حلمى بكر.. الطفل الذى يتخفى خلف حدة الملامح
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
بنك الأفكار وصانع النجوم والإعلام كشف سرقات المدعين
الكل كان يراه حادًا، وغاضبً، العصا التى تجلد، مهمته فى الحياة الهجوم على الأجيال الجديدة، والانقضاض عليها بكلمات ومفردات غاضبة، وحادة، كان الجميع يراه كما الحديد صلبًا لا يلين، نعم كان غاضبًا دائمًا... غاضبًا ممن ينتهكون الفن، ومن حولوه إلى سلعة تباع وتشترى، وجردوه من أسمى معانيه، جردوه من رسالته.
للأسف الكل أخذ هذا الانطباع عنه من خلال ملامحه الثائرة والغاضبة أثناء حديثه عن أنصاف المواهب والدخلاء على الفن، رغم أن هذا حقه كفنان كبير، يثور ويغضب، على ما وصلنا اليه.
لكن ما لا تعرفه الأغلبية، أن خلف تلك الملامح كان يسكن إنسان وديع طيب القلب، طفل صغير تبكيه جمله موسيقية جميلة، وصوت يؤدى كلمة بإحساس كبير، ترضيه كلمة بسيطة تحمل معنى كبيرًا. هذا الفنان كان يهمه الفن المصرى، أكثر من نفسه.
اقتربت من هذا الفنان الكبير كثيرًا وفى أكثر من موضع.
فى البداية عرفته كملحن كبير له تجارب مهمة فى الأغنية العاطفية والوطنية والدينية، وكذلك مؤلف موسيقى لأهم المسرحيات الاستعراضية، كما أنه صاحب تاريخ فى تلحين وتأليف موسيقى فوازير رمضان، قدم الفوازير طوال ٢٢ سنة متفرقة، بدأت مع الثلاثى فيروز، عام 1960، وكانت أبيض وأسود وكان هناك ثلاثة مخرجين عائدين من أمريكا هم إبراهيم الشقنقيرى، وبلال بساده، وروبير صايغ، وقرر الدخول إلى هذه التجربة فاختاروا «بكر» ثم واصل مع ثلاثى أضواء المسرح وبعدها نيللى وسمير غانم وشريهان، مع المخرج فهمى عبدالحميد رحمة الله عليه.
وعرفته كصحفى اتفقت معه فى أغلب آرائه، لذلك كان دائم الحديث معى، فى الشأن الغنائى، كما اقتربت منه قرابة العشر سنوات عندما انضممت إلى اللجنة التحضيرية لمهرجان الموسيقى العربية، وكان رحمة الله أقدم أعضائها، وفى بداية انضمامى كان حريصًا أن أجلس بجواره، وكان دائمًا يفتح أمامى الباب والطريق لكى أعرض وجهة نظرى، رغم أننى وقتها كنت أصغر أعضاء اللجنة سنًا، وكان أعضاؤها قامات كبيرة ليس فى مصر فقط بل فى العالم العربى كله، من الشعراء أتذكر جمال بخيت ومن كبار الموسيقيين الموسيقار الكبير محمد سلطان والموسيقار الكبير محمد على سليمان والمايسترو الكبير دكتور رضا رجب، والفنان الكبير الدكتور حسن شرارة والفنان الكبير نصير شمة والفنان الكبير ممدوح الجبالى، والاعلامى الكبير وجدى الحكيم والدكتور جمال سلامة، والمطربة عفاف راضى والمطربة نادية مصطفى، والموسيقار أمجد العطافى والمطرب محسن فاروق، ثم محمد ضياء ومحمد مصطفى، إلى جانب الفنانة جيهان مرسى مدير المهرجان، بصراحة أسماء كثيرة وكبيرة تناوبوا على هذه اللجنة، أعود إلى المقعد المجاور للموسيقار حلمى بكر، فهو حريص أن أكون بجواره لأنه كان يميل إلى آرائى ربما لأننا كنا دائمًا متفقين ضد كل ما هو هابط، وكثير ما اتحدنا لدعم الفن الهادف والجاد.
نعم لم نكن من جيل واحد، وفارق السن بيننا كبير، لكن الأفكار أزالت فارق السن.
وكان رحمه الله دائمًا لديه القدرة على صياغة الأفكار والطرح، حلمى بكر كان ضد الأغنية الهابطة لكنه كان مع التطور، الذى لا يخل بهويتنا، نعم كان سابقًا لعصره.
أيضاً كان لى شرف إقناع الموسيقار الكبير مع الفنانة جيهان مرسى مخرجة بالوقوف على خشبة مسرح الأوبرا فى الجزء الثانى من أوبريت «المغنى حياة الروح» الذى قمت بكتابة «الفكرة والسيناريو والحوار» له.
حيث ظهر حلمى بكر بشخصيته الحقيقية حيث تقاسم البطولة مع المطرب الكبير محمد الحلو، بالمناسبة، شارك «بكر» بعد اعتذار على الحجار بطل الجزء الأول مع «الحلو»، وصدفة أيضاً أن الجزء الأول من الأوبريت كان أول عمل فنى يجمع على الحجار ومحمد الحلو المهم وافق «بكر»، ووجدت خلال البروفات إنسانًا آخر، أول من يحضر للبروفة، قام بتفريغ الحوار الخاص به فى ورق منفصل، لم يبد ملاحظة واحدة على ما كتب، لأنه إنسان شديد الثقة بنفسه.
خلال البروفات كانت تجمعنا جلسات كثيرة سواء فى منزله أثناء التحضير أو خلال البروفات باوبرا القاهرة والإسكندر، وكان يمتعنا بذكرياته مع الشعراء الذين تناولهم الأوبريت.
حلمى بكر كان طفلًا يختفى خلف شخصية غير شخصيته الحقيقية، ربما اخترع تلك الشخصية الحادة بعد أن عم الانهيار عالم الفن، فأراد أن يكون المارد الذى يخشاه تلك الفئة الضالة التى ادعت أنها تغنى وتلحن... نعم حلمى بكر كان طفلًا تبكيه كلمة وترضيه ابتسامة وتغضبه الإساءة للفن، سواء بأغنية هابطة أو رأى متخلف يدعم الإسفاف.
أيضاً كان حلمى بكر مقدمًا بارعًا لعدد من البرامج الإذاعية أبرزها جديد وقديم الذى فضح فيه سرقات الأجيال الجديدة من الأغانى والألحان القديمة، كان يقدم العمل الجديد ثم يقدم اللحن القديم المسروق منه، إلى جانب برامج أخرى كثيرة، لأنه كان يتمتع بثراء الفكرة، وغزارة المعلومات، كان بنكًا من الأفكار جمعها من تراكم السنين وتراكم العلاقات، خاصة أنه كان بمثابة جسر بين جيل الكبار وعدد من الأجيال التى جاءت بعدهم مثل جيل الوسط، الذى ضم هانى شاكر وعماد عبدالحليم، وعفاف راضى وعلى الحجار ومحمد الحلو ومحمد منير ومحمد ثروت وعمر فتحى ونادية مصطفى، ولحقت بهم أنغام، ثم جيل عمرو دياب ومصطفى قمر وعلى حميدة وحميد الشاعرى، عامر منيب، ثم جيل تامر حسنى وحماقى وشيرين عبدالوهاب ورامى صبرى وتامر عاشور. كل تلك الأجيال عاصرها «بكر» لذلك كان شديد الثراء الفكرى.
وجوده بين هذه الأجيال فتح نافذة كبيرة أمامه لكى يكون آراء صادقة، وبالمناسبة حلمى بكر كما انتقد البعض دعم الكثيرين أيضاً، ونقده لم يطل أصحاب النغمة النشاذ فقط، لكنه أيضاً انتقد الأصوات الجادة، إما بسبب استسلام أصحابها أو بسبب عدم الدقة فى اختيار ما يتم تقديمه.
ولأنه كان متعدد المواهب كانت لديه القدرة على رسم شخصية وكاركتر كل صوت، وهو ما أسهم فى تقديم عدد كبير من نجوم الغناء، ونستطيع أن نقول إنه صانع للنجوم، قدم للساحة أسماء كثيرة كبيرة، غادة رجب وصابر الرباعى ودعم كثيرًا منهم ريهام عبدالحكيم وآمال ماهر ومى فاروق كأصوات واعدة.
البعض اتهم حلمى بكر بأن إنتاجه الفنى ضعيف من حيث الكم، لكن الأرقام تقول إنه قدم ١٨٠٠ لحن، هذا بخلاف عدد كبير من الأعمال التى تركها ولم تر النور، وهى موجودة فى مكتبته الشخصية بمنزله، عشرات الألحان منفذة على الكمبيوتر كان لى شرف الاستماع إلى بعضها فى جلسات كانت تجمعنا سويًا فى منزله بالمهندسين، وكان لى شرف ترشيح المطرب الكبير على الحجار لأداء إحدى هذه الأغانى التى طرحها المطرب الكبير منذ عام أو أكثر وتحمل عنوان فجأة، ومن يستمع إلى هذا اللحن سوف يكتشف بُعدًا آخر فى أعماله الموسيقية، وأتمنى من أسرته حصر تلك الأعمال الموجودة فى مكتبته والعمل على خروجها للنور لأنها فعلًا مواكبة للعصر.
وهى بالتأكيد سوف تثرى مشوار أى مطرب.
حلمى بكر هو ملحن الملحنين كما اطلق عليه موسيقار الأجيال وهو ما كان يتضح فى تراكيب الجملة اللحنية عنده.
ولا ننسى دوره كعضو لجنة استماع ثم رئيس لها وكم أسهم فى منع المدعين من الوصول إلى ميكرفون الإذاعة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الفن المصرى حلمى بكر مسرح الأوبرا على الحجار حلمى بکر دائم ا
إقرأ أيضاً:
بوتين: ترامب رجل شجاع وكان لدي انطباع أنه تعرض لتنمر خلال ولايته الأولى
أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن دونالد ترامب رجل شجاع وكان لدي انطباع أنه تعرض لتنمر خلال ولايته الأولى.
وهنأ الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، نظيره الأمريكي دونالد ترامب، بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفق نبأ عاجل لقناة «القاهرة الإخبارية».
وقال بوتين، إنه تأثر بسلوك ترامب أثناء محاولة اغتياله حيث أظهر شجاعة كبيرة، وتابع: «لا أعتقد أن من الخطأ إجراء مكالمة هاتفية مع ترامب».
وأضاف الرئيس الروسي: «لا أعتقد أن من الخطأ إجراء مكالمة هاتفية مع ترامب»، لافتا إلى أن رغبة ترامب في استعادة العلاقات مع روسيا وتسهيل إنهاء الأزمة الأوكرانية تستحق الاهتمام.
اقرأ أيضاًبوتين يهنئ ترامب على فوزه.. ويرحّب باستعادة العلاقات وإنهاء أزمة أوكرانيا
مصطفى بكري: إدارة ترامب لن تكون داعمة لحل الدولتين.. وإيران ستعاني خلال الفترة المقبلة
مخاوف أوروبية بعد فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية.. ما الذي ينتظر القارة العجوز؟