أستيقظ على رسالة تصلني صباح كل إثنين من صحيفة “البلاد”، تذكّرني بإرسال المقال لينشر الأربعاء.
كنت حقاً بين موضوعين لا ثالث لهما: إمّا الحديث عن رحلتي الأخيرة ،والتي قضيتها مع زملاء الدراسة من الصف الأول الإبتدائي ، ونحن سوياً منذ أكثر من ستين عاماً ،ولا زالت تربطنا علاقة طيبة حتى اليوم ،والذي اخترت أن أتحدث فيه عن دور الأمازيغ في التاريخ الإسلامي.
والرسالة الأخرى التي استوقفتني ،وأظنها مهمة أيضاً ،وهي من إبني هتّان ، تحمل تأكيداً لحجز المكان ، الذي اتفق فيه مع العائلة بفروعها ، على موعد اللقاء للعشاء سوياً ،بمناسبة بلوغي السبعين.
فوجدتني متأثراً برسالة إبني أكثر من الحديث عن الأمازيغ، والرحلة مع زملاء العمر، الموضوع الذي يستحق أن اكتبه لاحقاً.
خرجت في عجل ، وكانت الساعة قاربت العاشرة صباحاً ،إلى مكتبتي محاولاً أن أضع مادار في خاطري لحظتها.
إنها حقاً السبعون التي تحدث عنها الكثيرون ، منهم من اعتبرها المرحلة الذهبية من العمر، ومنهم من قال إنها شمس الغروب ، ومنهم من استخفّ بها ،ووصفها بأنها سلسلة إخفاقات، وكثير شعر أنها عادية ، لم توثر في مصير أحد ، ولم تغير في الكون شيئاً، ومنهم الذين صوّروا حياتهم على أنها سلسلة من النجاحات ،والأحرى أنهم كاذبون ،ولكن من الطبيعي أن ما يتوقعه الناس ،أن يؤلف الآخرون قصصاً عن أنفسهم تمتع القراء.
قد تكون ذكرياتنا عن الحياة بعد السبعين ،هي جملة هذا كله . وإن كنا نستطيع عدَّها أياماً واسابيع وشهوراً ، ولكن نعجز أن نتذكّرها بتفاصيلها على مدى هذه السبعين عاماً.
وعندما أحاول أن أبحث تاريخ ميلادي، أجد أن هويتي تحمل الرقم ٧/١ ( الأول من رجب) كغيري من أبناء جيلي ، وكان هذا مخرجاً تقنياً للتاريخ الهجري ( وعندما أنظر إلى جواز سفري ،أجده السادس مارس ، وقد يكون أفضل مقاربة للأول من رجب حينها ، ولكن والدتي -يرحمها الله- ،تقول إن ميلادي كان في اليوم الأربعين بعد وفاة الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- ، أعلم أن هذا لا يعني أحداً، فأنا لست من وضَعَ النسبية ،ولا من اخترع المصباح الكهربائي، أو حتّى تسلّق جبلاً أو غاص في بحر.
كنت في حديثي مع همام ابني ،عن ماهية مفتاح النجاح ،حيث قال إنه العلم فقلت مضيفاً إن النجاح توفيق من الله نصله بالإحسان إلى الناس و حسن الخلق، ولا شك أن العلم بكافة تخصصاته ،مطلوب شرعاً ،وهو الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، و عسى الله أن يلهمنا أن نحسن استخدام ما تعلمناه.
وكما يقول كاتبي المفضّل عندما بلغ السبعين : هذه السنوات السبعون التي طويتها على الأرض حتّى الآن ،كانت حقبة عجيبة بما تمخّضت عنه من اختراعات هائلة ، تفتّق عنها عقل الإنسان ضمن حيز ضيق من الزمان، حتّى ليبدو لإنسان اليوم، أن العالم الذي ولد فيه هو غير العالم الذي يعيش فيه اليوم،
وإن كنت لا أتفق مع ميخائيل نعيمة في وصفه السبعين ،أنها شمس الغروب، فلا زال أمامنا الكثير من الكتب التي لم نقرأها ، والكثير من المدن التي لم نزرها ، والكثيرمن المناسبات التي لم نحضرها، وكثير من الأعياد والأفراح التي ننتظرها ،داعين الله أن يمتّعنا بما بقي لنا ،وأن يصلح أعمالنا ويغفر لنا.
عندما أعود للوراء ،لا أنسى ذلك الطفل الذي لم يقارب السادسة من العمر ،يمشي بين خالته وأمه عندما انتقلا من بيتهما إلى البيت الجديد ، يستعد أن يدخل المدرسة ، حيث بدأت حياته الحقيقية في
معرفة العالم والإنطلاق بنفسه إلى آفاقه مختلطاً بزملاء ، لازال أكثرهم رفاقه حتى اليوم، وكذلك اليوم الذي تقدم فيه لاختبار العمل ، وكان انطلاقة أخرى في حياته المليئة بالعجائب ، يحلو له اليوم أن
يستعيدها مبتسماً ، ولكن أجملها ،كان اليوم الذي رزقه الله فيها بمولوده الأول ،لقد كان شعور الأبوة لحظتها يفوق كل شعور .
أشعر أني بهذا الحديث ، لم أضف شيئاً يهم أحداً، وإنما هو شيئ من حديث النفس راودني، أردت التنفيس عنه ،مدركاً بعد كل هذه السنوات ،أن العمر رقم للسجلات ليس إلا ،وأن الحياة تعامل ،وأن المفتاح هو الإحسان ، والنجاح في العمل هو الإخلاص فيه، وأن التوفيق بعد ذلك بيد الله سبحانه وتعالى القائل في كتابه:( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا * خالدين
فيها لا يبغون عنها حولا )-ياسين ١٠٧- ١٠٨- صدق الله العظيم
sal1h@
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
ما هي الأعمال التي تجعلنا نرى رسول الله في الجنة؟
هل نرى الرسول في الجنة؟، سؤال أجاب عنه الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية.
ليرد موضحا: إن رؤية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فى الآخرة والشرب من يده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا هذه نعمة ومنة من الله ننتظرها جميعا، مشيراً إلى أن أحد الصحابة وهو يساعد النبي صلى الله عليه وسلم في وضوئه، بكى، فقال النبي له ما الذي أباك، قال: يا رسول الله تذكرت الجنة وأنت في أعلى علين ونحن لا ندرى ماذا يفعل الله بنا، فقال النبي له: إن المرء مع من أحب.
وتابع أمين الفتوى أن الصحابة يقولون ما فرحنا بشيء كفرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم “المرء مع من أحب”، قال تعالى “وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّۦنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقًا”، مشدداً أن الإنسان إذا أحسن العمل وأحب النبي وقام بما عليه من فرائض، عليه أن يعلم أنه سيرى الحبيب فى الآخرة، فهذه نعمة ومنة من الله نسأل الله أن يرزقنا وإياكم إياها.
كيف أكون رفيقا للنبي في الجنة؟
وحول كيفية أن تكون رفيقاً للنبي في الجنة فهناك 6 أمور منها :محبته صلى الله عليه وسلم، حيث أخرج البخاري ومسلم عن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ».
ومنها كثرة الصلاة والسجود لله تعالى، كما ورد في حديث ربيعة بن كعب الأسلمي السابق ذكره، كذلك طاعته صلى الله عليه وسلم فقد ورد عنِ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما أنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، حَتَّى إِنِّي لأَذْكُرُكَ، فَلَوْلا أَنِّي أَجِيءُ فَأَنْظُرُ إِلَيْكَ ظَنَنْتُ أَنَّ نَفْسِي تَخْرُجُ، فَأَذْكُرُ أَنِّي إِنْ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ صِرْتُ دُونَكَ فِي الْمَنْزِلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ، وَأُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي الدَّرَجَةِ. فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» [النساء/ 69]، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلاهَا عَلَيْهِ.
ومنها حسن الخلق، حيث ورد في سنن الترمذي، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ، وَالْمُتَشَدِّقُونَ، وَالْمُتَفَيْهِقُونَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: «الْمُتَكَبِّرُون»، ومعني: «أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة»، أي: "في الجنة، فإنها دار الراحة والجلوس، أما الموقف فالناس فيه قيام لرب العالمين".
كذلك الإحسان إلى الأيتام وكفالته فهي من أسباب الفوز بأعلى الجنان، ففي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبَّابة والوسطى وفرَّجَ بينهما، وأخيراً وليس آخراً الإحسان في تربية بناتك لما ذكره أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن كان له أُختانِ أو ابنتانِ، فأحسنَ إليهما ما صحبتاهُ، كنتُ أنا وهو في الجنةِ كهاتينِ، وقرنَ بين إصبعيه».