التسامح.. كيف تسامح دون أن تنسي؟
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
الغضب هو شعور بأحداث ماضية سلبية تجاه شخص ما أو شيء ما.
أمّا التسامح فهو مشاعر تجاوز لتلك الصدمات أو المشاعر السلبية المؤذية.
التسامح له مميزات للصحة العقلية ،حيث مشاعر التسامح ، تسمح بالمزيد من تدفق مشاعر السعادة وتقّليل مشاعر الغضب والحزن ، كما أنه يساعد على التخّفيف من القلق والإكتئاب ،ويحسِّن علاقاتك مع الآخرين ،ويجعلك أكثر وعيًا بذاتك وقيمتك، ولكن المسامحة لا تعني بالضرورة النسيان ، فقد يمكنك أن تسامح شخصًا ما وتزيله من حياتك، دون أن تنسي ما فعله ، حتي تجعل هناك دائماً حدوداً له تقيم علاقتكما فيما بعد ،ومن المهم أن لا يعرف بالضرورة الشخص المسئ أنك سامحته ،بل يمكنك فقط أن تسامحه من أجلك ،ومن أجل أن تستمر في حياتك.
المغزى من هذا ،هو القول بأن المغفرة عملية نفسية بحتة ، ليست بالضرورة أن تكون لها أي تداعيات داخلك أو مع علاقاتك مع الآخرين فالبشر لا تتشابه، وبالتالي عندما تحمل داخلك الإستياء وتتمسّك بالغضب تجاه نفسك وتجاه الآخرين طوال الوقت ، فإن ذلك يثقل كاهلك مثل سلسلة معلّقة على كتفيك تستنزف طاقتك، وتزيد من حدِّة التوتر النفسي داخلك وعلي علاقاتك بالمحيطين بك، ولذلك فإن تطوير القدرة على التخلُّص من الإستياء والتسامح ،هو أداة أساسية لأدوات سلامة العقل، فمشكلة الإستياء هي : أنه يجبرك على العيش في الماضي أغلب الوقت، وبنفس الطريقة يتسبّب الندم في جعلك عالقاً في تلك اللحظة المؤلمة التي حدث فيها الشيء الفظيع، وهنا عدم القدرة على مسامحة نفسك أو الآخرين ، يؤدي إلى تدّمير ذاتك بشكل دائم منذ تلك اللحظة الماضية.
لقد سامحت من قبل بعض الأشخاص في الماضي، لكن لا يزال بإمكاني الشعور من وقت لآخر بعدم الارتياح والغضب عند التعامل معهم، ولكن بالنسبة للأمور الصغيرة المتعلِّقة بالعلاقات، فإن القدرة على المسامحة ، والمضي قدمًا أمر بالغ الأهمية للحفاظ على علاقة صحية وسعيدة مع الأشخاص الذين نهتم بهم، حتى لو كنا غاضبين والغضب بداخلنا لا يزال قائمًا ، ما يهم هو ألا نسمح لأنفسنا أو لتلك اللحظة بتحديد علاقتنا بالآخرين، لأننا إذا قمنا بذلك، فهذا بمثابة القطار السريع الذي يوصلنا إلي أرض الذكريات والعلاقات السامة.
أعلم أن التسامح يمكن أن يكون أمرًا صعبًا خاصة لمن يحمل طبيعة عاطفية ،فمن السهل أن تقول يجب أن أسامح أحداً ،ولكن عندما تحاول تطبيق الأمر ،وعندما يحين الوقت الفعلي للشعور بالتخلي أو المسامحة ، تجد الغضب متحكِّماً ويبدو الأمر مستحيلاً ، وهنا يجب أن تفصل الفعل عن الشخص، فليس الجميع بنفس الصورة المؤذية ،مع فهم دوافع هؤلاء للإساءة ،وإبعادهم مع وضع حدود للتعامل، والتخلص من التعلق بهم.
NevenAbbass@
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
أظنه مات مبتسماً رغم الألم
منذ أسابيع اتصلت بصديق الطفولة وزميل الدراسة أمين، ذلك الإنسان الذي يميزه هدؤوه، ودماثة أخلاقه، وحسن صحبته، والذي رافقته من سن السادسة في الصف الأول الإبتدائي في مدارس الثغر النموذجية بجدة.
اتصلت بأمين أذكَّره بدعوة السحور التي كنا مدعوين لها مع مجموعة الفصل الذي جمعنا من عام 1960.
إعتذر أمين عن الحضور وقد عرضت عليه أن نذهب سويا إلى حيث نلتقي الزملاء، وهذا تقليد دأبنا عليه كل عام: لقاء السحور ولقاء العيد.
لقاءان يحرص أكثرنا على حضورهما للتهنئة بحلول رمضان، ويليه التهنئة بعيد الفطر. اعتذر أمين وهو من الحريصين على لقاء الزملاء و صوته يدل على توعكه الذي بدأ يشكو منه منذ أشهر قليلة.
واليوم وقد مر قرابة الاسبوعين على دعوة السحور تلك، تصلني قبيل الافطار، رسالة تعزية في وفاته-يرحمه الله-.
تألمت كثيراً، وحزنت على وفاته حزناً شديداً.
أدركت أننا عندما نفقد صديقًا عزيزًا من زملاء الطفولة، والدراسة خاصة، تتدفق مشاعر الحزن والأسى بشكل عميق، فالصداقة التي تتكون منذ الصغر، تحمل في طياتها ذكريات لا تُنسى، تبدأ من لحظات اللعب في ساحة المدرسة، إلى أوقات الدراسة والمذاكرة والمغامرات التي خضناها معًا. هذه الذكريات ليست مجرد لحظات عابرة، بل هي جزء من هويتنا وشخصيتنا.
شعرت عند تلقي خبر وفاة أمين، وكأن جزءًا من طفولتنا قد فقد. تتزاحم في أذهاننا صور ضحكاته، وأحاديثنا الطويلة، وأيام السفر التي قضيناها معًا. نشعر بالفراغ الذي يتركه غيابه، وكأن الحياة قد فقدت جزءًا من بهجتها. تتجدد مشاعر الفقد مع كل ذكرى، ونبدأ في استرجاع اللحظات السعيدة التي عشناها، ومع مرور الوقت، ندرك أن الذكريات الجميلة التي تركها هذا الصديق، ستظل تضيء دروبنا، وأن تأثيره في حياتنا لن يزول.
و في النهاية، رغم الألم الذي نشعر به، فإن ذكريات الصداقة والحب تبقى حية. نحن مدينون لهم بأن نحتفظ بهذه الذكريات، وأن نحتفل بحياتهم من خلال استمرارنا في العيش بشكل كامل، مستلهمين من روحهم التي ستظل معنا دائمًا.