عربي21:
2024-12-27@02:46:18 GMT

درس غزة لم يصل نخبة تونس بعد

تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT

عندما نكتب عن درس غزة السياسي والتاريخي فنحن نكتب عن لحظة تغيير عميقة في المنطقة والعالم، ونعتبر أن ما حدث ويحدث بعد هو أكبر من مؤشر على تحول محتمل، بل بداية تحول حقيقي ومسار حتمي لإعادة توزيع القوة ورسم السياسات في المنطقة، وصولا إلى شرق أوسط ومنطقة عربية بلا إسرائيل.

اليائسون والمحبطون وقصيرو النظر يرهبون هذا الاحتمال، لذلك نتابع فعلهم السياسي ونجد أنهم يرفضون الاحتمال ولا يبنون عليه خشية من قوته التغييرية على هشاشتهم التي تربوا عليها وحكمت على خيالهم السياسي بالقصور والعجز.

ننظر إلى اللحظة التونسية من منظور ما بعد حرب الطوفان، ونحاول فهم حركة النخبة التونسية والتي نعتبرها عيّنة للنخب العربية في أقطارها.

مبادرات ميتة

من ذلك ما نطالعه هذه الأيام في تونس من مبادرات سياسية لحلحلة الوضع الراكد تحت حكم الانقلاب، حيث انعدمت السياسة وساد جهل عقيم. لقد صدرت مبادرات عن جهات حقوقية وسياسية مختلفة؛ يجمع بينها رغم تنوع الشخصيات القائدة أنها تعارض الانقلاب مع موقع محلي بوسائل محلية ضمن اشتراطات يعرف الجميع أنها مفروضة من جهات خارجية، جوهر هذا التغيير العالمي أن العدو الصهيوني الذي هيمن على المنطقة وخطط مصيرها عبر فرض أنظمة متعاونة معه تحميه من شعوبها وتحتمي به من شعوبها، هذا العدو انهزم في معركة غزة وهو قابل بعدها للهزيمة الكبرى مع شعوب المنطقة، وبالتالي فإن الأنظمة التي تحميه وتحتمي به صارت قابلة للاندحار أمام شعوبها التائقة للحرية والتحرير والديمقراطية والتنمية وبناء السيادة على أرضها وتاريخهاوبعض هذه المبادرات نستشف منها تنسيقا مع جهة خارجية تعودت أن تملي على تونس ما ينبغي أن تفعله. (الشارع التونسي يتكلم عن رئيس تونس القادم، ويراه يتحرك في شوارع باريس محروسا بعناية).

ونعتبر أن هذه المبادرات ميتة أو هي في أفضل الحالات معوقة، لأنها لم تخرج من إطارها المحلي/القُطْري ولم تأخذ بعين الاعتبار أن هناك معركة جبارة وقعت وهزت العالم، وأن آثارها فعلية وليست في باب الأمنيات. أي أنها في الجوهر لم تنتبه إلى تغيير عميق حصل ويمكن البناء عليه في تعديل السياسات القُطرية، لجهة بناء الديمقراطية وترسيخ الحريات ولجهة إعادة بناء العلاقات السياسية والاقتصادية مع الغرب المهيمن.

جوهر هذا التغيير العالمي أن العدو الصهيوني الذي هيمن على المنطقة وخطط مصيرها عبر فرض أنظمة متعاونة معه تحميه من شعوبها وتحتمي به من شعوبها، هذا العدو انهزم في معركة غزة وهو قابل بعدها للهزيمة الكبرى مع شعوب المنطقة، وبالتالي فإن الأنظمة التي تحميه وتحتمي به صارت قابلة للاندحار أمام شعوبها التائقة للحرية والتحرير والديمقراطية والتنمية وبناء السيادة على أرضها وتاريخها، ومن ثم صناعة مستقبلها بقوة إرادتها لا بفضل الأعطيات الاستعمارية.

إن المبادرات الميتة تفسر لنا أمرين؛ أولهما الهروب من مساندة غزة بالدم والمال رغم طول مدة المعركة، والثاني الهروب من نتائج المعركة والتظاهر بأنها لم تؤثر ولم تغير، ويلتقي الأمران على أنهما خوف من تغيير حاسم يجبر النخب على إعادة بناء نفسها وأطروحاتها وحركتها في طلب السلطة ثم في الحكم من نقطة انطلاق جديدة اسمها نصر غزة.

في تونس كما في بلدان عربية كثيرة كانت السياسات ترتب مع السفارات الغربية ويتم التوصل لاتفاقات تراعي شكل الدولة وبعض البروتوكول (الذي يوهم بوجود سيادة فعلية)، لكن جوهر السياسات كان خدمة مصالح البلدان الغربية وتقديم التسهيلات الاستثمارية لها بما حوّل كل البلدان إلى هوامش اقتصادية لبلدان غربية، مقابل فرض الرئيس واختيار حاشيته ودعمه ضد كل معارضة خاصة الإسلامية منها. وكان التبرير السياسي دوما أنه لا يمكن العيش دون قوة خارجية حامية للبلد، حتى أن المعارضات السياسية كانت باستمرار تبحث عن سند خارجي ضد حكامها. وفي الحالة التونسية كانت المعارضة تعتمد الدعم الفرنسي ضد النظام الذي صنعته فرنسا ونصبته.

قوى الحماية كما تحب أن تراها الأنظمة والنخب أو قوى الهيمنة في الواقع؛ انكسرت جميعها في غزة، فقد شاركت في حرب الإبادة ولم تتراجع بعد ولكنها تغرق في هزيمتها أمام مقاومة لم يتوقع أحد حكمتها وقوتها وصبرها على إطالة المعركة واستنزاف العالم في مربع ضيق حسم اتجاه التاريخ.

التعلل بصعوبة التغيير الشامل في الموقف والاستراتيجيات الكبرى والتكتيكات اليومية أو تخيل كلفة بشرية وضحايا يسقط كل مشروعية المشاركة في الشأن العام. فما معنى أن تشارك في فعل سياسي لا يتجاوز إعادة إنتاج السائد بكل عاهاته؟ ما هي إضافاتك للسياسة وللبلد الذي تشارك في إدارته إذا كنت مجرد نسخة تعيد إنتاج الفقر والجوع والمرض
من هنا نرى أن المعارض الساعي إلى الديمقراطية إذا لم ينطق من هذه المعطيات الجديدة ويعدل مطلبه من الحرية المحدود في قُطره إلى حرية منطقة وشعب عربي، بل شعوب مفقرة كثيرة بعضها في جنوب أفريقيا، فهو تقليدي وقصير النظر وفاقد للخيال، وفي أفضل الحالات جبان أو مشبوه ينسق مع العدو لاستباق موجات تسوماني غزة.

ما أسهل الحديث من وراء حاسوب

نتوقع أن تكون هذه الجملة هي أول تفاعل مع ما سبق قوله، ونراها جملة كسولة وتبريرية، فالتعلل بصعوبة التغيير الشامل في الموقف والاستراتيجيات الكبرى والتكتيكات اليومية أو تخيل كلفة بشرية وضحايا يسقط كل مشروعية المشاركة في الشأن العام. فما معنى أن تشارك في فعل سياسي لا يتجاوز إعادة إنتاج السائد بكل عاهاته؟ ما هي إضافاتك للسياسة وللبلد الذي تشارك في إدارته إذا كنت مجرد نسخة تعيد إنتاج الفقر والجوع والمرض؟ ما معنى أن تنطلق من مسلّمة أنه لا يمكن بناء سياسات محلية دون حامي غربي مهمين وتحولها إلى قانون تاريخي؟

درس غزة يقول للعرب ولنخبهم وخاصة نخبهم المعارضة: إذا كنت جادا في طلب الحرية فادفع ثمنها من دمك. هذا الحقيقة البسيطة هي ما قالته الشعوب في الربيع العربي عندما اندفعت إلى الشوارع لا تبحث عن مكسب ولم تخش غياب السند الخارجي، لقد كانت كل المنطقة على أبواب التحرر النهائي من الهيمنة، لكن منطق الحسابات الخائفة من التغيير الذي يحكم عقل النخب وخيالها هو من كسر شوكة موجة الحرية. وهذا العقل القاصر والجبان هو من يهرب من رؤية غزة في معركتها ويتجاهل انتصارها لكي لا يبني عليه موقفا من الهيمنة الغربية والأنظمة التي نصبتها على رقاب الناس.

في قراءتنا للمبادرات التونسية المعارضة والتي من مطالبها الحرية نجد نفس الخط الخانع الذي يبحث عن قوة خارجية تسنده أكثر مما يبحث عن فرض فكرة الحرية بقوة السند الشعبي على طريقة غزة، أي أن يستعد لدفع الثمن بما يخول له قدرة لإعادة البناء على أسس جديدة وراسخة؛ ليس منها الحاجة إلى الاحتماء بقوة غربية هزمت في غزة وفقدت سمعتها الأخلاقية ومصداقيتها وكل شرعيتها.

هناك حالة خوف سقطت من نفوس كثيرة بفضل جرأة غزة وشجاعة مقاومتها، لكننا نراها لا تزال تسكن نفوس المعارضة في تونس وتصور لهم الغول الفرنسي أقوى من أن يُهزم، لذلك تواصل التنسيق معه للوصول إلى حكم تابع وذليل
لا معنى بعد حرب غزة لمعارضة انقلاب في تونس أو في مصر أو في غيرهما، على قاعدة المشاركة في الموجود بشروطه، بل الأفق الوحيد الممكن والضروري هو نسف قاعدة المعارضة على النسبي وفرض بديل بقوة الشارع. وهذا الأمر لا يعني حمل السلاح على طريقة حماس فالأمر يُحل بأقل من السلاح، فضلا على أننا لا نضع الأنظمة في محل الكيان الصهيوني. كل من لم يعارض من هذا المنطلق لن يصل إلى تحقيق تغيير حقيقي وفعال ولو غيّر شكل الأشخاص الظاهرين في الموقع القيادي، بل سيعيد إنتاج شروط الخضوع للاحتلال المتلون ويتجاهل ما فعلت به غزة، فغزة هزمت العالم.

هناك حالة خوف سقطت من نفوس كثيرة بفضل جرأة غزة وشجاعة مقاومتها، لكننا نراها لا تزال تسكن نفوس المعارضة في تونس وتصور لهم الغول الفرنسي أقوى من أن يُهزم، لذلك تواصل التنسيق معه للوصول إلى حكم تابع وذليل.

هل هذه ثورجية من وراء حاسوب؟ حتى الآن نعم، وهي خاصة فكرة فرد أعزل لن يُكتب لها الخروج إلى الضوء إلا إذا تحولت إلى قاعدة تفكير وعمل جماعي يستنير بنصر غزة؛ الذي كان يصنف في المستحيلات فصار واقعا وصل صداه إلى داخل العسكر الأمريكي.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة التونسية تونس غزة المقاومة التغيير طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تشارک فی فی تونس

إقرأ أيضاً:

تونس.. تكثيف جهود التكيف مع تغير المناخ

شعبان بلال (تونس، القاهرة) 

أخبار ذات صلة تركيا: 25 ألف سوري عادوا إلى بلدهم شرطة أبوظبي تدعو السائقين للحذر

دفعت تداعيات تغير المناخ من جفاف وشح مياه، الكثير من التونسيين إلى الهجرة الداخلية في بعض المناطق المتأثرة، بحثاً عن مصادر أخرى للعيش، لذلك شدد خبراء على ضرورة الاهتمام بالسياسات المستدامة لإدارة المياه والحفاظ عليها، وتكثيف جهود التكيف مع تغير المناخ. 
وقال الخبير التونسي والأستاذ في علم المناخ، زهير الحلاوي، إن تأثيرات تغير المناخ من أبرز التحديات التي تواجهها تونس، في ظل تزايد ظواهر شح المياه والجفاف، والتي تؤثر بشكل مباشر على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وخصوصاً على أزمة الهجرة الداخلية. 
وأوضح الحلاوي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أنه في السنوات الأخيرة، شهدت المناطق الريفية في تونس تراجعاً حاداً في الموارد المائية بسبب نقص الأمطار وتدهور تدفق المياه الجوفية وتراجع جودتها، مما أثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي. 
وذكر أن القطاع الفلاحي يُعد أحد المصادر الأساسية للرزق في هذه المناطق، حيث يعتمد العديد من السكان على الزراعة والرعي كمصدر دخل رئيس، ومع تفاقم شح المياه، تصبح القدرة على الإنتاج الزراعي ضعيفة وعسيرة، مما يدفع الأفراد والأسر إلى مغادرة أراضيها والهجرة بحثاً عن حياة أفضل.
وتابع الحلاوي، أن النزوح الداخلي يخلق أزمات متعددة في المدن المستقبلة، حيث تُضاف أعداد كبيرة من السكان إلى مناطق مكتظة بالفعل، مما يزيد الضغط على البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والإسكان، من ناحية أخرى، تزداد معدلات البطالة بين الوافدين الجدد بسبب ضعف فرص العمل في المدن، ما يزيد من معدلات الفقر والتهميش في هذه المناطق الحضرية، كما يؤدي ذلك إلى ظهور مناطق عشوائية وتجمعات غير منظمة.
وأشار الخبير التونسي، إلى أن الموارد البشرية تُستنزف نتيجة لهجرة السكان، مما يفاقم من التدهور الاقتصادي في هذه المناطق، كما تُصبح مناطق الريف أكثر ضعفاً من حيث التنمية، وبالتالي تتعمق الفجوة التنموية بين الأقاليم الساحلية المزدحمة والجاذبة والمناطق الداخلية الطاردة للسكان.
ومن أجل معالجة هذه المشكلة، يرى الحلاوي أن السياسات المستدامة لإدارة المياه وحمايتها من التغيرات المناخية تُعد أمراً بالغ الأهمية، ويجب تعزيز استخدام التقنيات الحديثة في الري، وتطوير مصادر المياه البديلة مثل التحلية، والزراعة المستدامة التي تضمن استمرارية الإنتاج، وتبني سياسات تنموية لتحسين البنية التحتية في المناطق الداخلية، مثل وسائل النقل، والتعليم والصحة، وتعزيز الفرص الاقتصادية لتشجيع السكان على البقاء في مناطقهم الأصلية الداخلية.
وفي السياق ذاته، ذكرت خبيرة الموارد المائية والتأقلم مع التغيرات المناخية، الدكتورة روضة القفراج، أن تونس تواجه -للسنة الخامسة على التوالي- نقصاً كبيراً في معدلات سقوط الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، ووصفت الوضع المائي بـ«الخطير»، خاصة بعد تأثير الحرارة المرتفعة على بعض النباتات وهو ما يؤدي إلى ظهور الأمراض النباتية والفلاحية.
 وقالت القفراج، في تصريح لـ«الاتحاد»، إن انحباس الأمطار وتأثيرها خاصة على الفلاحة المطرية سبب رئيس في هجرة اليد العاملة الفلاحية إلى المدن للعمل في ميادين أخرى، مما يجعل هذا القطاع يفتقد لليد العاملة، مشيرة إلى عزوف البعض على مواصلة النشاط الفلاحي لضعف مردوديته واللجوء إلى بيع الأراضي الزراعية بأبخس الأثمان.

مقالات مشابهة

  • بمعاونة نخبة من جامعة القاهرة.. النيابة تعقد دورة تدريبية في الذكاء الاصطناعي
  • «راكز» تختتم فعاليات سلسلة النمو لعام 2024
  • تونس.. حلم يكشف عن جريمة عمرها 23 عاماً
  • المعارضة تميل الى التصعيد
  • النفطي: فرص واعدة لتعميق التعاون بين تونس ومصر
  • “تعليم القاهرة" تفتتح المعرض المحلي للعلوم والهندسة
  • حكم قضائي جديد في تونس ضد زوجة بن علي وصهره السابق
  • تونس.. تكثيف جهود التكيف مع تغير المناخ
  • (هذا وقت الاصطفاف)
  • محكمة تقضي بالسجن لـ20 عاما على زوجة رئيس تونس الأسبق زين العابدين بن على