خراب سوبا الحلقة السادسة إهداء: إلى ياسر عرمان وخالد عمر بمناسبة حرب الفجار الأخيرة: قال تعالى في محكم تنزيله (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ” الأعراف (١٩٣) وأحد معاني هذه الآية الكريمة أن من بين خلق الله أناسٌ كالأصنام لا يسمعون، بحيث يستوي عندهم حديثكم لهم أو صمتكم عنهم.
هؤلاء أناس أصدروا أحكامهم فيكما مسبقا. جفت الأقلام وطويت الصحف. hopeless case. هذا من جانب. أما من الجانب الآخر فمن الواضح أنه مع أي حركة أو سكنة منكما، ستنبحكما كلاب الحوأب. وكلاب الحوأب تأتي في كل لون وشكل، منها الكوز القح ومنها المتكوزن، ومنها الكاتب المكري الذي يقعى، بما أنه كلب، في انتظار أن يقذف له بقطعة عظم، ومنها صاحب الضغينة القديمة الـ “لا بتموت ولا بتفوت”، وفيها الما بريدك لوجه الله و”بحمر ليك في الضلمة”، وفيها “الما مفهوم شايت وين”، وفيها الحاسدك عديل بخشم البيت، وعلى شنو؟ ما معروف. ومن حكمة الله أن كلاب الحوأب لا ترى إلا بعين واحدة ولا تنظر إلا في اتجاه واحد مع إن الله شرط لها في رأسها ثقبين اثنين. فلا تلتفتا إلى الغثاء. ولا تلقيا له بالا. واصدعا بالحق في وجه الجميع، فكلما لامستما “محل بتوجع” كلما علا النباح. واعلما أن هناك ملايين الآذان التي تسمع وملايين الأفئدة التي تعي.
مقدمة أدان كل من ياسر عرمان وخالد عمر الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الجزيرة مؤخرا، واجتياحها لعشرات القرى وارتكابها لسرقات وجرائم بشعة، وطالبا قيادتها بالعمل الجاد لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها. وكتب ياسر خطابا مفتوحا لقائد الدعم السريع بهذا الشأن، ناصحا له على أخذ الأمر بكلتا يديه، وذلك بكبح قواته، أو السيطرة عليها إن كانت تعمل بمعزل عنه، ومحذرا له بأن التهاون في هذا الأمر له مخاطر كثيرة، لعل أعلاها هو دفع مواطني الجزيرة دفعا لحمل السلاح، لحماية أنفسهم، بعد أن فر جيش الكيزان أمام قواته، وتركهم مكشوفي الظهر. ولو حدث هذا، أي لو لم يتحرك بالسرعة والجدية اللازمين، ومن ثم اضطر أهل الجزيرة لحمل السلاح، فسوف يكون وقع في الفخ الذي نصبه الكيزان، بإعانتهم على سعيهم الحثيث لتحويل الحرب لحرب قبلية جهوية يقتل فيها الناس، وتستباح أموالهم وأعراضهم بناء على هويتهم وملامحهم، مثل ما حدث للشبان اليُفَّع الأبرياء من قرية ود الحداد الذين قتلهم جيش الكيزان في مدينة الأبيض، وقطع رؤوسهم ومثل بجثثهم بناء على ملامحهم التي تشبه ملامح عرب دارفور. تلكم الجريمة الداعشية النكراء التي قابلها دعاة الحرب من كيزان ومثقفين نافعين بصمت يشبه صمت القبور. وما إن نُشِر هذا الخطاب سرعان ما تلقفه الكيزان وحلفاؤهم من أهل اليسار الطفولي وبعض أصحاب الضغائن الذاتية بالهجوم وشنوا عليه حربا تافهة كحرب الفجار. فلماذا يا ترى؟ دعونا نستعرض بعض أطراف هذا الحلف الفاجر بدءا بالكيزان الأقحاح الذين سنخصص لهم هذه الحلقة والبقية تتبع.
الكوز عادل الباز كتب الكوز عادل الباز مسبحا الله الذي أنطق ياسرا وخالدا بالحق، فأدانا جرائم الجنجويد في الجزيرة. ولكنه سرعان ما استدار على عقبيه، وأنكر عليهما “نطق الحق” هذا الذي حمد الله عليه. وبالطبع هذا ليس بمستغرب من كائن متحور. فهل يرضى كوزٌ مثله عن علمانِيَّيْن مثلهما حتى وإن قالا حقا؟ فالكوز الذي “لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب” اعتبر إدانتهما، كما تقول الفرنجة، too little too late أي أنه “شيءٌ قليل جدا جاء متأخرا كثيرا”. فاسمعوه يقول: “بعد استباحة أكثر من خمس وخمسين قرية من قرى الجزيرة الوادعة وقتل المئات، وبعد اغتصاب نسائها، ونهب كل شيء يتحرك فيها.. وهؤلاء القادة في أزمنة الغفلة الكبرى ظلوا يشاهدون على الهواء مباشرة ما يجري في ديارهم وذويهم، ويلوذون بالصمت، لم تواتيهم، الجرأة ليخرجوا للعلن مطالبين حلفاءهم في قيادة الجنجويد أن تتوقف عن مواصلة حفلة الجنون التي يخوضونها في أنحاء الجزيرة… ولكنهم بعد أن هتكت عروض أهلهم مباشرة، خرجوا يترجون قائد الجنجويد أن يتوقف عن جرائمه”. (انتهى) وهذا مقتبس جمع فأوعى كل خصائص الكيزان القذرة، لم يترك منها شاردة ولا واردة إلا احتواها. وأقل ما يمكن أن يوصف به هو أنه نَصٌ متهافت، مليء بالكذب والتدليس والتضليل. أما الكذب والتدليس، فيثبته أن هؤلاء القادة لم يلوذوا بالصمت كما زعم، بل أدانوا الحرب، ومن تسبب فيها، وما نتج عنها، من انهيار النظام والقانون، ومن انتهاكات ارتكبها طرفاها. وطرفاها هما أنتم وصنيعتكم يا كيزان. فأنتما كنتما توأما سياميا، جمعتما أقذر ما في صفاتكما، وهي لصوصية الكيزان المافيوية الدموية القائمة على الجريمة المنظمة مع لصوصية الجنجويد البدوية الدموية القائمة على المغنم وتدمير العمران. وحينما كنتما توأما سياميا، كنتما توجهان سلاحكما ضد الثورة والثوار، وتنهبان الشعب سويا، وتمتصان رحيق الحياة منه. وبعد أن سرقتما موارده، شرعتما في بيع الشعب نفسه كسلعة، فصدرتما السودانيين كمرتزقة في الخليج. ولذلك عندما اختلفتما، وأجريتما عملية جراحية فصلتكما إلى نصفين متشاكسين، خضتما حربكما القذرة في ملعب الشعب، فوق رأسه وعلى جسده وبيوته وممتلكاته، وبنيته التحتية. حربكما من قذارتها وتخلفها ليس فيها صفارات إنذار، ولا ملاجئ من القصف، ولا ملاذات آمنة للمدنيين، ولا إسعافات، ولا مستشفيات، ولا دفن كريم للموتى، ولا صليب أحمر، ولا منظمات إغاثة. حربكم من شدة قذارتها يعلن فيها قادة جيشكم الكيزاني على رؤوس الأشهاد أنهم يستهدفون الحواضن الاجتماعية “للمتمردين”. ويذبح جنودكم المدنيين الأبرياء ويقطعون رؤوسهم على الطريقة الداعشية. ويستهدفون من يقدم الطعام والعلاج للعالقين الذين لا حول لهم ولا قوة. ويهددون السياسيين المدنيين ولجان المقاومة بالموت والدمار، بعد أن حققتم انتصارا حاسما على الجنجويد “بتحريركم” لمسيد ود البنا. حربكما من شدة قذارتها جعلت الجنجويد يجوسون في البلاد نهبا ودمارا يبحثون عن المغنم في القرى الفقيرة النائية التي لا تملك قوت يومها. هل تظن نفسك غير مسؤول عما يجري في الجزيرة؟ إن الذي يقرأ نصك يظن أن ياسر وخالد مسؤولان عما يفعله الجنجويد في الجزيرة. فهما لم يصنعا الجنجويد وإنما صنعتموه أنتم. وهما لم يشعلا الحرب وإنما أشعلتموها أنتم. وهما لم ينسحبا من الفرقة الأولى في مدني وإنما انسحبتم أنتم. أنتم أسميتموهم “القحاطة” ونجحت آلتكم الإعلامية (الغوبلزية) في ترويج تلك العبارة لدرجة أن تبناها بعض الثوار والجذريين. الآن جاء دوركم وقد أطلق عليكم الشعب العبقري اسم “الفحاطة”، ونقطة بتفرق زي ما قالت الشاعرة وئام. وسيلتصق بكم هذا اللقب التصاقا سياميا آخرا، إلى أن تلاقوا الله عز وجل فيفصل بينكم وبين هذا الشعب، الذي آذيتموه أبلغ الأذى، بالحق. لقد فحطتم يا عادل وأطلقتم ساقيكم للريح يخرج من مؤخراتكم هواء ساخن مثل الهواء النفاث الذي يخرج من مؤخرة الصاروخ. ومع هذا تملك الجرأة لتتهم الآخرين بضعف الإدانة؟ ألا تستحي يا هذا؟ من هو الذي يستحق الإدانة؟ هل هو جيشكم المسؤول عن حماية الناس، والذي ظل يستولي على ٨٢٪ من ميزانيتهم بدعوى حماية الأرض والعرض، والذي حين “جات حوبته”، لم يطلق طلقة واحدة في الهواء. بل هرب وعرَّد “وكبرها بالباب الوراء”؟ هل يدين أهل الجزيرة جيشكم هذا الجبان الرعديد الذي ضرب المثل في الخور والعجز، وانعدام الرجولة، والمروءة، والشرف؟ أم يدينون ياسر وخالد؛ لأنهما لم يدينا الجنجويد بما يكفي، أو كما تحب أنت وبقية الكيزان؟ لقد كشفتم ظهر أهل الجزيرة يا عادل، وعرضتموهم لما هم فيه من محنة، وحين يأتي يوم الحساب ستعرفون من هو الذي سوف يجلله العار إلى يوم القيامة. ولكن عادل يريد أن يستفز ياسر وخالد، ومن ورائهما المنادين جميعهم بوقف الحرب لكي ما يحملون السلاح، ويخوضوا لهم حربهم. اسمعوه يقول: “فحين كان أهلكم يغتصبون وينهبون، عوضا عن أن تحملوا السلاح للدفاع عنهم تحالفتم مع قتلتهم ومغتصبيهم”. انظروا لهذه الجملة المليئة بالتضليل ومحاولة التذاكي والاستفزاز والتحريض. فمن هو الحليف الحقيقي للقتلة والمغتصبين؟ هل هو الذي فتح لهم الأبواب، وتبخر في الهواء، وترك لهم الديار خلاء، أم الذين يحاولون الوصول إلى اتفاق يوقف القتل والاغتصاب إلى تسببتم فيه؟ مالكم كيف تحكمون؟ كان يمكن أن نحترمه إذا كتب هذا النص بصورة أمينة كالآتي: “لقد ألقينا أسلحتنا وفحطنا أمام الجنجويد كالحمر المستنفرة، فرت من قسورة، وتركنا أهلكم مكشوفي الظهر يغتصبون وينهبون. ونحن بذلك لم نظلمكم أنتم وأهلكم وحدكم، وإنما ظلمنا أنفسنا كذلك، ولذلك فسوف يكون شعارنا قوله تعالى ” فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم”. أما أنتم فتعالوا واحملوا السلاح للدفاع عن أهلكم”. نعم كنا سنحترمه لو كان احترم عقولنا، ولكن كنا أيضا سنسأله لماذا يدعو خالد، وياسر لحمل السلاح، ولا يأتي هو أيضا، مع أنه “سيد الجلد والرأس”، ومشعل الحرب وصاحبها بالأصالة، ليحمل السلاح ويحارب حربه. ولماذا استمر يؤجج نيرانها من مأمنه، مستظلا بدوحته الوارفة مستمتعا بفنادقها وليموزيناتها وكراسي قنواتها الوثيرة، بينما أسرته وأسر إخوانه الكيزان تترفه في ماليزيا وتركيا، حيث هربوا أموال الشعب الغلبان، واشتروا القصور، وأدخلوا أطفالهم أحسن المدارس، بينما هناك ١٩ مليون طالب سوداني خارج التعليم. فهل يهتم عادل بمصير هؤلاء؟ هل يتصور، ولو للحظة في الخيال أن يكون هذا مصير أطفاله؟ لقد حكمتم البلاد منفردين لثلاثين عاما وبدل أن تحولوها لبلاد مثل ماليزيا وتركيا حولتموها لحطام وذهبتم تطلبون العيش في تلك البلاد التي بناها أبناؤها بعقولهم وسواعدهم. وليتكم اكتفيتم بذلك وغربتم عن وجهنا، ولكن توليتم تسعون في الأرض تفسدون فيها وتهلكون الحرث والنسل؛ لأنكم تحبون الفساد. أما ياسر وخالد وغيرهما من أبناء هذا الشعب الخيرين فقد فعلوا ما بوسعهم لتفادي وقوع الحرب، وعندما أشعلتموها ظلوا يفعلون ما في وسعهم لإيقافها. فهم يعلمون أن الحرب هي أم الشرور جميعها، وأنها تلد القتل والنهب والاغتصاب، وتلد النزوح والتشرد والجوع وتفكك الأسر وضياع القيم، وهم يريدون أن يوفروا كل ذلك على هذا الشعب الطيب الكريم الذي ابتلاه الله بكم. ولكن عادل لا يريد للحرب أن تقف، بل في الحقيقة يريدها أن تستمر ولو لعشرات السنين. إنه ورهطه الأشرار يريدون أن يحولوا أركان البلاد الأربعة لمسرح كبير لحفلات القتل والدمار والنهب والاغتصاب عسى أن يخرجوا من بحر الدماء، في نهاية المطاف، بإمارة طالبانية. ضعف الطالب والمطلوب. #اللهم لا ترفع للكيزان راية، ولا تحقق لهم غاية واجعلهم للعالمين عبرة وآية.
نواصل د. الباقر العفيف الوسومد. الباقر العفيف
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية:
د الباقر العفيف
فی الجزیرة
بعد أن
إقرأ أيضاً:
اقتلاع الكيزان: الوهم والحقيقة
بقلم: الريح عبد القادر
(1 من 2)
من أخطر ما يعيشه "المستنيرون" السودانيون في فترة هذه الحرب وهمُ اقتلاع الكيزان. ومن المخيف أن الغالبية العظمى منهم يتوهمون أن اقتلاع الكيزان سيكون تحصيلَ حاصل، وضربةَ لازب؛ فتراهم جالسين لا يفعلون شيئاً، في انتظار أن تهوي شجرة الكيزان إلى الأرض من تلقاء نفسها. وسببُ هذا الوهم ما اشتهر بينهم من نبوءة محمود محمد طه عن اقتلاع الكيزان. الكل يحفظ عن ظهر قلب "وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعاً". وهكذا نجد المستنيرين (المرادف العصري للمثقفين) وقد تحولوا إلى الإيمان بفتح المندل، وضرب الرمل، ورمي الودع، في نوع من العطالة الثقافية، والتواكل الثوري، مما لا يليق بدعاة التغيير.
لقد نسيَ هؤلاء، من فرط استهانتهم بعدوهم، حقيقة أنّ الكوزنة فكرة، وإنْ كانت خاطئة. والأفكار تُحاربُ بالأفكار؛ والفكرة الخطأ لا تموت إلا بالتوعية والتنوير. فمن بين جميع الذين يكتبون عن خطل التجربة الكيزانية وفشلها، قلما تجد من يتصدى لتفنيد "المبادئ المؤسِّسة للفكر الكيزاني". وبدون بيان خطل هذه المبادئ، ونسف حججها ودعاواها، سيظل الكيزان عقبة كأداء تعترض طريق بناء دولة الحرية والسلام والعدالة في السودان. بيد أنّ الخبر الجيد أنّ المبادئ التي يقوم عليها الفكر الكيزاني أوهى من بيت العنكبوت. لكن معظم الذين يهاجمون الكيزان إنما يهاجمون ممارستهم، ويتركون منبع فكرهم، ولا يعدم الكيزان أن يجدوا المبررات للدفاع عن فشل تجربتهم، والاستماتة في إحيائها ومواصلتها.
وأعتقد أن ما يعرف بنبوءة محمود محمد طه قد لعبت دوراً سلبياً في تخدير "المستنيرين" وإيهامهم بأن اقتلاع الكيزان قادم مثل فلق الفجر. ولو عُنِي هؤلاء بتحليل نبوءة محمود لتبيّنوا عوارها بأدنى جهد. يقول محمود محمد طه "إن من الأفضل للشعب السوداني أن يمر بتجربة حكم جماعة الهوس الديني". ونعلم الآن جيداً أن تجربة حكم جماعة الهوس الديني هي أسوأ ما مرّ به السودان. ويضيف محمود "وسوف تكون تجربة مفيدة للغاية"، ونعلم الآن أن هذه التجربة قد أذاقت الشعب الأمرين، وأدخلت البلاد في فتنة أحالات نهارها إلى ليل، فما هي التجربة "المفيدة للغاية" التي جناها الشعب السوداني من التشريد والاغتصاب والموت والدمار؟
إن دور قادة الفكر والرأي والسياسة والكياسة ليس في أن يتركوا شعوبهم تقع في دوامة الحروب والفتن، وترك النساء والفتيات يتعرضن للاغتصاب والتشريد، وترك الشباب يموتون موت الضأن في معارك عبثية، وترك الممتلكات عرضة للنهب والتدمير، بحجة أن يتعلم الشعب من هذه التجربة المدمرة. بل إنّ دور القادة الحقيقيين هو تجنيب شعوبهم كل هذه المآسي بسداد الرأي، والحكمة، وحسن التدبير. ويمضي محمود في "نبوءته" قائلاً إن حرب الكيزان "سوف تنتهي فيما بينهم". نعم، سوف تنتهي فيما بينهم، لكن إذا انهزم الشعبي، فسينتصر الوطني، أو إذا انهزم أحمد فسيظفر حاج أحمد. لكنهم لن يُقتلعوا من أرض السودان اقتلاعاً إلا بجهد ثوري مصحوب بجهد فكري لا يقلّ ضراوةً ومثابرة.
وفي هذا الصدد، لا يذكر الكثيرون أن المرحوم محمد أحمد محجوب سبقَ محمود محمد طه بعشر سنوات في توقع ما يحدث للسودان بسبب الكيزان. قال المحجوب مخاطباً الترابي عام 1967م: "إنني لا أخاف على السودان من تبسمك ولا من أحلامك، تبسم كما يحلو لك، واحلم كما تشاء من أحلام؛ ولكنني أخاف على السودان أن تعتلي السلطة فيه يوماً ما أو أحد اتباعك، وبذلك سوف يفقد السودانُ كلمته، والمواطنُ أسباب عيشه، ولا يجد لقمة العيش الكريمة، وسوف يكون مبغضاً من أقرب الأقربين إليه".
لم يرسم المحجوب خارطة طريق للنجاة من حكم الكيزان. لكنه على الأقل كان أكثر شفقةً وخوفاً على الشعب السوداني، وحذرنا من أننا لن نجد لقمة العيش الكريم في سوداننا، بسبب حكم الكيزان وحربهم، فنضطر إلى اللجوء إلى أقرب جيراننا فيوصدون دوننا الأبواب.
إنّ توقع نهاية الظالمين ليس دليل عبقرية، فهو مما هو مشاهد في التاريخ، ومما هو معلوم في سنن الله في خلقه. ولكن نهاية الظالم لا تعني نهاية الظلم. فقد يخلف الظالم من هو أشد ظلماً منه. ولذلك لا بد من خلق البيئة التي لا يمكن أن يترعرع فيها الظلم أو ينمو. وفي حالة الكيزان، علينا أن نعترف أن فكرهم يعشعش في رؤوس عضويتهم. وقطع الرأس وترك الجذور ليس من الحكمة في شيء. بل علينا أن نعترف أيضاً أن 30 سنة من حكم الكيزان قد جعلت الكثير من الناس كيزاناً بفهمهم وسلوكهم وإن لم ينتموا تنظيمياً للكيزان.
في الحلقة الثانية من هذا المقال سنتناول كيفية التصدي لفكر الكيزان من جذوره. وسنعتمد مقاربةً تقوم على تفكيك هذا الفكر، وإزالة الرغام والركام الكثيف الذي يغلفه، لكي ننفذ إلى جوهره. إنّ جوهر الفكر الكيزاني هو طلب السلطة، والتناجي للوصول إليها من دون بقية المواطنين، والعمل على المحافظة عليها بكل الوسائل. وطلب السلطة في الإسلام منكر عظيم. لا يشفع فيه وضع الغايات النبيلة، مثل إقامة الدين وتطبيق الشريعة وخلاف ذلك. وهو ما سنستعرضه في الجزء القادم بحول الله تعالى.
alrayyah@hotmail.com