حربه على قوات الدعم السريع، وتُتهم ببث خطاب الكراهية، قوبل بانتقادات لاذعة، في وقت طالب فيه قانونيون بضرورة تقديمه للمحاكمة 

التغيير: الخرطوم

“الكلام ده واضح يا برهان وأمور الراقصات البتعمل فيها دي نازل من الطيارة لابس لي نضارة، وتتمسخر وعامل لي شغل المغارز ده انت ما ترجل يا زول ارجل يا زول”.

هذه هي اللغة، والعبارات المحددة التي استخدمها صاحب صفحة “الانصرافي” على اليوتيوب موجها حديثه للقائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان.

لم تكن هذه اللغة لتثير دهشة الناس بسبب ما تعج به مواقع التواصل الاجتماعي من غرائب.

“لكن الذي فاجأ الناس هو تكريم الجيش السوداني، لشخصية ” شبحية” تجرد قادة الجيش من رتبهم، وتوجه لهم الحديث بلغة استعلائية تصل لدرجة السب والإهانة والاحتقار”، بحسب وصف المستشار الإعلامي السابق لرئيس الوزراء السابق، فائز السليك، الذي تحدث لـ “التغيير”.

شبح معلوم

ظهرت شخصية “الانصرافي” مع اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل الماضي، مثله ومثل الكثير من الشخصيات التي اصطفت إلى جانب أحد طرفي الصراع، الجيش والدعم السريع.

بعض هذه الشخصيات تستخدم أسماء مستعارة والبعض الآخر ستخدم اسمه وصورته. لكن “الانصرافي” اختار هذا الاسم ذا الدلالة غير المبالية اسماً له ووضع بدلاً عن صورته رسماً كرتونياً.


لكن تكريم الجيش لشخصية “الانصرافي” يعني أنه شخص معروف بالنسبة لهم، بحسب المستشار الإعلامي السابق لرئيس الوزراء، كما يعني أنه يمارس نشاطه تحت رعاية الجيش الذي يمده بالمعلومات.

“هذه الحقائق تضع القوات المسلحة في دائرة الاتهام لتسترها على أحد مروجي خطاب الكراهية، يضيف السليك.

وتابع: أن ما يصدر عن تلك الأصوات المحرضة على الكراهية يمكن التعامل معها كبينات لجرائم حرب.

وقال السليك، إن منصة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” جزءاً من المسؤولية؛ لأنها منحت مساحات لنشر الفتنة عن طريق الخطاب الشعبوي المبتذل”.

مساحات فارغة

انطلاق الرصاصة الأولى لحرب أبريل أعلنت إيقاف كافة الصحف الورقية والعديد من المؤسسات الإعلامية، القنوات، الإذاعات.
وحول دوافع تكريم الجيش السوداني لـ”الانصرافي) حاولت “التغيير” التواصل مع الناطق الرسمي باسم الجيش، العميد نبيل عبد الله، إلا أنها لم تتلق رداً بهذا الخصوص.

صعوبة الحصول على المعلومات الموثوقة وسيطرة الدعاية الحربية من قبل طرفي النزاع، تحل بسهولة محل الإعلام المهني والموضوعي.

لم يكن توقف المؤسسات الإعلامية هو المشكلة الوحيدة فحتى الآن يتعرض الإعلاميون للاستهداف من طرفي الصراع، الجيش والدعم السريع.

“من ينقل الحقيقة يُصَنَّف” هكذا يقول الكاتب والصحفي، طاهر المعتصم، في حديث لـ “التغيير” الذي أشار إلى مقتل ستة صحفيين من أعضاء النقابة، بسبب الحرب.

كما أشار إلى الاعتقالات والمضايقات التي يتعرض لها الصحفيون بشكل متواصل، الأمر الذي اعتبره سبباً رئيس في غياب الإعلام المهني عن نقل معاناة المواطنين السودانيين جراء الحرب.

إعلام الكراهية

سيطرت تلك الأسماء المستعارة، المحرضة على خطاب الكراهية واستمرار الحرب على منصات التواصل الإعلامي يسمح بتنامي العنف وريما انتقال الحرب لمرحلة الحرب القبلية، بحسب وصف الكاتب الصحفي طاهر المعتصم.

وأشار المعتصم إلى حادثة اعتقال شيخ الأمين وإخفائه قسريا بعد أن تنامي خطابات الكراهية الموجهة ضده.

وحذر من تكرار حوادث تاريخية مثل مجازر رواندا التي راح ضحيتها أكثر من (800) ألف شخص في ثلاثة أشهر فقط. واضح بقوله: “هذا النموذج يجب أن يكون رادعاً لنا”

وبالإشارة إلى المجازر التي وقعت في راوندا، فقد لعبت عدد من وسائل الإعلام الرواندية دورا كبيراً في بث خطاب الكراهية والتحريض على قتل المواطنين من إثنية “التوتسي” وكانت إذاعة الألف تلة لها النصيب الأكبر في
بث خطاب الكراهية بين المواطنين.

كما يُشار إلى أن فيليسيان كابوغا وهو أحد مؤسسي إذاعة ” الألف تلة” وأحد مموليها، حُوكِم أمام المحكمة الدولية في لاهاي بتهمة اشتراكه في الإبادة الجماعية.

ويجد عدد من المراقبين أن زيارة قائد الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار لمتاحف الإبادة الجماعية في العاصمة الرواندية كيجالي، وتلقي قائد الجيش دعوة من الرئيس الكيجالي لحضور ذكرى الإبادة الجماعية في أبريل المقبل أمراً مثيراً للسخرية.

عدالة ناجزة

من جهتها، قالت المحامية الجنائية، ليندا بور، إن القانون الدولي يتيح محاسبة الأفراد الذين يحرضون الآخرين على ارتكاب جرائم عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وأكدت في حديث لـ” التغيير” أن المحكمة الجنائية الدولية، تتمتع بسلطة قضائية لمحاكمة الأفراد الذين يحرضون على ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية.

وأضافت: كما يمكن أيضاً محاكمة الجرائم الدولية في دول ثالثة، بغض النظر عما إذا كان الجاني أو الضحية من مواطني الدولة، واُرْتُكِب الجرائم في مكان آخر.

وتابعت: يقع ذلك ضمن مفهوم ما يسمى بالولاية القضائية العالمية؛ لأن العدالة قد تعمل ببطء، لكن الذراع الطويلة للقانون يمكن أن تصل إلى الأفراد حتى بعد سنوات؛ بسبب الجرائم التي ارتكبوها في الماضي.

غياب العدالة 
وبالعودة إلى قضية تكريم “الانصرافي” من قبل الجيش السوداني، يقول الخبير القانوني، المعز حضرة، إنه كان من الأحرى أن يقوم النائب العام بفتح بلاغات ضده عوضا عن تكريمه.

وأبدى الخبير القانوني، المعز حضرة، استغرابه من قيام القوات المسلحة السودانية بتكريم شخصية مجهولة.

وأكد حضرة، في حديث لـ”التغيير” على ضرورة مواجهة المدعو “الانصرافي” بالعديد من البلاغات تحت عدد من مواد القانون الجنائي للعام 1991.

ووصف حضرة بأن “الانصرافي” يعمل على نشر الأكاذيب، كما أنه يحرض ضد الشعب السوداني، ويدعو إلى تقويض النظام الدستوري بالبلاد.

وتابع: “يجب فتح بلاغ تحت المادة (58) من القانون الجنائي، والتي تشمل التحريض على التمرد.إلى جانب المواد (186، 187، 188) التي تقع تحت الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب.

ولفت إلى أن “الانصرافي” عبر خطاب الكراهية الذي درج على بثه، حرض على كل هذه الجرائم. مشيراً إلى أن الشخص الذي يقوم بالتحريض المحرض يحاكم أيضاً.

وأضاف الخبير القانوني، بضرورة فتح بلاغات تحت قانون جرائم الحرب ضد “الانصرافي” الذي ظل يدعو إلى قطع المواد الغذائية من أماكن سيطرة الدعم السريع.

كما أكد أن ” الانصرافي” ظل يدعو إلى تفجير مناطق الدعم السريع، بما في ذلك المناطق التي يوجد بها معتقلون، مما يوجب المساءلة القانونية.

وأتهم الخبير القانوني، “الانصرافي” بنشر خطاب الكراهية، واتهام الأشخاص بتهم كاذبة، لافتاً إلى أن كل هذه الجرائم تستعى المساءلة القانونية.

غرف منظمة

وأكد الخبير القانوني، المعز حضرة، أن هذه الاتهامات لا تقتصر على شخصية “الانصرافي” وحدها؛ بل تشمل الصحفيين جميعهم الذين يمارسون ذات الأفعال.

واتفق حضرة مع ما ذهبت إليه المحامية الجنائية الدولية ليندا بور؛ حول إمكانية محاكمة المتهمين الذين يحرضون على القتل، وبث خطاب الكراهية في عدد من الدول حول العالم.

وأشار إلى أن عدداً من القانونيين السودانيين سبق وفتحوا بلاغات ضد كل من مدير جهاز الأمن في حكومة البشير صلاح قوش والقيادي في النظام البائد نافع علي نافع في دولة بريطانيا.

الوسومآثار الحرب في السودان الجيش الدعاية الحربية المؤسسات الاعلامية حرب الجيش والدعم السريع

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان الجيش المؤسسات الاعلامية حرب الجيش والدعم السريع الإبادة الجماعیة الخبیر القانونی الجیش السودانی خطاب الکراهیة الدعم السریع تکریم الجیش إلى أن عدد من

إقرأ أيضاً:

خطاب البرهان.. كؤوس الحسم ومفاتيح المستقبل

“الأيادي المرتعشة لا تضغط على الزناد، والمترددون لا يصنعون التاريخ”.
لتعرف كيف تغيّرت المعطيات سريعاً حيال المشهد السياسي في السودان، استمع جيداً الى خطاب رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش “البرهان” في ختام جلسات مؤتمر الحوار السوداني.

لقد أرسل الرئيس “البرهان” في خطابه الحازم والحاسم ، رسائل واضحة لأطراف عدة: أولهم المساومين على معاناة السودانيين، والمزايدين على مواقف الدولة ، ومن يخططون لبيع الوطن ، ولمن فعلاً قد باعه ، مفادها: حتى وإن غرستم خناجر الخيانة في خاصرة شعبكم ، فإن الدولة لن تعتدي على حقوقكم المدنية كمواطنين سودانيين يستحقون بالدستور الحصول على “الهوية والوثائق الثبوتية”.

وبهذا احبط “البرهان” مساعي من يحاول أن يجعل من قضية “حظر تجديد جوازات السفر” ورقة للمساومة أو المُزايدة، ولقيادات “تقدم” التي شرعت في تقديم طلبات لجوء سياسي لعدة دول ، ولمن منحتهم “تشاد” هويات حتى تسهل حركتهم من أجل البكاء على حقوق الإنسان في حائط مبكى المنظمات الاجنبية، حتى يعي الجميع أن قيادة الدولة لا تقبل أي ابتزاز في هذا الموضوع، ولا يُمكن لها أن تجعل هذه القضية مساحة لأي مناورات لتحقيق المكاسب السياسية، ذلك أن إيمانها بحق المواطن السوداني للعيش على أرضه بكرامة مبدأ ثابت لا يقبل النقاش، كما أن حكم القانون لن يستثني احداً.

ولكن السؤال المحوري: هل سيجرؤ قادة “تقدم” على العودة إلى بيوتهم في مدن السودان، والعيش تحت سماء واحدة مع أهله؟ ..بالطبع (لا) ..

في الجانب الآخر .. بعد جهود من التكهنات حول الاستراتيجية التي سينتهجها “البرهان” في سداد الفاتورة المستحقة لتضحيات ومساهمة “الإسلاميين ” في دحر التمرد، لخص هذا الموقف بصيغة بسيطة قائلاً :” من يقاتل تحت لافتة سياسية عليه أن يضع السلاح “، أي أن القضية الآن هي: الدعم السريع في مواجهة الشعب السوداني .

وفي ذات السياق.. لا شك أن البلاد تعاني فراغاً كبيراً في السلطة، ومشهداً سياسياً مجزأ، بجانب تأثيرات اللاعبين الإقليميين والدوليين، ولكل منهم مصالحه وامتدادته الداخلية، لذلك لن يرفض حزب “المؤتمر الوطني” حالة الانتقال من العزل السياسي في عهد ثورة ديسمبر وما تلاها ، إلى المشاركة السياسية المفتوحة والاستعداد لخوض الانتخابات، ومن ثم، تعتبر رسالة الرئيس “البرهان” بهذا الصدد إعلان لعهد سياسي جديد يقوم على الديمقراطية.
كرجع صدى، جاء بيان حزب المؤتمر الوطني ممهوراً بتوقيع مولانا “أحمد هارون”، مؤكداً على أن موقفهم من الحرب مبدئي ، ولا علاقة له بأي مطامع سياسية.

وبهذا تشكل “خارطة الطريق” التي كشف عنها خطاب “البرهان” التحول الأكثر جذرية في الموقف السيادي من الهرج السياسي المصاحب للحرب منذ اندلاعها .

خطاب “البرهان” يؤكد على أن قادة الدولة والجيش سيخرجوم من الحرب وهم يرفعون شارة النصر،ليس عسكرياً فقط، بل (أخلاقياً) أيضاً، فقد هزموا أسوأ “قوى الشر” التي هددت أمن المنطقة وإحالتها لجحيم من الحروب الاهلية، وقطعوا الطريق أمام الخونة ممن تسببوا بمؤامراتهم في حصار السودانيين لعقود ومن ثم إلقائهم في أتون الحرب، أوصدوا الأبواب أمام الحلفاء الانتهازيين ، أولئك الذين يعرضون في كل مناسبة مقايضة القضية الوطنية بالمحاصصة السلطوية.
محبتي واحترامي

رشان اوشي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • إندبندنت: ارتفاع خطاب الكراهية ضد مسلمي الهند في 2024
  • معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شرقي الخرطوم
  • الهند: ارتفاع غير مسبوق في حوادث خطاب الكراهية ضد الأقليات
  • شاهد بالفيديو.. أهالي “المسعودية” يخرجون في احتفالات صاخبة عقب دخول الجيش منطقتهم والأطفال يبكون بحرقة ويدعون على قوات الدعم السريع بعد الانتهاكات التي مارسوها بالمدينة
  • أسباب تقدم الجيش وتراجع قوات الدعم السريع وسط السودان
  • خطاب البرهان.. كؤوس الحسم ومفاتيح المستقبل
  • الكشف عن أبرز البنود التي تحوي المشروع الوطني الذي قدمته القوى السياسية
  • مزمل أبو القاسم.. قراءة في خطاب البرهان!!!..
  • خطاب القائد العام للجيش بين فقه الحرب والاستتابة وفقه البناء الوطني .. خطاب النصر المطلق ام رحابة السياسة
  • خطاب القائد العام للجيش بين فقه الحرب والاستتابة وفقه البناء الوطني